القصة القصيرة جداً ! تنظيراً وإبداعاً !

يحيى حاج يحيى

لون جديد من ألوان السرد ، يقول النقاد عنها : إنها تحافظ على جوهر القصة ، ولا تلتزم بكل ما فيها ، أما أشخاصها فيقدمون في لحظة فاعلة وهي ليست معنية بتقديم أوصافهم مفصلة ، وهي ذات أسلوب إيحائي لغوي درامي بكلمات قليلة وتكثيف لغوي ، تبرز فيها المفارقة التي تستشف من النص أحيانا ً وتعتمد على التناص في صنع علاقة وشائجية بين الغائب والحاضر ، وعلى السخرية والأنسنة والرمز الحيواني ، فهي ليست خاطرة قصصية أو مقالا ً في قالب حكائي ... ويقول آخرون لانرى فيه شيئا جديدا ، لأن عناصرها متوافرة في القصة القصيرة فلا مبرر للحجم ، ويرى بعضهم أن التنظير لهذا النوع قد سبق الإبداع ، فهو مخالف لحركة التطور الطبيعي وتاريخ النقد ؟!

والواقع يقول : إن هذا اللون بدأ بالانتشار وقدمت منه نماذج في قصص مفردة أو مجموعات قصصية ، منها على سبيل المثال : ما كتبه الأديب المغربي الحسين زرّوق في مجموعته ( صريم ) إذ يبرز في هذا اللون النقد الاجتماعي والسياسي . ففي ( الزوجة ) مثلا : لا يلتقيان إلا لساعات ليلا ، وفي الصباح يذهب كل واحد منهما إلى عمله ، وتتحمل الخادمة كل أعباء البيت والأبناء ! تختار ملابس رب الأسرة وأكله وشربه ، وتسهر على راحته ، بل تقترح عليه في كثير من الأحيان حلولا لمشاكل لا تجد زوجته وقتا لسماعها فضلا عن مناقشتها ، والزوجة في عملها تلقت خبرين اثنين عبر البريد بعد غياب زوجها عن البيت ، وذهاب الخادمة لحال سبيلها : طلاقها من زوجها ، وزواجه بالخادمة ) وللقارئ أن يحكم هل هذا السرد تلخيص لقصة طويلة بأحداثها الكبيرة وجزئياتها المتعددة وشخوصها المتعددين أم أنها إيجاز لقصة متوسطة الحجم ، أم تكثيف لقصة قصيرة اكتفت باللمح والإيحاء ؟ !

أيا كان الأمر فلنترك الحكم للزمن وللنماذج و للنقاد ولنتوجس خوفا من أن يستسهل هذا اللون بعض من لا دربة لديهم  ولا موهبة فيظنون أن الأمر لا يعدو أن يكون سطورا تسود على الورق ، كما استسهل غيرهم شعر التفعيلة فأساؤوا إلى فن الشعر بكلمات تنثر على الورق مع عشرات من علامات الترقيم !!