أحبّ النّاس إلى سيّد النّاس، عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها

خالد بني زيد

[ مجلة مساء - العدد 12: رجب 1421ه]

هي أم عبـد الله، عائشـة بـنـت أبـي بكر (عبد الله) بـن أبـي قحافة (عثمان) رضي الله عنهم، كُنّيت بابن أختها عبد الله بن الزبير.

تزوجها رسـول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في شوال سنة عشر من الـنـبـوة قبل الهجرة بثلاث سنين، بعد زواجه من سودة بشهر، وكانت بنت ست سنين، إلا أنه لم يدخل بها إلا في المدينة بعد ثمانية أشهر من الهجرة وهي بنت تسع سنين.

وقد فضّلها الله سبحانه على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمزايا عديدة منها أنها ابـنـة لأبـويـن مهاجرَيـن، وأن الـنـبـي صـلـى الله عليه وسلم لم يتزوج بِكراً غيرها، وأن الـوحـي بـشّـر النبي صلى الله عليه وسلم بها زوجة له في الدنيا والآخرة، فقد روت رضي الله عنها: (أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليـه وسـلم، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة). متفق عليه.

كما نزل في حقها قرآن من السماء يعلن براءتها من الإفك الذي رماها بـه المـنافقون. كما أن الـوحي كان ينزل بكثرة في غرفة عائشة حتى عُرفت بـ (مهبط الـوحي). وعندما سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلّم: مَن أحب الناس إليك؟ قال: "عائشـة". قال: ومن الـرجال؟ قال: "أبوها". متفق عليه.

ولانتشـار ذلـك بين الناس كانوا يتحرَّون بهداياهم للنبي صلى الله عليه وسلم يوم عائشة لتوافق رضی النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روت عائشـة رضي الله عنها ذلـك بـقـولهـا: كان الـنـاس يـتحرَّون بـهـدايـاهـم يـوم عائشـة فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلنَ: يا أم سـلـمة، والله إن الـنـاس يـتحرون بـهـدايـاهـم يـوم عائشـة وإنا نريـد الخير كما تريد عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يُهْدوا إلـيـه حيث كان أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالـت: فأعرضَ عني، فلما عاد ذكرت لـه ذلك فأعرض عني فلـما كان في الثالثة ذكرت له، فقال: "يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علـي الـوحي وأنا في لحـاف امرأة منكن غيرها". رواه البخاري.

وعندما اشتد المرض بـرسـول الله صلى الله عليه وسلم استأذن نساءه أن يُمَـَّرضَ في بـيـت عائشـة فتوفي صلى الله علـيـه وسـلـم في بـيـتها ورأسـه في حجرها وقد اسـتاك بسواك ليَّنتْه بِرِيقها.

وكان عمرها حينئذ ثماني عشـرة سـنة عاشـت بـعدها عمراً حافلاً بالعلم والتحديث، فمسند عائشة رضي الله عنها يبلغ ٢٢١٠ أحاديث. قال الذهبي: لا أعلم في أمة محمد صلى الله علـيـه وسـلـم، بـل ولا في الـنـسـاء مطلقاً، امرأة أعلم منها. أهـ.

وقد كانت رضي الله عنها أديـبـة بليغة، بشهادة الصحابة، ومن ذلك قول معاويـة بـن أبـي سـفـيـان رضي الله عنهما: (والله ما سمعت خطيـبـاً لـيـس رسـول الله صلى الله عليه وسلم أبلغَ من عائشة).

ولقد كانت رضي الله عنها عابـدة منفقة زاهدة، عاشـت حيـاة حافلـة بالجـهاد، وتوفيـت رضي سنة 58هـ ولها من العمر 67 سنة، ودُفنت بالبقيع.