سوريا: 10 سنوات هزّت العالم!

رأي القدس

حصلت، منذ انطلاقة الثورة السورية في 15 آذار/مارس 2011 وحتى الآن، تغيّرات سياسية عربية كثيرة على مستوى القمة، منها، خروج رؤساء عرب عديدين من الحكم، عبر الخلع أو الإقالة أو الانتخاب أو القتل. تغيّر ثلاثة رؤساء أمريكيين (بينهم أوباما الذي حكم لولايتين) وانتخاب رئيس فرنسي جديد، وتغير عدة رؤساء حكومات بريطانيين، كما حصلت تقلّبات سياسية كبيرة في البلدان الغربية، وكذلك في دول كبرى، جغرافيا أو اقتصاديا أو سياسيا، كالهند واليابان وتركيا والسعودية وغيرها.

استمرّ، في المقابل، رئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو وارث أبيه حافظ الأسد (الذي حكم سوريا منذ عام 1970) رئيسا رغم أن حكمه تسبّب في إحدى أكبر كوارث القرن الواحد والعشرين، أدخل بلاده في هوّة فاغرة سوداء، ووضع مواطنيه في خانة أبأس شعوب الأرض، وكان المسؤول الرئيسي في مقتل مئات آلاف البشر، وعذاب باقي مواطنيه، سواء الذين هجّروا ولجأوا إلى دول الجوار وأوروبا وحتى أقاصي العالم، أو الذين بقوا تحت حكمه، فأصبح، كما تسميه صحيفة «لوموند» الفرنسية: «ملكا على كومة من الأنقاض».

 

اقتضى «الاستمرار رئيسا» تحت شعار «الأسد أو نحرق البلد» ليس إحراق البلد وصب الحمم بأنواعها على مواطنيه، بل تحويل الرئيس إلى مسؤول ميليشيا ضمن قوى أكبر منه وتتحكّم في قراراته، كما هو الحال مع روسيا وإيران، أو تقتطع الجزء الأكثر غنى وموارد في البلاد، كما هو الحال مع قوات «التحالف» الأمريكية وحلفائها في حزب العمال الكردستاني (تحت المسمى الفكاهيّ «قوات سوريا الديمقراطية») أو تتسلّى بقصفه وشن الغارات الجوية والبحرية ضده من دون حساب، كما هو الحال مع إسرائيل، أما في المناطق الخارجة عن حكمه فتسيطر قوات مدعومة من تركيا أو تنظيمات جهادية متطرّفة، بحيث تكاد تتلاشى ذكريات الثورة السلمية السورية التي تم خنقها، عبر القمع المكثّف، ثم عبر التجاهل الدوليّ الممنهج الذي اكتفى بعقوبات على النظام لكنّه قرّر أن حربه الرئيسية هي مع إحدى منتجاته: تنظيم «الدولة الإسلامية».

أدت التداعيات المتصاعدة وحشية بغرض وأد الثورة أيضا لأن يحاول أكثر من نصف الشعب السوري النجاة بأرواحهم، وانتهى الأمر بالقسم الأكبر منهم بالسكن في مخيّمات بائسة في لبنان والأردن وعلى حدود سوريا مع إغلاق تركيا، التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين لحدودها.

بفضل سياسة «الأسد أو نحرق البلد» فقد الأسد ونظامه السيادة الفعلية على البلاد التي صارت مسيطرا عليها من دول متصارعة، وتحوّلت المسألة السورية إلى قضيّة سياسية متفجرة في البلدان المجاورة، وبشكل خاص في لبنان، التي تعرّض ميناؤها لتفجير هائل تكشّفت أصابع للنظام السوري فيه، وكذلك في تركيا المسؤولة عن ملايين اللاجئين والداعمة لأطراف عسكرية داخل سوريا، والقلقة من سيطرة حزب العمال الكردستاني على أجزاء واسعة منها، وعلى روسيا التي صارت راعية النظام، وإيران التي تعتبر وجودها العسكري مهما لمشروعها الامبراطوري، ولإسرائيل التي تناهض طهران، وللعراق الذي تشارك ميليشياته في الحرب داخل سوريا.

مع فيض اللاجئين السوريين نحو أوروبا، وانضمام لاجئين آخرين من «الشرق الأوسط» وأفغانستان وغيرها، تحوّلت «المسألة السورية» إلى قضيّة عالميّة ساهمت، مع استثمار اليمين العنصريّ في أوروبا فيها، في تدعيم تيّارات عنصرية وفاشية معادية للاجئين وللإسلام، كما حصل مع صعود حزب «البديل من أجل ألمانيا» و«الجبهة الوطنية» في فرنسا، وحزب «الشعب» الدنماركي، وحزب «الحرية» النمساوي، و«رابطة الشمال» الإيطالي و«الاتحاد المدني» الهنغاري وغيرها.

كان لافتا، في هذا السياق، أن أشكال الدعاية التي استخدمها التيار المناهض لأوروبا في بريطانيا (والذي تمكن بعد استفتاء عام 2016 من وضع طريق بلاده نحو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي) خريطة تظهر أن للاتحاد الأوروبي حدودا مع تركيا، وبالتالي مع سوريا، وكانت خطابات زعماء هذا التيار، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، تشير صراحة إلى هذا الأمر، باعتبار أن محاذاة حدود سوريا خطر محدق بأوروبا.

لقد أصبحت سوريا، بفضل خيار القمع الوحشيّ لثورة شعبها، إلى «بعبع» يخيف العالم، ولبلد رازح تحت الاحتلالات والعقوبات، ولأمثولة سياسية كبرى عن تخلّي العالم عن شعب طالب بالحرية.