أوثان قديمة ، تجدّد نفسها.. وحديثة تقدّس أصحابَها !

الرموز الوثنية القديمة ، تملأ الساحة ، من جديد ، وتنتشر، في الأدب الحديث ، تحديداً .. تتلامح ، في كل زاوية من زواياه .. تتراقص ، في كلّ أفق ، من آفاقه .. تُطلّ ، من كلّ نافذة.. تَبرز، عند كل منعطف : هنا ، وهناك ، وهنالك ، وثمّة ..!

لا يخلو ديوان ، ولا تكاد تخلو قصيدة ، من وثن ما ، من وثن ذكر، أو من وثن أنثى .. وليت اللغة تسمح لنا ، بتأنيث الوثن الأنثى ، فندعوها : وثَنَة !

حيثما سرّح الناظر بصره ، ناهيك عن المتأمّل ، وقعت عينُه ، على وثن ما ، من أوثان أمّة ما! فهنا يزمجر جوبيتر، وهناك يتأوّه كيوبيد، وهنالك تتبختر إزيس، وثمّة تبتسم عشتار، ومن هذه النافذة تطلّ أفروديت ، وفي تلك الحانة يقهقه زيوس ! وغير هذا وهذي ، وذاك وتلك ، ومِن ورائها وأمامها ، وعن أيمانها وشمائلها : أوثان شتّى ، أوثان مركومة ، أوثان منضودة، أو ثان منثورة ، أوثان منظومة ، أوثان.. أوثان .. أوثان !

ياللعجب ! ماهذه المخلوقات ، كلّها !؟ إنها آلهة .. أجل ، آلهة : آلهة يونانية ورومانية ، آلهة فرعونية وبابلية ، آلهة آشورية وفينيقية ..آلهة لكلّ أمّة : بائدة أوبائرة ، ولكلّ أمّة :غابرة أوحاضرة !

فأين تعيش هذه الآلهة ، الأوثان ؟ وبمَ تتغذّى ؟ وكيف تمارس ألوهيتها ؟

إنها تعيش ، في دواوين الشعر الحديث : في قصائده .. في أبياته .. في تفعيلاته .. في دواوين : محمد ، وعليّ ، ومحمود ، ومصطفى ، وعمر..! أسماء إسلامية ، أليس كذلك؟

وتتغذّى : بأفكار، ومشاعر، وانفعالات ، وخواطر، وإحساسات ، وعواطف .. تفترسها ، أو تقتنصها ، أو تلتهمها ، أوتزدردها ، أو تختطفها .. من رأس محمد ، أوقلب عليّ ، أو وجدان محمود ، أو نفْس مصطفى ، أو ضمير عمر .. لتبرز، بعدئذ ، أيْ: الآلهة الأوثان ، متبرّجة زاهية ، في أثواب بديعة ، من الصور والأخيلة ، والتراكيب والأوزان !

ولتتلقّفها ، عندئذ ، عقول الرجال والنساء ، والفتيان والفتيات .. من أبناء هذه الأمّة ، التي ماتزال تشهد : أن الإله واحد ، وأن كلّ إله سواه ، هو: زيفٌ ، وسخفٌ ، وضلال !

هذه آلهة الأمس ، التي برزت ، اليوم ، في حياة أمّتنا !

فما بال آلهة اليوم ، أوثان اليوم ، أصنام اليوم .. التي باتت تملأ الشوارع ، على هيئات: صوَر مجسّدة، وتماثيل منحوتة، منصوبة: في كلّ شارع وحيّ ، وفي كلّ زاوية ومنعطف..لا في دواوين شعرية ، بل : في مدن وقرى ، وأحياء وأسواق .. يراها الناس ، كلّ الناس ؛ يتصبّحون بها ، في الصباح .. ويتمسّون بها ، في المساء !

إنها تماثيل حافظ أسد الهالك ، وابنَيه : الفارس المقبور، وطبيب العيون المتصدّر المثبور!

إنها التماثيل الأوثان ، التي سحقها شعب سورية ، بثورته الميمونة ! عادت ، اليوم ، أو أعيدت ؛ لتذكّر الناس ، بأنّها : هيَ هيَ .. وبأنها جاثمة، على صدورهم ، مادامت طيّارات بوتين ، جاثمة في حميميم.. ومادامت عمائم الملالي ، الفرس، قابعة : في حيّ السيّدة زينب، وسائر الأحياء السورية ، التي هُجّر أهلُها ، ليحلّ محلّهم ، أصحاب الأوثان ، وصُنّاعُها ، وعبيدُها .. حتى يأتي الله ، بأمر ، من عنده ، لأهل التوحيد !

ويسألونكَ متى هوَ قلْ عسى أنْ يكونَ قريباً .

وسوم: العدد 798