ما أظنهم غضبوا للمصحف الشريف .. ولكن لنتعلم كيف نصون قرآننا

زهير سالم*

كنت فتى دون العشرين، عندما تعثرت بكتاب في أحد أقبية الكتب في حلب، عنوانه "الهلال الشهيد في ظل الأنظمة القيصرية والسوفيتية"، كان ثمن الكتاب وهو أكثر من مائتي صفحة : ليرة سورية واحدة. بت الآن على دراية أن مثل هذه الكتب، التي كنتُ أغتبط برخصها، وما أظنه من قيمتها، تدس على رفوف الكتب والبسطات الرائجة على الأرصفة، كالتي كانت تكون على أرصفة دمشق، وعلى عربيات الدفع اليدوي، ومثلها على أرصفة الأزبكية في القاهرة الأثيرة الجميلة، إنما تدس هناك مجانا وكل ما يجنيه البائع منها هو ربحه الصافي.

كتاب الهلال الشهيد في ظل الأنظمة القيصرية والسوفيتية، لمؤلفه "ريمون شارل" هو كبسولة من الوقائع والمعارك والإحصاءات التي مارسها الروس القياصرة والبلاشفة ضد الإسلام والمسلمين, في سرديات الكتاب شيء ما يذكرك بليالي تركستان لنجيب الكيلاني رحم الله نجيب الكيلاني، لا أستطيع أن أزعم أن كل ما ورد في الكتاب صحيح أو دقيق، وإنما أستطيع أن أؤكد أنه تم توظيف كل السرديات بطريقة أكثر حرفية، لخدمة أهداف الحرب الباردة، التي كانت تدور في عصر الستينات. لا يهمكم كثيرا أن أخبركم: أنني بكيت مرارا وأنا أقرأ تفاصيل الملحمة أو الهولكست الذي دار على الإسلام والمسلمين، حسب تفاصيل هذا الكتاب. وأكبر دليل على تأثير هذا الكتاب في عقلي ووجداني، أنني ما زلت أحفظ عنوانه، وأتصور غلافه وصفحاته بعد ستين عاما من قراءته، فكأن حكاياته قد انحفرت في الوجدان..

وذكرني بكل أولئك هذه الأيام ...

ما حكي عن إقدام جنود أوكران على إحراق نسخة من المصحف الشريف!! من هم؟ أين؟؟ متى؟؟ كيف؟؟ أسئلة كثيرة جديرة بالتحقيق، ولكن من يهتم بذلك في عالم المسلمين، وقد صار المصحف مستهدفا على جميع الجبهات!!

سأقف إجلالا واحتراما لأي مرجعية إسلامية أو عربية، تطرح أسئلة عما كان وكيف كان، وكيف يمنع ما كان من التكرار.

والذي لفت نظري أكثر وأكثر تغافل كثير من الدول والمرجعيات الإسلامية عن الواقعة، وحتى عن المطالبة بالتحقيق فيها..بينما أسمع رمضان قديروف الرئيس الشيشاني أو القائممقام الروسي، قد كاد يؤلف فيها مثل كتاب الهلال الشهيد!! بدأ بالإعلان عن جائزة قدرها خمسة ملايين روبل لمن يصفي الجنود الفاعلين - حسب تعبيره وهذا ليس ترويجا لإعلانه- ثم أتبع ذلك بتصريح بعد تصريح بعد تصريح...بالتهديد والوعيد لمن اعتدى على نسخة من المصحف الشريف!!

والذي لفت انتباهي أكثر هذا الصباح: هو قيام مدير المجمع العلوي - لا أعرف أين مقره - بالتنديد بحرق القرآن الكريم من قبل الجنود الأوكران!!

لن نغادر قبل أن نعلن استنكارنا ضد إحراق الكتب والكلمات والحروف,, وتضامننا أكثر ضد أي جهة تحاول أن تمس كتابنا الكريم..

وأن ننبه ونتنبه دائما أن وراء الأكمة السياسية شيطانا مختبئا يجب أن نحذر دائما منه...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية