خواطر فؤاد البنا 834

أ.د. فؤاد البنا

بعد توقيع الوثيقة السياسية في السودان الأربعاء الماضي، يمكن القول بأن البلد قد تراجع عن حافة الهاوية، لكنه لم يصل بعد إلى ضفاف السلامة وشواطئ الأمان، وما تزال الشكوك تساور كل طرف من أن يمكر به الطرف الآخر، ومن ثمار هذه الهواجس عدم توقيع الإعلان الدستوري الذي كان يُفترض أن يتم الجمعة، حيث ما زالت دراسة مشروع الإعلان قائمة، والخشية دائما من التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، في محاولته لإفساد ذات البين بين الأشقاء المليئين بالهواجس!*

*****************************************

إن لم تنجح ثورات الربيع العربي في التصدّي للثورات الارتدادية المضادة وفي تجاوز الصعوبات الكثيرة؛ فستتخطفّها الخياناتُ أو تهوي بها المؤامراتُ في مكان سحيق!

      *بارك الرحمنُ جمعتكم.*

*****************************************

الحرية في الرؤية الإسلامية هي مناط التكريم والتكليف، وهي قيمة متصلة بأصل العقيدة الذي هو التوحيد، إذ أن كمال التوحيد لله يثمر الحرية للإنسان. ووصل تقدير القرآن للحرية إلى حد اعتبار أن الأحرار ملوك. ورد هذا المعنى في قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قومي اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يُؤتِ أحدا من العالمين} [المائدة: ٢٠]. وحتى نفهم مغزى هذه الآية ينبغي أن نعلم أن موسى أمر قومه بدخول الأرض المقدسة لكنهم كانوا جبناء خانعين، فعصوا موسى وكتب الله عليهم التيه ٤٠ سنة في صحراء سيناء ومات موسى قبل أن تنتهي مرحلة التيه ويدخلوا الأرض التي كتب الله لهم في ذلك الزمان، أي قبل أن تقوم لهم دولة ومُلك، فما هو المُلك الذي تحدّث عنه موسى بصيغة الماضي كأنه قد تحقّق: {وجعلكم ملوكاً}؟ إنه الحرية.. فقد امتنّ عليهم موسى بنعمة الله التي حررتهم من عبودية فرعون وقومه؛ ذلك أن الأحرار يقررون ما يشاؤون ويفعلون ما يريدون، وهذا هو المُلك، فهل هناك تقدير للحرية أكثر مما تفعل هذه الآية؟ وهل أدركنا لماذا تكالب الكبراء والملوك على الربيع العربي؟ إنهم يعرفون جيدا أن امتلاك الناس للحرية يجعلهم ملوكا يصعب تطويعهم كعبيد ويستحيل ترويضهم كرقيق في بيوت الطاعة!*