السلطة الفلسطينيّة.. خسارة في الذهاب والإياب

نبيل عمرو

في حالات كثيرة، إن لم يكن في كلّ الحالات، تذهب السلطة الفلسطينية إلى فعّاليات كثيرة، وهي تعرف مسبقاً أنّها تخسر فيها، وكلمة سرّ الذهاب في هذه الحالة هو عدم قدرتها على رفض الدعوات، خصوصاً إذا ما جاءت من دول ما تزال السلطة تنشد دعمها أو عدم إغضابها.

السلطة التي تعاني من تراجع الشعبية إلى مستويات كارثية، وتعاني كذلك من انعدام سيطرتها ولو بالحدّ الأدنى من النفوذ في معظم مناطقها.

تعاني من طريقة إسرائيل في التعامل معها، حيث تطلب تعاونها بوضعها بين المطرقة والسندان.

السلطة تجد نفسها وهي في هذا الحال مضطرّة إلى دفع ثمن ذهابها إلى الفعّاليات بتعميق الهوّة بينها وبين جمهورها وباقي مكوّنات العمل السياسي الفلسطيني.

تدفع كذلك ثمن الإياب حين تعود بعد كلّ فعّالية صفر اليدين في مشهد مأساوي جعل ما يربو على سبعين في المئة من الجمهور الفلسطيني يدعو إلى حلّها.

هذا وفق آخر استطلاع جرى بعد فعّالية العقبة وقبل فعّالية شرم الشيخ.

"حماية" السلطة... بإضعافها

الذين يرعون الفعّاليات المقترحة لهم همّ مشترك هو الحفاظ على السلطة من الانهيار، ويختارون لمعالجة هذا الهمّ عنوان التهدئة، ويسعون، أو هكذا يعلنون، إلى الحدّ الأدنى من الإجراءات الأحاديّة الجانب وكأنّ طرفَي الأزمة المباشرَين يتبادلان هذه الإجراءات مناصفة، مع أنّ الحسبة تقول "مئة في المئة حصّة إسرائيل في هذه المعادلة، مقابل صفر هو حصّة السلطة، والمقياس الدقيق هنا هو القدرات المتوفّرة لكلّ طرف على أرض الأزمة".

الظرف الذي يجري العمل فيه بإلحاح تحت العنوان المفضّل "التهدئة" ونحو الهدف الأكثر إلحاحاً "منع انهيار السلطة" لا يساعد على تحقيق نتائج إلا على صعيد واحد، وهو أن تبقى السلطة على قيد الحياة ولو بأجهزة تنفّس صناعي. فهي على الرغم من كلّ هذا الضعف ما تزال حاملة بطاقة التأهّل الوحيدة لتكون طرفاً في المعادلات، وهي الشرعية، فمع من يتحدّث الرعاة إذا ما انهارت؟ وأيّ قوة على الأرض تمتلك القدرة على رؤية ما سيحلّ بعدها، والاستنتاج اليقيني في هذه الحالة هو "الفوضى".

على الطرف الآخر توجد إسرائيل القوة الفعّالة في الإشعال، فهي تذهب إلى الفعّاليات بالدوافع نفسها التي تذهب بسببها السلطة، أي عدم القدرة على رفض الدعوات. إلا أنّها وفق التجربة تستعدّ جيداً للتعامل مع النتائج، فتأخذ منها ما يلائم أجنداتها، وتدمّر ما يلائم الطرف الفلسطيني.

الأزمة تقود الأطراف.. لا العكس

كان هذا هو النهج الثابت لجميع الحكومات الإسرائيلية، ولا يوجد ما يدعو إلى تغيير هذا النهج، خصوصاً أنّ قرارها السياسي والأمني أضحى بيد أعتى المتشدّدين  المتطرّفين في أمر التعامل مع الفلسطينيين. إضافة إلى أمر جديد هذه المرّة، وهو تزامن المعالجات الإقليمية والدولية للملف مع نشوء الأزمة الإسرائيلية الداخلية التي تجعل أطراف اللعبة أكثر تشدّداً في مجال التعامل مع الفلسطينيين. خصوصاً إذا ما ارتُئي قرّرت الحكومة الإسرائيلية أنّ التصعيد على هيئة حرب على غزّة واقتحامات أوسع نطاقاً في الضفة هو أحد المخارج من الأزمة.

جميع الأطراف المتوغّلة في اللعبة، محلياً وإقليمياً ودولياً، تدرك صعوبة أو حتى استحالة النجاح في ما يرغبون به. إلا أنّهم جميعاً لا يملكون بدائل أكثر نجاعة ممّا يفعلون، ولا مغالاة لو قلت إنّ الأزمة بتداعياتها التلقائية تقود الأطراف جميعاً أكثر بكثير من قيادتهم لها.

قديماً كان يُقال إنّ المتدخّلين يديرون الأزمة ولا يحلّونها، أمّا الآن فحتى هذا القول لم يعد منطقياً لأنّ من يدير المواقف والتطوّرات والتعقيدات هم أطراف التصعيد على الأرض، وهؤلاء جميعاً يعملون وفق أجنداتهم الخاصة. خصوصاً على الجانب الفلسطيني. وإذا كانت التهدئة المنشودة صعبة المنال، فإنّ الاشتعال في المقابل هو أسهل ما يمكن فعله في الوقت الراهن.