حوار مع "المعري"

محمد عطا جذبة

- طابت أوقاتك بكل خير يا أبا العلاء وشيخ الحكماء وفيلسوف الشعراء ..

- أنا لاأستحق لقب أبي العلاء .. ألم تسمعوا بقولي :

( دعيت أبا العلاء وذاك مين

ولكن الصحيح أبو النزول )

- هذا تواضع منك .. وهانحن نراك بيننا بعد ألف عام وأنت ملء سمعنا وبصرنا وبصيرتنا . . . ونحن نعلم سيرة حياتك الرصينة .. ولكن ..ألم يعرف الحب طريقه إليك ؟!

- تلك أيام الصبا .. ليس منها غير الذكريات .. ومن شعري في الصبا :

( منك الصدود ومني بالصدود رضى

منذا علي بهذا في هواك قضى )

- ونحن نعلم أنك في شبابك كنت تتفاخر ؛ ولكنك تمزج هذا التفاخر بحكمتك المبكرة . ما الذي تذكره من عمر الشباب ؟

- ( ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل

     عفاف وإقدام وحزم ونائل

    وإني وإن كنت اﻷخير زمانه

    ﻵت بما لم تستطعه اﻷوائل )

- فقدت بصرك طفلا .. ولكن بصيرتك ظلت متوقدة .. وهاأنت تبرح المعرة يافعا إلى حلب حيث أهل أمك "بنو سبيكة " الذين تقول فيهم :

( كأن بني سبيكة فوق طير

  يجوبون العزائز والوهادا )

ثم نراك تتنقل بين أنطاكية واللاذقية وطرابلس الشام ، إلى أن تقصد بغداد ثم تغادرها مهموما مكتئبا .. وتلزم بيتك في المعرة رهين محبسيك .

    يأخذ عليك كثيرون أنك كنت كثير الشك مما جعلهم يتحاملون عليك ويتهمونك في صدق إيمانك .. فهل لك رد عليهم ؟

- إن الذين يرمونني بذلك لا يذكرون قولي المشهور :

( أثبت لي خالقا حكيما

ولست من معشر نفاة)

وقولي :

( يا خالق البدر وشمس الضحى

  معولي في كل شيء عليك  )

وقولي :

( رددت إلى مليك الخلق أمري

  فلم أسأل متى يقع الكسوف)

- هذا صحيح يا شيخ الحكماء .. ولكنهم يرمونك بالشك وضعف اليقين ويزعمون أن ذلك وارد في شعرك .

- إنني أتعجب من الذين يتقولون على شعري .. أنا أدعو إلى تحكيم العقل والتفكير .. وهل في ذلك مخالفة لما ورد في كتاب الله : يعقلون . يفكرون . يتفكرون . يعلمون .

وهل يعيب شعري قولي :

( خذوا في سبيل العقل تهدوا بهديه

   ولا يرجون غير المهيمن راج )

وقولي :

( وإنك إن تستعمل العقل لم يزل

  مبيتك في ليل بعقلك مشمسا )

- ولكنك متهم بنقدك الحاد لبعض مظاهر عصرك ، وعدم رضاك عنها في أحوال اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وملاحظاتك في "رسالة الغفران"

- نعم لقد فعلت ذلك . وما قلته يصلح لكل زمان ومكان .. وهل الدعوة إلى العدل والمساواة أمر بغيض ؟!!

   لقد انتقدت الملوك فقلت :

( تسمى رجال بالملوك جهالة

  ولا ملك إلا الذي خلق الملكا)

وقلت :

( الناس للناس من بدو وحاضرة

بعض لبعض ، وإن لم يشعروا ، خدم )

   فهل في قولي هذا ما يعيبني ؟!

- هذا لا يعيبك بل إنه يشرفك .. وهل انتقدت أحوالا اجتماعية أخرى ؟

- نعم .. دعوت إلى اﻹنصاف والمساواة

( لقد جاءنا هذا الشتاء وتحته

   فقير ضعيف أو أمير متوج )

  ودعوت الى السلام والهدوء فقلت :

( فإن ترشدوا لاتخضبوا السيف من دم

   ولا تلزموا اﻷميال سبر الجرائح )

  وقلت :

( وأصفح عن ذنب الصديق وغيره

  لسكناي بيت الحق بين الصفائح )

- ولكنك كنت كثير التشاؤم .. أتذكر قولك ( أولو الفضل في أوطانهم غرباء

   تشذ وتنأى عنهم القرباء  )

ويؤخذ عليك أنك أخذت المعنى من أستاذك المتنبي أبي المحسد في قوله :

( أفاضل الناس أغراض لذا الزمن

  يخلو من الهم أخلاهم من الفطن)

ويضحك أبو العلاء مسرورا ويقول : ألم يقل المتنبي :

( أنا الذي نظر اﻷعمى إلى أدبي )

والمتنبي كان يقصدني .. فأنا هو اﻷعمى الذي نظر إلى أدبه !!