عتابٌ عَلى قارِعَةِ الغِياب!

صقر أبو عيدة

صقر أبو عيدة

[email protected]

في زَحْمةِ حُلْمي يأْتِيني

وأَعُدُّ لهُ حُجُراتِ فُؤادي فُسْطاطاً وَمُقاما

وَيُعاتِبُني

لِمَ شِعْرُكَ حَطَّ عَلى كَتِفِ الصّفَحاتِ صُخوراً تَزْفِرُ أَسْقاما ؟

أَثْقَلْتَ مَواجِعَها وَالسّطْرُ يَئِنُّ

وَالنَّصُّ غَريبُ اللّحْنِ يَبُثُّ حِماما

هُوَ ذاكَ أَبي،

يَأْتيني في ثَوبٍ فَضْفاضٍ بينَ النّومِ وبينَ الصّحوِ..

يُحاورُني

لَمْ أَدْرِ، أَكانَ مَناما ؟

وَيُذَكّرُني بِنَدَى الإصْباحِ وَفَوحِ الْعُشبِ إذا وُطِئا

لِمَ لا تَدْعو لِلْحُبِّ لِيالِيَ أَيّاما ؟

وَيُعاتِبُني

كَيفَ الأَشْعارُ تَمِيرُ القَلْبَ إذا أَلْقتْ في السّطْرِ ظَلاما ؟

مَنْ يَعْبأُ إنْ سَرَقُوا وَطَناً وهَجَرْنا الأَرْحاما ؟

لَيستْ في هَمٍّ أَنْ تَشْقى أُمَمٌ وَتُضاما

أَبُنَيْ

الْبَوحُ الطّيّبُ يَمْنَعُ رِيحَ الْقَهرِ..

فَتَغْدو فُلاً وَخُزامَى

وَقُلِ الْحَقَّ البَرّاقَ ولا تَعثَرْ

وَاقْصِدْ في مَشْيِكَ لا تَتَعامَ

ياليتَ قَصيدي يُؤوي مَنْ في الأَرضِ جَميعا

فَضُروعُ الغَيمِ تَدِرُّ وَما تَجْفو غَرْسا

وارصُفْ للوُدِّ دُروباً..

لا أَنْسابَ تَخُصُّ وَلا أَقْواما

*****

هُوَ ذاكَ أَبي

يَأْتي في نارِ حُرُوفي يُطْفِئُها

وَيُسامرُني

في الْغُرْبَةِ كُنتُ أُراسِلُهُ لِيُعِدَّ التّرْبَةَ فَرْشاً وَمَناما

اشْتَقْتُ لِقَهْوَتِهِ بَعدَ الْفَجْرِ..

وَحينَ يَموجُ أَديمُ الأَرْضِ على مَوّالِ الصّبْرِ

أَرْوي قَلَمي منْ حِبْرِ الأُلْفَةِ..

والْكَلِماتُ هُناكَ تُناجِيني

*****

هُوَ ذاكَ أَبي

يَتَمَنّى منْ صُنّاعِ الحَرْبِ دَقائقَ حُبٍّ يَكْسُوها سُحُباً وَسَلاما

في كُلِّ شِتاءٍ أَذْكرُ كيفَ يُناغي البَرْدَ لِيُدْفِئَني

وَصَلاةُ اللّيلِ وِسادَتُهُ حتّى الصّبْحِ

وَأَراهُ بِكُلِّ نَسيمٍ تُرْسِلُهُ الشّطْآنُ غَماما

وَيَسيرُ بعِكّازٍ خَشَبِيِّ الْعَظْمِ بِلَونِ القَمْحِ

آهٍ لَو تَسْطَعُ شَمسُ أَبي قُدّامَ عُيوني

كَي أمشِيَ مُعْتَذِراً وَأُقَبّلَ رِجْلَيهِ

وأَراهُ على مِصْطَبّةِ قَلبي يَنْثُرُ أَدْعِيَةً وَوِئاما

لنْ أَثْنِيَهُ أنْ يَمْلأَ أَورِدَتي حُبّاً وَمَلاما

فَأَنا الْمَوجُوعُ بَعيداً في أَقْصَى الأَرْضِ

وَالشَّوقُ يُنادِيني خَلْفاً وَأَماما

وَأَخافُ شَقائي حينَ يَحينُ حِسابي

وَدُرُوبي قدْ مُلِئَتْ آثَاما

ثَكِلَتْني الأَرْضُ وَما وَسِعَتْ حُلْمي

أُمْنِيّةُ رُوحي عندَ البَعْثِ تَكونُ حَماما

مَنْ يُنْجي عَيني يومَ أَموتُ وَيومَ أَقومُ لِزاما

يَارَبُّ لَأنْتَ اللهُ وَأنْتَ العَفْو

فَانْزِعْ منْ جِسْمي الرُّوحَ كَما الْمَحْبوبُ يُميطُ لِثاما

فَأَخافُ خِتاماً لَمْ يَتْرُكْ لَحْماً وَعِظاما

الْيَومَ أَراني فَوقَ الجَمْرِ أُسَاقُ كَعَيرٍ لاكَ لِجاما

مَنْ يمسحُ عنْ عَيني غَبشَ الأَيّامِ إِذا اسْوَدَّتْ

وَتَكونُ لَهيباً في قَبْري وَضِراما

وجَناحُ الرّوحِ بِلا ريشٍ في قَفَصِ الدّنيا

وَهنا مَلَكٌ لِلمَوتِ يُعِدُّ سِهاما

*****

الشِّعْرُ يَموتُ بلا حُبٍّ

فَاغْرسْ في النَاسِ فَسائِلَهُ

تَقطِفْها أُنساً في الدّنيا وَوِساما