افتتاحيات 11-06-2011

حزب الله وحزب البعث!

أ. د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كنت أعلق أملا كبيرا على الشيخ حسن نصر الله كي يمنع صديقه فخامة الرئيس بشار الأسد من قتل الشعب السوري الأسير ، ويدفعه ليسلم بحقوقه المشروعة في الحرية والعدل واختيار حكومته ونظامه الذي يريد ، من خلال تفاهم متحضر بين الشعب والرئيس ، دونما لجوء لاستخدام القناصة والرصاص الحي والدبابات والمدرعات والطائرات المروحية في قصف المتظاهرين من الرجال والنساء الذين يصرخون بحناجرهم ويرفعون اللافتات بلا مدية ولا بندقية طلبا للكرامة والشرف .

وكنت أتمنى من قناة المنار بدلا من الاصطفاف إلى جانب الطغاة الجلادين في دمشق العُمرية – نسبة إلى عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين - أن تصطف إلى جانب الحقيقية، وتدخل كاميراتها إلى درعا واللاذقية وحمص وريف دمشق وحماة وحلب والرستن ودوما وجسر الشغور ومعرة النعمان وأدلب ودير الزور ، وتنقل إلى الناس ما يدعي الطغاة الجلادون أنه الحقيقة التي لا تنقلها القنوات الفضائية العربية والعالمية . وللأسف فإن تلفزيون المنار الذي كنا نراه بصورة ما يقول الحقيقة حتى لو كانت ضد الحزب نفسه ، صار نسخة مكررة من تلفزيون دمشق الرسمي وصنيعته الدنيا ! ولم يبق إلا أن ينقل صورة الفريق الركن بشار وهو يلعب الشطرنج مع بطل العالم في اللعبة ، مثلما نقل تلفزيون الحقيد الليبي صورته وهو يتنافس على هزيمة بطل الشطرنج العالمي داخل محبسه في باب العزيزية !

لو حسبها حزب الله جيدا ،كما فعل رجب طيب أردوغان ، وفقا لمقاييس المصلحة قبل مقاييس الدين والإنسانية ، لقال لصديقه بشار : كف عن قتل الشعب السوري لأن ذلك يهيئ فرصة ذهبية للتدخل الاستعماري الأجنبي تحت مظلة الأمم المتحدة ، وفي ذلك الحين فإن الغرب الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة سيتمكن من تأمين حدود الجولان المحتل دون حاجة إلى البعث القائد ، وبذا يطمئن مهجة قلبه في فلسطين المحتلة من ناحية ، ومن ناحية أخرى سيحاصر حزب الله من جميع الجهات ويمنع عنه السلاح والدعم اللوجستي ، وحينئذ يستطيع أن يعطي الإشارة الخضراء لمهجة القلب في فلسطين المحتلة لتشتعل النار ، وتتقدم قوات الغزو الصهيوني إلى جنوب لبنان حتى الضاحية الجنوبية ، والباقي معروف !

لو أقنع حسن نصر الله صديقه الرئيس الشاب بوقف المذابح والتفاهم الحقيقي من أجل حقن الدماء وبناء وطن حر ، لا يكون نصفه منفيا ، ونصفه الآخر في طريقه إلى اللجوء على الحدود السورية التركية ، لضمنت المقاومة اللبنانية فرصة العمل الجيد ، ولضمن الفريق بشار النجاة بجلده من العقاب الأميركي الذي ينتظره ، وقدم خدمة جليلة للأمة المهانة التي ينكل بها الغرب الاستعماري كلما لاحت له فرصة ، والعراق بالقرب من بشار ورجاله خير مثال .

ما يفعله حزب البعث من خلال عائلتي الأسد ومخلوف يمثل جريمة خلقية وإنسانية بكل المقاييس ، وقد آن وضع حد لقتل الشعب السوري ونهب ثرواته ، وتدمير ممتلكاته ..

إن الأكاذيب التي يروجها ويدعيها الإعلام السوري الكذاب ، ومن يشاطرونه إذاعتها في قناة المنار ، لن تثني العالم عن معرفة الحقيقة ، وخاصة في ظل تقدم أجهزة التليفون المحمول ، وشبكة النت ، وغير ذلك من وسائل وأساليب تبدعها عبقرية الشعب الأسير! ، وأيضا فإن الأكاذيب السورية لن تحمي نظام البعث الدموي الفاشي من العقاب والسقوط ..

والعبرة لمن اعتبر !

                

رؤية لمستقبل سورية السياسي

إعداد "لجان التنسيق المحلية في سورية"

انقضت ثلاثة أشهر على تفجر الثورة السورية الكبرى، أظهر خلالها الشعب السوري شجاعة استثنائية، وكافح من أجل حريته مقدما أكثر من ألف وأربعمئة من أبنائه شهداء، وفوق عشرة آلاف من المعتقلين.

لقد واجه النظام الاستبدادي الفاسد احتجاجات الشعب بالنهج الدكتاتوري نفسه الذي أدى إلى تفجرها. فأطلق يد أجهزته الأمنية الإجرامية تغتال المواطنين وتعتقلهم وتعذبهم، وزج الجيش الوطني في مواجهة مع شعبه، كأنه ليس لسورية أرض محتلة، وعمل على إثارة المخاوف الطائفية بين السكان والعبث غير المسؤول بالنسيج الوطني، وسخر أجهزة الإعلام العامة لتجريم الثورة والتحريض على قتل المحتجين السلميين.

والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل. ولا نرى غير واحد من مخرجين: إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه. ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه.

إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب. لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.

إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل. نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري. هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.

لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:

أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:

1. وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.

2. الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.

3. وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.

4. إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.

ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.

1. مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف. وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.

2. يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل "المنظمات الشعبية"، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.

3. وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.

4. يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم. ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين. ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.

ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:

1. سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا. وهي لا تورث من آباء لأبناء.

2. السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.

3. ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة. ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع. وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها

4. العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.

5. لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.

6. إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.

7. ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.

8. إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.

رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.

الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية

لجان التنسيق المحلية في سوريا

11-6-2011

                

بيان علماء لبنان في الثورة السورية

قال الله تعالى: }وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ{ [الشعراء:227]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطَنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ , إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ) رواه الطبراني.

الحمد لله ناصر المستضعفين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.وبعد:

رغم الضغوط التي مورست لمحاولة إلغاء هذا اللقاء مما زاد العلماء إصراراً على أهمية عقده في بيروت وبيان الحكم الشرعي اتجاه ما يجري لأهلنا في سوريا.

لقد مر على ثورة أهلنا في سوريا ما يقارب ثلاثة أشهر من التظاهر السلمي والتحرك الحضاري للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، ولا زال النظام يواجه هذه الاحتجاجات بآلة القتل والدمار وبمزيد من الاعتقالات في مدن وأرياف سوريا، والتي شهدت تزايداً في أعداد الجرحى والقتلى والمعتقلين، ولا يزال النظام يرى الحل الأمني هو الحل الأمثل ويغطي ذلك بالوعود بالإصلاحات الفارغة من أي مضمون.

وأمام هول ما جرى وما يجري على أرض سوريا من تعذيب وإهانات للكرامات والعبث بالحرمات والاعتقالات والتشريد والقتل والتجويع بحق أهلنا في سوريا من شباب ونساء وأطفال، وأمام بشاعة الصور التي رآها ويراها العالم أجمع ولاسيما صور التعذيب والتنكيل والتمثيل بالجثث التي لم تستثن حتى الأطفال بعمر الزهور وما صورة حمزة الخطيب وسامر الشرعي إلا عينة مريعة من تلك الصور التي يندى لها جبين البشرية.

قال تعالى: }وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ{ [إبراهيم:42]. انطلاقاً من هذا كله وما خفي كان أعظم وبعيداً عن التجاذبات السياسية في لبنان وما يمثله العلماء في لبنان من موقف شرعي يدينون الله به ويرض الله ورسوله e فإن اللقاء يعلن ما يلي:

أولاً:     على النظام السوري إيقاف آلة القتل الهمجي ورفع الحصار عن المدن والقرى السورية وإخراج الدبابات من وسط المدن ووضعها في مكانها الطبيعي في مواجهة العدو الإسرائيلي.

ثانياً:     يستنكر اللقاء الصمت المريب لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إزاء ما يحدث في سوريا وندعوهم للوقوف مع أهلنا هنالك ودعمهم بكافة الأشكال المادية والإعلامية والمعنوية لقوله تعالى: }وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ{ [الأنفال:72].

ثالثاً:     يدعو اللقاء أبناء الأمة كافة ويخص بالذكر الدول المجاورة لسوريا للوقوف مع مطالب أهلنا المحقة في سوريا ودعمهم بكافة الأشكال. كما يحض أهلنا في لبنان على تقديم يد العون للمهجرين قسراً من سوريا إلى لبنان، كما يدعو السلطات اللبنانية إلى حسن التعاطي مع ملف النازحين السوريين وعدم تسليم أي منهم إلى أجهزة القتل والتنكيل السورية.

رابعاً:    يثني اللقاء على مواقف جميع العلماء العاملين الصادقين في سوريا وليس آخرهم العلامة المجاهد شيخ قراء دمشق والشام الشيخ محمد كريم راجح حفظه الله، ويناشد العلماء الذين يقفون على الحياد، أن لا حياد بين الظالم والمظلوم، وأما علماء السلطة فنقول لهم اتقوا الله في دماء إخوانكم وإن كانت حجتكم في مواقفكم المريبة عدم إثارة الفتنة فإن الفتنة قد وقعت بفعل النظام وأعوانه وإن الدماء قد سالت فلا يسعكم بعدها إلا أن تنصروا الحق ضد الباطل والمظلوم على الظالم ونذكركم بقوله تعالى: }وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{ [هود:113].

خامساً: يدعو اللقاء ضباط وأفراد الجيش السوري للوقوف إلى جانب أهلهم ضد عصابات القتل وشبيحة النظام الهمجيين، فالنظام يذهب ويأتي غيره والأمة هي الباقية.

سادساً: يشكر اللقاء جميع الحقوقيين وناشطي حقوق الإنسان والعاملين في هذا المجال لإعداد ملف جنائي لجرائم النظام في سوريا ويدعوهم للإستمرار في أداء واجبهم.

سابعاً:   يدعو اللقاء جميع العاملين في الحقل الإعلامي إلى كشف وتوثيق جرائم النظام بحق أهلنا في سوريا وعرضها أمام الرأي العام العالمي والإسلامي وفضح التركيبات المفبركة والتلفيقات الكاذبة لإعلام النظام وحلفائه، ويثني على كل إعلام يظهر حقيقة ما يجري في سوريا ويندد بكل إعلام كاذب.

ثامناً:    لقد أصبح من المستهجن اتهام الإعلام السوري الرسمي وحلفائه للمظاهرات والتحركات الشعبية السلمية بالعمالة والارتباط بأجاندات خارجية ولاسيما بعد اعتبار ركن أساسي من أركان هذا النظام أن أمن إسرائيل وأمنهم من أمن سوريا، وهذا يضع النظام في سلة العمالة الحقيقية، لا أكذوبة الممانعة.

تاسعاً:   يبدي اللقاء استنكاره الشديد للجريمة التي ارتكبها اليهود الذين أبوا إلا أن يشاركوا هذه الأنظمة العملية بسفك دماء الأبرياء، كما يدعو اللقاء إلى الكف عن المتاجرة الرخيصة بقضية فلسطين تغطية للقمع والفساد وما رأيناه من استغلال لذكرى النكبة والنكسة إلا قنبلة دخانية للتعمية عما يجري من مجازر في الداخل السوري بحق أهلنا العزل.

ونسأل الله تعالى أن يعجل لشعب سوريا الفرج وبأن يولي عليهم خيارهم ويكف عنهم بأس شرارهم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اللقاء العلمائي في لبنان

بيروت في 10/7/1432هـ 12/6/2011م

                

مساندة روسيا للنظام السوري

م. ناديا سلطان

       

روسيا توقفي عن مساندة النظام السوري بقتل الأطفال

                

أفكار حول الثورة السورية

عزمي بشارة

1- لا يمكن أن يستمر النظام السوري على حاله، وكان عليه إما أن يتغير أو يغيره الشعب السوري. وقد اختار النظام ألا يتغير، ومن هنا فسوف يغيّره الناس.

ربما كان النظام السوري قابلاً للاستمرار لو أنه كان مستعدا للتغير، ولو أنه قام -منذ اندلاع حادثة الحريقة في فبراير/شباط (ثم انتفاضة درعا من أجل الكرامة والحرية)- بوضع إستراتيجية إصلاح تدريجية -لكنها واضحة الهدف- تهدف لتحقيق تسويةٍ استباقيةٍ بينه وبين المجتمع، في شكل ربط متطلبات استمرار نظامه مع تحقيق المطالب الأساسية للمجتمع السوري.

لكن تباطؤه، ثم تردده بين سياسات الحوار الشكلي وبين سياسات الحسم الأمني -الذي انتهى بتبني الإستراتيجية الأمنية المتشددة- جعل السلطة فعلياً تنزلق من مجال الحل السياسي الاستباقي إلى الحل الأمني.

وجعلت نتائج هذه السياسة الأمنية أفكار و"سياسات الإصلاح المجمدة" كافة من خلفها. وما كان ممكناً القبول به لم يعد ممكناً قبوله بعد تطور الأحداث. ويشير إلى ذلك طرح شعار إسقاط النظام. فهو لم يرفع إلا بشكل متأخر نسبياً. وكان المقصود به هو تغيير طريقة النظام بما يعبّر عن تطلع المجتمع لتحقيق تسوية بينه وبين النظام.

وكان ممكناً للنظام أن يستمر لو أن الرئيس بشار الأسد اختار أن يكون نصيراً للتغيير، وأن يقوده. وكان ممكناً له أن ينجح بدرجات معينة، لكنه اختار خطاب الثلاثين من مارس/آذار 2011 الذي لا بد -بكل تأكيد- من أن ترصده أي دراسة لاحقة على أنه بداية خسارة ما كان يراهن عليه الناس.

فما هو مؤكد أن الناس في حلب ودمشق الذين خرجوا وهم يهتفون يومي 27-28 مارس/آذار لم يكونوا جميعاً موظفين أو حزبيين، بل كان فيهم كثير من الناس العاديين المنفعلين بما يحدث، وتحديداً بسقف إصلاحات وعدوا بها بنبرة تفيد بـ"أن انتظروا غداً الثورة الإصلاحية التي سيعلنها الرئيس".

وما إن انتهى الخطاب حتى شعر الناس بصفعة الخيبة. هذا حدث بسيكولوجي واجه الجميع، ووضعهم في لحظة اضطراب رهيب بين ما هو متوقع ومأمول والصفعة الواقعة، وحديث المؤامرة، و"إما أن تكون معي أو ضدي".

2- خيار النظام بين الإصلاح وبقاء النظام على حاله هو خيار وهمي. ما لا يدركه النظام هو أنه في المراحل الثورية يكون خيار الناس بين الإصلاح التدريجي -ولكن الجذري- والثورة على النظام. والثورة في سوريا تختلف تماما. أولا، بسبب درجة قمعية النظام. وثانيا، بسبب طبيعة المجتمعات في المشرق العربي.

3- إن أي محاولة جدية تتضمن إجراءات ملموسة ومقنعة كانت ستلقى الترحيب من الناس، لكن ما جرى ويجري في سوريا هو عكس ذلك. وتمثلت الطامة الكبرى في أن الرئيس في خطاب 30 مارس/آذار قد قام بهدر ما يحتمل أنه رصيد له. وفي مثل نظم هرمية تقوم على رأس الهرم كان ذلك يعني نتائج خطيرة، خسر فيها الرئيس والنظام والمجتمع فرصة الانتقال التدريجي لكن الجذري والواضح المحطات والأهداف.

لم تعد غالبية الناس تنتظر الإصلاح، بل أصبحت غالبيتها تعتقد أنه لا بد من تغيير النظام، وهي إما مشاركة أو جالسة تحسب ثمن التغيير.

4- إن دور خصائص القيادة الفردية كبير في تطور الأحداث التي تقع في مفارق التغيرات الكبرى. ولقد كان أداء هذه الخصائص الفردية للرئيس مدمراً على ما كان يحتمل أن يتم. والفكرة أن هناك سيرورة يمكن أن تكون حافلة بالمفاجآت وليس حتميات من نوع: "النظام عاجز بنيوياً عن القيام بإصلاح". ولكن النظام رجح كفة الحتميات. هذا الترجيح بحد ذاته هو الذي كان قرارا احتماليا قبل أن يتخذ.

5- المشكلة في أن نظاماً من نوع النظام السوري يجر بانهياره الهيئة الاجتماعية برمتها لاحتمال الانهيار، والدخول في دوامة طويلة المدى من الاضطرابات والاصطفافات بحكم التركيب المتنوع للمجتمع السوري، وعلى المستوى الإقليمي يمكن أن يجر انهياره كامل إقليم المشرق إلى فخ التفكك الطوائفي والعشائري فعلياً... من الواضح حتى الآن أن سيرورة الأحداث تسير بسوريا نحو هذا الاحتمال الكارثي الذي يخسر فيه الجميع، ولكن بإمكان قوى الثورة تغييره لو أرادت وتنظمت وشكلت لها قيادة وطنية مستقلة تحمل طابع القوى الاجتماعية المناضلة على الأرض، وليس طابع الصراعات القديمة.

6- يقوم النظام السوري على استبداد أمني قمعي وعلى تحالف مع أصحاب المصالح أساسه الخدمات المتبادلة والفساد.

وما حدث في دور رجال الأعمال هو تطور دورهم وتأثيرهم بشكل سريع على غرار دور الطبقة المصرية وتمركزها حول جمال مبارك. هذا ما اضطلع به أقوياء رجال الأعمال المتحالفين مع أقوياء البيروقراطية الأمنية.

لو أن أي مثقف أو مواطن كتب أو نشر أو قال ما قاله مخلوف لسجن. ما قاله مخلوف -من دون أن يتلقى عقاباً- جعل النظام يخسر ورقة شرعية السياسة الخارجية.

7- يخشى النظام في سوريا من أن أي إصلاح سوف يؤدي إلى أن يفلت من يده زمام المبادرة. فهو يرسخ مجموعة من المخاوف والأوهام يحميها القمع، وخشي النظام من أن أي ارتخاء في قبضته قد يبددها. وبعد أن تتبدد تبدأ حالة انهيار لا يمكن وقفها. هذا هو موقف النظام من أي إصلاح جذري.

كانت المخاوف تعبر عن قصر في الرؤية كما كانت تعكس "الخوف من الإصلاح" بسبب المصالح.

8- لقد قرر النظام السوري وأد الاحتجاج في المهد، وبأي ثمن، لكي يتجنب أي تراجع أمام المظاهرات نحو الإصلاح الاضطراري، مما يشجع الناس على الاستمرار في الثورة. ومن هنا الوحشية غير المسبوقة في نهج النظام السوري في التعامل مع أعمال الاحتجاج. لقد اتخذ قرارا بمنع الاعتصامات في المدن وكانت الوسيلة حصد المتظاهرين بالرصاص الحي.

خلال التطبيق الكارثي لهذه الإستراتيجية لم يخرج أي مسؤول سياسي أو جبهوي أو حكومي لقول شيء، إلى أن خرج أخيراً الأمين القطري المساعد للحزب لينفي أي فكرة لدى آخر ساذج حول الإصلاح، ويحدد سقفاً لم يعد مقبولاً، ويقود النظام إلى هاوية جديدةٍ.

9- قرار النظام السوري هذا هو أيضا السبب من وراء بعض الخطوات التي تنم عن صلف وغرور، ويعتبرها حتى بعض مؤيديه غبية. وهي ليست مجرد غباء، بل هي قسوة حمقاء. وقرار النظام بوأد الثورة أمنيا هو السبب في أن دعاية النظام والناطقين الإعلاميين باسمه تبدأ وتنتهي بالشتم والسباب. فلا يمكن النطق باسم أعمال كهذه وتبريرها والاحتفاظ بصورة الإنسان في الوقت ذاته. أحرجت الإستراتيجية الأمنية للنظام أصدقاءه والمعتدلين في المعارضة والنظام نفسه، وجعلته يتكبد خسائر معنوية وسياسية كبيرة.

10- ما أخر الانتفاضة في المدن الرئيسية هو الأسباب التالية مجتمعة: القسوة الوحشية وشدة القبضة الأمنية في المدن الرئيسية، وكثرة أصحاب المصالح التجارية والموظفين، والخوف من المخاطر والفوضى في ضوء المثالين العراقي والليبي، واستعادة ذكريات ومخزونات حوادث حلب وحماة في الثمانينيات. ومع ذلك تحركت حماة ببطولة، وكانت هنالك تحركات بطولية في دمشق. ولكن لا بد من أن تدرك حلب ودمشق، إن تحركهما هو الضمان ضد الفوضى.

11- أصبح التظاهر والاحتجاج ممكنا في الأطراف. وقد واجهه النظام بوحشية، وتم الرد عليه باصطفافات محلية يذكيها منطق "النصرة" و"التضامن"، فاستفراد الدولة بالناس في الأطراف يتخذ طابعا وحشيا تحقيريا مُذِلا. لقد قاومه السكان ببسالة وكرامة. وفي بعض المناطق تتحول الثورة إلى ثورة أرياف. ولا توجد في التاريخ ثورة أرياف سلمية. إن من يواجه اعتداء على بيته وعائلته وأهله ويدافع عن نفسه لا يتجاوز الأصول المرعية في أي ريف في العالم.

إن قابلية التسلح فيما لو توفرت شروطها الأخرى (أي عدا شرط توفر السلاح) هي حقيقة محتملة في سوريا ضمن منطق الدفاع، وسيفتح ذلك المجال لاستغلال لاعبين متعددين هذا الاحتمال. هذا احتمال لا نشجع عليه لكن يجب ألا يُتجاهل في مجال التصورات.

12- ما يقوم به النظام من عدم الاكتفاء بدور الأجهزة، وزج الجيش مباشرة في قمع المتظاهرين بوحشية، هو أمر خطير للغاية. فتعامل الجيش مع مواطنين بقمعية يعني أنه يتعامل معهم كأعداء، وهو وضع لا يمكن أن يستمر. وسوف يؤدي إلى المساس بالجيش نفسه، من حيث معنوياته ونظام الانضباط والطاعة وعقيدته القتالية. والنظام يتحمل المسؤولية عن ذلك.

الدوس على أبناء الوطن الملقى بهم مكبلين على الأرض ليس بطولة ولا شرفا، ومن يقوم به ليس حاميا للديار. وسوف يثبت الزمن أن مثل هذا السلوك يعجز حتى عن حماية النظام.

13- لا يمكن أن تحتج الطبقات الوسطى والبرجوازية ومثقفو المدينة على طابع الثورة هذا، فعدم مشاركتهم الفاعلة في الثورة هو السبب الرئيسي لقسوة الدولة هذه في الأطراف. ومشاركتهم قد تسمح بحوار عقلاني نقدي في الثورة حول طريقها ونهجها.

كانت تلك الطبقات مستفيدة من ثمار النمو. مثلاً خرجت طبقة كاملة من ميدان التأثير بسبب ذلك وتفضيلها مصالحها واستنزاف العمل اليومي لتلبية الحاجات المستجدة في مجتمع السوق الاستهلاكي.

14- النظام السوري ليس مذهبيا دينيا كالنظام الإيراني الذي يعتمد على ولاية الفقيه الغائب، ولكنه في الوقت ذاته أقل تعددية، ويستخدم إيديولوجية حزبية كان لها دور هام في يوم من الأيام حتى تحولت إلى أداة بيد النظام والأجهزة الأمنية. كما يستخدم ولاءً اجتماعيا طائفيا من دون أن يكون قط نظام طائفة بعينها. وفي فترة من الفترات وحتى أيام المواجهة مع الإخوان كان قسم كبير من المعتقلين من العلويين. ولكن في أوقات الأزمات والاصطفافات هناك من يوتر الورقة الطائفية.

15- استخدام الولاء الاجتماعي والعشائري والإقليمي لا يعني أن الطائفة تحكم، بل يعني توليد عصبية لتمتين ولاء الأجهزة الأمنية للنظام.

16- قد تكون الطائفة فقيرة ومضطهدة بل أفقر وأكثر عرضة للاستغلال من غيرها، ولكن النظام يشعرها بأنها مستهدفة. ووجود اتجاهات وهتافات وشعارات من بعض المتطرفين أو المتعصبين يعزز ذلك ويطوره. والنظام يحاول أن ينشر هذا الشعور بين الطوائف الدينية عموما، فينتج طائفية. ويحول ما هو أمر عابر في المظاهرات إلى شأن أساسي في دعايته.

17- الطائفة الاجتماعية الأهلية موجودة. أما الطائفية السياسية فليست قائمة بشكل طبيعي في المجتمعات، إنها تُصنَع بالتدخل الأجنبي وباستخدامات الدولة والمعارضة وأصحاب المصالح.

18- إذا كان النظام يستخدم التهويل والتحشيد بأساليب تحريضية، فإن على المعارضة التي تريد بناء دولة مدنية أن تطرح خطابا مدنيا ديمقراطيا يقوم على بناء الوطن الواحد لجميع مواطنيه، وعلى عروبة سوريا، وعلى التزامها بدورها التاريخي في المشرق العربي، محصنة في وحدتها وتنوعها ضد الطائفية.

19- والأساس هو تثوير الوطن كله بما فيه المدن الكبرى وليس توقع الدعم الخارجي سواء كان تركياً أو غربيا، أو خليجيا. لكل الدول أجندات متعلقة بمصالحها. وفي حالة الغرب ليست المجتمعات العربية مضطرة لتقديم التنازلات السياسية كما فعلت الأنظمة. إن خيار الديمقراطية وإرادة الشعب هي الأمور التي تفرض نفسها على الرأي العام الغربي.

20- إن من يريد أن يحكم سوريا يجب أن يتقن قيادة الثورة نحو نهايتها المتعلقة بتغيير النظام السياسي القائم، وأن يضع تصورا واضحا واثقا وموثوقا لسوريا ديمقراطية تقوم على المواطنة بحقوقها المدنية والاجتماعية والسياسية.

كما يجب أن يثبت منذ الآن أنه يتقبل الحوار العقلاني والنقدي. كما يجب أن يعلم أن قيادة سوريا هي شأن لا يدخل المشرق العربي كله ضمن سلطته بالطبع، ولكنه يقع بالتأكيد ضمن مسؤولياته السياسية المباشرة. وهذا يشمل فلسطين ولبنان، ومكافحة الطائفية في العراق، ورفض التبعية السياسية لإيران وتركيا، والتعامل مع الصهيونية كخطر وجودي على المنطقة.

لا تتوقف المسألة على التخلص من النظام، بل يتطلب الأمر رؤية، وبرامج واقعية، وقيادة مسؤولة. وهذه هي مهمة القوى الوطنية الديمقراطية الجذرية حاليا.

                

أربعة وأربعون عاما على العار

د.طيب تيزيني

غابَ سياسيو السلطة السوريون منذُ خطاب بشّار الأسد في مجلس "الشعب!" وظهرَ عوضاً عنهم شبحُ القمع، أو قلْ شبحَ الشخصيّات الأمنية. الأمر الذي يوحي بأن قراراً أمنيّاً قد اتخذه "الرئيسُ" داعيةُ الإصلاح المزعوم. فهل يحلّ "الحلّ الأمنيّ" مشكلةً؟ هل يُخرسُ الحلُّ الأمني المُطالبين بالحريّة؟

ليس من مُتابعٍ إلا ويلمسُ أن الثوراتِ العربيّة أطلقتْ عمليّة تاريخيّة في العالم العربي، عمليةٌ لن تتوقّف ومن شأنها أن تُدخل العربَ إلى التاريخ مرةً أخرى بعد الاندفاعة الكبرى إثر الدعوة المُحمّدية. عمادُ هذه العملية نُشدانُ الكرامة والحرية. فهل لأناس لمسوا وتذوّقوا وأحسوا وتلذّذوا بطعم الحريّة بعد طولِ انقطاع، هل لهم أن يعودوا طوعاً أو كرهاً إلى حظائر الحكام؟ المنطقُ والحياة يقولان: لا. لا كبيرة وجازمة. وهنا يكمن السرّ في أنّ سقوط الشهداء ومحاولاتِ تشويه هذه الثورات تمنحُها مزيداً من الطاقة لأنْ تستمر وتستمر، تماماً على العكس مما تريد الأنظمةُ وما ترغب. والسبب هو أمر جدّ بسيط، أمرٌ ظل اليساريون يكررونه في القيام والقعود، حتى إذا ما تعبوا وناموا نضج الأمرُ في غفلتهم. إنّه نضجُ الظروف الموضوعية. فقرٌ وقمع وامتهان للكرامة ومستقبل غير آمن كلُّها متزامنة مع عولمة اتصالات تجعلُ ابن القيروان وفي اللحظة ذاتها يرى ويسمع ويحاول أن يستوعبَ الحدثَ مع ابن حلب. والأكثر متعةً ورنيناً في قلوب الناس أنْ تشتهر بلداتٌ وحاراتٌ وشوارع وميادين لم تكن إلا مواقعَ في خريطة منسيّة بكل معنى الكلمة، فإذا بها تتحوّل مع الثورات إلى مواقع مُؤكّدة للكنز الضائع.

يجتهد النظامُ السوريُّ بكلّ ما في وسعه ليدفعَ نفسه ويدفعَ الشعبَ إلى نقطةِ اللاعودة، مُساقاً بطبيعته الأمنيّة. وبعد أربعة أسابيع من الثورة راحت استراتيجيته في المواجهة تَتّضح. حلٌّ أمنيٌّ يرتكزُ على إقناع الخارج قبل الداخل بأن هناك عصاباتٍ متآمرة تقتلُ المتظاهرين ورجال الأمن والجيش على حدّ سواء. عرضتْ وسائلُ إعلام النظام شريط فيديو لا تصمدُ صدقيّتُهُ أمام التدقيق. تصويرٌ مع سبق إصرار وترصّد وإخراجٌ رخيصٌ يستهين بالعقل. والأهمّ مظاهر التنسيق والتعاون مع الأجهزة الأمنية، فهي أي هذه العصابات لا تظهر إلا عندما تحاصرُ قوى الأمن المدنَ والبلداتِ السورية، ويترافقُ ظهورُها على الدوام مع انقطاع الاتصالات بالهواتف النقّالة والثابتة والانترنيت، وانقطاع الكهرباء، وهي لا تظهر أيضاً إلا عندما تكون هناك مظاهرات واحتجاجات شعبية، وتغيب عندما تكون هناك تجمّعاتٌ ومسيراتٌ مؤيدةٌ للنظام. من الواضحِ أنّ لهذه العصابات وأجهزةِ الأمن ربَّ عملٍ واحد. إنّه بلا شكّ ذاكَ الذي اتخذَ قرارَ الحلّ الأمن.

اليوم زاد النظامُ في الطنبور نغمة، حيث اتّهم المتظاهرين المحتجين بأنهم من المستعربين الصهاينة. أيّ رجال دولة أولاء الماسكين بدعاية النظام؟ لا يستطيع المرءُ منعَ نفسه من وصفهم بأنهم أكياس كذب تُهَرْرُ كذباً كلما اهتزتْ، أو أنهم "قذّافيُّو" التفكير بحيث تتجوّلُ عيونُهم في السقف في الحين الذي يتوجّبُ عليهم أن يروا ما تحت أقدامهم.

يقومُ النظامُ بإعادة إنتاج أزمة الثمانينيات. وكلمة السرّ العلنيّة التي يعتمدُها هي أنّ الوطن يتعرّض لمؤامرة خارجيّة. يفوتُهُ أن التاريخ يعيد نفسه فعلاً. في المرة الأولى "تراجيدية" غنيّة، وفي المرة الثانية "كوميديا" تافهة. ليس أدلّ على ذلك من أنّ جهاز دعاية حافظ الأسد وبخبثٍ أصيل كان ينسبُ المؤامرةَ إلى الامبريالية والصهيونية، وهما خصمان كبيران. أمّا جهازُ دعاية الإبن الصبيانيّة المُتصاغرة فتنسبُ المؤامرةَ إلى نائب في تيار المستقبل اللبناني ولفصيل سياسي سوري لا حول ولاقوّة له يتأرجح بين معارضة النظام وإيقاف هذه المعارضة. لكنْ كلاهما؛ الأبُ والابن لم يكن لديهما من هدفٍ أثمن من الحفاظ على الكرسي. ومن أجل هذا الكرسيّ رخُصت دماءُ السّوريين في الثمانينيات وترخصُ الآن، على الرغم من أنّ أحداث الثمانينيات، من الجهة الشعبية، تختلف تمام الاختلاف عن حاضر الثورة الشعبيّة. فالشعبُ، هذه المرّة يخرجُ عاري الكفّين عامرَ الصدر بتأثير الثورات العربية، يريد كرامةً وحريّة. بينما يسعى ويجتهدُ النظامُ بخَرَق المراهقين ليشوّهَ التحرّك الشعبي مستخدماً أحطّ وأنذل ما في جعبته، بالضبط: الطائفيّة.

وما أظنّ الشعب إلا ساخرٌ به يردّدُ كلمةَ الأخوة المصريين عندما يرون أن أحداً يتورّط في الإيغال في الحَرَج أو الوسخ أو النذالة: "مَ بلاااشْ!"