ماذا بقي من الثورة السورية بعد 12 عاما

رياض معسعس

ينطوي مرور العام الثاني عشر على الثورة السورية على الكثير من المتغيرات، بل المفاجآت تظهر أن هناك تحولا عربيا ودوليا كبيرا إزاء النظام السوري، والثورة السورية. وجاء الزلزال نقطة تحول في المواقف لبعض الدول، التي ربما كانت تنتظر سببا ما لإعلان موقفها الجديد من النظام، والمفاجأة جاءت من الأنظمة التي كانت تدعم بعض فصائل الثورة المسلحة، والمعارضة السياسية سابقا، التي اندرجت تحت اسم «أصدقاء سوريا»، أي أصدقاء سوريا من دون نظام الأسد، لأنها كانت تسعى لإسقاطه.والتحول الجديد لهذه الدول يمكن أن يندرج تحت مسمى «أصدقاء النظام السوري»، لأن الشعب السوري بمجمله غير راض عن حالات التطبيع مع نظام أجرم بحقه، وأوغل في دمه، ودمّر مستقبله، وسحقه بالظلم والاستعباد والتجويع.

وبهذا يتم الاستنتاج أن هناك مسارا واضحا للانقلاب على المواقف السابقة التي كانت تدعو لإسقاط النظام، حتى بقوة السلاح، كما كان يصرح وزير خارجية المملكة العربية السعودية السابق عادل الجبير في وقت سابق (على سبيل المثال لا الحصر) أي التخلي عن دعم المعارضة، ومسح كل آلام الشعب السوري بممحاة سياسة المصالح التي تغلبت في نهاية الأمر على سياسة المبادئ «الإنسانية» التي بسببها قطعت هذه الدول علاقاتها مع النظام السوري. ولم يبق للسوريين سوى الله بعد تخييب آمالهم بنيل الحرية والكرامة، وكأنها لعنة أبدية بعد نصف قرن ونيف من حكم نظام العائلة الأسدية.

ركائز النظام

انطلقت الثورة السورية في مثل هذه الأيام من عام 2011 بشكل فاجأت النظام الذي لم يكن يتصور أن الشعب السوري يمكنه أن يتظاهر في شوارع المدن السورية بجرأة تتحدى السلطة وقوتها المفرطة، التي تستخدمها ضده منذ زهاء أربعة عقود ونيف، خاصة أن هتافات المتظاهرين كانت واضحة تماما لا لبس فيها: «سلمية، سلمية»، و»سوريا بدها حرية»، لكن النظام لم يسمع هذه الهتافات بأذن صاغية، فوضع استراتيجية لقمع الثورة وقتلها في مهدها معتمدا على: ضرب المتظاهرين بالرصاص أولا، لبث الرعب في قلوبهم، وصم الثورة والثوار «بالإرهاب والإرهابيين»، بعد أن قام بإخراج كل التكفيريين والمحسوبين على التيارات المتطرفة وحملهم السلاح، وتوزيع أسلحة على مدنيين ثم اعتقالهم وإجبارهم على الاعتراف إعلاميا بأنهم هاجموا قوات النظام، كي يحقق هدفه بإقناع العالم بأن الثورة ليس ثورة شعب، بل هي حركة ميليشياوية إرهابية. وبرز فجأة تنظيم «داعش» ليرتكب أفظع الأعمال الوحشية، والذي بقي لغزا محيرا اتهم النظام بتسهيل حركاته وهجماته، ثم دأب بحملات الاعتقال الواسعة التي طالت مئات الآلاف في مختلف المدن السورية واستخدام أقسى عمليات التعذيب والتغييب القسري (لا يزال إلى اليوم أكثر من مئة ألف معتقل ومفقود في سجون الأسد)، والإعدامات ورمي الجثث في مقابر جماعية أو حرقها (مجزرة حي التضامن بالصوت والصورة مثالا)، نشر «الشبيحة» من قواته الرديفة لقمع المتظاهرين بشتى الوسائل منها، اقتحام القرى المنتفضة وانتهاك حرمة المنازل وارتكاب أفظع الأعمال الوحشية والاغتصاب (مجزرة الحولة مثالا)، نشر الجيش وارتكاب مجازر مروعة منها مجازر بالأسلحة الكيميائية في الغوطة، وخان شيخون، وخان العسل، ودوما وسواها وقد تم توثيق 17 عملية قصف بالسلاح الكيماوي موثقة من قبل منظمات دولية. دفع أكبر عدد ممكن من السوريين إلى اللجوء في الخارج (خرج من سوريا حوالي 8 ملايين) ليصبح الشعب السوري حسب تعبيره «أكثر تجانسا». ورغم كل هذه الممارسات لم يتمكن النظام من السيطرة على الثورة والثوار، والمعارضة المسلحة، فاستنجد أولا بإيران وميليشياتها، خاصة حزب الله اللبناني، والعراقي، والحرس الثوري الإيراني، وعندما وجد أن النجدة الإيرانية لم تجد نفعا، استنجد بروسيا التي بدأت بتطبيق سياسة الأرض المحروقة المعروفة لديها لاسترجاع كل المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة، وحشر سكان المناطق المسيطر عليها في منطقة إدلب التي بقيت تحت سيطرة المعارضة باتباع سياسة مناطق خفض التصعيد، حيث سلمت الميليشيات المعارضة أسلحتها الثقيلة، وتم تسفيرها إلى منطقة إدلب.

وفي موازاة ذلك، خاصة بعد العقوبات الأمريكية على النظام بعد افتضاح وحشية التعذيب في صور «قيصر» التي وثقت مقتل 11 ألف معتقل تحت التعذيب، وتدهور الاقتصاد السوري، حوّل النظام سوريا إلى دولة تصنيع وتوزيع مخدرات الكبتاغون، وإغراق الدول المجاورة، ودول الخليج خاصة، والأوروبية عامة بالمخدرات، كمصدر تمويل بعد أن وصل سعر الدولار إلى أكثر من 7 آلاف ليرة سورية.

مسار المعارضة

هذه الممارسات اللاإنسانية من قبل النظام أحدثت شرخا في الجيش السوري، وبدأت بوادر الانشقاقات ثم تشكيل الجيش السوري الحر، وفي موازاة عقد أول مؤتمر للتغيير في سوريا في مدينة أنطاليا في تركيا في 31 مايو 2011 ثم تشكيل المجلس الوطني السوري في 2/10/2011 في إسطنبول. وبدا واضحا أن تركيا تحتضن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري منذ البداية، ودعمت عدة دول عربية (ولاسيما قطر، والإمارات، والسعودية) وأوروبية وأمريكا الحراك الثوري في سوريا، ماليا وعسكريا قبل أن تنقلب المواقف، لكن المجلس الوطني لم يدم طويلا، وتم حله واستبداله بالائتلاف الوطني السوري في 12/11/2012 في قطر. وتم تشكيل أحزاب سياسية قادتها شخصيات كانت أعضاء في المجلس الوطني، وبرزت منصات سياسية في القاهرة وموسكو. في ديسمبر 2015، تم تشكيل الهيئة العليا للتفاوض تحت إشراف السعودية ومهمتها الاشتراك المباشر بالعملية التفاوضية مع النظام. وقد أنشأت نسخة جديدة من الهيئة خلال مؤتمر الرياض في 2 نوفمبر 2017. لكن محادثات جنيف مع وفد النظام لم تتوصل المعارضة فيها إلى أي نتيجة تذكر، وكذلك جولات لجنة صياغة الدستور نظرا لتسويف النظام. وحاولت روسيا برعايتها لمحادثات سوتشي، وآستانة الالتفاف على قرارات الأمم المتحدة، ونجحت في الضغط على أطراف مختلفة منها تركيا للتطبيع مع نظام الأسد وإخراجه من عزلته، في الوقت الذي باتت فيه المعارضة السياسية لا يحسب لها أي حساب في أي قرار يتخذ بالنسبة لسوريا. أما العسكرية فأصبحت تدار من قبل تركيا التي استخدمتها في معارك غصن الزيتون، ودرع الفرات، ونبع السلام ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية التي استطاعت السيطرة على مساحات واسعة شرق الفرات بدعم من الولايات المتحدة. واستطاعت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) في السيطرة على إدلب في شمال غرب سوريا مع فصائل أخرى موالية، وكتائب من الجيش السوري الحر التي يستمر النظام بقصفها مع حليفه الروسي حتى الآن.

موقف الأمم المتحدة

ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في الذكرى 12 للثورة السورية بضرورة العمل على «المسار السياسي» من أجل معالجة القضايا الأساسية التي يقوم عليها الصراع في سوريا حيث شهدت الأعوام الماضية صراعا طاحنا وفظائع منهجية وحزنا بشريا يفوق الوصف في سوريا»، وحدد النقاط التي يجب معالجتها وتوجز في، وقف إطلاق النار، تعزيز التطلعات المشروعة للشعب السوري، تهيئة الظروف للعودة الطوعية للاجئين بأمان وكرامة، الالتزام القوي بسيادة واستقلال سوريا، ووحدة وسلامة أراضيها، حسبما جاء في القرار الأممي رقم 2254. وشدد على أهمية العمل الجماعي لوضع حد للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري لعشرات الآلاف من الأشخاص، وأضاف «لقد وقع السوريون ضحايا انتهاكات للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان على نطاق واسع ومنهجي. لقد تسببت هذه الجرائم في مقتل مئات الآلاف، وشردت نصف السكان، وتركت ندوبا عميقة، مرئية وغير مرئية. لا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب، إذا أردنا تأمين مسار سلام مستدام». وبهذا يبدو أن هناك تنقاضا كبيرا بين مواقف الأمم المتحدة، ومواقف الدول المطبعة التي لم تضع أي شروط أو خريطة طريق لإيجاد حل عادل للسوريين،

وفي ظل الظروف المستجدة من سعي دول عربية وأجنبية التطبيع مع نظام الأسد دون أسباب مقنعة، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وسعي تركيا للتطبيع مع نظام الأسد يضع المعارضة السورية السياسية والعسكرية ومعهما الشعب السوري الذي يرى ثورته، التي ما زالت مشتعلة في النفوس، كبقرة كثرت السكاكين الراغبة في ذبحها، في موقف صعب للغاية.