في سورية وحدها يسمحون بتمرير الجريمة ثم ينددون بالمجرم ..!!!

في "قانون الأمن العام" السائد في العالم توصلت الحضارة الإنسانية إلى نظرية ما يسمى "الأمن الوقائي" . وتقوم هذه النظرية على الاهتمام بمنع الجريمة أكثر من التركيز على عقوبة المجرم .

قانون العقوبات في الشريعة الإسلامية يرفع الفقهاء عنوان "العقوبات روادع قبل الجريمة زواجر بعدها " أي أن الهدف من إشهار العقوبة الردع المسبق لمن تراوده نفسها على الجريمة، ثم الهدف من إيقاع العقوبة زجر كل من يفكر في ارتكاب جريمة ليرعوي ويزدجر ..

إلا أن سياسات " العالم المتحضر " وخلال عقد من الثورة ، نهجت في سورية الحبيبة غير هذا النهج، وتتابعت دول هذا العالم على سياسة إرخاء الطِّول للمجرم القاتل السفاح ليرتكب المزيد والمزيد من الجرائم الفظيعة والأشد فظاعة، والأكثر توحشا؛ تحت طائلة الوعيد - الكاذب - بالعقاب ..أو بالمحكمة الجنائية الدولية ..

بعد مليون شهيد، ومئات الآلاف من المعتقلين والمفقودين، وبعد تهجير أكثر من نصف الشعب السوري ، بذرعية " عدم التجانس" ما يزال بعض أصحاب السماجة يتحدثون عن " عدم الإفلات من العقاب"

إن ما صدر عن الخارجية الفرنسية بالتنديد بالانتخابات الأسدية، وأنها لا طائل منها ، ولا تعويل عليها ، ولا أثر قانونيا لها ؛ يندرج تحت هذا النوع من السماجة، السلوك المراوغ الكذوب، ولاسيما بعد أن سمحت الحكومة الفرنسية لوكر السفارة الأسدية بتمرير المسرحية البائسة على الأرض الفرنسية. كما سمحت لرفعت الأسد الذي يظل يتغيب عن المحاكمات الاقتصادية المرفوعة عليه بتعلة المرض، بأن يشارك في هذه المسرحية، بالأسلوب الدعائي الرخيص نفسه، حتى يعلق ولده فراس على هذه المشاركة ، فينشر صورة أبيه ويكتب تحتها: "دكتاتور ينتخب دكتاتور " حتى لتقول ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) كلمات يستشهد بها في الطيبين الأخيار كما في سياقها القرآني ، ويستشهد في السفلة الأشرار كما في السياق الذي نحن فيه ..

لا يهمنا كثيرا أن نستنكر الخداع الفرنسي،، ولا المراوغة الفرنسية، ونحن نعلم أن في كل مأساتنا السورية " في البدء كانت فرنسة " في البدء كان سايكس- بيكو ، وكان إنذار غورو ، وكان الاستعمار، وكانت ركلة الجنرال الفرنسي لضريح القائد البطل المسلم الإنسان صلاح الدين الأيوبي، وكانت الدويلات الطائفية ،وكان جيش الشرق، وكان قصف دمشق ومجلس النواب السوري الحر ، وكان حزب البعث، " حزب الطوائف" كما سماه أمينه العام الثاني - منيف الرزاز- وكان جاك شيراك الذي استقبل بشار في قصر الإليزية ، مذ كان غلاما ، وخلاف التقاليد الفرنسية التقليدية، وكان ساركوزي الذي تعهد بإعادة تأهيل الأسد بعد قتله رفيق الحريري ، ودعاه تحت عنوان المتوسطية إلى الإليزية من جديد ، ثم كان كل هذا النقيق الفرنسي في دولة زعموا أنها شهدت أول ثورة إنسانية ضد التعصب والجهل والانغلاق ...!!

لا يهمنا كثيرا منذ اليوم أن نستنكر الرواغ الفرنسي ولا الدولي بصوره المتغيرة المعبرة عن جوهر الموقف الدولي والإقليمي ، الناقم والناكر على السوريين حقهم في الحياة الحرة الكريمة كشعوب الأرض أجمعين..

الذي يهمنا في هذا الموقف، ومن هذا الدرس أن نعي أن الطريق الذي يسترسل فيه المسترسلون ...لن يقودنا إلا إلى مثل تيه بني إسرائيل وهذه عشرةٌ أولى قد مرت !!!

ثلاثة أيام تفصلنا عن الانتخابات الجريمة.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 930