عصام العطار: القائد الملهم، والشاعر الموهوب

عصام العطار: القائد الملهم، والشاعر الموهوب 1

عصام العطار

عمر محمد العبسو

عصام العطار قائد ملهم ، وشاعر موهوب ، ونابغة الخطباء ، وهو المجاهد الذي لم تغيره الأيام , والصابر رغم قسوة المحن ، وهو السياسي ، والداعية الإسلامي الكبير الذي نذر نفسه لبيان الحقيقة ، وإرشاد الأمة ، وقول الحق في وجه الطغاة دون لفّ أو دوران ..شغل منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية .

وهو الإنسان النبيل ، والزوج الوفي ، والأب الرحيم ، والمربي الفذ ، يأسر قلوب من يجالسه ، ويدخل فؤادك دون استئذان ، يألف ويؤلف ، بالإضافة إلى كونه حكيم الثورة ، وداعية اللاعنف ..هامته أعزّ هامة، ورايته أشرف راية ، وجبينه أنصع جبين ، لم يعرف وجهه السجود لغير الله ..ظلم في الحياة، وتعرض للإهمال والنسيان، فلم يكتب عنه إلا الأستاذ حسن التل، وكان من واجب الدعاة وطلاب العلم أن يدونوا عنه الأبحاث العلمية، والرسائل الجامعية ، ولكن هيهات ..ونحن في هذه الأسطر القليلة نسجل صفحات ناصعة في تاريخ عملاق الدعوة الإسلامية في سورية ..

ولادته ونشأته :

ولد الأستاذ عصام العطار في دمشق عام 1927م ، في أعقاب الثورة السورية .

ونشأ في ظلِّ أسرة سورية لها مكانة اجتماعية متميزة، فعائلته عريقة، عُرفت بالتقوى والعلم .

فكان والده العالم محمد رضا العطار من رجال القضاء الشرعي والعدلي في سورية المشهود لهم بالعلم والفضل وحسن السمعة، وكان رئيساً لمحكمة الجنايات في يوم من الأيام، وكان من محبي ومناصري السلطان عبد الحميد، وقد شارك في محاربة الاتحاديين، فحكم عليه بالإعدام، فهرب، وعاش سنوات بين القبائل العربية في جبل الدروز .

ثم نفي أخيراً إلى استانبول أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم عاد إلى البلاد فكان ذو خبرة ميدانية عالية، وكان يحب الفروسية، ويكاد يحفظ سيرة ابن هشام عن ظهر قلب، وكان قوي الذاكرة وحلو الحديث، وشاعراً .

وأمه سيدة فاضلة على قدر كبير من الفهم والتدين ، توفيت وهي تقول :

ونفس عصام سوّدت عصاما           وعلّمته الكرّ و الإقداما

وهو شقيق د .نجاح العطار نائبة الرئيس السوري للشؤون الثقافية والإعلامية .

وعائلة العطار اشتغلت بعلوم الحديث، وسميت بهذا الاسم لاشتغالها بالعطر .

طفولته :

وكان لنشأته في أسرة علم سبباً في لسانه العربي الرصين بدون تكلف ، ويحكي الأستاذ عصام العطار عن طفولته، فيقول : تعودت الخطابة وأنا في المدرسة الابتدائية . كانوا في إدارة المدرسة إذا زارنا وفد من مدرسة أخرى، وتكلم بعض أساتذتها، طلبوا إلي، بل وألحوا علي أن أرد على غير رغبة مني باسم الإدارة والأساتذة والطلاب جميعاً .

وفي الثانية عشرة من عمره تعرف على مجلة الرسالة التي أصدرها أحمد حسن الزيات في القاهرة سنة 1933 م، وكان يكتب فيها شيوخ الأدب ورواد العلم، واشترى بعض أعدادها القديمة من إحدى المكتبات، فقرأ للرافعي، والزيات، والمازني، وطه حسين، وأحمد أمين، والعقاد، ..وغيرهم .

وفي مجلة الرسالة قرأ لعلي الطنطاوي، وأعجب به، وبما قرأ له .

ثقافته :

أما ثقافته فكان للقرآن نصيب من تربية عصام العطار ، وقد حفظ بعض المتون مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف ، وحفظ متن الزبد حيث كان أجداده من أئمة الشافعية في بلاد الشام .

تعلم في دمشق ، وقد حاز العديد من الجوائز في المدرسة الابتدائية .

وتلقى دروساً في حلقات العلم على أيدي شيوخ الشام الأفذاذ . حيث درس على الألباني علوم الحديث، وحضر في المعهد العربي الإسلامي بدمشق، ثم أكملها بمطالعاته الخاصة الواسعة.

علاقته بعلي الطنطاوي :

وعن بداية علاقته بالطنطاوي ، يقول : سمعت به أول مرة في الجامع الأموي في دمشق، يوم وفاة محدث الشام بدر الدين الحسني، وأنا في الثامنة من العمر، كان ذلك سنة 1935م ، وكان الطنطاوي عمره 26 سنة .

وفي سنة 1954م افتتح المعهد العربي الإسلامي بدمشق، وحضر الأستاذ عصام العطار فيه بعض دروسه، ودعت إدارة المعهد مرة الأستاذ علي الطنطاوي لإلقاء درس على طلبة الصفوف العليا وبعض الأساتذة، وحضر الأستاذ الطنطاوي، وألقى درسه، ثم طلب من الحضور أن يسألوا ، أو يعقبوا على ما قال .

وتكلم الأستاذ عصام العطار، وكان له نظرة مخالفة لرأي الأستاذ علي الطنطاوي، وبعد نحو دقيقتين من الحديث استوقفه الأستاذ الطنطاوي، وطلب إليه أن يقف مكانه على المنبر، وأن يجلس بدله على مقعد الدرس، فأبى العطار، واستحى ، فأقسم الطنطاوي أن يفعل، وقال بحرارة وحب : أنت أحق بأن يتلقى عنك، ثم التفت إلى الحضور، وبينهم بعض الأساتذة، وقال : والله لا أدري كيف يأتون بمثلي، وعندهم هذا العالم الأديب .

ووقف العطار على المنبر، ولم يتابع حديثه فيما كان فيه، بل تحدث عن الأستاذ الطنطاوي حديث العارف، آثاره، وخصائص أدبه، والطنطاوي ينظر إليه بدهشة ولا يكاد يصدق، فلما انتهى العطار، قال له الطنطاوي : من أنت ؟ فأجاب : عصام العطار . قال الطنطاوي : هل تعرف الشيخ محمد رضا العطار ؟ فقال : هو أبي . وكان يعمل معه في مجال القضاء، ومنذ ذلك الوقت بدأت العلاقة الشخصية المباشرة بين العلمين، وزار العطار أستاذه علي الطنطاوي في بيته بحي المهاجرين، وزار الطنطاوي صديقه الجديد في منزله بحي الزهراء، قرب الجسر الأبيض، واتصلت حبال الود بين الرجلين، بل بين الأسرتين، الرجال بالرجال، والنساء بالنساء .

ألقى عصام العطار كلمة حماسية في حفلة أقيمت عام 1947 م عندما رشح الطنطاوي نفسه للانتخابات البرلمانية، فأعجب بها الطنطاوي، وذكرها في مذكراته فقال: وفي هذه الحفلة ظهر خطيب جديد كان يومئذ في العشرين، فبهر الناس بخطبة ارتجلها، وبهرني مع الناس، هذا الذي صار بعد ذلك: نابغة الخطباء ، وهو عصام العطار .

وقد بلغت هذه المحبة ذروتها عندما زوجه علي الطنطاوي من ابنته بنان الطنطاوي، وتواصلت أحزان الرجلين يوم استشهدت عام 1981م .

أعماله :

وعمل الأستاذ عصام العطار في مجال التربية، والتعليم, ثم وهب حياته للدعوة إلى الإسلام، وتفرغ للعمل الحركي والسياسي الإسلامي .

عصام العطار والعمل الإسلامي العام :

كانت أول صلة له بالإخوان المسلمين بدأت بشباب سيدنا محمد، وهي جمعية من الجمعيات التي كونت الإخوان المسلمين فيما بعد، وكانوا يقومون بتعليم أسس الإسلام، وكانوا يعيشون سوية، فيأكلون ، ويقومون مع بعضهم، ويخرجون إلى القرى يخطبون الجمعة ..

وكان في المدن الأخرى : دار الأرقم في حلب ، والأنصار في دير الزور ، والإخوان المسلمون في حماة، ثم تجمعت هذه المجموعات لتأسيس الإخوان المسلمين عام 1945م على يد الأستاذ مصطفى السباعي .

تعرف الشاب عصام العطار على الأستاذ مصطفى السباعي سنة 1945م أو سنة 1946م، ومنذ ذلك الوقت أصبح العطار من شباب الإخوان المتميزين في سورية، ولمح منه الأستاذ السباعي ذلك التميز، فقدمه، وأوكل إليه مهمات لا تتاح إلا للمشايخ ذوي الثقة والخبرة والقدرة على التأثير، ومن المواقف الدالة على ذلك في سنة 1952م ساءت العلاقات بين المشايخ، والأستاذ مصطفى السباعي في قضية تتعلق بدين الدولة، حيث استغنى المشايخ عن دستور الدولة هو الإسلام، مقابل تمسك الدولة بالإسلام، فطلب من عصام العطار أن يصون العلاقة بين المشايخ والأستاذ السباعي، فأصلح بينهم، وأقنعهم بموقف السباعي .

وقد أحبه المشايخ في رابطة علماء سورية، وأصروا عليه، فضموه إليهم ، فتعرف عليهم ،وسمع منهم وشارك في نشاطاتهم، وكان معهم في بعض اللقاءات المهمة، فكان محاوراً عنهم .

الانفتاح على جميع الاتجاهات :

وقد اشتهر عصام العطار بانفتاحه على جميع التيارات والجماعات التي تتفق، أو تختلف مع فكر الإخوان المسلمين، محاولة للمّ الشمل السوري تحت مطالب أساسية تهدف لخدمة الوطن .

وكان يتمتع بموهبة خطابية تدعمها إرادة وجرأة في الحق لا يخاف بطش صاحب سلطة، ولا يحني رأسه لظالم مستبد، وتلك السمات المميزة له طول حياته دفع ثمنها سنوات عجاف في غربته، ولذلك أصبح شخصية شعبية ذات تأثير في الجماهير، وهو في أوائل العشرين من عمره، لا يحب كل مستبد أن يسمعه صوته .

وفي سنة 1951م هاجم العطار الحكم الاستبدادي للشيشكلي هجوماً شديداً، فصدر أمر اعتقاله، فنصحه المقربون منه ، وأجبروه على الخروج إلى مصر .

النفي إلى مصر :

وقد استجاب الأستاذ عصام العطار للنصح، وعزم على السفر إلى مصر، وكان ذلك عام 1951م، وكان برفقته الأستاذ زهير شاويش، والأسباب مهاجمة الشيشكلي في خطبة مسجد الجامعة السورية . وفي مواطن ومحافل أخرى، فنصحه علي الطنطاوي بالسفر إلى مصر لتخفيف التوتر، والدراسة إن أحب ، أو لقضاء بعض الوقت، فتوجه إلى هناك .

وفي مصر سبق اسم الأستاذ عصام العطار وصوله، وأحسن الإخوان في مصر استقباله، فقابله الإمام حسن الهضيبي، والأستاذ عبد القادر عودة، وتعاون مع الإخوان في مصر في اللجنة التوجيهية للإخوان، وكان مقرر اللجنة الأستاذ عبد العزيز كامل، الذي وجد له بيتاً في نفس البناء الذي يسكن فيه .

وقابل الأستاذ عصام العطار في مصر الشهيد سيد قطب، والبشير الإبراهيمي، ومحمود شاكر، وعبد الوهاب عزام، وكانت حياته غنية تركت أثرها في حياته فيما بعد .

وفي هذه الأثناء مرض والده القاضي محمد رضا العطار، ولم يحب أن يخبر ابنه الأستاذ عصام العطار خوفاً عليه من بطش الاستبداد الشيشكلي، ولكن الأستاذ علي الطنطاوي أخبر خاله في مصر السيد محب الدين الخطيب بمرض والد عصام العطار، ودعاه للعودة إلى دمشق، فعاد قبل وفاة والده بأيام عام 1952م .

جهوده في الإخوان المسلمين في سورية :

أصدر الإخوان المسلمون في سورية جريدة ( المنار ) الناطقة بلسانهم, وكان أبو أيمن من أبرز المشرفين عليها ..

وفي زيارة الإمام حسن الهضيبي لسورية عام 1954 م، اختير الأستاذ عصام العطار ليكون مرافقاً له في هذه الرحلة، كما رافقه الأستاذ محمد الحامد، والمجاهد مصطفى السباعي، وكان معه من إخوان مصر الأستاذ سعيد رمضان، والأستاذ صالح أبو رقيق، وكان يحضر له مئات الآلاف، وتخرج مئات السيارات في حضوره، وخلال زيارة المستشار الهضيبي أسس المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين في البلاد العربية، وكان يمثل سورية فيه بشكل طبيعي الأستاذ السباعي، وعصام العطار .

-انتخب عضواً في المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين عام 1954م, وقاد المظاهرات الحاشدة احتجاجاً على الاستبداد الناصري الذي أعدم الدعاة عام 1954م .

وفي سنة 1955م عقد مؤتمر في دمشق ضمّ شيوخ سورية الكبار: الأستاذ محمد المبارك، ومعروف الدواليبي، ومصطفى الزرقا، وكل الجمعيات الثقافية الإسلامية، وفي هذا المؤتمر اختير عصام العطار أميناً عاماً لهيئة المؤتمر الإسلامي، وكان وقتها في الهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي للإخوان، وعضواً في مكتب دمشق للجماعة .

كان الأستاذ عصام العطار هو الخطيب شبه الدائم في مسجد جامعة دمشق، وكان معه علي الطنطاوي، وسعيد الطنطاوي، ومصطفى السباعي، وكان المسجد يمتلئ بآلاف الطلاب والأساتذة .

وفي عام 1956م أوفدت الجامعة السورية مصطفى السباعي إلى أوربا للإطلاع على مناهج الدراسات، فكانت هذه المرحلة من أخطر المراحل التي حمل فيها العطار مسؤولية العمل الإسلامي .

وفرضت الظروف أن يتكون المكتب التنفيذي للإخوان في حلب، وقد اختير الأستاذ عصام ممثلاً ومتحدثاً باسم الجماعة، فكان من الناحية الفعلية يحمل مسؤولية المراقب العام، والمكتب التنفيذي، في وقت واحد، فكان موقف الجماعة متوقف على موقفه .

ولما قامت المقاومة الشعبية بقيادة صلاح البزرة، وأعلن أن هدفها التصدي لتركيا وحلف بغداد، وهدفها غير المعلن كان القضاء على الإخوان .. أحس الأستاذ عصام العطار بالخطر يهدد الجماعة، فالتقى بالرئيس شكري القوتلي، وشرح له الموقف، وأصدر البيان وحذر صلاح البزرة من أي خطوة يقدم بها الشيوعيون في سورية .

وفي عام 1957م كان رأي الأستاذ عصام العطار ألا يترشح الدكتور مصطفى السباعي مقابل منافسه رياض المالكي ..لأنها سوف تقسم البلد إلى فريقين ..وسوف يتدخل الرئيس جمال عبد الناصر، وقوى اليسار فيها، وقد كان، وخسر الأستاذ مصطفى السباعي الانتخابات نتيجة التزوير ...

عصام العطار والوحدة بين مصر وسورية سنة 1958 م :

ندد الأستاذ عصام العطار بالطغيان الناصري، وفضح أساليب الاستبداد، وكان يخطب بجامع تنكز، وكانت تلك الخطب تستقطب الجماهير الإسلامية ومنها آلاف الشباب ...

وكان الأستاذ عصام العطار مع الوحدة على أساس ديمقراطي برلماني، تبدأ الوحدة على الصعيد العسكري، والخارجي، وتعطى فترة حتى تهيئ الأسباب لما هو أكبر .

واشترط عبد الناصر حل الأحزاب، فحلّ مصطفى السباعي الجماعة .

وفي وقت كان الناس يقدسون جمال عبد الناصر، خطب عصام العطار يوم الجمعة في مسجد الجامعة أن طريق الوحدة الذي يريده عبد الناصر هو مثال الدكتاتورية وانتقاص حقوق الإنسان، ومع الزمان كانت خطبة مسجد الجامعة هي الخيط غير الرسمي الذي يربط الإخوان في سورية ...ولولا شعبية الأستاذ عصام العطار لما سمح له بالخطابة، بل لولا هذه الشعبية لأدخل السجن .

رفض الانفصال، وتمسك بالوحدة مع التعديل في أساسها، ورفض التوقيع على وثيقة الانفصال، ورفض معه الإخوان، في حين أسرع الاشتراكيون للتوقيع على الوثيقة .

وبعد الانفصال وعودة الإسلاميين للعمل الحزبي، كان العطار قائداً لها في سورية، وأجمع الإسلاميون في عام 1961م على ترشيح الأستاذ عصام العطار في الانتخابات البرلمانية، فخاض الانتخابات النيابية على رأس قائمة إخوانه، ففاز بالنيابة عن دمشق فوزاً ساحقاً تجاوز فيه السياسيين الكبار، وأثار ذلك الفوز حفيظة أعداء الحركة الإسلامية، فراح المراسلون يدقون أجراس الخطر، ويحذرون من فوز عصام العطار، وإخوانه، وما يمثله من نهضة إسلامية شعبية.

وانتخب ناظم القدسي رئيساً لسورية، والدواليبي رئيساً للوزراء، وطلب من عصام العطار المشاركة في الوزارة لكنه رفض .

ثم صار أميناً عاماً للكتلة التعاونية الإسلامية في البرلمان السوري, وقدم كتاباً إلى رئيس الجمهورية, ورئيس الوزراء يتضمن عدداً من المطالب الرئيسية المتعلقة بقضية المؤامرة الصهيونية والاستعمارية لتحويل مجرى نهر الأردن, وطرح على الحكومة فكرة تعبئة الأمة لتحرير نهر الأردن بدلاً من التحويل .

ثم وقع انقلاب 8 آذار عام 1963م :

واعتقل رئيس الدولة ، ورئيس الوزراء، ودعوا ثلاثة عشر شخصاً منهم عصام العطار من أجل أن يشاركوا في استلام الحكم في سورية، فرفض عصام العطار ذلك ..ودعاهم لإعادة رئيس الجمهورية، فأفرج عنه، ولكنه أجبر على تعيين بشير العظمة رئيساً للوزراء، وعرضت الوزارة على العطار، فرفض لأن بشير العظمة شيوعي، ولا يصلح أن يكون رئيساً للوزراء، وطالب بحكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع، فاتصل رئيس الجمهورية بعصام العطار، وطلب منه أن يسمي أربع وزراء، فرفض، فاضطرت حكومة بشير العظمة لتقديم الاستقالة .

رفض الأستاذ عصام العطار الانقلاب البعثي سنة 1963م، ورأى فيه الوجه الطائفي، وأعلن ذلك في مسجد الجامعة، وبقي يمارس العمل الإسلامي، وشعبيته القوية حمته من الاعتقال .

ذهب إلى الحج عام 1964م، فأغلقوا الطريق في وجه عودته، ومنع من دخول سورية .

دافع عن المظلومين، وفرضت عليه الٌإقامة الجبرية، فرفض الاستجابة لها .

تعرض لمحاولة اغتيال في سورية عام 1963 م، وكان في بيت علي الطنطاوي، ولكن المحاولة باءت بالفشل، لأن الأستاذ لم يكن في منزله ..فاتصل بالرئيس أمين حافظ، وأخبره بما جرى، فاعتذر الرئيس له .

رفض الوزارة، وما قبل السفارة، وعرض عليه أن يكون نائب رئيس الوزراء، بل رئيساً للوزراء فرفض، وأعلن أنه في خدمة عقيدته، ودعوته، وأمته، وبلاده على الصعيدين الفكري والشعبي .

وبعد أن منع من دخول سورية، ذهب إلى لبنان، وبدأت رحلة الغربة عن الوطن ، ثم خرج من لبنان؛ لأنه رفض أن ينحاز إلى فريق ضد آخر .

وعندما توفي مصطفى السباعي عام 1964م منعته السلطة من دخول البلاد للمشاركة في تشييع جثمانه، وأغلقت في وجهه الحدود، ولم يلبث في لبنان طويلاً إذ سرعان ما تركها إلى بلجيكا .

وعند خروجه من سورية عام 1964م إلى لبنان, خلف على القيادة: أمين يكن, عدنان سعيد, موفق دعبول ...                                                                                                           وفي عام 1968 حدث لقاء في الأردن بين د.العطار وبين قادة الجماعة , منهم : محمد علي مشعل, عدنان سعيد, أمين يكن, موفق دعبول, ومحمود  شاكر, وتم تشكيل هيئة تشريعية مؤقتة تضم: أمين يكن, محمد هواري, حسن هويدي ..اجتمعت، وقررت إنهاء القيادة السابقة بما فيها عصام العطار ..

وعندما انتخب مراقباً عاماً للجماعة كان هو في منفاه، وحاول مرات عديدة الاعتذار والتخلي عن المناصب، ولا سيما عقب مرضه بالشلل في بروكسل إلا أن اعتذاره رفض من قادة الجماعة، فاستمر مراقباً عاماً في سورية حتى عام 1973م .

وقاد العمل الإسلامي بسورية  بنجاح ملحوظ, واتصل بسيد قطب بعد خروجه من السجن، وأبلغه تهنئته له بالسلامة, ونصح الشهيد إخوان سورية بالتربية، وعدم الانغماس في السياسة, وكان رأي الإخوان أن العزلة عن الجماهير تسهل على البعث ضربهم ..

وهو يدعو الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقول : إنني استنكر العنف والاعتداء والتخريب مهما كان المصدر والهدف .

في بروكسل :

لم يكد يستقر في بروكسل حتى أصيب بالشلل عام 1968م، وصحبته زوجته حتى عافاه الله، ثم عرج وجهه شطر ألمانيا .

في ألمانيا :

وبعد الظروف السياسية التي مرت بها سورية منذ أواسط الستينات، اضطر الأستاذ عصام العطار للعيش في ديار الغربة، فتفرغ للعمل الإسلامي في أوربا، وخاصة بين الطلاب العرب والمسلمين القادمين للدراسة والتخصص . وراح يدعو إلى الله في ألمانيا, يؤسس المراكز الإسلامية, ويخطب الجمعة في المركز الإسلامي في مدينة آخن ( مسجد بلال ) .

وقد أعطى هذا الجهد ثمرات ما تزال تنمو، وتزيد ..وعلى الرغم من ذلك لم ينقطع عن المشاركة في العمل الإسلامي داخل سورية .

محاولات اغتياله في ألمانيا :

كان دائم التنقل داخل ألمانيا، لأن الحكومة الألمانية نصحته بأن مسلحين كانوا يطاردونه، ويريدون قتله ، وبقي أكثر من سنة ونصف قلقاً على حياته في ألمانيا .

ولكنهم نجحوا في اغتيال زوجته بنان علي الطنطاوي، أم ولديه : أيمن، وهادية .

وكان ذلك في 17 / 3 / 1981م فغاب ذلك الكوكب الذي أضاء حياته وحياة أسرته ...وما زال الأستاذ وفياً لحبيبته، لا يكاد يذكرها إلا وتسابقه الدموع ...

رفض العودة إلى سورية :

دعاه الرئيس السوري حافظ الأسد للعودة إلى سورية معززاً مكرماً، وقابله السفير السوري سليمان حداد من أجل ذلك الغرض، ولكنه رفض أن يطلب شيئاً لشخصه، وطالب بالحرية لوطنه وشعبه .

وعندما عين الرئيس بشار الأسد نجاح العطار نائبة له، عرضت عليه العودة، فرفض .

موقفه من الثورة العربية الكبرى في عام 2011م :

أيد الثورة التونسية، وأصدر بياناً يؤيد فيه الثورة المصرية، ووجه عدة نداءات يدعو فيها الشعب السوري الثائر إلى سلمية الثورة، والبعد عن الطائفية، وعدم الاستقواء بالأجنبي .

بقي على علاقة مودة مع قادة الإخوان، ولكنه آثر العمل الإسلامي بشكل عام بعيداً عن الأحزاب .

أجرى معه أحمد موفق زيدان مقابلة في برنامج ( لقاء اليوم )، أكد فيه : الإخوان لحمي ودمي، وقادتهم من تلاميذي، ولكني أحب العمل الإسلامي، ولا أنظر إلى مصلحة الإسلاميين بمعزل عن مصالح غيرهم

ونصح الإسلاميين بسعة الصدر، وقراءة الواقع بشكل صحيح، ورفض استبداد الحكام، ورفض التدخل الأجنبي، ومواجهة التحديات العالمية الكبرى .

وشارك في مؤتمر المعارضة السورية الذي عقد في استانبول، وألقى فيه كلمة، وترأس ذلك المؤتمر هيثم المالح .

صفاته وأخلاقه :

ويعتبر الأستاذ عصام العطار نموذج الخطيب المسلم من ناحية التأثير والعرض وإظهار حقيقة الإسلام, خطبه رائعة والحقائق التي يقدمها دامغة وروحانية مؤثرة وعرض للأفكار شائق مؤثر , مجاهد صادق وداعية مخلص يحلق بالمستمعين في أجواء الطهر والإشراق , وتسبح مع الملائكة في العالم الأقدس من قوة تأثيره , وعظيم جاذبيته ونصاعة حجته ما أحوج الأمة اليوم إلى دعاة كعصام يأخذون عنهم الحقائق الإسلامية الناصعة , ويتلقنون صباح مساء المفاهيم الدينية الصحيحة ..فهم ..وعي ..ثقافة , وعلى معرفة بتقلب الأحداث , وملابسات الواقع .... ومن سحر بيانه ، وبراعة خطبه ، وجمال عباراته ، وإشراق أسلوبه ، وحماسه وتدفقه في الخطابة أطلق عليه صفيه الأستاذ علي الطنطاوي في مذكراته : نابغة الخطباء .                                                                                                                   شاعريته :

وهو شاعر إسلامي مرموق وخطيب مفوه ، ومن جيد شعره قوله :

تطاوَلَ ليلي والسُّهاد مرافقـي

 

وما  أطول الليـل البهيم لآرقِ

غريبٌ يقلِّبهُ الحنينُ على الغضا

 

ويُرْمِضه شوقاً إلى كل شائـق

تناءَتْ به دارٌ وأوحـش منزلٌ

 

وظلَّلَه هـمٌّ مديـدُ السـرادِقِ

وألقته أحداثٌ على غارِبِ النوى

 

فيا ليت شِعري هل مَعادٌ لتائقِ؟!

تمرُّ به الأيام جرحاً وأسهمـاً

 

وصبراً تحدّى كِبرُه كلَّ راشق

وشعلةَ إيمـانٍ يزيدُ اتّقادهـا

 

على عصفاتِ الدهر عند المآزق

أحِبّايَ يا مهوى الفؤادِ  تحيّةً

 

تجوزُ إليكم كلَّ سـدٍّ وعائـق

لقد هدّني شوقٌ إليكم مُبَـرِّحٌ

 

وقرّح جفني دافق بعد دافِـق

******

    - فلا راحة حتى ولو لان مضجـع       ولو كنت حتى في ظلال البواسق

   - اذا كان في خلف السجون أشاوس      تعذب بأيدي كل طـاغ ومارق 

   - تمنيت حتى ضجعة السجن بينكم       على الصخر في جو من الجور خانق

   - صلابة أرض السجن إن كان بينكم    أحبّ وأشهى من طري النمـارق

ومن أقواله :

يا إخوةَ الهدَفِ العتيدِ وإخوةَ الدّرْبِ العتيدِ

يا صَرْخَةَ الإسْلامِ والإسْلامُ مَطْوِيُّ الْبُنُودِ

يا ثَوْرَةَ الحقِّ المبينِ على الضَّلالةِ والْجُحُودِ

هيَّا فَقَدْ آنَ الأوانُ لموْلِدِ الْفَـــــجْرِ الْجَدِيدِ

الله هو الغاية :

ويُشْرِقُ الحقُّ في قلبي فلا ظُلَمٌ ويَصْدُقُ العَزْمُ ، لا وَهْنٌ ولا سَأَمُ

دَرْبٌ سَلَكْناهُ والرحمنُ غايتُنا مَـــــــــــــــا مَسَّنَا قَطُّ في لأْوائِهِ نَـــــــــــــــــــــــدَمُ

نَمْضي ونَمْضي وإن طالَ الطريقُ بنا وسَالَ دَمْعٌ على أطْرافِهِ ودَمُ

يَحْلُو العَذابُ وعَيْنُ اللهِ تَلْحظُنا ويَعْذُبُ الموتُ والتشريدُ والأَلَمُ

أحرار :

تَفْنَى الْحَياةُ ويَبْقَى مِنْ كَرامَتِنا مَا لَيْسَ يُفْنيهِ أسْقامٌ وأَعْمارُ

كنَّا مَعَ الْفَجْرِ أحْراراً وَقَدْ غَرَبَتْ شَمْسُ الشَّبَابِ ، ونَحْنُ الْيَوْمَ أَحْرارُ

وقال عندما أصابه الشلل في بروكسل 1968م :

يَا رَبِّ إِنّي فِي سَبِيلِكَ مُبْحِرٌ وَوَهَى الشِّراعُ وَدَمْدَمَ الإِعْصَارُ

والجِسمُ كَلَّ عن الْحِراكِ وخَانَنِي والْبَحْرُ حَوْلي مَارِدٌ جَبَّارُ

عَزَّ الْمُعينُ فلاَ مُعِينَ سِواكَ لي فَالْطُفْ بِما تَجْري بِهِ الأَقْدَارُ

إِمَّا كَتَبْتَ لِيَ الْحَيَاةَ أَوِ الرَّدَى فَأَنَا الَّذي أخْتَارُ مَا تَخْتَارُ

أشواق الروح :

أَشْواقُ رُوحِيَ لا أَرْضٌ تُحَدِّدُهَا وَلا سَمَاءٌ وَلا شَمْسٌ وَلا قَمَرُ

أَشْواقُ رُوحِيَ تَطْوِي الدَّهْرَ سَابِحَةً فَلا يُحَدِّدُهَا عَصْرٌ وَلا عُصُرُ

أَشْواقُ رُوحِيَ وَجْهُ اللهِ وِجْهَتُهَا يَقُودُهَا الْحُبُّ إنْ لَمْ يُسْعِفِ النَّظَرُ

ومن أقواله :

بعض الناس فقدوا نعمة الحرية ، والشوق إليها ، والقدرة على الحياة بها ، فهم يتنقلون من سيد إلى سيد ومن نير إلى نير ..سيد يسخرهم بالخوف والسوط ، وسيد يسخرهم بالطمع والفتات ، وهم عبيد ، بل شرّ من العبيد ، في كلتا الحالتين .

قد يفقد الإنسان منصبه ، أو يفقد ماله ، أو يفقد عزيزاً عليه ، ويبقى الإنسان في جوهره شقياً كان أو سعيداً ، غنياً كان أو فقيراً ، هو الإنسان ، أما إذا فقد ذاتيته وشخصيته ومبادئه ، فقد فقدَ وجوده نفسه ، ولم يبق منه شيء .

ومن مؤلفاته :

1-              بلادنا الإسلامية وصراع النفوذ .

2-               أزمة روحية .

3-              رأي الإسلام في التحالف مع الغرب .

4-              الإيمان وأثره في تربية الفرد والمجتمع .

5-              كلمات – 2 جزء .

6-              ثورة الحق .

7-              من بقايا الأيام – 2 جزء .

8-              رحيل – شعر .

وكتب عنه :

-        عصام العطار : الزعامة المتميزة -  حسن التل .

 مصادر الترجمة :

–  حسني أدهم جرار في : شعراء الدعوة الإسلامية :1/75 , 92 .   

 – الموالاة والمعاداة :1 /324 . 

-الموسوعة الحرة : عصام العطار .

-العربية نت : حوار مع عصام العطار في 29 / 7 / 2007 م .

-أحمد موفق زيدان – مقابلة : عصام العطار يتذكر – في 9 آب عام 2007م .

-عبده دسوقي : الإخوان المسلمون في سورية – موقع إخوان ويكي .

-محمد علي شاهين : بنان علي الطنطاوي – أعلام الحركة الإسلامية – موقع إخوان ويكي .

-أحاديث مسجلة للأستاذ عصام العطار .

-رابطة أدباء الشام .