نظر ناقف في مؤلف "انبثاق النور وانجلاء الظلام" عما فيه من لطائف لصاحبه الأستاذ السيد قدور النجمي

محمد شركي

نزولا عند رغبة الأخ الفاضل الأستاذ السيد قدور النجمي أستاذ مادة اللغة العربية سابقا ، وقد كان زميل عمل بالثانوية التأهيلية الشريف الإدريسي للتعليم الأصيل بمدينة وجدة  حيث تقاسمنا مهمة تدريس مادة اللغة العربية  لطلاب قسم  الباكلوريا لعقد من السنين ، يسرني أن أستعرض مؤلفا صدر له مؤخرا تحت عنوان : " انبثاق النور وانجلاء الظلام " وهو من الحجم الصغير بلغ عدد صفحاته 137 صفحة . والغرض من هذا الاستعراض ليس نقدا بالمعنى بل هو مجرد نظر ناقف عما في هذا المؤلف من لطائف .

وقبل الشروع في ذلك، لا بد من كلمة في حق هذا الأخ الفاضل علما بأنه غني عن التعريف في الأوساط التربوية بسبب شهرة إشعاعه التربوي والثقافي والجمعوي.

وما أعرفه عن هذا الرجل أنه كان عاشقا لمهمة تدريس اللغة العربية متذوقا لجمالها من خلال  التعامل الصفي  مع حمولة الأعمال الإبداعية الأدبية نثرا وشعرا خصوصا وأن مقرر هذه المادة في التعليم الأصيل كان من الثراء بمكان.

وكان إلى جانب عشق مهمته النبيلة عاشقا للأنشطة التربوية التي كانت تغني العمل الصفي، وتنقل الناشئة المتعلمة من رتابة الدروس إلى أجواء المرح الذي لا يخلو من علم ومعرفة وتنافس فيهما .

وما كنت أعرف شيئا عن نشاطه الجمعوي حتى سنحت لي فرصة حضور تظاهرة لإحدى الجمعيات الثقافية  التي كان يرأسها حين دعاني لإلقاء قصيدة شعرية بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف ، فعرفت ما لم أكن أعرفه عنه في هذا المضمار.

وبعد ، أول ما استوقفني عنوان مؤلفه الصغير ، وصورة غلافه، وهي لفنانة تشكيلية سماها الكاتب شيماء ، وهو اسم تسمى به الإناث المسلمات تيمنا بشيماء بنت الحارث السعدية أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، والشيماء هي ما كان  في بدنها شامة أو علامة .

أما العنوان، فقد تضمن ثنائية النور والظلام المشهورة  في الأساطير، والواردة في الذكر الحكيم كناية عن الهداية والضلال . وقد قدم الكاتب للنور بالانبثاق ، وللظلام بالانجلاء ،علما بأن انبثاق النور إنما هو  بزوغ الفجر عند حلول كل يوم جديد ، وانجلاء  الظلام له نفس الدلالة حيث يكون زواله عبارة عن انكشاف النور . ولو استغنى صاحب المؤلف  في عنوانه بأحد طرفي هذه الثنائية عن الآخر لأغناه ذلك كما يغني من القلادة ما يحيط منها  بالعنق، لأن انبثاق النور هو بالضرورة انجلاء الظلام ، وهو ما لا أظنه  قد غاب عن ذهنه ،وربما كان قصده تأكيد ما أراده من دلالة لعنوان مؤلفه . والفرضية الراجحة قبل الاطلاع على مضمون المؤلف أنه قصد بعنوانه ما يقصد بالنور والظلام مجازا جريا على أسلوب القرآن الكريم في استعمال اللفظتين ،وإن كان هذا الأخير يقابل النور  بالظلمات، وهو أبلغ لأن الهداية واحدة والضلال متعدد . وباعتماد هذه الفرضية الراجحة يتوقع قارىء المؤلف حتما أن يدور الحديث فيه عن هداية تدفع ضلالا .

وأما صورة الغلاف، وبغض الطرف عما إذا كان المؤلف قد أوعز بها إلى  الفنانة التشكيلية أم أنه أرخى لها العنان في اختيارها ، فقد تناغمت مع العنوان حيث ميزها سواد يرمز إلى الظلام ، وصفرة علت السواد ترمز إلى  انبثاق النور مقابل انكشاف الظلام . والصورة من وحي واقعنا  لحضور أعمدة وأسلاك الكهرباء التي ترمز إلى نقل النور بالرغم من سوادها . ويوشك في الصورة كوكب مظلم على الأفول، وهو يرمز إلى انجلاء الظلام أيضا . ويبدو انحناء نخلة  في الصورة  أمام أعمدة الكهرباء كأنه تعبير عن خضوع ما ترمز إليه هذه الشجرة  من أصالة  في الثقافة العربية القديمة لغزو فكري غربي مصاحب للتطور التكنولوجي . وتبدو الطيور المحلقة في حيز السماء التي شع فيها النور رمزا لآمال يعلقها الكاتب على ما يريده من تأليف مؤلفه .

المؤلف تضمن إهداء عاطفيا  مؤثرا حيث خص به الكاتب والدا وولدا رحلا عن هذه الدنيا إلى دار البقاء ، كما خص به الأهل والبنات والأصهار والأسباط وهم آماله ،  وأهل العلم وهو نور، وأهل الصلاح وهم أهل هداية ، وطلاب المعالى من الشباب وهم الرهان ثم  كان الإهداء إلى كل أهل الإخلاص.

وبعد الإهداء يوجد تقديم أشار الكاتب إلى صاحبه في الهامش تناول فيه الإجابة عن سؤال لماذا يكتب الكتاب ؟ مستلهما إياها من أبيات للشاعر العربي نزار فلاني وللروائي البريطاني جورج أورويل وهي إما حب الذات ، أو حب الجمال أو حب الحقيقة أو الدافع السياسي . وانتهى صاحب التقديم إلى أن الكاتب لن يكون دافعه لتأليف هذا المؤلف  سوى شيء مما حدده الشاعر العربي والروائي البريطاني فيما اختاره لهما من كلام  .

ويأتي بعد التقديم تصدير للكاتب كشف فيه عن قصده من موضوع هذا المؤلف  بهذا العنوان المتفائل ،وهو تحقيق طمأنينة النفوس وانشراحها عن طريق توثيق الصلة بالخالق، وطلب العلم النافع ، وتوخي العمل الصالح ، واستحضار الضمير الحي . وتضمن التصدير أيضا الإشارة إلى الأسلوب المعتمد في المؤلف، وهو أسلوب  تعليمي يعتمد شواهد  من القرآن الكريم والحديث الشريف ومن المأثور من كلام العرب ، فضلا عن الإشارة إلى لغته التي زاوج فيها بين المباشرة والانزياحية

ويذكر الكاتب بعد ذلك ما تضمنه مؤلفه من فصول خص كل واحد منها بقضية فعنون الأول منها بمحاور قيمية ، والثاني بأسس اجتماعية ، والثالث بقضايا تعليمية وتربوية وصحية ، والرابع بالحرية والفن ، وجعل خاتمته أدعية و أواخر سورة البقرة ،وبعدها ذكر ما اعتمده من مصادر ومراجع ،مع الإشارة إلى محتوياته

كما كشف في تصديره  أيضا عن دلالة عنوان مؤلفه ،وهو عبارة عن إشارة إلى ما فيه من دعوة إلى سمو الأخلاق التي  ترقى بالمجتمع، ونهي عما ينقضها مما يتخلف به عن الرقي .

والغالب على الظن  أن مضامين هذا المؤلف  أنها عبارة عن مواضيع حررت منفصلة عن بعضها في أوقات مختلفة ثم بدا للكاتب أن يؤلف بينها برابط يجمع ما بين  القيمي الأخلاقي، و الاجتماعي،والتعليمي التربوي ، والصحي ، والفني،داعيا  إلى ما يرقى بها جميعا ومحذرا مما يكبو بها .

ولقد اختار الكاتب من القيم  الأخلاقية  النبيلة والسامية  الاعتصام بحبل الله عز وجل وشكر نعمه ،والاستقامة ، و التآلف، والتواد والتراحم ، والاتحاد ، والصدق ، والإيثار ،وبيّن سموها ونبلها ،وما تعود به على المتحلي بها من نفع ترغيبا فيها ، وذكر ما يناقضها للتنفير منه  .

واختار من القيم الاجتماعية  البانية  الشورى ، والمواطنة الصادقة ، والمساواة والعناية بالناشئة ، والأمانة ، والعلم ، والاقتصاد ، وقارن بين هذه القيم في المجتمع المسلم ،وفي المجتمع الغربي منتقدا ما في هذا الأخير من تعارض مع توجيهات الإسلام ، ومشيدا بما يسايرها مستشهدا بما صار عليه  حال العالم عقب الحرب العالمية الثانية .

واختار من القيم التعليمية التربوية والصحية  العناية بدور العقل  والأخلاق في خدمة التربية  والتعليم وسبل نجاحهما من تخطيط موفق  ومن انفتاح على سوق الشغل مع الرهان على التكنولوجيا الحديثة ، وتطوير أساليب وتقنيات التلقين . وخص القيم الصحية بالحديث عما توصي به المنظمة العالمية للصحة من محاربة الأوبئة والأمراض الفتاكة، وذلك باعتماد الخبرة الطبية المتطورة ، وأساليب الوقاية ،ولم تفته فرصة الحديث عن التجربة التي فرضتها جائحة كوفيد 19 ، وهو في كل ذلك مرشدا، وناصحا، وموجها جريا على  طبعه كمرب .

واختار في طرقه لموضوع الفن علاقته بالحرية التي تطلق له عنان الإبداع  بمختلف أنواعه وأشكاله معمارا، ونقشا ،وزخرفة، ورسما، وتشكيلا ... مركزا على الدعوة إلى  الأصيل الراقي منه  والهادف .

وختم الكاتب مؤلفه بأقصوصة طريفة جعل عنوانها : " المحطة الأخيرة "  صور فيها مشهد نزول في محطة قطار أخيرة تعرض فيها شاب للتفتيش من طرف مراقبي التذاكر، الشيء الذي تسبب  في عرقلة خروج المسافرين من المحطة ، وكان هذا الحدث سببا في جلسة جمعت بين  الكاتب ومن كانوا يشاركونه المقصورة في القطار أثناء سفره ، وكانت الجلسة في مقهى مجاور للمحطة انتهت بنصائح شيخ حكيم عرّف داء  الأمة ووصف لها الدواء .

والأقصوصة عبارة عن تقنية اختارها الكاتب لتشخيص ما حث عليه من قيم من خلال لقطة من لقطات الحياة اليومية المعيشة حيث أساء مراقبو التذاكر وبعض المسافرين الظن بالشاب الذي نسي موضع إيداع تذكرته حتى دله الشيخ الحكيم صدفة على مكانها في جيب من جيوبه لينقذ بذلك ماء وجهه من موقف محرج . ولقد سرد الكاتب خلاصة ما دعا إليه في مؤلفه على لسان الشيخ الحكيم .

وكم وددت لو أن هذا المؤلف كان كله عملا قصصيا يترجم نصائح الكاتب من خلال  مواقف أو لقطات من الحياة اليومية المعيشة خصوصا وأنه يمتلك موهبة قصصية  متميزة  .

وانتهى المؤلف بأدعية من عنده ، وبخاتمة مما ختمت به سورة البقرة .

هذه مجرد وقفة متواضعة مع هذا المؤلف الذي نهنّىء  صاحبه ، ونرجو أن يكون بداية لمؤلفات أخرى ، ونترك للقراء  الكرام متعة  قراءته كل حسب ذوقه، وبالله التوفيق .