من روائع الشعر الهادف

د. وائل عبد الرحمن حبنّكة الميداني

البارحة قرأت في صفحة الطبيب الموهوب والشاعر المبدع الدكتور Wael Habannakeh قصيدة رائعة ، وتوطئة لها تفضح أولئك الذين أساؤوا للشعر والأدب العربي ، فعلقت عليها فقلت :

( إنها بحق ملحمة شعرية .

ولكأني أقرأ في ثنايا هذه الكلمات الحارة ومعانيها المتألقة كلمات عملاق الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي رحمه الله .

ولكأنني أعيش مع هذه القصيدة العصماء في رحاب ( تحت راية القرآن )

ليست هي رسالة شعرية إلى المتنبي فحسب : بل رسالة لكل أديب ولكل شاعر ولكل عاقل .

ورسالة لكل مفكر وكل مثقف وكل مؤمن ينتمي لهذه الأمة انتماء حقيقياً .

سلمك الله من شاعر فحل ، ومفكر يغار على دين الأمة وقيمها ومبادئها ولغتها وأدبها .

وزادك من أفضاله ) .

اقرأ هذه القصيدة الرائعة وإياك أن تملّ بسبب طولها فإنها تستحق أن تكتب بماء الذهب .

وهي بعنوان :

رسالةٌشعريّةٌ إلى المُتنبي 

تَوْطِئَة :

هجمةٌ شرسةٌ على كلّ الثوابت والقيَمْ ، يقفُ وراءها أعداء الإسلام الذين يديرون معاهد الدراسات العالميّة التي تُعِدُّ برامجَ تدميرِ المسلمين مدعومةً من قادةِ الحضارة الحديثة في الغرب العفِن ... ابتدأت هذه الهجمة منذُ عدّة عقود وكانت تتخفى وراء مسميّات كثيرة ، وعلى رأس هذه المسميّات كانت فكرةُ تطوير الفكر الديني في المجتمعات الإسلاميّة من خلال تغيير مفاهيم كثيرةٍ ومنها الثقافة والأدب بأنواعه شعراً ونثراً ، وانضوت هذه الفكرة تحت عنوان الحداثة ! ولهذا تمّ إعداد فريقٍ من الكتاب والأدباء وغير الأدباء للقيام بهذه المهمّة ، وتمّ الإيعازُ إلى كل وسائل الإعلام وكل دور الثقافة وكلّ المنتديات أن تدعم هذه الأسماء وأن ترفع من شأنها وأن تُروّج أفكارهم، وبالمقابل أوكلت لهذه الجهات مهمّة محاربة كلّ ما هو أصيل من فكرٍ ومنهجٍ وأسلوب وأوعزت لهم بإغلاق أبواب ونوافذ هذه الفعاليات في وجه كلّ من لا ينتمي إليهم ، ولم يكن هذا الأمر عصيّاً على أعداء الإسلام لأن كلّ الرؤوس التي تدير هذه الفعاليات تنتمي إلى تيارٍ واحدٍ ! هو ( التيار العلماني ) وقد تمّ اختيارهم بدقّةٍ لا تحتمل التفريط ! 

وبنظرةٍ متأنيّة إلى الحركةِ الثقافيّة في عالمنا العربيّ نجد أنّ القائمين عليها ينفّذون ما أُمروا به بتفانٍ عجيب ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنّ روّاد الحركة الثقافيةِ يُكَرّمون مُعاقاً أسمه أدونيس ، ونجد أنّ كل منافذ الأعلام ودُورِ الثقافة تتغنى بعبقريّته وشاعريّته وترفع من قيمته وقيمةِ مَن هُم على شاكلته !!! وأقسم بالله أنني تتبعتُ هذا الرجل فما وجدته إلاّ معاقاً لا يصلح لأن يكون أستاذاً في دور الحضانة 

أمام هذا الواقع المُزري وجدتُ نفسي أبعث بهذه الرسالةِ إلى المُتنبي رائد الشعر العربي 

أغْمِضْ عيونكَ … فالقوافي ترتعُ

والشعرُ من ثديِ البغايا يرضعُ

وحُماةُ إرثكَ بعضُهُمْ مُستَرْجِلٌ !

والبعض خُنثىٰ حولنا تتدَلّعُ !

حَوْقِلْ وبَسْمِلْ واسْتَعذْ كي لاترى

ماذا بإرْثكَ بعد موتك يُصنعُ

إنَّ الذين على الثقافةِ سيطروا

وعلى منصات البيان تربّعوا

حرقوا رفاتك واشتروا برماده

حُمُراً بقِشْرِ دماغها تَتَبَرْدَعُ ! 

رَحِمُ الحداثةِ أُمُّهم فهُمو لها

وعلى معالفها نمَو وترعْرَعوا

والسرُّ في رحِمِ الحداثةِ أنّها

من كلِّ صاحب لَوثةٍ تَسْتَبْضِعُ

أنسابهم في الشعر نجهل أصلها

لكنّهم مثلَ الجراد تجمّعوا

جعلوا بساتين الثقافة بلقعاً

لا زهرَ لا زرعاً ولا من يزرعُ 

مِنْ أينَ جاءوا ؟! مَنْ أطال رقابَهم ؟!

ومتى وكيف تكاثروا وتفرّعوا ؟! 

أصلٌ وفرعٌ منْتِنٌ وأرومةٌ

فيها بما كسَبوا عيوبٌ أربعٌ

كفرٌ صريحٌ والكرامةُ درهمٌ 

والقلبُ غلٌّ والأنا مُستنقعُ

والله لو مرّتْ عليك قصيدةٌ

وسمعتَ من أفواهِهم ما نسمعُ

لَوَأَدْتَهُمْ وكَتَبْتَ فوق قبورهم :

( يا زائرين القبرَ لا تتنخّعوا  ) !!!

( للميّتين حقوقُهُمْ مهما همو

بحياتهم جاروا ومهما شنّعوا )

يا خيْرَ مَنْ جعل القوافي جنّةً

يجري البيان بها ومنها ينبُعُ

أشكو إليك - ولستُ وحدي المُبتلى -

بل أمّةٌ أوصالها تتقطّعُ

ماذا نقولُ وقد علا بزماننا

مَن مِنْ مواخير الجهالةِ  يطلُعُ

أدباءُ هذا العصر بل جهلاءُه

بل هم شياطينٌ تعيثُ وترتعُ 

هم ثُلّةٌ لمّتْ حثالةَ ثُلّةٍ

فاستقْبَلَتْها ثلّةٌ تتسكّعُ

فتآزروا ... مِنْ خلفهم كفٌّ لها

بجحور أعداء الفضيلةِ أذرُعُ

لم يُرفَعوا عبثاً ولا نُصروا سدىً

أبداً ولا عن غير قَصدٍ لُمِّعوا

فالشرُّ من خلفِ التلالِ وُقُودُهُ

وإليه أسرارُ المصائب تَرْجِعُ 

يا خيرَ مَنْ أعطى القصائدَ حقّها

عُذراً ... وعذري سيّدي لا ينفعُ !

قَصُرَتْ يدِيْ … والشرُّ طالَ وما أنا 

إلاّ ضعيفٌ ساخطٌ يتضرّعُ

لو كُنْتَ فينا ما سلِمْتَ ، فنحْنِ في 

زمنٍ يضيقُ به الأعزُّ الأرفعُ !

بل نحن في زمنٍ يُذَلُّ كريمُه

وبه الذليلُ بغيرِ حقٍّ يُرفعُ

قُمْ كَيْ أريكَ محافلَ الأدبِ التي

عن كلّ موهوبٍ خبيرٍ تُمْنَعُ

وانْظُرْ إلى مَنْ يملكون زِمامَها 

تلقَ الذي ما لمْ تَكُنْ تتوقّعُ

تلقى ثعابيناً تبثُّ سمومَها

وبألفِ وجهٍ باسمٍ تتقنّعُ

وترى عواماً يُخدعونَ وأمّةً

تبكي ومن كأس الأسى تتجرّعُ

حشدوا عليها وانتقوا أدوارهم

بعنايةِ وعلى الثغور توزّعوا

كم زيّفوا ! كم شوّهوا ! كم هاجموا !

يا بُؤسهم كمْ مزّقوا ! كم قطّعوا !

لم يفتحوا باباً لنشر فضيلةٍ

يُسعى لها أو بابَ خيرٍ يُقرعُ

قالوا أصالةُ شِعرنا رجعيّةٌ

يا حظّهم لو للأصالة يرجعوا 

بئس التقدُّمُ ببّغاءً لا يعي 

أو راقصاً متنكّراً ( يتَشَخْلعُ )

بئس التطوُّرُ في عقول همُّها

أن لا ترى حرّاً بحقٍّ يصدعُ 

قالوا قيودُ الشعر تُعْجِزُ أهلَهُ !!!

ما ذنْبُنا في الشعرِ إنْ لم يبرَعوا ؟!

فالشعرُ تُكْسِبه القيودُ محاسناً

إن صاغه رجلٌ خبيرٌ مُبدِعُ

حجبوا محطّاتِ الفضاءِ عن الذي 

ببيانه شمسُ البلاغةِ تسطعُ

واستعمروا دُورَ الثقافةِ كلّها

واسْتَذْأبوا ، واسْتَكْلَبوا ، واسْتَضْبَعوا 

لم يفتحوا باباً لحُرٍّ قادرٍ 

كي لا يذِلّوا خلفه أو يرْكعوا !!!

كي لا تُرى عوراتُهم بحقائقٍ

يجلو بها ما حرّفوه وما ادعوا  

هي خطةٌ غاياتها أن يسقط

الإنسانُ فينا بعدما يتصدعُ

أدونيسُ ... ما أدونيسُ أو أمثالهُ

إلاّ غرابٌ ناعقٌ أو ضفدعُ

ما هذه العاهاتُ ؟! مَن أعطى لها

سقفاً تُعربدُ تحته وتُبعْبِعُ ؟!

أوَ كلّما فَسْلٌ زنيمٌ جمّعتْ

شفتاهُ ما يحلو له يتنطّعُ ؟!

أين الثوابتُ ؟! أين ذوقُ رجالنا ؟!

أين البيان وأهله ( والمَجْمَعُ ) ؟!

أوَ ليس للأدبِ الجميلِ مكانةٌ ؟!

أوَ ليس للّغةِ الكريمةِ مَرْجِعُ ؟!

أوَ ليس من حقّ الذين استنشقوا 

أعمارَهم في الشعر ان يستمتعوا ؟!

أوَ ليس للأخيارِ، حقٌّ أن نرى 

أدواحهم بحقولنا تتفرّعُ ؟!

هل هكذا تبني الحضارةُ مجدها ؟!

هل هكذا صرحُ الحضارةِ يُرفَعُ ؟!

بفمي الكثيرُ !!! وفي عيوني دمعةٌ

تأسو عليها في العيون الأدمعُ

لا شيء يعدل ما أراه بأمّتي 

وأظنُّ أنّ قصيدتي لا تنفعُ ؟!

لكنّني دوّنتها علّي بها 

إنْ حاسَبَ التاريخُ يوماً تشفعُ …