أثر الذنوب الإيجابي

محمد نجيب بنان

[email protected]

قد يستغرب البعض عندما يسمع هذا العنوان , ويظن أن فيه خطأً , لكنني أؤكد لحضراتكم أنه صحيح وليس فيه خطأ وسترون ذلك إن شاء الله .

أيها الأحبة ...

إن للذنوب آثاراً سلبية سواء أكانت تلك الآثار السلبية تؤثر على الفرد المذنب فقط , أو على المجتمع ككل , فبعض الذنوب لا تؤثر على المذنب فقط بل تتجاوزه إلى غيره لتعم المجتمع بكامله فعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .

كما ترى ترك فئة من الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا ذنب ومعصية , فكان أثر هذا الذنب ليس على فئة فقط بل على الجميع .

ومن ذلك ما ورد عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول : " لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب , فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " قالت وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها قالت زينب بنت جحش : فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث " رواه أحمد في مسنده .

لاحظ .. كيف أن الذنوب عندما تكثر وتنتشر فإن خطرها لا يقتصر على المخطئين فحسب بل يتعداهم إلى غيرهم حتى يصل إلى الصالحين , وليس ذلك بظلم من الله عز وجل , حاشاه من ذلك ولكنهم لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمروا به ـ وهذا بحد ذاته ذنب ـ حاسبهم الله على تقصيرهم فعاقبهم هذا العقاب .

ولا أظن إلا أن الأمر غدا واضحاً للجميع وقد أفضنا الحديث في اللقاء السابق عن آثار الذنوب والمعاصي السلبية واليوم نبقى مع أثرين أحدهما سلبي والآخر إيجابي .

الآثار السلبية هي الآثار الضارة التي تنجم عن الذنوب , والإيجابية هي الآثار المفيدة التي قد يحصل عليها المذنب .

أما الأثر السلبي فهو انتشار الأمراض وفشوها والمقصود بها الأمراض التي تكتشف حديثاً ولا يعرف الطب لها علاجاً بل إنه يقف عاجزاً أمامها مكتوف اليدين روى ابن ماجه والبزار والبيهقي ولفظه عن ابن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن , وكان فيما قال صلى الله عليه وسلم : "وما ظهرت الفاحشة في قوم قط يُعمل بها فيهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وها نحن نسمع صدى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فها هي الأمراض تنهال على البشر ولا يكادون يعثرون على دواء لداء ليظنوا أن عناءهم واستعصاء الأمراض عليهم قد انتهى .. إلا ويظهر مرض جديد يقهرهم الله به ويريهم عجائب قدرته , وما المرض الأخير الذي ذاع خبره , وانتشر أمره , وارتجف العالم منه إلا أثر من آثار المعصية ونتيجة طبيعة لظهورها وانتشارها .

ألم تظهر الفاحشة ؟ ألم تنتقل من السر إلى العلن ؟ ألم نسمع عن مظاهرات لأناس مسخت فطرتهم وشذوا وراحوا يجوبون الشوارع مطالبين بأن يباح لهم شذوذهم ومثليتهم ؟ ألم يكن هؤلاء موجودين منذ زمان ؟ بلى لكنهم كانوا مستترين , علنهم هذا وسكوت العالم عنهم سبب لهذا العالم هذه الكوارث وجرَّ عليه كل هذه الويلات واسمع إلى قول الحق " وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر " لا إله إلا الله انتبه إلى آخر الآية ترى أن كل ما يحصل وكل هذا الدمار وكل هذا الهلع والخوف ليس هو كل العذاب مقابل الأعمال السيئة لكنه مجرد تذكير " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " .

أما الأثر الإيجابي للذنوب فهو أن تكون تلك الذنوب حافزاً لك لكي تتقدم إلى الأمام وإلى أن تسارع في الخيرات يقولون اصنع من الحجارة التي تتعثر بها شيئاً جميلاً , إذا كنت تمشي في مكان وفيه حجارة تعترض طريقك فبدلاً من أن تسب الحجارة وتلعنها ما رأيك لو جمعتها فصنعت منها شيئاً جميلاً ؟

الأشواك التي تعترض طريقك لا شك بأنها مؤذية بل ومدمية لكن شكلها قد يكون جميلاً ما رأيك أن تصنع منها تاجاً مميزاً فتضعه على رأسك ؟ ما أقصده أنه حتى الأشياء السيئة في حياتنا يمكن أن نصنع منها شيئاً جميلاً حتى الفشل يمكن أن نصنع منه شيئاً جميلاً , مخترع المصباح جرب أكثر من خمسمائة طريقة حتى وصل إلى اختراعه يعني أنه فشل وأخطأ خمسمائة مرة قيل له بأنك فاشل فقد أخطأت كل هذه المرات فقال بل تعلمت خمسمائة طريقة لا توصل إلى الكهرباء , هذا هو المنطق الصحيح وهذا ما يريده الله من المسلم .

اسمع إلى هذه المقولة الطيبة من رجل من رجالات التصوف الحقيقي ـ وأنا أقول التصوف الحقيقي لأنه دائماً وفي كل زمان ومكان وعلم وفن هناك أدعياء ـ إنه ابن عطاء الله السكندري " رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً " تأملها جيداً يقول بأنه ربما تكون المعصية أفضل للعبد من الطاعة وهذا في بداية الأمر غريب لكن عندما تعرف أن هذا الذنب كان سبباً في توبة نصوح , وأن الإنسان قد يفعل طاعة فيغتر بنفسه وبطاعته فيهوي بها إلى أسفل سافلين تفهم معنى هذه المقولة .

هذا هو الأثر الإيجابي الذي أعنيه , أن تحولك تلك المعصية إلى عابد لله ولا يكون ذلك إلا إن تبت إلى الله توبة نصوحاً ولذلك العلماء رضي الله عنهم عندما يعددون شروط التوبة يقولون بأن من شروطها الندم على الذنوب الماضية , هذا الألم وهذه الحرقة التي يشعر بها التائب كلما تذكر ذنبه هي أهم شرط من شروط التوبة .

ليس غريباً أن تخطئ لكن العيب أن تقيم على هذا الخطأ " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون " " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " استمتع معي بهذه الآية الكريمة " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون " .

استمتع معي بالحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم : " يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، لأتيتك بقرابها مغفرة " .

وعلى كل فلك علي أن آتيك بدليل على صدق ما أقول من أن للذنوب أثر إيجابي .

اسمع إلى هذه الآية الكريمة " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " ذكر الله عز وجل هذه الكريمة في سورة الفرقان بعدما عدد صفات المسلم فتبدأ الآيات بقوله تعالى : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً " حتى يصل إلى " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " قال المفسرون بأن لهذه الآية الكريمة تفسيران :

الأول : إِنَّ السَّيئاتِ السَّابِقةَ تَنْقَلبُ بِنَفْسِ التَّوبَةِ الصادقة إلى حَسَناتٍ .

الثاني : أنهم بُدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : " فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ " قال : هم المؤمنون ، كانوا من قبل إيمانهم على السيئات ، فرغب الله بهم عن ذلك فحوَّلهم إلى الحسنات ، فأبدلهم مكان السيئات الحسنات .

وإليك دليلاً آخر من السنة عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وآخر أهل النار خروجاً منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول : نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له : فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه " رواه مسلم .

والمعنى واضح هذا العبد المذنب تاب توبة صادقة فبدل لله سيئاته حسنات .

ما أريد منك يا أخي أن لا تيأس من ذنوبك بل احرص على أن تكون تلك الذنوب حافزاً لك لكي تتقدم وبسرعة إلى الأمام .

فلنتب إلى الله ولنكن على ثقة ويقين أنه سيقبل توبتنا يحكى أن أهل قرية خرجوا جميعاً لصلاة الاستسقاء وخرج معهم رجل أخذ معه مظلة لتقيه المطر عندما ينزل هذا هو اليقين .

أخي لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظم من عصيت , لا تنظر إلى ذنبك بعين اليأس " إن الله يغفر الذنوب جميعاً " ولكن انظر إليها بعين العبرة والعظة واستفد منها " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون " .

" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله "

أقول هذا القول وأستغفر الله ...