خواطر فؤاد البنا 826

أ.د. فؤاد البنا

شهر رمضان هو سلطان الأشهر وتاج الأيام، إذ أنه واحةٌ للروح في هجير المادية التي تمتد طيلة أشهر العام، ويمتلك طاقة روحية هائلة، تستطيع إن تم استمدادها كما ينبغي أن تعيد الألق للنفخة السماوية المسؤولة عن الفيوض الوجدانية والإشراقات الروحانية، مما يجعل الجوارح تستضيء بأنوار الجوانح أثناء مكابداتها في دروب الحياة.

**********************************

اللهم لا تخرجنا من هذا الشهر الفضيل إلا بأوزار موضوعة وأجور مرفوعة. اللهم لا تعطنا على قدر سُؤلنا أو حاجتنا ولكن على قدر جودك وكرمك.

**********************************

لقد أمرنا القرآن بالتبيّن والتأكد من الأنباء التي تخرج من ألسنة الفاسقين، كما ورد في سورة الحجرات: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة...}، ويبدو لي أن أكبر فاسق في الأرض هو التأريخ، فكم يروي من أكاذيب ألبسها المفترون ثياب الصدق، وكم تقف في محرابه من أباطيل صاغها الظالمون على شكل حقائق؛ ذلك أن الجبابرة هم من يكتبونه في الغالب والمنتصرين هم من يُملون أحداثه، فيَقلِبون الحقائق ويُزيفون الوقائع؛ حتى تظهر شخصياتهم كما يريدون أن يراهم الناس وليس كما هم في الحقيقة، ومن ثم فإنهم يسرقون ميزات خصومهم ويتركونهم عرايا من أي مزايا!

**********************************

حينما دنا الموت من ابن رشد قال: "تموت روحي بموت الفلسفة"، وكان ديكارت يقول: "أنا أفكر إذاً أنا موجود"، فمثل هؤلاء يقيسون وجودهم وحياتهم بحياة عقولهم وحيوية أفكارهم، فكيف نقيس وجودنا وحياتنا كمسلمين في عصرنا الذي غلبت عليه التقاليد الموروثة والقوالب المستوردة؟

**********************************

كثر في هذا الزمن أدعياء الدعوة إلى الله الذين ينسلخون من آيات الله، حيث يوفر هذا الانسلاخ فرصة مواتية لشياطين الإنس والجن للولوج إلى عوالمهم الخاصة، وما هي إلا فترة وجيزة حتى يخلد أحدهم إلى الأرض، ويصير والعياذ بالله كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث!

**********************************

لقد تطيَّر عبيدُ بني إسرائيل من موسى ومن معه من الأحرار، لبعض ما أصابهم من ضرر كضريبة للحرية والكرامة، ولا تزال المشاهد تتشابه وتتكرر في كل زمان، فكم من الجبناء اليوم من يتطيّرون بالأحرار الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل انتزاعهم من مخادع الطغيان ومراتع العبودية، لكنهم أبوا إلا البقاء في زرائب العبودية، ليدفع الجميع ثمن السلبية والخذلان، حيث عاد شتاءُ الاستبداد يسحق أزهار الربيع وينكل بطلائع الحرية، وعاد المجرمون يسوقون شعوبهم كالقطعان نحو حياة الذل ومستنقعات الفساد. فمتى يدرك هؤلاء أن ضريبة الحرية أهون من أثمان العبودية؟

**********************************

لا يمكن أن تنتصب في أوطاننا أنظمة تقدس حريات الناس وحقوقهم، ما لم تستوطن هذه القيم قلوب الناس أولاً.

**********************************

إلهي ما أبعدَ الشُّقّة القائمة بين الإسلام والمسلمين، فما زال الإسلام منذ جاء وهو يتربُّع القمم الشّماء والمرتفعات الشامخة، بينما يستوطن أغلب المسلمين القيعان والمنخفضات. ولقد شهد التأريخ بأن الإسلام أوجد أعظم دولة عرفها الناس، لكن المسلمين هم من حَقنوها بفيروسات العلل والآفات التي أصابتها، حيث نهشت خلافاتُهم الخلافةَ وأصابتها في مقتل، وأدّى غيابهم عن مسرح الفكر والفعل في القرون الأخيرة إلى إصابة حضارتهم بالعطالة، ولا يزالون يختلفون على كل شيئ، لدرجة أنه لو دخل ثلاثة منهم في غرفة لخرجوا بأربعة آراء متباينة، والعجيب أن كل هذا يحدث رغم أن القرآن الكريم قد حذّر من أن التنازع ينزع بركة الجماعة ويُذهب ريح الأمة، ولكن أنّى للقرآن أن يُسمع من في القبور؟!

**********************************

كثر في هذا الزمن أدعياء الدعوة إلى الله الذين ينسلخون من آيات الله، حيث يوفر هذا الانسلاخ فرصة مواتية لشياطين الإنس والجن للولوج إلى عوالمهم الخاصة، وما هي إلا فترة وجيزة حتى يخلد أحدهم إلى الأرض، ويصير والعياذ بالله كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث!