الخاطرة ٢١٧ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ١٨

ز . سانا

خواطر من الكون المجاور

في المقالة الماضية ذكرنا بعض الحقائق الإلهية التي تؤكد أن أسم (محمد) هو مصطلح رمزي يتألف من مقطعين : المقطع الأول (محى) وهو رمز روح الاسد ويمثل (هارون ويحيى وبولص وعلي) عليهم السلام ، والمقطع الثاني (مد) وهو رمز الروح النباتية ويمثل (موسى وعيسى ومحمد) عليهم الصلاة والسلام . وهنا سنتابع ذكر بعض الحقائق الإلهية الأخرى التي تؤكد أن علي عليه السلام هو الشخصية الثانية بعد رسول الله في الدين الاسلامي لكي لا يبقى أي شك في صحة هذه الفكرة.

الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم وضعت لنا بعض الرموز لتساعدنا في فهم معنى الشخصية الثانية بشكل واضح ونوعية دورها في الاسلام . تمعنوا هنا في هذا الرمز الرقمي الذي سنحصل عليه من سورة محمد :

إن مجموع عدد اﻵيات من بداية القرآن الكريم سورة (الفاتحة) وحتى آخر آية من سورة (محمد) يعادل (٤٥٨٤) ، ومجموع القيم الحرفية لعناوين السور من بداية القرآن وحتى سورة محمد يعادل (٣٤٨٧) وعدد السور يعادل (٤٧) سورة . إذا جمعنا هذه اﻷرقام الثلاثة سنحصل على الرقم (٨١١٨) :

الرقم (٨١١٨) الذي حصلنا عليه ليس صدفة ، ولكن رقم رمزي وقد تحدثنا عنه بشكل مفصل في مقالات سابقة ، حيث يتألف من مقطعين : (٨١) شكل هذا الرقم هو شكل خطوط كف اليد اليسرى وهو يمثل رمزيا المقطع (محى) من كلمة (محمد) ، والمقطع الثاني (١٨) هو شكل خطوط كف اليد اليمنى وهو يمثل رمزيا المقطع (مد) من كلمة (محمد) . فوجود هذه القيمة الرقمية في سورة (محمد) هي حكمة إلهية لها معنى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بمثابة اليد اليمنى في الاسلام ، أما علي عليه السلام فهو رمز اليد اليسرى في الاسلام .

قد يعترض بعض علماء السنة على تفسير هذه القيمة الرقمية بالمعنى الذي طرحناه ، فيقول بعضهم : لماذا لا يكون معنى هذا الرقم يخص رسول الله وحده فقط وأنه بمفرده الذي يمثل اليد اليمنى واليد اليسرى في الاسلام ؟ أو لماذا لا يكون شخصا آخر غير علي يمثل رمز اليد اليسرى في الاسلام كأبو بكر أو عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان رضي الله عنهم ؟ الحكمة الإلهية في تصميم القرآن الكريم لا يغفل عنها شيء لذلك حددت بدقة معنى هذا الرقم الرمزي وعلاقته برمز كلمة (محمد) ليتبين لنا أن هذا الرمز يتألف من شخصين وليس أسم شخص واحد ، وحددت أسم الشخص الثاني بشكل واضح تماما ، وحتى نستطيع رؤية هذا الإثبات ما علينا إلا الذهاب إلى آخر سورة ذُكر فيها أسم الرسول في القرآن الكريم :

آخر سورة ذُكر فيها أسم الرسول هي سورة الصف في الآية رقم ٦ (إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ .....) الحكمة الإلهية في هذه الآية أختارت الأسم (أحمد) ليكون الأسم الرمزي للنبي الذي سيأتي بعد عيسى عليه الصلاة والسلام ليتابع تكملة دوره هو والذي يخص بناء التكوين الروحي ، فلو كان المتكلم هنا هو النبي يحيى عليه السلام الذي يمثل روح الأسد لقال : سيأتي من بعدي شخص أسمه علي . ولكن لنتأكد أكثر دعونا نتابع تفسير الرموز الأخرى التي وضعتها الحكمة الإلهية في السورة :

رقم اﻵية في سورة الصف التي تذكر أسم (احمد) هو (٦) ، فإذا وضعنا رقم اﻵية (٦) على يمين رقم ترتيب السورة (٦١) سنحصل على الرقم (٦١٦) وهو رقم عدد السنوات من ولادة عيسى (٦ قبل الميلاد ) إلى نزول جبريل والبعثة النبوية عام (٦١٠ ميلادي). وطالما أن العلاقة بين رقم شكل خطوط كف اليد اليمنى (١٨) ورقم شكل خطوط كف اليد اليسرى (٨١) هي علاقة تناظر ، لنحاول هنا استخدام هذه العلاقة في رقم السورة ورقم الترتيب ، فإذا وضعنا رقم اﻵية (٦) على يسار رقم ترتيب السورة (٦١) سنحصل على الرقم (٦٦١) وهو رقم وفاة علي رضي الله عنه في التقويم الشمسي ( المسيحي). فاﻷية (٦) من سورة الصف تنظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعلي عليه السلام كصف واحد لذلك أعطتنا رقم عام البعثة النبوية أي بداية تكوين الدين الاسلامي ، ورقم عام وفاة علي عليه السلام. بمعنى أن عملية تكوين اﻹسلام لم تنتهي بعد وفاة الرسول ولكن إستمرت حتى وفاة علي.

الحكمة الإلهية في سورة الصف أختارت كلمة (أحمد) وليس (محمد) لتؤكد أن أسم الشخص الثاني هو (علي) وليس شخص آخر ، فأحرف أسم (أحمد) تحقق علاقة التناظر الموجودة بين الرقمين (١٨) و(٨١) ، ويمكن توضيح هذه العلاقة بالشكل التالي :

القيمة الرقمية لأحرف أسم (أحمد) في نظام الكابلا العربية هو (٣٥٨) :

لنحسب الآن القيمة الرقمية لأحرف كلمة (علي) :

الرقم (٨٥٣) الذي حصلنا عليه هو نظير الرقم (٣٥٨) الذي يمثل رقم (أحمد) . هذا التناظر الرقمي بين أسم (أحمد) وأسم (علي) ، هو إثبات إلهي أن علي ابن أبي طالب هو الشخصية الثانية في الاسلام وليس شخص آخر ، لأن الله عز وجل هو الذي أختار لهما هذين الأسمين .

رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بثلاثة أشهر في حديث الغدير حدد حقيقة مكانة علي في الاسلام " .... إنّ الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن ومؤمنة. وأخذ بيد علي بن أبي طالب وقال: ألستُ أولَى بالمؤمنينَ من أنفسِهِم وأزواجِي أمهاتُهُم فقلنَا : بلَى يا رسولَ اللهِ قال: فمَن كنتُ مولاه ُفعليٌّ مولاهُ اللهمَّ والِ من والاُه وعادِ مَن عادَاهُ."

السؤال الذي يخطر على بال كل مسلم سني بعد عرض هذه الأدلة عن حقيقة مكانة علي عليه السلام هو : هل هذا يعني أن الشيعة على حق عندما ادعوا أن أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قد سرقوا الخلافة من علي عليه السلام ؟ الإجابة في الحقيقة على هذا السؤال ليس بهذه البساطة . لهذا يجب أن نوضح أمور كثيرة تتعلق بهذا الموضوع .

في البداية يجب توضيح نقطة هامة جدا لنستطيع التقييم بشكل عادل لما حصل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي أن أهم سبب في تناقض رأي العلماء المسلمين بين السنة والشيعة هو أنهم جميعا ينظرون إلى هذا الموضوع من زاوية ضيقة جعلتهم يفصلون الدين الإسلامي والمسلمين عن كل ما حولهم ، لهذا لم يعلموا بوجود قانون الاثنا عشرية الذي يسير عليه تطور التكوين الروحي للإنسانية ، وهذا القانون يعتمد في أساسه على فكرة التقمص حيث الروح بعد موتها تذهب وتولد من جديد في منطقة مختلفة لتكتسب الصفات الروحية لهذه المنطقة ، ولهذا يوجد إختلاف كبير بين التكوين الروحي بين إنسان وإنسان آخر ، حيث مخزونات العقل الباطني في كل شخص تجعل سلوكه وردود فعله مختلفة . وقد ذكرنا في المقالة الماضية مثالا على تأثير مخزونات العقل الباطني في أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فرغم أنه كان رجلا صالحا ورغم محاولات رسول الله معه وجدناه يموت على دينه القديم . لهذا فموضوع تقييم ما حصل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة ، يحتاج إلى دراسة شاملة لكي تسير جميع معاني الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة في جهة واحدة وليس في عدة جهات متناقضة فيما بينها ، والذي نراه اليوم أن معظم العلماء المسلمين بمختلف مذاهبهم قد اعتمدوا في دراساتهم الزاوية الضيقة وليس الدراسة الشاملة لهذا ظهرت جميع هذه التناقضات في آرائهم بخصوص موضوع الخلافة .

حتى نوضح هذه الفكرة سنذكر لكم حالتين نوضح بها سبب أختلاف ردة فعل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام عن ردة فعل زوجها علي عليه السلام بخصوص خلافة أبو بكر الصديق رضي الله عنه :

لو أفترضنا أن المسلمين الذين عاشوا في فترة أيام وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانوا جميعهم من فئة (المؤمنين) بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى لكان الجواب على سؤالنا (هل سُرقت الخلافة من علي عليه السلام) سيكون جوابنا : نعم لقد تمت سرقتها . ودليل ذلك أن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت الرسول قبل وفاتها منعت كل شخص شارك في مبايعة السقيفة أن يحضر جنازتها ، فإن ما فعلته الزهراء لم يكن نتيجة استنتاج عقلي من الزهراء ولكن كان وحي من عندالله ، الزهراء هي سيدة الأمة الإسلامية لأن تكوينها الروحي مثل أبيها من الروح النباتية . ورفضها لخلافة أبو بكر الصديق هو في الحقيقة حكمة إلهية لتؤكد به الزهراء أن علي عليه السلام تكوينه الروحي الذي مصدره روح الأسد كان في أنقى أشكاله من جميع المسلمين لهذا كان هو أحق شخص في خلافة الرسول لأنه يمثل نصف أسم (محمد) ، لهذا لم يقبل الرسول تزويج أبنته فاطمة لا لأبو بكر ولا لعمر. ولكنه زوجها لعلي ، لأن علي وفاطمة معا يكونان التكوين الروحي المثالي .

ولكن نجد بعد وفاة السيدة فاطمة عليها السلام ، أن علي عليه السلام بايع أبو بكر رضي الله عنه ومن بعده بايع أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن ثم أيضا عثمان بن عفان رضي الله . سلوك علي عليه السلام الذي يبدو لنا أنه متناقض مع سلوك فاطمة عليها السلام ، في الحقيقة هنا لا يوجد تناقض ولكن يوجد تكامل بين سلوك فاطمة وسلوك علي . فرأي فاطمة عليها السلام وجب أن يظهر لكي يعلم المسلمون على مر العصور أن علي عليه السلام قد اختاره الله عز وجل ليكون القدوة الثانية في الاسلام لأنه يمثل نصف اسم (محمد) . أما رأي علي عليه السلام فكان مناسبا لطبيعة المسلمين في تلك الفترة . فجميع المسلمين في تلك الفترة لم يكونوا من فئة (المؤمنين) ، فلو كانوا جميعهم من هذه الفئة لانتظروا على الأقل حتى يتم دفن الرسول ، ولكن مبايعة السقيفة التي تم فيها مبايعة أبو بكر رضي الله عنه قد حصلت وجثمان الرسول لا زال على فراشه لهذا لم يحضر علي عليه السلام ليشارك في هذه المبايعة لأنه كان مشغولا في تجهيز جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم . عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعترف أن مبايعة السقيفة كانت من أساسها خطأ ، ففي مقولته الشهيرة، نجده يقول : ... فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك! ولكن الله وقى شرها ) .

علي عليه السلام لو كان يطمع بالخلافة لكان بإمكانه أن يقنع المسلمين أن مبايعة السقيفة كانت باطلة ، ولكنه لم يفعل لأنه كان يملك بصيرة تجعله ينظر إلى مصلحة الأمة الإسلامية ومصلحة جميع الأمم . فهو أعلم الناس في فهم معنى تصرفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كان يعلم لماذا في فترة مرض رسول الله كان رسول الله يطلب من أبو بكر أن يكون هو الأمام بدلا منه ليصلي بالمسلمين . وسبب ذلك هو أن شوائب الجاهلية كانت لا تزال موجودة في العقل الباطني في المسلمين ، لهذا كان أبو بكر رضي الله عنه مناسبا ليكون خليفة لهؤلاء أكثر من علي عليه السلام . وشيء هام هنا لعب دوراً في هذا الموضوع هو أن أبو بكر كان بعمر الرسول أما علي فكان بمثل عمر ابنه .

رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف يقول ( «الْخِلاَفَةُ فِي أُمّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً ... " هذا النبؤة صدقت وهي المدة الزمنية للفترة الخلفاء الراشدين بالضبط ، وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم ماذا سيحدث بعد وفاته ، فلماذا إذن كلف أبو بكر الصديق بالأمامة بالمصلين بدلا منه ولم يكلف عليا عليه السلام ، ولماذا لم يذكر أشياء عديدة ليسمعها جميع المسلمين لتكون الأمور واضحة وصريحة أمام الجميع بأن علي عليه السلام وهو فقط الأحق بالخلافة من بعده . وإذا كانت تلك الأدلة التي يذكرها بعض علماء الشيعة المتعصبين على كفر او نفاق أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، لماذا إذن لم يحصل تدخل إلهي يمنعهم من استلام الخلافة ، وخاصة أن الأمة الاسلامية كانت لا تزال في بدايتها فكان من المفروض أن يحدث هذا التدخل الإلهي ليمنع سير الأمة في الاتجاه الخاطئ. ولكن نجد أن الظروف سارت كما هي وظهرت من هذه الأمة حضارة عريقة ، ولهذا لم يعترض علي عليه السلام على خلافة هؤلاء بل على العكس تماما ساعدهم وأصبح مستشارا لهم في عدة أمور .

يجب على المسلمين أن يعلموا أنه رغم أن علي عليه السلام كان أحق الناس بخلافة الرسول ولكن أيضا فإن إختيار أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم للخلافة كان فيها حكمة إلهية تساعد المسلمين في فهم التكوين الروحي للناس ليتعاملوا مع من حولهم كما تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي عليه السلام أيضا ، وسنذكر لكم هنا كمثال طبيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . إذا تمعنا في سلوك وردود فعل عمر كما تذكره صفحات التاريخ ، أول ما سنلاحظه أن عمر كان قاسي القلب على الآخرين ، فقبل دخوله في الاسلام دفن ابنته الصغيرة وهي حية ، هذا التصرف كان عادة يفعلها البعض في الجاهلية . وقبل إسلامه كان عمر من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين ، فهو كان يظن أن الاسلام عبارة عن دين مثله مثل بقية الديانات وأنه لن يفيد قريش في شيء سوى تشتيتها وتضعيف قواها ، لذلك وصلت به الأمور أن يصمم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكننا نجده بمجرد أن علم حقيقة الاسلام شعر بنوع من الراحة الروحية دفعته مباشرة في اعتناق هذا الدين . فدخول عمر في الاسلام لم يكن لأي مصلحة شخصية ولكن كان عن إيمان حقيقي ، لهذا رغم دخوله في الاسلام نجد ان قساوة قلب عمر لم تختفي لأنها كانت من طبعه الذي فرضته عليه البيئة الجاهلية ولكن ومع ذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله من أكثر الصحابة المقربين إليه .فرسول الله كان يبغض القسوة ولكنه كان يعلم حقيقة تأثير البيئة الروحية للمجتمع على التكوين النفسي في كل إنسان ، لهذا كان يعلم ما يحمله عمر في عقله الباطني ، فأصل تكوين عمر الروحي كان من روح الأسد ولكن البيئة الجاهلية فرضت عليه أن يستخدم قوة روح الأسد لصالح روح كلب ، لهذا عندما رآه رسول الله يدخل في الاسلام رحب به وأحبه وقربه إليه ليساعده في إنقاذ نفسه لتأخذ روح الأسد في تكوينه الروحي السيطرة الكاملة على سلوكه وتصرفاته ، فتلك القسوة كانت من طبيعة عمر ومن المستحيل أن يتم تغييرها في عام أو عشرة أعوام ، لهذا نجد أن عمر كان من المعروف عنه أنه في كل مرة يرى شخصا يعارض الرسول يقول لرسول الله العبارة (إإذن لي يا رسول الله أن اقطع رأسه) فرغم أن رسول الله كان ضد هذا النوع من ردود الأفعال لم يكن يغضب منه لأن رسول الله كان يعلم أن هذه القسوة في ردود فعل عمر كانت جزءاً من طبيعته ، لذلك كان فقط يمنعه من فعلها . بهذه الطريقة التي أتبعها رسول الله مع عمر تحولت قساوة قلب عمر من قوة شريرة إلى قوة خيرة تساهم في الدفاع عن الاسلام والأمة الاسلامية . في تلك الفترة كان الاسلام بحاجة لشخصية مثل عمر ليشعر المنافقين الذين دخلوا الاسلام بهدف تحقيق مصالحهم الشخصية بنوع من الخوف في تدبير المكايد للمسلمين، فكما ذكرنا أن الروح الجاهلية كانت تعيش وتعشش في قلوب الكثير من المسلمين في تلك الفترة. لذلك كان أختيار عمر للخلافة حكمة إلهية وليس خطة شيطانية كما يعتقده بعض علماء الشيعة المتعصبين .

أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم دخلوا الاسلام حبا بالله ورسوله ، فرغم أنهم كانوا من أغنياء قريش قبل الاسلام ، نجدهم عندما استلموا الخلافة كانت ثيابهم بسيطة ، وفراشهم حصيرة ، وطعامهم كسرة خبز وبعض التمرات ، لا أحد منهم أصبح خليفة المؤمنين طمعا فيها كمنصب أو مصلحة شخصية ولكن حبهم لمصلحة الاسلام والمسلمين . لهذا لم يعترض علي عليه السلام على أي واحد منهم بل بايعهم وساعدهم في إدارة أمور الأمة الاسلامية ، فكما ذكرنا من خلال عرض الحقائق الإلهية التي تؤكد أن علي عليه السلام هو الشخصية الثانية في الاسلام وأنه كان أحق الناس في خلافة رسول الله بعد وفاته ، نجد أنه رغم ذلك لم يفعل أي شيء ليطالب بها ولكن ترك الأمور تسير كما أراد لها الله تعالى ، فالذي كان يهم علي عليه السلام هو أن تقوى الأمة الأسلامية وتقوم بدورها في تطوير التكوين الروحي للإنسانية ، وهذا ما حصل حيث ظهرت الحضارة الإسلامية وازدهرت ودامت ستة قرون كما خطط الله لها . فرغم أن خلافة علي عليه السلام دامت فقط خمس سنوات وكانت الأمور عند توليه الخلافة مليئة بالفتن ، حيث هذه الفتن تسببت في اغتيال الخليفة من قبله واغتياله أيضا . ولكن كل هذه الأشياء كانت من ضمن المشيئة الإلهية فمن الطبيعي ان تحدث مثل هذه الأمور في الامة الاسلامية وبقية الأمم أيضا لأن تكوين الإنسانية يحتوي على شوائب شيطانية ، فلو كان المجتمع الإسلامي في تلك الفترة مجتمع مثالي بجميع أفراده لكانوا ولدوا جميعهم في الجنة وليس على سطح الأرض ، ولكن الأمور لم تكن كذلك لا في الأمة الاسلامية ولا في بقية الأمم فجميعها بحاجة إلى التطور لتصل إلى الكمال الروحي والجسدي ، لهذا حصل ما حصل واستمرت الحضارة الإسلامية ستة قرون من الزمن فقط ومن ثم دخلت في عصر الإنحطاط لتسمح بظهور حضارة جديدة في أمة أخرى لتساهم بدرها هي أيضا في استمرار تطور الانسانية . فما حصل في الأمة الاسلامية كان حكمة إلهية ليعلم كل مسلم عبر العصور التالية ، أن الأمة الاسلامية كونها حملت الديانة السماوية الأخيرة هذا لا يعني أنها أمة مثالية وانها أمة الله المختارة لتعطي نفسها الحق في فرض نفسها ودينها على بقية الأمم ، فهي أمة مثلها مثل بقية الأمم ، فيها الصالح وفيها المنافق ، وليعلم كل المسلم أيضا أن الله قد أعطى كل أمة دور خاص بها في تطوير التكوين الروحي لهذا يجب على المسلمين التعاون مع شعوب بقية الأمم وكأنهم أخوة في عائلة كبيرة واحدة كما يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣ الحجرات) .

هذه هي عظمة حكمة علي عليه السلام في فهم الأمور والأحداث وطريقة تعامله مع الآخرين ، ولهذه الأسباب لم يطالب حقه بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يملك بصيرة تدرك تماما حقيقة دور الأمة الاسلامية في المخطط الإلهي لتطور الإنسانية . لهذا أختاره الله هو ليكون الشخصية الثانية في الاسلام ، فكما يقول رسول الله (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، الدين هو أولا أخلاق والأخلاق هي التي تحدد سلوك الإنسان وطريقة تعامله مع الآخرين . لهذا يجب على العلماء المسلمين سنة وشيعة أن يعلموا أن كل طرف لديه بعض الحق وأنه يجب عليهم أن يعيدوا النظر في تلك الاجتهادات المتناقضة التي مزقت الامة الاسلامية وجعلتها تبدو وكأنها جسم مريض مصاب بالجذام والله أعلم .

في المقالة الماضية القادمة إن شاء الله سنتكلم عن أتباع رمز روح الكلب في الأمة الأسلامية الذي أستغلوا اختلاف وجهة النظر في أحقية الخلافة ليشعلوا نار الفتنة بين المسلمين بهدف تأمين مصالحهم الشخصية .