أيامنا الجميلات ... ولكن !

إيمان قاسم

هي أمتي التي أحببتُها ، فنشيدي لهـا ، وبكائي على ماحـلَّ بأرجائها ، أمتي التي ملأت صفحات التاريخ المجيد بالمآثر الغاليات ، والمزايا المتألقات ،  وعاشت ولم تستجدِ أحـدا ... بابَ علمٍ ، أو ديوانَ مجدٍ ، أو لوحةَ فخرٍ ، أو عنوانَ فضل ... فما كان لديها لم يكن عند غيرها من أمم الأرض وشعوبهـا . فلقد أكرمهـــا البارئ الحكيـــم ــ جلَّ جلالُه ــ بما لـم يكرم غيرها من خلقه ، فحسناتها لاتبلى ، وهباتها لأهل الأرضِ فيها الخير ، وفيها أسباب السعادة  للعفاة وللأغنياء على حــد سواء  ، وما تَنَكَّبَتْ عن صراطها المستقيم لأي سبب  . مشت ركابُها في مشارق الدنيا ومغاربها ، فاهتزت روابيهـا وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، وجادت سحائب فضلهـا تسقي أرياف الأمصار وبوادي الأقطار  ، فنبت الزرع ، ودرَّ الضرع ، وعاش الناس في كنف الأمن والرخاء والإخاء فلا ضرر ولا ضرار .

عاشت عصورُها الخيرَ بكل ماتحمل كلمة الخير من المعاني ،  واضمحلت حركة الرَّهج المقلقة للإنسان ،  وزال ماكان من آثار العصور الغابرات من قيم لا إنسانية ، وعمَّت الغبطـةُ أرجاء المعمورة ، فلم يُسمَعْ لشاكٍ  أخذَ بشدقيه الانتحاب ، ولا ليتيم أوحش الفقدُ نفسَه ، ولا لغائب قرَّحَ أجفانَه بُعدُ أحبابه عنه ... كانت الأيام جميلات ، والليالي هادئات  ، فلكل داء الكثير والعديد من أنواع الدواء ، فالناسُ في ظل توفيق لهم ، ورحمته بهم ، وأمورهم يسوسها وحيٌ من الله سبحانه وتعالى . حتى أفسد الشيطانُ بهجةَ الحياة ، وأشاع الانحراف الكبير عن الصراط المستقيم الذي ارتضاه المولى تبارك وتعالى للعالمين . ففسدت الأنفس ، واستنامت الهمم ، وخمدت العزائم ، وأُطفِئتْ أنوارُ حيويةِ القلوب التي فارقت روحَ الهداية . يالهـا من أيام أذاقتنا مرارتها ،  وأدهشتنا قسوتُها ، وألبستنا أثواب الحداد مرغمين في دُجُنَّةِ الأهوال ،  فأصبح ذو اللب منا يتحسر على أيام الشيمة والمروءة لرجال القبائل ونسائها الماجدات .  وهانحن نرى آثار الشحوب المزري على وجوه القوم ، وخطوط الأسى يرسمها سيلان الدمع السخين على الخدود ،  ونسمع ترجيع اللواتي أوجعتْهُنَّ النوائب  ، وطوَّقت الأرزاءُ الترائب ، ونالت من صبرهن الأحزان التي تأخذ بالنواصي والأقدام ، وأسهر مقلَهُنَّ غيابُ الأحباب . وهاهم أعداء أمتنا يصولون ويجولون في مغاني أمتنا ، وقومنا في وجوم فقدوا لذة الهناء ، ونسوا حُسنَ الآمال ، وأقفلوا أبواب الرغائب التي كانت تملأ قلوب الأبناء والأحفاد بالمتع الجميلة التي تراود أطيافها عيونهم في الصباح وفي المساء . فلقد كبح جماحَ الرغبةِ عنفوانُ مرارةِ التَّصحُرِ في ظهيرة الاكتئاب .

عجزُ أمتِنا اليوم يناديها للنهوض من كبوتها ، ويستحث خطاها للسعي من جديد ، فلها بعودتها المجد والسؤدد ، ولها القوة التي تقيم العدل بين الخلق ، ولها التمكين الذي يصفع أعداء الشعوب ويردهم خائبين .  فلأمتنا هيبتها ومكانتها العالمية ، لأنها نَصَرَت دينَ ربها فنصرها الله ، وأيدهـا وهزم كل أعدائهـا ، يقول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } 7/ محمد .  وهذا النصر يكون بالعودة الجادة إلى الدين الحنيف في كل مناحي الحياة ، وتغيير الواقع المؤلم البعيد عن القيم والفضائل والأخلاق التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) 11 / الرعد .