الأستاذ الدكتور سعد أبو الرضا في العدد (107) الخاص بمجلة الأدب الأدب الإسلامي

شمس الدين درمش

-         الافتتاحية:

تحدث مدير التحرير الدكتور وليد قصاب في افتتاحية العدد تحت عنوان: (فارسان ترجَّلا)، عن فقدان رابطة الأدب الإسلامي  اثنين من أبرز الذين عملوا في رابطة الأدب الإسلامي لترسيخ أسس نظرية وتطبيقية للأدب الإسلامي ونقده، هما الأستاذ الدكتور سعد ابو الرضا، والأستاذ الدكتور عبدالباسط بدر، رحمهما الله تعالى، وتقبل منهما ما قدماه في سبيل إرساء دعائم الكلمة الأدبية الطيبة، الأدب الإسلامي ونقده عبر مؤلفاتهما، ومجلة الأدب الإسلامي، ومؤتمرات الرابطة وندواتها.                       

-      مقالات تأبينية:

وقد تضمن العدد مجموعة من المقالات التأبينية التي أبرزت الخصائص الشخصية للدكتور سعد أبو الرضا، ومشاركاته في مسيرة الأدب الإسلامي ورابطته، فكتب الأستاذ الدكتور صابر عبدالدايم رئيس المكتب الإقليمي للرابطة في مصر، وزميل الدكتور سعد في مكتب الرابطة بمصر، والتدريس الجامعي، في مصر والسعودية، وفي مكتب الرابطة الرئيس في السعودية، وفي تحرير مجلة الأدب الإسلامي، فكتب تحت عنوان: (من رواد الأدب الإسلامي الأستاذ الدكتور سعد أبو الرضا.. سيرة ومسيرة) كلمات وفاء،  عبر فيها عن حميمية العلاقة بينهما، في هذه المسيرة المباركة بإذن الله.

وجاءت كلمة الاستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس المكتب الإقليمي للرابطة في السعودية، بعنوان: (مع الصديقين والشهداء)، معبرة عن الاحترام العميق لاذي بكنه الدكتور الهويمل للدكتور سعد ابو الرضا، وعن معرفته به عن كثب من خلال عملهما في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامي في القصيم، وفي النادي الأدبي الذي كان يراسه الدكتور الهويمل، وكان الدكتور سعد مشاركا فاعلا في أنشطة النادي.              

مقالة د.أحمد بن صالح السديس بعنوان: (السَّعْدُ الفريد)، مقالة فريدة في ظروفها ومعانيها، تنم عن الوفاء والمحبة ووشائج الأخوة من جهة، وسمو العلاقة الفريدة بين الطالب الجاد، والأستاذ الحاني على تلميذه بروح الأبوة، وقد وصف د.السديس اللحظات الأخيرة بينهما في منزل الدكتور سعد أبو الرضا في القاهرة.                

وتأتي مقالة  د.حسن الأمراني بعنوان: (في ضيافة سعد أبي الرضا) في الاتجاه نفسه الذي كتب فيه د.السديس، فالأمراني يؤكد صفة الكرم والأريحية التي يتمتع بها د.سعد أبو الرضا، فزياراته إلى القاهرة تكون في ضيافة الدكتور سعد، والعلاقة الأسرية وثيقة بينهما، فهو يعبر عن تجربة لصيقة بأخيه وصديقه، ويضيف الدكتور الأمراني في مقالته قصة مهمة لنا جميعا، وهي تخص رابطة الأدب الإسلامي أيضاً، وذلك أن الرابطة كانت تعمل لإصدار كتاب عن نظرية الأدب الإسلامي، وموقفه من المذاهب الأدبية والنقدية الغربية، وقد عرض الموضوع على الدكتور الناقد عبد العزيز حمودة، ولما اعتذر الدكتور حمودة، بادر الدكتور سعد إلى التأليف في الموضوع، وظهر كتابه (النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة رؤية إسلامية)، محققا بذلك احد اهداف رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ففوجئ د.الأمراني بإهداء الدكتور سعد كتابه له.

ويتحدث الأستاذ الدكتور د.حلمي محمد القاعود عن الأدب الناقد الراحل بعنوان: (سعد أبو الرضا قلم متوضئ)، وهو ابن بلدته، والعلاقة بينهما متوطدة في أكثر من مجال، في الرابطة والجامعة، وفي مصر والسعودية، وفي مجلة الأدب الإسلامي، ويختار د.حلمي عنوانا جميلا دالا على عناية الدكتور سعد بالأدب الإسلامي بعبارة (قلم متوضئ)، عنوان مضيء ذو إشعاعات شفافة، وتحدث في مقاله عن ثلاثة كتب للدكتور سعد، ورصد من خلالها بعض آرائه النقدية وهي: (بلاغة السرد بين الجنسين)، و(النص الأدبي للأطفال -أهدافه ومصادره، وسماته- رؤية إسلامية)، و(الأدب الإسلامي والمسرح).

وفي هذا المحور أمتعنا الأساتذة الثلاثة المبدعون الأوفياء الذين تتلمذوا على الدكتور سعد أبو الرضا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، فسجلوا بصدق مؤثر عن الأثر الحميد الذي تركه الراحل في قلوبهم ونفوسهم، ذكريات لا تنسى من التعامل السامي بين المعلم والمتعلم، والأستاذ والطالب.

 فكتب الأستاذ الدكتور حسن بن حجاب الحازمي - أستاذ النقد الأدبي الحديث بجامعة جازان- بعنوان: (في وداع الدكتور سعد أبو الرضا) فتحدث عن مراحل إنجاز رسالة الدكتوراة بإشراف الدكتور سعد أبو الرضا، وكيف أعطاه الثقة بنفسه، ومتابعة المناقشة ودور الأستاذ المشرف في نجاح الطالب، ذكريات جميلة لا تمحى مع الزمن، ولا تعفيه الرياح. فقال في ذلك: ولكنه قدّم لي أكبر دفعة معنوية، وأكبر إشادة أتلقاها في تاريخ حياتي قبل المناقشة بيوم واحد، حينما ذهبت إلى بيته لأسلمه ملحقاً بالتصويبات التي اكتشفتها بعد القراءة الأخيرة ليسلمها للمناقشين قبل المناقشة، فسألني: هل أنت خائف يا حسن؟! فقلت: خائف جداً.. ربنا يعديها على خير. فقال لي: مثلك لا يخاف (أنت عامل شغل، المناقشين ما يعرفوش يعملوه). يا الله!! كم فرحت بهذه الكلمات! وكم من الثقة والاطمئنان منحتني..؛ وكانت بعدها المناقشة، وكانت برداً وسلاماً، وكان الدكتور سعد أبو الرضا نعم المدافع، ونعم المشيد، ونعم المساند.

وكتب الأستاذ الدكتور أحمد بن يحيى البهكلي عن أستاذه الدكتور سعد، بعنوان: (أبو الرضا والصدق)، وقال: ولقد عرفت الراحل الفاضل أديبا وناقدا صادقا منافحا عن المنهج الأصيل في أدب الأمة بكتبه ومقالاته ومحاضراته ومشاركاته الجادة في وسائل الإعلام. ثم نالني شرف التتلمذ على يديه في مرحلة الدكتوراه بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد أفدت، كما أفاد غيري، من علمه وفكره وخلقه ومهارته النقدية العالية.

ويكمل الأستاذ الدكتور محمد سعيد اللويمي شهادته في أستاذه الذي تتلمذ عليه في مرحلة الماجستير واشرف على رسالته، فقال تحت عنوان (رحم الله أستاذنا المعطاء): عرفت في أستاذنا أبوّته وحرصه على طلابه، وتشجيعه إياهم على البحث والاطلاع الجاد والقراءة المستمرة، ودعمهم بكل ما يستطيع كي تخرج أفكارهم إلى النور من خلال تسجيل موضوعاتهم البحثية، ولا سيما إذا رأى في أفكارهم ما يستحق الدعم والتشجيع، أو رؤيةً ما؛ يحاول الطالب تحقيقها من خلال موضوعه، وكنت ممن عايش هذا، ولاسيما أنه كان مرشدي في تسجيل موضوع الماجستير، كما ذكر لي هذا عنه عدد من الزملاء، مع عدم كونه مرشدًا لهم، لكنه -رحمه الله- كان يُعجب بالأفكار الجادة، ولا سيما تلك التي يرى فيها جِدة، أو ربطًا بين القديم والحديث، أو استثمارًا للقديم، وبناءً يسهم في الجديد.

وتحدث د.اللويمي عن عدد من المواقف التي تعد نبراسا للأساتذة في منهج التعامل مع الطلاب بمسؤولية العالم المربي، الذي يرجو رضاء الله سبحانه في عمله.

      

-قراءات في المؤلفات النقدية للدكتور سعد أبو الرضا:

ضم هذا العدد الخاص عدة دراسات في الملفات النقدية للدكتور سعد أبو الرضا، فقد كتب  د.عادل إبراهيم العدل، وهو تلميذ الدكتور سعد في مرحلة الدكتوراه التي كتبها عن الآراء النقدية لنقاد رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وكانت دراسته بعنوان: (جماليات الشعر الإسلامي المعاصر في مرآة أستاذي الدكتور سعد أبو الرضا)، وقد تتبع هذه الآراء من خلال ثلاثة مؤلفات نقدية، هي: "الأدب الإسلامي قضية وبناء"، و"في جماليات الأدب الإسلامي النموذج والنظرية"، و"الأدب الإسلامي بين الشكل والمضمون.. ملامح إسلامية في الشعر والقصة والمسرحية"، جمع أراء الدكتور سعد في تسعة شعراء، وثلاث شاعرات، توزعوا على سبعة بلدان، وهذا التوزع يعطينا حرص الدكتور سعد  على توزيع اهتمامه  في الساحة الأدبية الواسعة، وعدم إغفاله الشاعرات، والشعراء هم: أحمد أحمد منصور نفادي، ومصطفى رجب، ومحمد التهامي، وصابر عبد الدايم، وعلية الجعار، من مصر، ووليد الأعظمي من العراق، وحسن الأمراني من المغرب، ولمياء الرفاعي من سورية، وعدنان النحوي من فلسطين/ السعودية، وعبد الرحمن العشماوي من السعودية، ووأماني بسيسو من فلسطين/ الأردن.

       وأرجح أن الكاتب د.عادل العدل لم يستقص، ولكنه أخذ نماذج من دراسات د.سعد، فهو له مشاركات كثيرة ومعمقة في مجلة الأدب الإسلامي، وقال في ذلك: وأخيراً.. إن قيم الجمال وروافده في الشعر الإسلامي المعاصر كثيرة متناثرة في مصنفات د.سعد أبوالرضا، ولقد قمت بجمع بعضها هنا مع شيء من الترتيب والتبويب والتلخيص كي لا يطول البحث، راجيا أن أكون قد وفقت.

وتحدث الأستاذ غياث الإسلام الصديقي الندوي عن "اهتمام د.سعد أبو الرضا بأدب الأطفال في كتابات أبي الحسن الندوي وعلي الطنطاوي"، وذلك من خلال مقالين له في مجلة الأدب الإسلامي، في العدد الخاص بالشيخ الندوي (26-27)، بعنوان: "ملامح قصة الأطفال الموجّهة في مجموعة "قصص من التاريخ الإسلامي للأطفال لأبي الحسن الندوي"، والعدد الخاص بالشيخ الطنطاوي (34-35)، بعنوان:  "قصص الشيخ علي الطنطاوي بين الدعوة والفن"، وهذا تناول يحمد لغياث الإسلام الندوي، وجاء في خاتمة المقال:

وكل من الندوي والطنطاوي قد استفاد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتاريخ في كتابة القصة، وكان كل منهما خطيباً مصقعاً، وداعياً مؤثراً مخلصاً. فيلمس القارئ الحس الخطابي في قصصهما بصورة عامة، وهو ملمح قصصي أساسي مشترك بينهما. كما وظف كلاهما القصة للغايات الدعوية، والخدمة الدينية، ووضع نصب عينيه نشر القيم الإسلامية البناءة، وإثارة الجمرة الإيمانية في النفوس بجانب رعاية تامة لمستوى الأطفال.

       كل ذلك قد جاء بيانه فيما سبق من مقالَتَيِ الدكتور سعد أبو الرضا، وهذا الاهتمام بالهدف النبيل، والالتزام بإثارة الجو الإسلامي، وتشكيل البيئة المحاطة بالعلم والدعوة مما جعل الندوي والطنطاوي في مكان الصدارة بين الرواد الذين نذروا أنفسهم للأهداف السامية، والغايات العليا.

واهتم بهذا الجانب أيضا د.محمد عباس عرابي، فقدم عرضا للكتاب الأكثر شهرة للدكتور سعد أبو الرضا: "النص الأدبي للأطفال وأبرز قضاياه الأدبية والنقدية، وعرض الباحث في هذا المقال الكتاب من خلال محورين؛ المحور الأول نبذة حول مكونات كتاب النص الأدبي للأطفال للدكتور سعد أبو الرضا،المحور الثاني: أبرز القضايا الأدبية والنقدية في كتاب النص الأدبي للأطفال. عرضا وافيا ونافعا.

وفي محور دراسة الكتب النقدية قدم لنا هاني محمد أحمد بدير "قراءة في كتاب نحو مذهب نفسي في نقد الشعر للدكتور سعد أبو الرضا"، استعرف فيه رؤية الدكتور سعد أبو الرضا في هذا الجانب من الدراسات النقدية، فقال الكاتب في مدخل مقاله: تتعدد المناهج التي تتعرض لتحليل النصوص الأدبية وتتنوع، والمنهج النفسي أحد هذه المناهج التي توظف مصطلحات علم النفس ومفاهيمه لتفسير النص الأدبي، وربطه بالحالة النفسية للمبدع، والوقوف على الأصول النفسية التي شكلت عملية الإبداع من خلال التفاعل بين الشعور واللاشعور...، وقد جاء في مقدمة يمهد فيها لموضوع الكتاب، ويبرز فيها أهمية الاستعانة بنتائج الدراسات النفسية في الكشف عن قيمة العمل الأدبي تحليلا وتفسيرا وتقويما باعتبارها أدوات علمية تقترب من حالة اليقين الموضوعي في التحليل: الجانب النظري: وفيه يعرض للأسس النفسية التي استثمرها النقاد في تحليل النصوص. والجانب التطبيقي: يناقش فيه تناول النقاد العرب للشعر والشعراء من خلال تلك الأصول. وفي الخاتمة: يعرض فيها نماذج شعرية من تحليله في ضوء الاتجاه النفسي. 

وقد ختم هذا القسم من عرض الكتب النقدية شمس الدين درمش، بـتعريفات موجزة لثلاثة عشر كتابا من مؤلفات الدكتور سعد أبو الرضا، ومهد لذلك قائلا: للدكتور سعد أبو الرضا مؤلفات نقدية عديدة، وبعض الإبداعات القصصية التي نالت حظا وافرا من النقد والعرض والدراسة في هذا العدد الخاص به، غير أن كتبه النقدية لم تأخذ حظها من الدراسة الكافية الشاملة، وفيما يأتي عرض موجز لعدد من كتبه النقدية شمل ثلاثة عشر كتابًا، هي: اتجاهات حديثة في أدب الأطفال، أدب الأطفال التنموي، بلاغة السرد بين الجنسين، الشعر قيمة إنسانية متجددة، في جماليات الأدب الإسلامي، النقد الأدبي أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة رؤية إسىلامية، الأدب الإسلامي والمسرح، الأدب الإسلامي بين الشكل والمضمون، أسلوبيات دراسات نظرية وتطبيقية، في السرد نظرة تاريخية وقراءة لنماذج مختارة، المقالة الإصلاحية في أدب الشيخ محمود شاكر، التراث والمتغيرات.. البلاغة العربية نموذجًا، النص الأدبي للأطفال.

وهذه الدراسات لا تغني عن دراسات أخرى أكثر تركيزا وعمقا في آراء الدكتور الناقد سعد أبو الرضا، في قضايا كثيرة في الأدب والنقد والبلاغة، وفي الأنواع والأجناس الأدبية شعره ونثره، وفي أدب الأطفال خاصة، ولعل بعض طلاب الدراسات العليا ينهضون بهذه المهمة، وفاء بحق علم من أعلام النقد، وأستاذ جامعي عمل سنوات طويلة في بناء أسس سليمة للنقد والأدب العربي والإسلامي الأصيل.

·       قراءات في المجموعات القصصية للدكتور سعد أبو الرضا:   

لقي هذا المحور عناية واضحة من عدد من النقاد المعروفين، وهذا يعطي لهذه الكتبات أهمية كبيرة، ويستفيد منها دارسو أعمال الدكتور سعد ابو الرضا مستقبلا. فتناول كل من الدكتور وليد قصاب، والدكتور أحمد السعدني المجموعة القصصية (الحياة تتجدد) قراءة أخرى في المجموعة القصصية "الحياة تتجدد" للدكتور سعد أبو الرضا.

يقول د.وليد قصاب في مدخل دراسته:  وهذه المجموعة القصصية التي بين أيدينا تكشف عن جانب آخر من جوانب شخصية سعد أبو الرضا الفكرية ، فهو –وقد عرفناه باحثًا جادًّا، وأستاذًا جامعيًّا متميزًا، معنيًّا بهم التنظير للأدب الإسلامي- أديب يمارس العمل الإبداعي، ويندفع في مضايقه، مشاركا في التعبير عن بعض هموم المجتمع وقضاياه. وهذه المجموعة، التي يبدو بعضها أشبه بالمشاهد أو اللوحات السردية، هي من الأدب الجاد الذي يهتم الدكتور أبو الرضا بالتنظير له والكتابة عنه، وقد توزعها همان كبيران لا ينفصلان بطبيعة الحال، هما: الهم القومي العربي، والهم الاجتماعي الإنساني.

ويقول د.أحمد السعدني:  من اللافت للنظر أن الكاتب في تقديمه للمجموعته يرفع شعارا مشرقا ورؤية وردية، فهو يشير إلى أن الحياة تحمل في تجددها الأمل والبهجة والسعادة للفرد والمجتمع والأمة، ومن ثم فإن التفاؤل يأتي من ربط المتغيرات بنتائجها كي يتحقق الخير والسعادة. ولقد نلاحظ أن هذه النظرة المثالية للحياة التي ترى في متغيرات البهجة والسعادة للأنا والآخرين، قد تفاعلت فنا وأداء في المجموعة.

والمجموعة في سبع قصص قصيرة وصورة. جاءت خمس منها يعتمد ضمير الغائب، وقصتان بضمير المتكلم، والصورة جاءت بضمير الغائب. وهذا يوحي للمتلقي بأن الكاتب يريد أن يكون موضوعيا، وخاصة أنه في تقديمه لا يشير إلى الثوابت، بل يشير إلى المتغيرات ويربطها بنتائجها التي تحقق الخير والسعادة عن طريق التفاؤل.

وتناول ثلاثة كتاب هم: إبراهيم سعفان، وفرج مجاهد عبد الوهاب، وحسني سيد لبيب؛ المجموعة القصصية (الذي لا يقهر) وجاءت كتابتهم تحليلية ناقدة هادفة من الناحية الفنية والمضمونية، فقال إبراهيم سعفان عن المجموعة:

من الأعمال القصصية النظيفة التي تأخذ بيد الإنسان وتقدمه بهدوء حرصا على الأخوة بين الأصدقاء، حفظا للبيت من الانهيار، المجموعة القصصية الجديدة الثانية بعنوان "الذي لا يقهر" للدكتور سعد أبو الرضا رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة بنها، له عدد من الكتب القيمة في النقد ودراسات فنية للقصة. أي أن الدكتور سعد يجمع بين نشاطين: النشاط النقدي والنشاط الإبداعي، وهنا نتساءل: لماذا لجأ الدكتور سعد إلى الإبداع القصصي؟

يمكن القول: إنه لجأ إلى العمل الإبداعي ليقول فيه ما لا يستطيع أن يعبر عنه في النقد، لأن النقد يلتزم الدراسات النقدية ونظرياتها فلا مجال للدخول في أفكار أخرى. الجدير بالذكر أن الدكتور سعد يكتب عن قضايا معاصرة لم تحسم نتيجتها بعد، ولم تتضح الرؤية فيها بعد، وتحتاج الكتابة عن هذه القضايا وقتا حتی تستقر الأمور، وهذا ما يفعله بعض الأدباء، فهم لا يكتبون إلا بعد فترة طويلة قد تصل سنوات مثلما فعل د. يوسف إدريس -رحمه الله- في روايته "رجال وثيران.

وقال فرج مجاهد عبد الوهاب: الأدب بآفاقه الإبداعية والتناولية، وجه من وجوه الحياة يستلهم من فضاءاتها ما هو إيجابي فيعززه، وما هو سلبي فينقده. والأديب المبدع خلال ذلك عين لاقطة، وأذن مرهفة، وعقل متوثب دائم التفكير، وقلم إصلاحي تنويري دائم الالتزام بالإبداع الفني المتطور القادر على الوصول إلى عقول قرائه وقلوبهم، والالتزام بالاتجاه الأخلاقي، والتربوي، والإصلاحي المناصر للحق والفضيلة والعدل وبكل ما من شأنه أن يرسم آفاق التغيير. وشيء آخر هو أن تتحول الكلمة في مستوى هذه الآفاق إلى التزام حي، دون إلزام، لأن الكلمة مسؤولية وأمانة يحملها المبدع أداة تنوير قبل أن تكون أداة تصوير أو تعبير.

هذه العناصر كانت من أهم الحوافز الإبداعية التي اشتغل عليها المبدع (سعد أبو الرضا) في مجموعته القصصية (الذي لا يُقْهَرُ) مشكلاً إضافة إبداعية إلى ما اشتغل عليه من إبداعات في النقد والدراسات، فالمبدع في مجموعته مندمج في قضايا وطنه إلى درجة الذوبان، فأبحر في قضاياه الوطنية والاجتماعية والإنسانية مفرزاً أوجهها الإيجابية والوقوف إلى جانبها، والكشف عن الأوجه السلبية وفضها ونقدها، ولذلك غلب الجانب الاجتماعي على الجوانب الأخرى في المجموعة.

       وقال حسني سيد لبيب معبرا رايه من الناحية الفنية في قصة (الصديقان): كتبت القصة بطريقة التدوير، بمعنى أن الصديقين شبا متحابين متجاورين، وفرقتهما الحياة والآلام، وظل أحدهما يسأل عن صنوه مدة حبسه، وفي النهاية، يتم الإفراج عنه ويرجعان إلى حيهما والشارع الذي كانا يقطنان فيه.

في بداية القصة، يقول الكاتب عن الشيخين: "هكذا كان يسميهما أهل شارع السد بحي السيدة زينب بالقاهرة". وينهي القصة بقوله: "وعاد الشيخ أحمد مع صديقه الشيخ علي إلى شارع السد بحي السيدة زينب يمارسان شعائرهما وطقوسهما.

البداية والنهاية متقاربتان متعانقتان، بما يسمى التدوير في كتابة القصة، أو نقول: إنها قصة مدورة، والتدوير هنا من جماليات النص الأدبي لكن الوضوح ظل دیدن الكاتب فيما يكتب.

وهناك تفاصيل زائدة لا لزوم لها، حيث إنها بلا ضرورة فنية، مثال لهذا قوله: "هكذا كان يسميهما أهل شارع السد بحي السيدة زينب بالقاهرة". ويمكن اختصار هذا القول الإنشائي، وتكتب العبارة: "هكذا كان يسميهما أهل شارع السد".. بعد حذف الاستطراد غير المفيد، وليستثير حافظة القارئ في التفكير في موقع هذا الشارع. قس على ذلك استطرادات أخرى لا تغيب عن حصافة كاتبنا، فيما عدا ملاحظاتي السابقة، تشمخ القصة بحبكتها الفنية وسردها الفني الراقي، وفكرتها الجيدة. وهذا يعني أن هؤلاء النقاد لم يجاملوا د.سعد أبو الرضا في قصصه.                

وقدم الكاتب عبد الحميد ضحا: "قراءة في المجموعة القصصية "جريمة.. لولا لطف الله" للدكتور سعد أبو الرضا"، وهي ثالث مجموعاته القصصية، فقال: وهذه المجموعة تحتوي على اثنتي عشْرةَ قصةً قصيرة، وثلاثَ قصص قصيرة جدًّا، تشكِّل العالم الإبداعيَّ للمؤلِّف، الذي يعالج مشكلاتٍ مجتمَعيةً وإنسانية وأُسرية، وبعض القضايا الخاصة بالأمة الإسلامية، من خلال تسليط المؤلِّف الضوءَ على لحظة أو موقف عاديٍّ يشكل منه بأسلوبه الأدبي وصوره التعبيرية موقفًا حيًّا يمثِّل المشكلة التي يريد تناولها، ثم يعالجها معالجة فنية ليَبُثَّ القيمة أو القيم التي يريد بثَّها في نفس المتلقِّي.

وقد ذكر المؤلِّف في مقدِّمة مجموعته هذه ما يَعْضُد ما ذكرناه؛ يقول: "السعادة، والهدوء، ومراجعة النفس، وراحة البال، والتسامح، وإيثار الآخرين، هموم وأشواق، وآمال وطموحات، يبتغيها الإنسان؛ فهل هذه القصص يمكن أن تساعد على تحقيق شيء من ذلك؟". 

وجاءت دراسة الدكتور صلاح عدس شاملة للمجموعات القصصية الثلاث، بعنوان: "قصص الدكتور سعد أبو الرضا في ضوء مفاهيم الأدب الإسلامي"، فقال د.صلاح:  وقد كتب الدكتور سعد أبو الرضا القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا أي الومضة وذلك في مجموعاته القصصية الثلاث وهي: "الحياة تتجدد"، و"الذي لا يقهر"، و"جريمة لولا لطف الله".

تصور القصة القصيرة لقطة من الحياة، تصور موقفًا أو لحظة نمر بها، ولكننا نتزحلق على سطح الأحداث ولا نتوقف لنتأملها كي نكتشف باطنها وأعماقها. أما الأديب الإسلامي فيقف لينظر بعينه، ولكن العين عنده هي نافذة الروح التي يكتشف بها حقيقة نفسه، وحقيقة الأحوال الاجتماعية في الظروف التاريخية التي يعيشها، بل حقيقة الإنسان والحياة والكون والله، أي الحقيقة المطلقة، وهذا ما نجده عند كاتبنا الدكتور "سعد أبو الرضا" من حيث الحدث، ومن حيث الفكرة.

وفي الدراسة الشاملة جاءت مقالة الدكتور عبد الحكيم الزبيدي الذي تناول "صورة الزوجة في قصص سعد أبو الرضا"، من خلال المجموعتين القصصيتين، الحياة تتجدد، والذي لا يقهر، فقال في تقديمه للدراسة: كتب الدكتور سعد أبو الرضا مجموعتين قصصيتين، هما: (الحياة تتجدد)، و(الذي لا يُقهر). "وقد توزعهما همَّان  كبيران لا ينفصلان بطبيعة الحال، هما: الهم القومي العربي، والهم الاجتماعي الإنساني". وسنتناول هنا الهم الاجتماعي، حيث نجد الكاتب في قصصه يهتم "بمعالجة القضايا الاجتماعية المتعلقة بالأسرة، وعلاقة الزوج والزوجة، وتأثير هذه العلاقة على الأولاد إيجاباً وسلباً". وضمن هذا الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالأسرة والعلاقات الزوجية، رسم لنا الكاتب صوراً مختلفة لبعض الصفات السلبية والإيجابية في الزوجة، بغية الحث على التحلي بها أو التنفير منها والحث على اجتنابها.

وقال د.الزبيدي: وإذا حاولنا تتبع الصورة التي رسمها الكاتب للزوجة في هذه القصص، سنجد أنها في مجملها صور سلبية، تصور صفاتٍ ذميمة في الزوجة، هدف الكاتب من خلالها إلى تحذير الزوجات والأزواج من هذه النماذج، من خلال المبالغة في وصفها وتصويرها من جانب واحد بغية التنفير والتحذير منها. وقد أشار الكاتب إلى أنه يهدف من وراء هذه القصص إلى (التغيير والإصلاح والإمتاع).

·       وللشعر دمعة:

كان للشعر حضور بما يناسب المقام في هذا العدد، فقد بكى الشاعران محمد فايد عثمان، ومحمد حافظ حافظ، الفقيد الدكتور سعد أبو الرضا، فقد ناح محمد فايد عثمان تحت عنوان: "إيه يا سعد الرضا"، قائلا:

إِيْهِ يَا (سَـعْدَ الرِّضَـا) فَارَقْتَنَـا         وَالَّـذِي مَـا بَيْنَنَـا بَعْـدُ انْقَـضَى

مَنْ تُـرَاهُ دَلَّ عَنْكَ المَـوتَ مَن        غَفْلَـةً مِنَّـا بِلَيْــلٍ حَـرَّضَـا؟

إِنَّهَـا الـرُّوحُ الّــتِي أُقْـرِضْتَهَــا          وَاسْـتَرَدَّ الحَـقُّ قَـرْضًـا أَقْرَضَـا

كَانَ مِنَّـا (سَـعْدُ) أَوْفَى ذِمَّـةً          إِنْ قَضَى سَمْحًا وَسَمْحًا مَا اقْتَضى

وقال داعيا له راجيا رحمة الله:

فِـي مِهَـادِ القَـبْرِ سَـاووا لَحْـدَهُ         عَنْ قَـرِيبٍ سَـوفَ يَرقَى نَاهِضَـا

رَقْـدَةٌ يَـا (سَـعْدُ) فِيْهَا راحَـةٌ           ثُـمَّ فِي الجَنَّـاتِ مَـا إِنْ تَمْرَضَـا

حَسْـبُكَ الرَّحْمَنُ قَدْ وَدَّعْتَنَـا           مَـا لَنَـا مِنْ حِيْلَـةٍ فِيمَـا قَـضَى

وجاءت قصيدة الشاعر محمد حافظ حافظ في رثاء الدكتور سعد معبرة عن دوره في الدفاع عن الكلمة الطيبة، بعنوان: "كنت على ثغر"، فقال:

ماتتْ من قبلكَ ناسُ

فانداسوا

وبَقِيْتَ برغم الموتِ فريدا

نبراسا يَتْبَعُهُ نبراسُ

***

عِمْلاقًا..

 كنتَ على ثَغْرٍ

فوقفتَ تُدافعُ عن وَعْيٍ

فرَدَدْتَ الشُّبْهَة والشُّبْهَةْ

وأقمتَ الحُجَّةَ والحُجَّةْ

فتوالدَ خَلْفَكَ حُرَّاسُ.

·       الورقة الأخيرة، وحسن الختام:

وكانت خاتمة المقالات والدراسات درتها في الورقة الأخيرة ما سطره الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الخنين نائب رئيس مكتب البلاد العربية، والمكتب الإقليمي بالرياض لرابطة الأدب الإسلامي، ونائب رئيس تحرير مجلة الأدب الإسلامي، بعنوان: "همة عالية وكلمة بانية"، فرسم صورة واضحة نقية للدكتور سعد أبو الرضا، من خلال المعايشة القريبة والحميمة في جامعة الإمام، وفي رابطة الأدب الإسلامي ومجلتها بالرياض، فقال:

فلقد تعرّفتُ على الأستاذ الدكتور: سعد أبوالرضا محمد أبوالرضا عندما تعاقدتْ معه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أستاذًا في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي بكلية اللغة العربية بالرياض؛ وذلك في عام (١٤١٦هـ)، الموافق لعام (١٩٩٥م)، وامتد التعاقد معه حتى عام (٢٠٠٥م)، وازددتُ منه قربًا عندما أُسند إليَّ رئاسة القسم مدة خمس سنوات: (١٤١٨-١٤٢٣هـ)؛ فعرفتُ فيه خلال تلك الصحبة في القسم وفي رابطة الأدب الإسلامي خلالًا حسنة.

وأنقل هنا العناوين الرئيسية لمقالته، وهي: همّته العالية، وكلماته البانية؛ واتّباعه لمنهج التيسير، ومنابذته للتعسير، وحبه للعمل من غير مَنٍّ ولا تذمُّر ولا تملمُل، وحماسته لمنهج الأدب الإسلامي، ودفاعه عن فكرته، ودقته في مواعيده وأمانته في حضور اجتماعات مجلس القسم، ومواظبته على حضور اجتماعات رابطة الأدب الإسلامي وملتقياتها، وقال في اللمحة الأخيرة: وكان حاضرَ الرأي، حسنَ الاستماع، مثرياً في مداخلاته وتعقيباته، خفيفَ الظل في تعليقاته ومداعباته، مبتسماً في مزحاته واستجماماته؛ لا يكاد جليسه يمل مجلسه، ولا يشعر بالحرج معه؛ بل يستطرد في موضوعات عندما يأنس من صاحبه أنه يحب ذلك؛ كاستطرادات الجاحظ في أدبيّاته، وكأحاديث الطنطاوي في تسجيلاته.

·       بقي في هذا العدد:

بقي في هذا العدد الخاص مقاله للدكتور سعد ابو الرضا نفسه كانت مدرجة للنشر في العدد السابق، فرأت هيئة التحرير نشرها في هذا العدد، وهو بعنوان:  "خالتي صفية والدير ومقاومة الإرهاب لبهاء طاهر"،

وأعدت هيئة التحرير سيرة ذاتية شاملة عن الدكتور سعد أبو الرضا رحمه الله، وكشافا بإسهاماته في مجلة الأدب الإسلامي ما كتبه، وما كتب عنه. وطائفة من أخبار الأدب الإسلامي.

نسأل الله سبحانه أن يتغمد الفقيد الدكتور سعد أبو الرضا بالرحمة والرضوان، وأن يسكنه فسيح الجنان، وأن يخلفنا عنه خيرا.