سلاح الأرشيف من هيكل إلى «يوتيوب» … التحول في الموقف من قطر!

سليم عزوز

مزعج سلاح الأرشيف هذا إذا استخدمه خصم، وقديماً لم يكن الأرشيف في متناول الجميع، أما الآن فإنه أقرب للمرء من حبل الوريد، ممثلاً في منصة «يوتيوب»، ويجعل من التحول الكامل للأبواق الإعلامية في مصر، في الملف القطري ومن الردح للتأييد، عملية تضر بالسمعة وتحط من الكرامة!

ومما قيل في حق الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، أنه أجاد استخدام سلاح الأرشيف ضد من خاصمهم، وعندما قدم عبر قناة الجزيرة برنامجه «مع هيكل.. تجربة حياة» كشف جانباً من شخصيته، إنه يحتفظ بأوراق مؤتمرات دعي اليها، كل مؤتمر في ملف ومعه الدعوة التي أرسلت له، مع أن واحداً مثلي، لا يحتفظ بأعماله الصحافية، وقد أدرت في زمن «الكاسيت» عشرات المقابلات الصحافية، مع شخصيات كانت مؤثرة في زمانها، فلم أحتفظ بها، وكلما حلّ شهر ديسمبر/كانون الأول في كل عام، حيث ذكرى وفاة الشيخ عبد الحميد كشك، تذكرت الحوار اليتيم الذي أجريته معه وسجلته، لكنه ضاع ضمن ما ضاع، فكيف يا إلهي أمكن لهيكل أن يحتفظ بدعوات لمؤتمرات قديمة؟!

حاول الكاتب الصحافي موسى صبري، استخدام نفس السلاح في مواجهة هيكل، لكن الأخير كان محظوظاً بكراهية الناس لموسى الذي كان مناصراً للسادات، ثم لمبارك من بعده، فصار نعته في المعارضة «منافق أفندي»، مع أن كثيراً مما كتبه عندما أقرأه الآن بنظرة مختلفة، أكتشف أهميته!

وعندما جاء جيل جديد، بدأ يسمع، ومن ثم يبحث عن موضوعات قديمة لـ «هيكل» في بداية حياته الصحافية لا تشرفه الآن، مثل ذهابه لبيوت الدعارة قبل إلغائها، للقيام بتحقيق صحافي عنها عندما بدأ البرلمان مناقشة إلغائها، تحدث هيكل في برنامجه بالجزيرة باستفاضة عن سياقها تاريخي، وعن ذهابه إلى هناك، فقطع الطريق على هؤلاء في النشر بهدف الإثارة.

الخطأ الذي أماته بالصمت، لأن الوسيلة المثلى للتعامل معه هو التجاهل، هو عندما ذهب لتغطية مؤتمر باندونج، واستطاع عن طريق سكرتارية المؤتمر الحصول على كلمات الزعماء قبل إلقائها، وأرسلها إلى «أخبار اليوم» على أنها تصريحات له، لتنشر في صحف الصباح في اليوم نفسه على أنها كلمات القادة والزعماء!

ونشر موسى صبري الواقعة في أحد كتبه، وتطرق إليها في روايته «دموع صاحبة الجلالة»، لكن القراء كانوا يقبلون على كتابات موسى صبري ويلعنونه، ولا يوجد من بين أنصار عبد الفتاح السيسي كاتباً بحجم موسى صبري، أو أنيس منصور، وغيرهما من كتّاب البلاط، والأخير باغتيال السادات تجاوز مرحلة كاتب النظام، واستمر الأول لآخر يوم من عمره!

التحول مع ثورة يناير

قديماً كان الوصول إلى الأرشيف عملية معقدة، وليس كل الناس تستهويهم فكرة النبش في أضابير الصحف، لكن «يوتيوب» أصبح الآن ذاكرة مزعجة، تحول دون عملية التحول، التي عرفتها مصر مع ثورة يناير، وعندما تحول البعض، كان الناس «يأخذونهم بالشبه» دون أن يحفظوا لهم موقفاً، وعندما ظهر عمرو أديب، ليدعي أنه كان مضطهداً في عهد الرئيس المخلوع، لم يكن في الذاكرة ما يمكن استدعاؤه للرد عليه، وإن كان بعضهم فجأ في ممارسة التأييد، فلم يتمكنوا من ذلك، لاسيما وأن طريقهم في العهد الجديد صار مسدوداً.

وعندما كتبت في هذه الزاوية، مذكراً بالأبواق الإعلامية في العهد البائد، تلقيت في اليوم نفسه اتصالاً من صاحب برنامج «حالة حوار»، يطلب مني رجاء أن أنساه، لأنه يريد أن ينزوي بعيداً ولا يتذكره أحد، وكيف أنه كان يتابع زاويتي كل أسبوع ويضحكه حتى الهجوم عليه، (وكنت أعلم بأمر المتابعة من صديق مشترك لنا)، لكن الآن الأمر مختلف.. هكذا قال!

حاول توفيق عكاشة أن يطوي صفحة الماضي ويلتحق بالثورة ويبدأ صفحة جديدة، لكن الذي أعاده إلى المربع السابق، هم بعض العاملين في قناته «الفراعين» عندما سربوا له رداً على انتحال صفة الثوري صورته منحنياً ومقبلاً يد صفوت الشريف، وهي صورة لم تكن متداولة من قبل، فلم يجد من سبيل سوى أن ينتقل إلى معسكر هش هو «احنا آسفين ياريس»، وقال تعليقاً على الصورة، سأقبل يده وأقبل رجله أيضاً!

وإذا كان هناك من يحمدون للصحافي عبد الله كمال لسان حال مرحلة التوريث إنه ثبت على موقفه، فالحقيقة إنه كان مجبراً لا بطل، فلأن انحيازاته كانت واضحة، وعندما قال في مقابلة صحافية إن دوره ساهم في الثورة على النظام، كان زملاؤه وأبناء جيله له في المرصاد، وهم الذين حلم كل واحد منهم برئاسة تحرير «روزا اليوسف» ففاز بها هو ومن إبراهيم عيسى إلى وائل الإبراشي، وعزّ عليهم أن يزاحمهم في الوضع الراهن، فكان الهجوم عليه فعاد إلى مربعه مدافعاً عن النظام البائد!

المشكل في المسألة القطرية

الأزمة المصرية – القطرية بدت أزمة إعلام، إذ تخطت الأبواق الإعلامية الرقاب، وتجاوزت أصول الهجوم، إلى ساحة ردح الحواري، وخاضت في الأعراض، وتجردت من كل قيمة مهنية أو أخلاقية، وبالمصالحة أرادوا التحول، لكن يوتيوب كان لهم بالمرصاد، وأشاد عمرو أديب بقطر وبالمصالحة معها، وكيف أن له أصدقاء فيها يريد أن يزورهم، وكيف أنه سافر إلى هناك كثيراً، لكن «أولاد الحلال» أخرجوا له كلامه القديم، والذي لم يكن نقداً سياسياً يمكن العدول عنه، وهو أمر جائز في السياسة بل وفي الحياة بشكل عام!

بيد أن القوم لم يتركوا باباً للتراجع، وهم عندما قرروا العدول عن أقوالهم قرروا عدم التذكير البتة بالموقف لتبرير التراجع، فعمرو أديب يشيد بقدرة قطر الفائقة على تنظيم المونديال، ونجاحها المبهر في ذلك، وهو الذي وصف أمير البلاد بـ «النحس»، وجزم جزم العالم ببواطن الأمور أنه في 2022 لن تكون هناك دولة على الخريطة اسمها قطر!

ويقرر أحمد موسى التحول، فيتم الترويج لفيديو له وهو يعلن قرار المطلع، بأن كأس العالم لن يكون في قطر، ويطالب مشاهديه بأن يثقوا في كلامه ويعتبروه سبقاً بلغة الصحافة.

المشكل، ليس فقط لأن السلطة في مصر تصالحت مع قطر، وبالتالي قرر هؤلاء التحول، ولكن بجانب هذا أن قطر أبهرت الجميع بنجاحها، وبدا الرأي العام في مصر كما لو كان يعيد اكتشاف هذا البلد الصغير، ويعيد اكتشاف أميره الذي أصر على الانحياز للقيم العربية والإسلامية المشتركة، ثم إنه بدا وأسرته أقرب إلى الناس، فيشجع الفرق العربية، ويرفع أعلامها، ويأخذه الحماس بعيداً فيبدو أنه واحد من آحاد المشجعين، وصارت قطر ونجاحها، وأميرها وانحيازاته، حديث الرأي العام في مصر، في الشوارع والحافلات العامة والمنتديات، وهو حديث يعتمد المقارنة، وينال من سلطة الحكم، وكان حري بمذيعي البلاط أن يلتزموا الصمت، فقد كان الأفضل لهم أن يصمدوا ولا ينقبلوا على أعقابهم!

بيد أن من الحكمة مسايرة الرأي العام بالإشادة بقطر والتأكيد على نجاحها حتى لا تذهب المقارنة بعيداً نكاية في النظام، وفي الإعلام المروّج لدعاية سخيفة عن أن قطر بيتان ونخلة!

انما تكمن المشكلة في سلاح الأرشيف!

أرض – جو

وإذا أجزمت بفشل القوم في مجال المنافسة بالأخبار، فهل ينجحون في مجال الوثائقي؟!

لقد قرروا هذا الأسبوع إطلاق قناة وثائقية من القاهرة، نتمنى ألا تفشل فشل «القاهرة الإخبارية»، لأنه مجال بعيد عن الاحتكاك بالسياسة، ومصر بلد مزدحم بالأفكار، والقصص، والموضوعات، التي تمكن من التفوق، لو توافرت الأموال لذلك، وتوافرت الإرادة، وأعطوا الخبز لخبازه، وأبعدوا الضباط عن مجال الإعلام، لأنهم يتفوقون على الإخوان بالفشل في هذا المجال!

وعلى ذكر «القاهرة الإخبارية» فقد نشرت احدى الصحف اللبنانية أن القناة الوليدة لم تصرف أجور العاملين فيها، وهو الخبر الذي أعدت نشره، قبل أن أقف على الحقيقة، فالمعينون تقاضوا رواتبهم، وهم الأعلى أجراً في المجال، أما من لم يتقاضوا أجورهم فهم من لم يستوفوا بعد إجراءات التعيين، واستيفاء متطلباته!

إن المعلومة ضالة الصحافي.

«على فكرة الصحفي أكثر شياكة من الصحافي، انما حكم القوي»