الشيخ عبد الله علي المحمود العالم الداعية والناصح المخلص

المستشار عبد الله العقيل

 (1327 - 1420ه / 1909 - 1982م)

مولده ونشأته

هو الشيخ عبد الله بن علي المحمود، ولد في 17/2/1327ه الموافق 1909م، في مدينة الشارقة، وقد نشأ في بيت صلاح وتقوى وفي كنف والده المصلح الكبير صاحب المدارس والأيادي البيض على التعليم وطلبة العلم في الإمارات ودول الخليج والجزيرة.

درس بالمدرسة التيمية المحمودية التي أسسها والده، كما تلقى العلم على طائفة من المشايخ العلماء في الشارقة ومنهم: الشيخ عبد الكريم بن علي البكري والشيخ محمد بن فيصل والشيخ سالم اليماني، حيث درس عليهم التفسير والفقه والحديث واللغة وعلم الفرائض والسيرة والتاريخ وعلم الحساب، وقد رافق والده في أسفاره إلى السعودية للحج وإلى الهند للتجارة، كما درس على المشايخ في السعودية ومنهم الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ اللذان يعرفان والده ومبادراته الخيرية في التعليم.

وكان الشيخ عبد الله المحمود من الحريصين على قراءة الصحف؛ للاطلاع على ما يجري في العالم وبخاصة العالم العربي والإسلامي ومنها مجلات: الصراط المستقيم التي تصدر في العراق، ومجلة الشبان المسلمين، ومجلة الشورى، ومجلة الفتح في مصر، ومجلة أم القرى، ومجلة الإصلاح، ومجلة المنهل، ومجلة صوت الحجاز من السعودية، كما شارك مع إبراهيم المدفع، وعبد الله المطوع، ومبارك الناخي في تأسيس صحيفة «عمان» سنة 1927م، وصحيفة «العمود» سنة 1930م، وصحيفة «صوت العصافير» سنة 1933م، كما كانت له مراسلات مع الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عز الدين القسام، والشيخ أمجد الزهاوي، ومحمد نصيف، وبهجت البيطار، والمودودي، والندوي. 

رحلاته الدعوية

كانت له رحلات متعددة زار فيها العلماء في الكويت وقطر والبحرين وعمان والهند وباكستان، وكان من ثمار هذه الرحلات الدعوية، أن اتسعت دائرة معارفه وأصبح ذا تصور عالمي للدين والدعوة، وأصبحت له علاقات وثيقة برجال الفكر والدعوة في أنحاء العالم الإسلامي، وانطلق من تحركاته الدعوية وفق برنامج إسلامي عالمي يستفيد من كل الخبرات والتجارب للدعاة السابقين واللاحقين من الشيوخ والشباب.

ولقد سعدت به في زيارته للكويت أوائل السبعينيات، حيث شرفنا بجمعية الإصلاح الاجتماعي والتقى الإخوة يوسف جاسم الحجي، وعبد الله علي المطوع، وعمر عبد الرزاق الدايل وغيرهم من رجال الجمعية وشبابها.

كما زار المملكة العربية السعودية مرات عدة، قابل فيها الملك المؤسس عبد العزيز وابنه الملك سعود، ثم الملك فيصل، الذين كانوا يوجهون دعوات له للزيارة ويكرمون وفادته ويستمعون بكل رحابة صدر إلى نصائحه.

شخصيته ومواقفه

لقد كان الشيخ عبد الله علي المحمود يأسر جليسه بتواضعه وصدق لهجته وقوة حجته وعمق إيمانه وجرأته في الحق ونصرته للمظلومين وتصديه للظالمين، وقول كلمة الحق وإسداء النصيحة لكل مسلم لا يهاب في الله لومة لائم، وقد عرف الناس عنه ذلك سواء أكانوا حكامًا أم محكومين، كما عرفوا علمه وفضله وإخلاصه في النصح والمشورة وكان حكام الشارقة لا يطيقون غيابه، فيرسلون في طلبه. وفي الوقت نفسه كان عالي الهمة عفيف النفس، صادق الكلمة، يرفض أي عطاء ويقول:

"إن خير ما تكرمني به أن تسمع مني ولا تتأثر بقسوة قولي، فأنا ناصح محب لك".

نشاطه العملي

لقد شغل مناصب عدة في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد كان أول مدير للشؤون الإسلامية والأوقاف بالشارقة، وكانت إدارة الأوقاف في الشارقة قبل أن يتسلمها الشيخ المحمود، عبارة عن (دكان) في بيت قديم بإمارة الشارقة، وما كاد يتسلمها حتى نقلت هذه الإدارة إلى مبنى يليق برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية في كل إمارات الدولة. وأصبح الاسم الجديد لهذه الإدارة (الأوقاف والشؤون الإسلامية) وتتفرع إلى ثلاث دوائر هي: إدارة الشؤون الإسلامية، إدارة المساجد، إدارة الأوقاف، وأصبح الشيخ المحمود الرئيس العام لهذه الهيئة. وكان المساعد له في الإدارة هو الدكتور عبد الودود شلبي الداعية الإسلامي المعروف.

وقد بدأت الإدارة بإقامة المواسم الثقافية التي يدعى لها كبار المفكرين والدعاة في العالم الإسلامي، كما أصدرت الإدارة سلسلة كتب تحت عنوان (قضايا إسلاميةكما أنشأت قسمًا لرصد الحركات التنصيرية في دولة الإمارات والعالم العربي والتصدي لها، ولكن هذا القسم لم يستمر لأسباب غامضة.

وقد وجه الشيخ المحمود رسائل دعوية إلى حكام الإمارات جميعًا حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد الذي استشرى بانتشار الخمور ودور اللهو والفساد في الفنادق وغيرها، وحذرهم من غضب الله وسوء العاقبة، إذا لم يتداركوا الأمر، كما حصل للمسلمين ببغداد على أيدي التتار، وما حصل للمسلمين بالأندلس؛ وبخاصة أن المبشرين النصارى ودعاة الماسونية والقاديانية بدؤوا التركيز على دولة الإمارات والتغلغل في كثير من مرافق الدولة، وختم الرسائل بقوله: «ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد».

كما أنه اختير عضوًا في الهيئة التأسيسية لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضوًا بالمجلس الأعلى العالمي للمساجد، كما كان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، فضلًا عن اختياره عضوًا في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية وتولى منصب الرئيس العام لمركز الدعوة الإسلامية في إمارة الشارقة، كما عُهد إليه الإشراف على مشروع المصحف المسجل مع الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم.

وهو المستشار لحاكم الشارقة في الشؤون الدينية وغيرها.

كل هذه المسؤوليات التي اضطلع بها تدل على مكانة الشيخ المحمود على مستوى الإمارات والعالم العربي والعالم الإسلامي.

مؤلفاته

له من المؤلفات كتاب (حقوق الإنسان بين الإسلام والمذاهب المعاصرة)، وكتاب (الإسلام في أمريكا) وكتاب (خطبة الجمعة) وكتاب (الأسرة السعيدة)، بالإضافة إلى الكثير من الرسائل في موضوعات شتى ومقالات وبحوث في معظم المجلات العربية والإسلامية، التي كانت له صلة قديمة ببعضها وإسهامات كبيرة في ترويج تداولها في مجتمع الإمارات والبلدان العربية والإسلامية.

كما أن له دورًا مهمًا في توزيع الكتب الإسلامية في مختلف المعارف على المراكز والمؤسسات والجمعيات والمساجد في مختلف أنحاء العالم، وفي إهدائها إلى الزائرين لدولة الإمارات وبخاصة إمارة الشارقة، مقر مكتبته الكبرى.

معرفتي به

بدأت معرفتي بالأخ الشيخ عبد الله علي المحمود أواخر الستينيات، وكنت سمعت من الكثير من إخواننا عن نشاطه الإسلامي الدعوي واهتمامه بأمور المسلمين ووقوفه مع أصحاب الحاجات، وحرصه الشديد على مساندة الدعاة إلى الله ودعمهم المعنوي والمادي، والاهتمام بأمور المسلمين على كل الأصعدة وفي كل المناطق.

ثم كان لقائي به في الكويت، حيث عرفته عن قرب ووقفت على الكثير من أخلاقه وصفاته واطلعت على جوانب نشاطه الذي ينظر إلى المسلمين كأمة واحدة تحتاج إلى التعاون فيما بينها متجاوزة الحدود الإقليمية والآفاق القطرية إلى العمل الدعوي العالمي لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)  رحمة للعالمين، والإسلام نظام عالمي شامل لكل مناحي الحياة، وعلى الدعاة أن ينطلقوا من هذه الرؤية وفق هذا التصور.

وقد أعجبني فيه هذه الإطلالة الواسعة على واقع العالم الإسلامي ومشكلات المسلمين في أنحاء العالم، وتطلّعه لنشر الإسلام بين المسلمين ممن لا يعرفون عن الإسلام شيئًا.

ثم كانت لقاءاتي به في بريطانيا، حيث كان مع أخيه الداعية الكويتي الشيخ عبد العزيز علي المطوع المراقب العام للإخوان المسلمين سابقًا، فقد كانا يتباريان ويتنافسان على تقديم الدعم للدعاة، بل أسهم وإياه في شراء الكثير من الكنائس ببريطانيا وتحويلها إلى مساجد يؤمها المسلمون في صلواتهم ويمارسون من خلالها أنشطتهم الإسلامية.

ولا يكاد يسمع بمشكلة من المشكلات إلا وسارع في المشاركة بحلها حيثما كانت وأينما وجدت، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، منطلقًا من فقهه لقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } (الحجرات: 10).

والشيخ المحمود من النماذج النادرة من الرجال الذين يسبق عملهم قولهم، فكثيرًا ما تحدثه عن قضية من القضايا لتطلب منه العون، فإذا به يبادرك بأنه عالج المشكلة وانتهى أمرها.

ولقد زرت الشارقة أكثر من مرة ووقفت على الجهود المباركة التي يبذلها والمهمات الكبيرة التي يضطلع بمسؤوليتها ورأيت المكانة الكبيرة التي يتمتع بها في أوساط الجماهير وبين المسؤولين وأعيان البلد وخاصة العاملين بالحقل الإسلامي.

إن الشيخ عبد الله علي المحمود من النماذج الفريدة التي عرفتها وأحببتها من أول لقاء، فقد وقفت على الكثير من جهوده المباركة في ترسيخ أقدام الدعاة وشد أزرهم والوقوف إلى جانبهم أمام ممارسات الطغاة المستبدين، وكان يشيد بالإخوان المسلمين ويكبر صمودهم أمام البلاء.

لقد حدثني عنه الأخ الدكتور عبدالودود شلبي زميلنا بالدراسة في الأزهر الذي اختاره الشيخ المحمود ليكون مساعده وعضده في العمل لنشر الإسلام وخدمة المسلمين.

حدثني عن هذا الرجل الذي يبذل من ماله وجهده وعلمه ولا يبتغي بعمله غير وجه الله والدار الآخرة، حيث كان المحمود الرئيس العام لمركز الدعوة الإسلامية بالشارقة بتولية من حاكم الشارقة.

فانطلق يزور معظم أنحاء العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والنمسا وسويسرا، فضلًا عن البلاد العربية كمصر وتونس وليبيا والسودان إلى جانب الهند وباكستان وبنجلادش والصين وماليزيا وسنغافورة وهونج كونج، وغيرها من الدول الأوروبية والآسيوية والإفريقية، وقد تركت زيارات الشيخ المحمود لهذه الديار أبلغ الأثر في ساكنيها من المسلمين والعاملين في الحقل الإسلامي، كما أنه وقف بنفسه على أوضاع المسلمين والمراكز والمساجد الإسلامية في تلك الديار، وحثهم على زيارة الإمارات وعرض طلباتهم لتوفير الدعم لها من الحكومات والمسؤولين ومن التجار المحسنين وجماهير الشعب المسلم في الإمارات والخليج والجزيرة.

قالوا عنه

يقول الأستاذ الداعية عبد البديع الصقر:

«إن الشيخ عبد الله علي المحمود مضرب المثل في الدعوة، فقد كان طاقة عجيبة، فهو اليوم في كندا، وبعد أسبوع في باكستان، وبعد شهر في الفلبين، وبعد أيام في أواسط إفريقيا، واستمر على ذلك حتى تقدمت به السن وصار يمشي الهوينى على عصاه..

لقد حكى لنا شقيقه عما حدث قبل وفاته بساعات... قال: اتصل من المستشفى الذي يرقد فيه بولدي في (أبو ظبي) وقال له: «لا تنس يا ولدي أن تذهب للحاكم لترتيب قدوم المسلمين الأمريكان». وقال له طبيب المستشفى الإنجليزي: «لا تتكلم كثيرًا لأن قلبك غير سليم»، فقال الشيخ لمن حوله قولوا للطبيب: «إني أرجو أن ألقى ربي بقلب سليم»، وكانت معه رسالة وصلت إليه من الهند فجعل يقرؤها وهو يبكي ويرفع إصبعه إلى السماء، ولما هدأ قليلًا قال لأحد إخوانه: «أرسلوا تعزية للشيخ أبوالحسن الندوي في وفاة ابن أخيه، فقد كان من أهل الدعوة». لقد أخلص الشيخ عبد الله في الدعوة وأصبحت حياته كلها رحلات وأسفارًا في سبيل الدعوة للإسلام والعمل على نشره.. فهو صاحب تجربة خصبة وثرية في اتباع المنهج العلمي السليم في حياته وعمله. ومن يطلع على الصور التي لدى ابنه الدكتور سالم يدرك كثرة الأسفار والديار التي كان لها من نشاط الشيخ عبدالله المحمود الشيء الكثير».

ويقول الأستاذ عبد الفتاح سعيد:

«لقد اقتفيت آثار الشيخ عبد الله المحمود خلال بعض جولاتي الصحفية فكنت كلما زرت دارًا للأيتام أو مدرسة إسلامية لفقراء المسلمين، وجدت له فيها أثرًا وذكرى عطرة.

لقد رافقته خلال عام 1976م في مهمة بمدينة اسطنبول، حيث كان عضوًا في وفد دولة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، فوجدته رغم كبر سنه يتحرك بين الوفود والقيادات الإسلامية، ولا همَّ له إلا جمع التأييد والدعم لقضايا المسلمين في الفلبين وتايلاند وفلسطين وقبرص وتركستان، وفي كل مكان من العالم يعاني فيه المسلمون من الضغوط وحروب التصفية والإبادة».

ويقول د. عبد الودود شلبي:

«لقد عرفت الشيخ عبد الله علي المحمود عن قرب، ووقفت على الكثير من خصاله وشمائله، فوجدت فيه الداعية المخلص لدعوته الذي يبذل الوقت والمال والعافية فيما يرضي الله (عز وجل)، ويقدم الخير للمسلمين في مختلف أصقاع الدنيا، حيث يزورهم في بلدانهم ويحسن وفادة وإكرام وضيافة الوافدين منهم إلى دولة الإمارات وبخاصة إمارة الشارقة، مما يدخل السرور على قلوبهم ويعودون إلى أوطانهم، وألسنتهم تلهج بالشكر والدعاء له».

أقواله

«إن العبادات التي شُرعت واعتبرت أركانًا للإيمان ليست طقوسًا تؤدى، شأنها في أي دين آخر، بل هي  فوق كونها عبادات وأركانًا للإيمان  دروس يومية للتدريب على أصول التربية والأخلاق، نرى ذلك واضحًا في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } (العنكبوت: 45)، فالابتعاد عن الرذائل والتطهر من سوء القول والعمل هو حقيقة الصلاة، لذلك يقول الله (عز وجل) في الحديث القدسي: «إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصرًا على معصيتي، وقطع النهار في ذكري، ورحم المسكين، وابن السبيل، والأرملة، ورحم المصاب».

ونرى ذلك أيضًا في الزكاة، لأن الغاية منها ليست إخراج قدر معين من المال بقدر ما هي تدريب نفسي لغرس مشاعر الحنان والتعاطف بين بني الإنسان.

وكذا الحال في الصيام، فالغاية من الصوم هي التقوى. والحج كذلك يربي الخلق في المسلم ويعوده الصبر والمثابرة والإقبال على الله والوحدة بين المسلمين».

ومن أقواله أيضًا:

«إن التبشير المسيحي بدأ يزحف على المنطقة في صورة مدارس تبث سمومها في عقول الناشئة، وفي صورة مستوصفات تكتب الكفر في «الوصفات الطبية» وفي صورة كنائس ترتفع صلبانها الكبيرة، وفي سيل من الكتب والنشرات المزورة، وفي هذه المؤتمرات السرية والمعلنة، وفي هذا التخطيط الرهيب للزحف على مكة، كما جاء في نشرة من هذه النشرات السرية.

وهناك الماسونية التي ثبت ارتباطها بالصهيونية اليهودية العالمية، والتي اكتُشف أمرها في جميع البلدان العربية والإسلامية.

وهناك القاديانية التي ثبت خروجها على إجماع الأمة وعن الدين والملة، وهم منتشرون بكثرة في وظائف الدولة، وقد اشتهر هؤلاء القاديانيون بعمالتهم وتبعيتهم للدوائر الاستعمارية، وتآمرهم على أهل السنَّة والجماعة».

ولقد استفدت من كتاب الأستاذ عبد الله الناطور الذي ألفه عن آل المحمود وتناول جانبًا من حياة أخينا الشيخ عبد الله المحمود (رحمه الله).

رثاؤه

يقول أخوه الشيخ محمد علي المحمود:

«كان رجلًا قوي البأس، قوي النفس، قوي الإرادة، قوي الروح، متوقد الذهن، زكي الفؤاد، معوانًا للخير، ثائرًا على الظلم، وبفقده فقدت الدعوة الإسلامية رائدًا من روادها، وعلمًا من أعلامها، وحصنًا حصينًا من حصونها، طالما لبى نداءها وقت النداء، وأحاطها بماله وروحه عند الشدة والعسرة.

لقد كانت داره محط ترحال العلماء والفقهاء والمحدثين والأدباء، كما كانت منتدى رائدي الفكر والمعرفة ومجمع الباحثين عن الهداية والرشد من طلاب الدين والعلم، كما كانت في الوقت نفسه دار الكرم والسخاء لطلاب العطايا والمنح يؤمها القاصرون، فلا يعودون إلا وألسنتهم تلهج بالذكر والثناء.

كان يجهر بكلمة الحق مدوية في كل مكان، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، ذا قلب ذاكر، ولسان شاكر، وفكر عابد، سعادته في معايشة القرآن، ومدارسة السنة، ومحاربة البدعة، ومخالطة الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه».

ومن قصيدة للشاعر أحمد محمد الصديق:

رحلت عن الدنيا وأنت كريم

حياتك ما كانت سوى البر والتقى

ختمت على التوحيد عمرًا مجاهدًا

وكنت على أرض الخليج منارة

ألست الذي في الحق مازلت ناصرًا

وعن حرمات الدين كنت مكافحًا

وكم شرح الرحمن صدرًا هديته

وسعت قضايا المسلمين كأنما

وإن فراق المصلحين أليم

ونهجك في نصح العباد قويم

وربك بالسر الخفي عليم

تضيء ولا تثني الشعاع تخوم

وفضلك في صنع الجميل عميم

وقد عرف الإقدامَ فيك خصوم

إلى الحق بالحسنى.. وأنت حكيم

بجنبيك هاتيك الجراح تقيم

ومن قصيدة للشيخ محمد سليمان البحيري:

علامَ يلام الشعر إن ظل راثيا

فقدت حبيبًا ما رأيت مثاله

فلم أر ودًا قبله كان صافيًا

فصرت وحيدًا لا يكفكف عبرتي

إلى الله أشكو ما يلم بمهجتي

كما حارب الإلحاد عذب لسانه

فكم رحلة لله جد بها النوى

فما كنت تخشى في الإله ملامة

وفيمَ يلام الدمع إن سال قانيا

ولا غاب عني فضله ما عشت باقيا

ولم أر قلبًا قبله كان حانيا

خلٌّ يداوي جرح قلبي مواسيا

من الحزن كم يفري الضلوع الحوانيا

تصدّى كسيفٍ باليمين يمانيا

فأظهر دينًا كان في الناس خافيا

يلوذ بك المظلوم إذ كنت حاميا

ومن قصيدة للشيخ عليوه مصطفى:

كيف أرثي مجاهدًا وإماما

إنه الحق زاده وهداه

لم ير الحقد إذ يراه كثير

موئل الناس في المكارم طرًا

كان كالغيث حيث حل كريمًا

من لركب من الحفاة حيارى

كان يلقى جموعهم في سرور

 

عاش للدين ماجدًا وهماما

يعرف الدين رحمة وسلاما

بل تراه من التقى بسَّاما

في سبيل الحنيف يحمي الذماما

ينشر الدين عادلًا قواما

يا لقومي ومن يعول اليتامى

ويواسي بماله الأرحاما

 

 

وفاته

وفي ليلة الاثنين 27 من جمادى الأولى 1402ه الموافق 1982م، خسرت الشارقة أحد رموزها الكبار، حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ الجليل عبد الله بن علي المحمود، العالم العامل، والداعية المتجول، والناصح المخلص. نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يغفر لنا وله، وأن يحشرنا جميعًا مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.