الفنان اليوناني الراحل ميكيس ثودوراكيس يستحق التكريم

المحامي علي أبوهلال

أعلن في العاصمة اليونانية أثينا، يوم الخميس الماضي 2/9/2021، عن وفاة الموسيقار والملحّن اليوناني الشهير، ميكيس ثودوراكيس عن عمر ناهز (96 عامًا)، والذي شارك في التلحين والتوزيع الموسيقي للنشيد الوطني الفلسطيني. ويعد الراحل، واحدًا من أكبر موسيقيي القرن العشرين، ولد في 29 تموز 1925، ونال شهرة واسعة بعد تلحينه موسيقى فيلم "زوربا" اليوناني عام 1964. وأصبح المشهد الذي يرقص فيه زوربا حافي القدمين على الشاطئ صورة شائعة للثقافة اليونانية. ولا يزال موضوع الفيلم، الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار، أشهر قطعة موسيقية يونانية بعد أكثر من نصف قرن.

عرف عن الراحل وقوفه مع قضايا حقوق الإنسان، ومساندته الكبيرة للقضية الفلسطينية وحق شعبنا بالحرية والخلاص من الاحتلال وإقامة دولته المستقلة، وكان يظهر في حفلاته متوشحًا بالكوفية الفلسطينية.

كما وقف إلى جانب القضايا الإنسانية وعارض قصف بلغراد وكوسفو، كما عارض الحرب على العراق ووجّه انتقادات لاذعة لحكومته التي ساندت الحرب ولجورج دبليو بوش، وقد صرح ميكس: " أن إسرائيل أساس السوء في العالم" وقد صدمت هذه التصريحات إسرائيل وحكومتها ووجهت له اتهامات بالتحريض على معاداة السامية.

عاش الفنان ميكيس ثودوراكيس مناضلا ثوريا في بلاده اليونان يعود شغفه للموسيقى إلى صغره وكان في سن الثالثة عشرة حيث كتب أول مؤلفاته الموسيقية سنة 1942 تم إيقافه في طرابلس الغرب على يد قوات الاحتلال الإيطالية. وفي السنة التالية تم إيقافه وتعذيبه. عند إطلاق سراحه توجه ثم إلى أثينا واختبأ فيها من سلطات الاحتلال وأصبح يناضل لاستقلال بلاده من الاحتلال الألماني الإيطالي البلغاري. كان يتلقى خلال فترة نضاله دروسا في الموسيقى من معهد أثينا العالي وذلك بطريقة سرية.

بعد التحرير ناضل ميكيس ضد الجماعات المعادية للثورة، وشارك في عدة مظاهرات وتم إيقافه في إحداها وعذب خلال إيقافه بشدة واعتبر من عداد الأموات في 26 مارس 1946 وتم نقله إلى المشرحة، كما تم نفيه إلى جزيرة إيكاري سنة 1947 وفي سنة 1948 تم نقله إلى ماكرونيسوس، وعذب بشدة وتم دفنه مرتين حيا. بعد الانقلاب العسكري عام 1967 أقيم في اليونان حكومة ديكتاتورية، حيث أجبر ميكيس على الاختباء مرة أخرى من هذه الحكومة القمعية، ودعا إلى مقاومتها ومعارضتها، ونتيجة لموقفه هذا وضع تحت الإقامة الجبرية في فارشاتي، ونفي بعدها مع عائلته إلى زاتونا وهي قرية تقع في جبال الأركيدس، ومن ثم نقل إلى معسكر اعتقال في اوربوس، ونفي بعد ذلك إلى الخارج، لكنه رجع من منفاه بعد عودة الديمقراطية إلى بلده عام 1974.

بين العامين 1981 و1986، كان ثيودوراكيس نائباً عن الحزب الشيوعي اليوناني. وفي السنتين الأوليين من التسعينات تولى منصباً وزارياً في الحكومة اليونانيةـ وخلال الأزمة المالية التي عصفت باليونان، ندّد بتدابير التقشّف، وشارك في التظاهرات المعارضة للحكومة.

منح ميكيس دكتوراه فخرية من جامعة مونريال سالونيك وكريت، وبمناسبة عيد ميلاده الثمانون حصل على جائزة سانت اندريه من قبل مؤسسة سانت اندريه لشجاعته ولنضاله من أجل وطنه ولمؤلفاته الرائعة التي تغني لأجل السلام بين الشعوب، وتقوي الروح والضمير الوطني للإنسان، كما حاز ثيودوراكيس على جائزة من هيئة اليونيسكو بعنوان «الموسيقي الدولي لعام 2005»، وتم اختيار ثيودوراكيس للجائزة من بين 40 مرشحا آخر من أشهر الموسيقيين الدوليين. وفي سنة 2007.

عاش ميكس حياة الثائر والمناضل والفنان والموسيقار المبدع، وناضل ضد الحروب والاستعمار والاحتلال والدكتاتورية في بلاده، وفي بلاد أخرى، وتعرض للسجن والنفي والتعذيب، وناصر كل الشعوب التي ناضلت ضد الاحتلال والاستعمار، وكان مناصرا للديمقراطية وحقوق الانسان.

كان معارضا للاحتلال الإسرائيلي، ومناصرا ومدافعا عن القضية الفلسطينية، ولحن النشيد الوطني الفلسطيني ومن كلماته " فدائي فدائي فدائي، يا أرضي يا أرض الجدود، فدائي فدائي فدائي، يا شعبي يا شعب الخلود، بعزمي وناري وبركان ثاري، وأشواق دمي لأرضي وداري، صعدت الجبال وخضت النضال، قهرت المحال حطمت القيود”. تعبيرا عن دعمه لحقوق شعبنا، وظهر هذا الملحن اليوناني في مناسبات متوشحا الكوفية الفلسطينية، للتعبير عن دعم نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه وحريته وتقرير مصيره، ومن أجل إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وكان يعتبر أن " إسرائيل أساس الشرور في العالم".

يستحق هذا الفنان والموسيقار اليوناني من شعبنا وقيادته الوطنية كل التكريم والتقدير، ويستحق أعلى الأوسمة، بل ينبغي ربط اسمه بأرض فلسطين ومدنها وشوارعها وميادينها وساحاتها، وإطلاق اسمه على أي منها، وذلك تخليدا لذكراه، ووفاء له، وعرفانا بدوره ونضاله الدعم لشعبنا وحقوقه وقضيته الوطنية.