كونوا عباد الله إخونا

أ.د. محمد سعيد حوى

تتجلى في هذه الظروف الاستثنائية حقائق الإخاء وواجباتنا الإسلامية والإنسانية  تجاه بعضنا بعض، وما أعظم ما ورد في الكتاب وعن رسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا الصدد، مما لا يمكن الإحاطة به هنا، لكن نذكر ببعضها:

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]

قال تعالى: ﴿... وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]

وهكذا تحدثنا الآيات كيف يسع المسلم أخاه في قلبه ومكانه ويؤثره في كل خصوصياته، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ...﴾ [البقرة: 178]

 فهو حضٌّ على العفو والتسامح وحضٌّ على حُسن المطالبة وحُسن الأداء.

حقوق المسلم العامة:

أمّـا بعض ما ورد في النصوص الحديثية:

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ " البخاري.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» مسلم.

وعن أَبي عُمارة الْبراءِ بنِ عازبٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ: أَمرنَا بِعِيادة الْمرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجنازةِ، وتَشْمِيتِ الْعاطِس، وَإِبْرارِ الْمُقْسِمِ، ونَصْرِ المظْلُومِ، وَإِجابَةِ الدَّاعِي، وإِفْشاءِ السَّلامِ.متفق عليه.

فاشتملت هذه الأحاديث على ثمانية حقوق:

رد السلام وفي رواية افشاء السلام.

عيادة المريض.

اتباع الجنائز.

إجابة الدعوة.

تشميت العاطس.

النصح له.

إبرار القسم.

نصرة المظلوم.

 

 

حقوق و واجبات أخرى:

وثمة حديث جامع رويَّ بألفاظٍ في الصحيحين عن أبي هريرة وابن عمر وأنس بألفاظٍ متقاربة يكمل بعضها بعضاً، وفي ما يلي مجموع ألفاظه من الصحيحين أو أحدهما كما جمعها النووي وغيره، وفيها الكثير من الحقوق:

فعنْ أَبي هُريْرةَ رضي اللَّه عنهُ أنَّ رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "إيًاكُمْ والظَّنَّ، فَإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحدِيثَ، ولا تحَسَّسُوا، وَلاَ تَجسَّسُوا وَلاَ تنافَسُوا وَلاَ تحَاسَدُوا، وَلاَ تَباغَضُوا، [ولاَ تَقَاطَعُوا]، وَلاَ تَدابَروُا، "[لا تَهَاجَروا وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمِ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ"].[ وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ]،[ ولا يسم على سوم أخيه] [ ولا تَنَاجشُوا] وكُونُوا عِباد اللَّهِ إخْواناً كَما أمركُمْ. المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لاَ يظلِمُهُ، [ ولا يسلمه]،[ ولا يكذبه]وَلاَ يخذُلُهُ وَلاَ يحْقرُهُ، التَّقوى ههُنا، التَّقوَى ههُنا"ويُشير إِلَى صَدْرِه"بِحْسبِ امريءٍ مِن الشَّرِّ أنْ يحْقِر أخاهُ المسِلم، كُلُّ المُسلمِ عَلَى المُسْلِمِ حرَامٌ: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُه، إنَّ اللَّه لاَ يَنْظُرُ إِلَى أجْسادِكُمْ، وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ، ولكنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ".( من الشيخين بتصرف)

حديث عظيم روي بألفاظ متفرقة ومجتمعة عند الشيخين، وأنت تلحظ فيهِ أنّـه طالبك بالكثير من الواجبات لتصل إلى تأسيس حقيقة كونوا عباد الله إخوانا.

وفي رواية: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» البخاري.

إننا إذا تأملنا هذه النصوص إضافة إلى الحقوق الثمانية نجدها اشتملت على خمسة وعشرين حقاً:

إياكم والظن (فهذا حقٌ للمسلم على أخيه ألا يسيء الظن، بل يُحسنه).

لا تحسسوا (تتبع الأخبار ولو لم تكن عيباً).

لا تجسسوا.

لا تنافسوا (عدم المنازعة والأنانية).

لا تحاسدوا (لا يتمنى زوال نعمة عن غيره).

لا تباغضوا.

لا تقاطعوا.

لا تدابروا.

لا تهاجروا (لا يحل له أن يهجر أخاه فوق ثلاث).

لا يبع بعضكم على بيع بعض.

لا يخطب على خطبة أخيه.

لا يسم على سوم أخيه.

لا تناجشوا (لا يزيد في سعرٍ حتى يصرف أخاه عنه).

كونوا عباد الله إخوانا.

لا يظلمه.

لا يسلمه (فإن ظلمه الآخر فهو لا يتركه مظلوماً).

لا يكذبه.

لا يخذله (فإن استنصر به نصرهُ).

لا يحقره (وهذا دِلالة على الموقف القلبي من الأخر ولذلك ذكر هنا التقوى وندد به كثيراً فقال: "بِحْسبِ امريءٍ مِن الشَّرِّ أنْ يحْقِر أخاهُ المسِلم".

كل المسلم على المسلم حرام، دمه.

عرضه.

ماله.

من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.

من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة

بلا حق لنا في فضل:

 ونجد في حديثٍ عظيمٍ جملة من الحقوق التي تحققنا بأروع معاني الإيثار والإخاء:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ(مسلم)

ومن الحقوق والواجبات العظيمة:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» البخاري ومثله في مسلم.

وبهذا نشكل المجتمع الحق القوي المؤمن، لنكون بنياناً مرصوصاً لنقوم بحق الأمة في الجهاد والنصر والتحرير والمنعة والتمكين﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفاًّ كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]، فأين نحن من هذه ونحن نرى أهلاً لنا في سوريا في العراق في لبنان في فلسطين في غزة في العراء مشردين في البرد في الثلج، أين القلوب المؤمنة؟؟

أين الشعور بالإخاء والإنسانية ؟؟

أين التحقق بمعاني وحقائق الإسلام العظيم ؟؟