العلامة الأزهري بن لخضر ثابت – مربيّ، ومُلهم، وذاكرة حيّة

 الحياة والمولد

العلامة الشيخ الأزهري بن لخضر ثابت هو عالم جزائري بارز من منطقة المغير في وادي ريغ بولاية الوادي. وُلد سنة 1923 في بيئة دينية محافظة، وحفظ القرآن الكريم وهو ابن اثنتي عشرة سنة. تتلمذ على يد والده وبعض مشايخ منطقته، ثم شدّ الرحال إلى قسنطينة أين التقى بالشيخ عبد الحميد بن باديس. واصل مسيرته العلمية متنقلًا بين الجزائر العاصمة، وتبسة، ثم إلى تونس حيث نال شهادة الأهلية من جامع الزيتونة سنة 1948.

 المهنة والمسار التعليمي

اشتغل معلماً ومديراً منذ عام 1950 في "المدرسة الحرة" التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقل سكيكدة، ثم أسس بعد عودته إلى المغير سنة 1953 مدرسة "النجاح"، وأشرف على تربية أجيال من التلاميذ، كان من بينهم من صاروا من رجالات العلم والفكر في الجزائر. من أبرزهم الدكتور عبد الرزاق قسوم والأستاذ إبراهيم بوحنيك.

 الجهاد والنضال

لم يكن للشيخ منبر واحد، بل جمع بين منبر العلم ومنبر الجهاد. انخرط في الثورة التحريرية منذ منتصف الخمسينات، وكان منسقاً سياسياً في اللجنة المحلية للدعم الثوري، ثم التحق بجيش التحرير الوطني سنة 1957، حيث تولّى مهامًا توعوية وقضائية. أصيب في إحدى المعارك ونُقل إلى يوغسلافيا لتلقي العلاج كمعاق حرب سنة 1960.

 الإرث الديني والدعوي

بعد الاستقلال، واصل الشيخ دوره مصلحًا ومرشدًا ومربّيًا. لم يتوقف عن التوجيه والوعظ، فكان من بين الأصوات المضيئة التي ملأت مساجد المغير وبسكرة، يُعلي كلمة الاعتدال، وينشر روح التربية. وحتى بعد تقاعده سنة 1978، ظل منارةً يقصدها الناس لسماع الكلمة الطيبة، والموعظة الصادقة، والتوجيه السديد.

 من تراثه العلمي

ترك الشيخ مكتبةً بخطّ يده، من مذكرات ورسائل وكتب في التفسير والفقه والسيرة والأدب. من أبرزها:

  • ترتيب نزول الوحي
  • أسرار التكرار في القرآن
  • صفوة التفاسير
  • خواطر عن رحلاته، وقصائد أدبية مؤثرة

 صورته وذكراه

ظهرت صورته في صحف مثل "النهار أونلاين" و"صحافة بلادي" عند إعلان وفاته، ونُعِت بالعالم الزاهد، والعلامة المجاهد. كرّمه تلاميذه ومحبيه في حياته وبعد رحيله، واستمر ذكره حيًّا في الذاكرة الشعبية والتعليمية جنوب الوطن.

ذكرياتي مع الشيخ وعمّي

كان عمي الشريف بن مبروك بن عبد الله بن محمد (زغيدي) رحمه الله، هو من زرع فيّ أول بذور الالتزام والمعرفة. في مجلسه، فتحت عيني على حب المطالعة، وشربتُ من معين صحف جمعية العلماء المسلمين، وصحافة المشرق.

كان صديقه الدائم، ورفيقه المخلص، هو الشيخ الأزهري بن لخضر ثابت رحمه الله. ما كان يفارقه، وما كان يتركه في سفر ولا مقام. ظل وفيًّا له حتى بعد وفاته. ما تزال صورة الشيخ في ذهني وهو يبكي عمي بحرقة، وفاءً لصاحب الدرب ورفيق المسيرة.

محطات من حياتي مع شيخي

في عام 1984، كنتُ شابًا متحمسًا في أوج عطائي، طالبًا في المعهد التكنولوجي للتربية ببسكرة، وواحدًا من أبناء الصحوة الإسلامية. كان المسجد مركزًا للتربية، وكنت أتنقل بين مساجد المدينة أستنشق عبير الدعوة.

هناك في حي الضلعة ببسكرة، كان لقائي الأول بالشيخ الأزهري، في مسجد صغير جمعني به، لكنه فتح لي بابًا واسعًا من النور. احتواني كأب، وجذبني كمعلم، ووجّهني كمُصلح.

استمر تواصلي به، حتى حين رجعت إلى بلدتي وبدأتُ عملي أستاذًا، كنت أدعوه إلى مدارسنا كل عيد علم، وكان حضوره يُحدث فرقًا… كلماتُه تُلهب القلوب، وتحيي العزائم. ولما أصبحتُ مديرًا، كانت أول لفتة لي هي تكريمه… ولا أنسى دموعه… دموع المربي حين يرى بعضًا من ثمار غرسه.

صفاته في توجيه الشباب

كان الشيخ يزرع فينا الثقة، ينفث فينا روح العزيمة، يردّد بثقة:

"لا تخف، من كان مع الله فلا يُخذل"

كان يستشهد بالآية:

"قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"

وكان يحمّلنا مسؤولية الأمل، يُذكّرنا أن الأمة تنتظرنا، وأن الأبطال هم الذين لا يترددون أمام الصعاب.

من لطائفه

سأله مرة أحدهم:

"هل أنت من العلماء؟"

فقال بتواضع:

"أنا من طلبة العلم، أما العلماء فقد ماتوا. ولو كان فينا علماء على الحقيقة، لعلمت الأمة طريقها. نحن نجتهد أن نكون على الأثر، فادع الله أن يُلحقنا بالصادقين."

ابتسم، ثم سكت… فكان لصمته بلاغة، ولحكمته ضوء لا يُطفأ.

 الرحيل

رحل الشيخ يوم الخميس 28 يناير 2021، عن عمر ناهز 98 سنة، بعد عمرٍ طويلٍ في البذل والتربية والجهاد.

لكنه لم يرحل من الذاكرة. بقي صوتُه في مساجدنا، وصورتُه في مدارسنا، وأثرُه في صدور من تلقوا عنه.

 المراجع :

أولاً: ذكرياتي الشخصية مع الشيخ الأزهري بن لخضر ثابت

Ø     مجالستي الطويلة للشيخ في بسكرة والمغير منذ 1984.

Ø     حضوري المستمر في لقاءاته بمساجد الأحياء والمناسبات المدرسية.

Ø     شهادة شخصية عن علاقته الوثيقة بعمي الشريف بن مبروك زغيدي رحمه الله.

Ø     مبادرات تكريمي له خلال إشرافي التربوي والإداري بالمدرسة.

ثانيًا: المراجع الموثقة والمعتمدة

  1. مقالات منشورة عن الشيخ
  1. "صحافة بلادي" – أرشيف نعي الشيخ وثناء الإعلام المحلي عليه.
  1. "النهار أونلاين" – مقالات تأبينية وسيرة موجزة.

وسوم: العدد 1127