قيامة (أرد وغل )!!

مـصعـب محمد الشيخ ويس

clip_image001_ce2af.jpg

عندما تريد امة النهوض بعد كبوتها تبدأ بنفض غبار الزمن وآثاره وإزالة  صدأ الأفكار والمعتقدات التي تلّوث العقول والمجتمع .قرأنا ذلك عندما بدأت الصحوة التعليمة والفكرية التي مهدت لظهور جيل صلاح الدين رحمه الله .  بدأت تركيا الصاعدة للعالمية والتي استوعبت ما يحاك لها في الغرف المظلمة بإنتاج دراما تاريخية من نوع خاص متميز في السيناريو، تأسر المشاهد من أول دقيقة ، مسلسل قيامة أرطغرل جد السلاطين العثمانيين الأول ، تبدأ أحداثه متسلسلة ببطء كعادة الأتراك في تمثيلهم ، لكنه يناقش أفكار مهمة وخطيرة وهذا ما نرمي له .

كُتب المسلسل بروح وطنية عالية وقيم إسلامية أصيلة متجذرة عند الأتراك الأوائل فقد اهتم السيناريو بالعبارات الجذلة واللغة التركية الراقية التي تعكس قوة الانتماء والفخر الذي يحمله كل تركي من قبيلة (الكايا ) محور المسلسل ، تدور الأحداث عن شخصية أرطغرل والد عثمان مؤسس الدولة العثمانية التي أصبحت إمبراطورية تهابها أوربة ، أهم ما تم التركيز عليه قضية الإخلاص للوطن والأهل والتقاليد الأصيلة التي تُعتبر قوانين صارمة عندهم ، بالمقابل ظهرت خيانة خطيرة كادت تودي بمستقبل القبيلة من (كورت اوغلو) الشخصية المقربة من سليمان شاه زعيم القبيلة و الذي يُشاوره في السلم والحرب ، استطاعت( قلعة امانوس) أو قلعة فرسان المعبد  المعادية لجميع جيرانها المسلمين من استئجاره لصالحها وأغرته بالمنصب والمال فباع الأهل والوطن  ولم يرعَ حرمة العهد ولا ذمة الأخ والصديق .

هؤلاء الخونة يتكرر ظهورهم  عبر الزمن تختلف شخوصهم فقط ، لكن المضمون واحد هدفهم  الغدر والمكر وسفك الدم .!!

وللخيانة بمعناها نوعين فقد يخون الرجل وطنه من حيث لا يدري وبدون مقابل يكفيه أن يكون غبياً ، كما يوجد خائن عن سبق قصد وتصميم .

أظهر المسلسل محور المقال خطورة المندسين بين صفوف القبيلة المأجورين للأعداء نتيجة أحقاد شخصية أو إغراء مالي. الإعلام والاهتمام  فيه لا يقل بأي حال عن تشييد المصانع أو تدريب عسكر الجبهات ذلك أن صناعة الرأي العام أمر غاية في الصعوبة والخطورة ضمن توجيه ورؤية محددة تخدم المجتمع .

الدراما العربية الهادفة والتي نتمناها تفتقر إلى أمرين غاية في الأهمية :

1-  عدم اختصاص العاملين فيها من حيث نقص كبير في معلوماتهم التاريخية الصحيحة المعتمدة أو أنها تتعمد الاستناد إلى مصادر غير صحيحة .

2-  المجال الفني العربي مصبوغ بــلون واحد ومحكوم من لوبي يؤمن بأن العري والتعري والانحلال والميوعة هو تاريخ العرب وأنه عبارة عن فنتازيات نقدمها كيفما نشاء بلا أي حساب.

الصورة المتحركة لها تأثير كبير وخطير على عقول الأجيال فقد ترسم صورة تاريخية (خنفشارية) وتترك في الأذهان نتائج مشوهة ومنحرفة عندما يصل التلميذ إلى مرحلة النضج الفكري ، فقد يرفض كل أعمال الفن التمثيلي لأنه كاذب كما أنه يعمل على إفساد الذوق العام والتخريب الممنهج من وجهة نظره ثم يستبدل عنه صورة متشددة ترفض أي منطق بتغييرها فلا يرى المرأة إلا منعزلة  في خدرها وصوتها عورة ، هذا التشويش الاجتماعي له داعمين كما له أهداف تلتقي عندها الجهات الداعمة لهذا الاتجاه الواحد والذي يرمي إلى العبث بقيم المجتمع الشرقي المسلم .

ولو استعرضنا مسيرة السينما العربية إلى حين ظهور التلفزيونات الخاصة لظهر لنا واضحاً هذا الأمر وما ترك من آثار سيئة  وأجيال ترفض جملة وتفصيلاً هذا الفن بسبب هذا اللون الهادم للتاريخ وتزويره المقصود من خلال منظورهم الثقافي .

 الدراما الحقيقة هي توجيه مهم وحيوي لصناعة جيل واعي متفائل عوضا عن  صناعة درامية تشاؤمية يائسة تظهر الحياة على أنها خيانة زوجية ، وإخوة أعداء ، أو وادي ذئاب تنهش بالضعفاء لتصنع جيل منهزم نفسياً تعبث به الإشاعات وتعطيه تفاصيل صناعة جريمة مكتملة الأركان.

سيناريو قيامة أرطغرل أثبت أن الدراما التركية الهادفة التاريخية قادرة على جذب عدد كبير من المتابعين حيث أن مدة الحلقة مائة وعشرين دقيقة تمضي بلا ملل وترغب بمتابعة المشهد التالي أكثر ، كما أنها رسمت صورة لأبطالها القوميين على أنها وطنية ، واعية  و ناضجة بدون تضخيم أو تحقير ، وأنها تفوقت على الدراما الإيرانية أيضاً التي تعطي رؤية مذهبية ضيقة وبشكل فج ، بالتالي لا يمكن انتشارها إلا بين أوساط معتنقيها أما الدراما العربية فهي تتبع هوى الحاكم المستبد فإذا أحب  شخصية تصعد إلى السماء بحبه ، وعندما يكرهها و لو كانت من الماضي  عبث بتاريخها ثم أظهرها  بزماننا شيطان رجيم أو خائن عميل أو غبي متسلق مما يثبت أيضا أن الفن العربي أسير القبضة الأمنية التي تهدم أي إبداع مجتمعي .