clip_image002_f872b.jpg

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس مجموعة "سقوف الرّغبة القصصيّة" للأديب الكبير محمود شقير والتي صدرت بداية هذا العام 2017، عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، وتقع في 172 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ الحديث ديمة جمعة السمان فقالت:

"سقوف الرغبة" لوحات مكتملة مكثفة عميقة

كلماتها موزونة بميزان ذهب.

اصطحبنا الأديب محمود شقير في رحلة إلى (عمق النفس البشرية) من خلال  مائة واثنتين وثلاثين قصة قصيرة جدا، كل قصة كانت عبارة عن لوحة ألوانها حروفٌ معجونة بالحكمة، يذوب فيها الحلم بالواقع؛ ليخفف من وطأة الحقيقة، فالحقيقة موجعة، نحن نبكي فيزيد اكتئابنا، فنزيد من جلد ذواتنا، فتتضاعف عذاباتنا، هكذا نقضي عمرنا، ننفر الفرح إن أتى، نستكثره علينا، فنعود نشدّ الترح إلى حياتنا، ألا نستحق أن  نفرح؟ وقد عبر عنها الأديب بقصة عنوانها لحظة فرح ص 137.. قال:

 تعبنا ونحن نحصي مآسينا 

وحين ظفرنا بلحظة فرح

ذهلنا، ثم أفرطنا في البكاء.

لوحات مكتملة.. كل حرف في مكانه، لا يزيد ولا ينقص، كلمات موزونة بميزان  ذهب، مكثفة، عميقة، ليست لحوحة، تترك مساحة كافية للقاريء؛ ليصول فيها خياله ويجول، فيكمل نسج القصة بخيوط تتدلى من حاجته، فيرضى.

في مجموعته كان الحلم سيّد الموقف، والخيال كان الأرجوحة التي أنستنا أنفسنا وحلقت بنا عاليا؛ لتهبط من جديد، وتعود تحملنا إلى أعلى سماء، فنتوه، لا ندري أين نحن! لحظات نحتاجها لترتد إلينا الروح من جديد.

 جاءت ليلى ومعها قيس، والكهل كان أيضا هناك يرقد في إحدى زوايا الوحدة المعتمة ينتظر، ومات الكهل النحيف، كم أحزننا موته!

 الممرضة لم ينساها الأديب، والرصيف والمطر فرضا نفسيهما في معظم القصص، وسمعنا صوت الببغاء أيضا تكرر كعادتها آخر الكلام، الخيول كانت تركض هناك، والأطفال كانوا يبكون ويصرخون، البراءة تشع من عيون مذهولة.

أمّا القدس  فجلست طوال النهار تنتظر، ولا زالت تنتظر، في قصته التي عنونها بِ "انتظار".

هؤلاء جميعهم كانوا الركائز التي بنى عليها شقير قصصه، وكل ركيزة تحمل من الدلالات الكثير،  أظهر من خلالهم المفارقات، فلم يترك الأديب شاردة ولا واردة إلا تطرّق لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

"ليلى" تعددت دلالاتها في قصصه، كانت تارة (ليلى قيس)، وكانت تارة أخرى (ليلى والذئب)، وكانت تارة المرأة الضحية، وكانت الملجأ، وكانت الحكيمة، وكانت الصمود والتحدي، ولكنها مجتمعة احتواها العنوان الأكبر( حواء). وقيس كان  (آدم) بهما يعمر الكون، ويتحقق الحلم.

اعتدنا على الصخب، ففي صفحة 138 ( سوق الحدادين)، عبر شقير عن حاجتنا للصخب، حتى عندما نبحث عن حلم مريح، فالصمت يخيفنا، والهدوء يرعبنا، فلم تجد البطلة نفسه وراحتها إلا في سوق الحدادين، هناك على صخب النحاس وأوعية الحديد استرخت وذهبت في نوم عميق.

أمّا واقعنا الأليم مع الاحتلال وجنوده، فكان يطل علينا من بين الكلمات، يذكرنا أننا لا زلنا تحت نير الاحتلال، ولا زالت الحواجز العسكرية موزعة في كل مكان، في البرد والحرّ، والجنود ينكلون بنا، يرهقوننا باجبارنا على الانتظار، ولكنهم غير سعيدين، يقبعون خلف الحواجز ينتظرون أيضا، هم يشعرون أننا نحن من يحتجزهم،  فالتعب نال منهم أيضا.

خصص الأديب لها قصة  بعنوان (حواجز)، قصد أن يضعها في آخر المجموعة، ليعيدنا من حالة الحلم إلى الواقع، فلا زال الوطن يختنق بالحواجز ينتظر الحرية.

 

وقال جميل السلحوت

سقوف الرّغبة وعودة الشيخ إلى صباه

والأديب محمود شقير أديب كبير غنيّ عن التّعريف، كتب القصّة القصيرة والأقصوصة، قصصا وروايات للأطفال ولليافعين، المسرحية، الرّواية، أدب الرّحلات، مسلسلات تلفزيونيّة وغيرها، وصدرت له عشرات الكتب في صنوف الأدب.

والأديب شقير كاتب متجدّد، ففي كلّ جديد له يدهشنا من جديد، وهذا ما يشاهده القارئ في مجموعة قصصه القصيرة جدّا الجديدة "سقوف الرّغبة"، التي أسرتني بلغتها الشّعريّة، ومضامين بنائها القصصيّ، وهذا ليس غريبا عن أديبنا الذي يعتبر من أشهر كتّاب القصّة العربيّة.

أثناء قراءتي للمجموعة تذكّرت مقولة لأحد الفلاسفة يقول فيها :"يبقى الانسان شابّا ما دام يشعر بذلك، ويشيخ عندما يريد ذلك"، وأديبنا المتميّز شابّ في هذه المجموعة، يكتب عن الحبّ والغزل العذريّ، بل هو قيس يتغزّل بليلى، وليلى هي الأنثى التي يتردّد اسمها في غالبيّة القصص، مع التّأكيد أنّ الكاتب في كتاباته لا يكتب عن ذاته، ويبدو أنّ الكاتب حاول الهروب من الفهم الخاطئ في سحب الشّخصيّات التي يكتب عنها إلى ذات الكاتب، فجاءت القصص على أنّها أحلام ليس أكثر، لكنّها في الأحوال كلّها تبقى درسا في الغزل العذريّ، وما يدور في أذهان العاشقين، تبدأ من النّظرة إلى الابتسامة ومن ثمّ إلى العناق والوصال. وهذا الغزل العذريّ لا اسفاف فيه، لكنّه حالة انسانيّة راقية في فهم العلاقة بين الرّجل والمرأة.

واللافت أنّ الكاتب يتلاعب بجماليات اللغة؛ ليكتب لنا أقاصيص تسرق الألباب. وأديبنا الذي طرح علاقة الرّجل بالمرأة في هذه المجموعة القصصيّة، لم يتخلّ عن حبيبته الأغلى والأعزّ وهي القدس الشّريف فقد افتتح مجموعته القصصيّة باهدائها :" إلى المدينة التي زرعت في قلبي الدّهشة، إلى القدس"ص3.

وكان للقدس نصيب في هذه الأقاصيص، فقد تجوّل فيها ليلى وقيس مرّات تليق بعشّاق المدينة.

في سقوف الرّغبة لا يعكّر صفو العاشقين"قيس وليلى" إلا جنود الاحتلال الذين لا يحترمون خصوصيّات وحرمات النّاس.

 وإذا ما روى لنا التّاريخ أنّ قيس بن الملوّح جُنّ بحبّ ليلى، إلا أنّ قيس وليلى اللذين ابتدعهما الأديب شقير عاقلان يعرفان ويعلمان ما يريدان، ويظهر أنّهما مدرسة في الحبّ، ومحمود شقير المبدع يجعل من أبسط الأشياء قصّة لافتة مدهشة، وفي قصصه سلاسة وبساطة تحمل في ثناياها خيالا ابداعيّا لا يقوى عليه كثيرون، وللدّلالة على ذلك لاحظوا معي هذه الأقصوصة التي تحمل عنوان "سطح":

 " قال لها هنا على سطح الدّار، تحت سماء تسطع فيها النّجوم ويتجلّى القمر بنوره الوهّاج.

قالت: دعنا ننتظر، لعلّ الغيوم تغطّي السّماء." ص89.                                                                                                                    

ولقد استغلّ الكاتب الضّدّيّة المعروفة في القصّ الوجيز بطريقة مذهلة، لاحظوا معي الومضة المعنونة بـ "دروب":

"قالت: خذ كلامك الجميل وقبضة من تراب ولا تخش السّفر.

سافر في دروب قلبها، وهناك، هناك استقرّ."   

ولم ينسَ الكاتب التّحذير من عادات ومعتقدات التّخلّف، ففي قصّة "خداع" ص 109، تذهب "نوّارة" بنت الثلاثين التي لم يأتها خطّاب صحبة والدتها؛ لتجد حلّا لمشكلتها عند "فتّاح" ، وهناك يفضّ بكارتها بصمت، وأمّها تنتظر في الغرفة المجاورة، وعندما جاءها عريس، عادت  إليه أمّها، تطلب حلّا، فقال:" أنا أفكّ الألغاز. جاء إلى بيت الأهل وقال لهم وللعريس:البنت ركبها جنّيّ واستقرّ في جسدها ولا بدّ من اخراجه. قالوا له: أخرجه.

وهناك بدأ يطرح عليهم مكانا يخرج الجنّ منه مثل العين، الأذن، الحلق الأنف. وفي النّهاية :"قال في حزم ومن دون ارتباك، أخرجه من الموضع الذي لن يبقى على حاله في ليلة الزّفاف.

قالوا: ليخرج الجنّيّ من هناك.

أخرجه وسال دم، كان يخبّئه في زجاجة صغيرة، لم يرها أحد غيره" ص110و 111.

تساؤل: أثناء قراءتي للمجموعة القصصيّة، شعرت وكأنّني أقرأ رواية متسلسلة تحمل أقاصيص عن الحبّ والحياة والقدس. فهل قصد الكاتب ذلك، خصوصا وقد سبق له أن أصدر أقاصيص يمكن قراءتها كرواية، ومنها"القدس وحدها هناك"؟ أم أنّها جاءت عفو الخاطر من أديب متمرّس؟

وفي الأحوال كلّها فإنّنا أمام أديب رائع يكتب أدبا مدهشا.

وكتب ابراهيم جوهر:

محمود شقير في "سقوف الرغبة": يحلم وينتظر ويلحّ

في قصصه القصيرة التي حملت عنوانا شاملا هو "سقوف الرّغبة" يواصل الأديب المجدّد "محمود شقير" مشروعه في تطوير أسلوب القصّ بشخصياته ولغته وبيئته المكانية التي صارت هنا في الحلم بعيدا عن الواقع وإن كانت تنطلق منه لتعود إليه. والقارئ الفطن سينتبه لموضوعة "الحلم" التي قادت شخصياتها لتقول وتبوح وتتحاور.

لقد كتب الأديب "محمود شقير" قصصه في هذه المجموعة بمستويات قرائية ثلاثة:

المستوى القريب للّغة، يليه المستوى البعيد ثم الأبعد دافعا قارئه للتحليل والوقوف عند المعاني المتوارية تلك التي لا تطلّ برأسها لتسلمه نفسها من الوقوف عند قشرة الكلمة والعبارة.

"ليلى" و "قيس" أخذا الحظ الأوفر من قصص المجموعة، ثم الببغاء والكهل الوحيد.

وبرزت "ليلى" و"قيس" في علاقة غريبة محيّرة فلا الحلم حقيقة ولا الزواج قائم فعلا ولا الحياة مستقرّة منتظمة الإيقاع بل التوتّر والقلق والرهبة من الطريق والجنود والتوقيف يمنع تلك العلاقة المعوّض عنها بالحلم.

تظهر الأحلام بطلا في قصص شقير وهي تزور شخصيتيه الرئيستين: ليلى وقيس.

والحلم عند الكاتب هو حلم يعبّر عن رغبة بحياة واستقرار وامتداد، لأن الواقع يمنع ذاك الانسجام المرغوب فيه.

وقد جاءت لغة الكاتب شعرية الإيقاع تشير إلى حالة الشوق والرّغبة والحياة.

في "سقوف الرّغبة" يقدّم "محمود شقير" قصصا تأخذ من الشّعر روحه وإيحاءاته، ومن القدس – الوطن ميدانا ينتظر اكتمال الحلم وتحقّقه، فـ"ليلى" هي القدس، و"قيس" هو ابنها أو عشيقها. وما هذا الانتظار الملحاح وذاك الحلم دائم الحضور سوى دليل على مواصلة التّمسّك بالحلم الباقي في الحرية والحياة.

وقال عبدالله دعيس:

سقوف الرغبة والأحلام الورديّة

يستعير الكاتب محمود شقير شخصيتي قيس وليلى، اللذين عاشا قصّة حرمان وظلم اجتماعيّ، من التراث العربيّ، ويجعلهما الشخصيّتين الرئيسيتين في معظم أقاصيصه، ويلّقي بهما في عالم الأحلام، حيث لا قيود، ويقودهما في دروب شتّى، يحطما القيود التي لا تفتأ تظهر في طريقهما، لكن لا يلبث الحلم أن يتبدّد سريعا، ليتلفتا إلى الواقع ثمّ يهربا إلى حلم جديد.

"سقوف الرغبة" مجموعة قصصيّة مترابطة، ترسم طريق الإنسان الذي تقيّده أغلال العدو وتحيطه قيود الجهل؛ فينطلق في حلم كاسح يتلوه حلم، حيث لا حدود ولا قيود، ليعيش أدوارا لم يستطع أن يقوم بها في واقعه، وليخترق سقوف الرغبة العارمة، في حياة لا تحدها قيود.

يبني الكاتب من كلماته البسيطة ومضات سريعة، وصورا رائعة مدهشة، تشخّص واقعا، وتحكي عن ماضٍ، وتستشرف مستقبلا ليس في الضرورة مضيئا مشرقا، وإن كانت خيوط الأمل لا تفارقه، ترسم له صورة جميلة إن لم تكن في عالم الواقع فلِمَ لا تكون في الأحلام!

والكاتب يبني قصصه من شخصيّات واقعيّة، وعالم واقعيّ، فهو يذكر أحيانا أماكن معلومة، مثل القدس أو باب العمود، وأحيانا أماكن خياليّة لها معالم واقعيّة، لكنّ هذه الأماكن لها إيحاءات ودلالات رمزيّة، وكذلك هم الشخوص.

ورغم إيجاز القصص وتركيزها، إلا أنها لا تخلو من وصف موجز للمكان، وحوار بين الشخصيّات المغرقة في الرمزيّة. وتتكرّر الرموز في قصة تلو قصّة، حتى تصبح تحكي عن نفسها، وتحلّق بالقارئ في عالم متشعّب، وصور جميلة، ينسجها الكاتب باستخدام حيلة فنيّة لطيفة، ألا وهي أن الشخصيات تحلم، فيستطيع بذلك أن يتخطّى حواجز الأمكنة والأزمنة، ويراوح بين المعقول واللامعقول؛ ليعكس واقعا نراه ونظنّه معقولا، لكن إذا أمعنا فيه وجدناه خارج نطاق المعقول والمقبول، ومستقبلا لا نريد أن يكون بقتامة الواقع، فنحلق فيه بحلم قد لا يتحقّق أبدا، لكن لا بدّ من هذا الحلم، حتّى نستطيع تخطّي ظلمة الحاضر.

وفي الكتاب رموز كثيرة جدّا، قد لا يستطيع القارئ الوصول إلى ما يرمي الكاتب إليه، إلا بعد أن يكرّر القراءة مرّة بعد مرّة، ويرى هذه الرموز تظهر في طريقه مرّة تلو أخرى. فالجنود دائما حاضرون، يقطعون طريق قيس وليلى حتّى في أجمل أحلامهم، وكذلك طائراتهم تخترق السماء، وتمنعهما من التحليق عاليا منطلقَيْن متحرّرَيْن من قيودهم. والجنود رمز للشرّ ورمز للاحتلال الذي يحاصر أحلام أبناء الوطن. والسهل الفسيح يرمز للانطلاق والحرّية، ويقابله الوادي السحيق الذي يشير إلى الأغلال والقيود، وقمّة الجبل ترمز إلى المرتقى الصعب الذي لا بدّ من الوصول إليه. والرصيف هو الطريق الطويل الممهّد الذي قد يقود إلى الحريّة.

والطفل رمز لبعث جديد ومستقبل مجهول وتجرّد من أثقال الدنيا. لذلك فإنّا نرى الطفل يظهر فجأة ويختفي فجأة، ويختلف قيس وليلى على وجوده، فهو يبدو في الحلم ثمّ يتلاشى، وكأنّ المستقبل الذي يتحدّث عنه الكاتب ليس واضحا ولا مضمونا، تعتريه الشكوك، لكن لا يمكن الاستغناء عن السعي إليه، وإرضاعه من ثديّ الأمّ الذي يرمز للعطاء، حتّى يكبر وينتعش ويخرج من براثن العتمة.

تتكرّر صورة الببغاء في كثير من القصص؛ لترمز للثرثار الذي يحسن الكلام لكنّه لا يحسن الفعل. والممرّضة، على خلاف ما عُهد عنها كملاك للرحمة، فإنّها في قصص محمود شقير ليست إيجابية، ويبدو أنها ترمز للعين التي ترقب النّاس وتقف في درب أحلامهم. أما العنزة الرعناء فهي مثال للإنسان الجاهل محدود الحلم والوعي. وجسد المرأة وشعرها الأسود الطويل يرمز للجمال، والعريّ يرمز للحريّة والانطلاق. أما الكهل النحيل فهو الإنسان العادي البسيط الذي يكدح للقمة العيش رغم القهر والظلم، ولا يلتفت إليه أحد ولا يعبأ أحد بحلمه، ثمّ يموت في نهاية المطاف تاركا مذكرات لا أحد يهتمّ بمجرّد قراءتها، وكأنّ هذا الإنسان الذي لم يصل طموحة حدّ الانطلاق نحو الحريّة، لا يعني شقاؤه في الحياة شيئا ما لم يتخلَّ عن سلبيّته، ويسعى بقوّة نحو مستقبل واعد، وإلا سيكون مصيره الغياب في طيّات النسيان. وأخيرا فإنّ المطر يرمز دوما إلى الخيّر، يجمع المحبين، ويهطل لذكرى الشهيد، ويغسل القدس من أدران العدو لتبدو بهيّة جميلة.

ويلخّص الكاتب أحلام قيس وليلى وسعيهم للحريّة في (لحظة فرح) لا تطول:

"تعبنا ونحن نحصي مآسينا

وحين ظفرنا بلحظة فرح

ذهلنا، ثمّ أفرطنا في البكاء"  ص 137

ويتخلّى الكاتب عن الأحلام لتكون قصتة الأخيرة (حاجز) حقيقة وليس حلما، حيث ينتظر قيس وليلى خلف حاجز لجنود الاحتلال طويلا، لكنّ حركة الحياة خلف الحاجز تستمر، أما "الجنود الغرباء، فقد بدوا متعبين خلف الحاجز، كما لو أننا نحن الذين نحتجزهم هناك." 160ص

وكتبت نزهة الرملاوي:

رغبات كثيرة قدمها لنا الكاتب على أطباق طائرة، ما كادت تحلق بنا حتى ترتطم بسقوف تحدّ من طيرانها، وتحدّ من تحقيق أحلامها.

ترى ما المعاني المقصودة التي أراد الكاتب طرحها للقارئ في أقصوصاته؟

وما الأهداف الكامنة التي ستحققها تلك الأقصوصات؟

تميزت أقصوصات الكاتب ببساطة الكلمات وجمال السرد، ولكنها كانت من ذوات السهل الممتنع، فلم يكن من السهل الوصول إلى مراد الكاتب، ففي كثير من قصصه القصيرة جدا، يوحي لنا بأن ما يرويه عبارة عن أحلام تراوده بين الحين والآخر مع الحبيبة، ومن شدة عشقه وتمسكه بها أطلق على نفسه اسم قيس، كذلك سمى حبيبته ليلى، تيمنا بعاشقين من بني يعرب، فما الذي قصده الكاتب هنا عندما انتحل في معظم أقصوصاته شخصية قيس المتيّم بحب ليلى، وراح يرسم لنا وجهها وانسدال شعرها وطيران فستانها وعطرها وصدرها وقوامها، فهل كان ذلك اعجابا شديدا بالعاشقين ؟ أم حزنا على توقف رغباتهما فأحسّ حاله من حالهما حينما ارتطمت رغباته بسقوف أوقعتها، فبانت عسيرة المنال والتحقيق؟ من الملاحظ أن الكاتب استخدم أسلوب الوصف بشكل لافت، وخاصّة وصف النساء وما تحمّلنه من مفاتن وحركات ولباس ورقص وغير ذلك، وأعطى لذلك مساحة واسعة على حساب حدث مهم، كما في (شرفة) و (رغبات) و(تلك الثياب) ( حنين إلى الماء ) وغيرها من الأقصوصات.

استخدم الكاتب الرمزية في قصصه، فقد رمزت إلى البساطة والحرية والانطلاق والثرثرة والمراقبة، أضف إلى ذلك أنها كانت تعبر عن أحلام تصطدم بواقع مؤلم ظهر في حواجز الإحتلال وسيارات الجنود، والوادي السحيق، والشوق لبحر يافا، وحلمه بلقاء الحبيبة وشعوره أنه بجانبها في المطعم والسرير وفي سهل فسيح، حتى أن حلمه كان يشبه حلمها، وما أن يستيقظا حتى يصطدما بواقع مرير.

توافق عنوان الكتاب مع مضمون القصص، فالكاتب أوحى للقارئ عن كثير من الرغبات، تناولها من عدة جوانب، كالرغبة في الحرية كما في أقصوصة (طيران)، والرغبة في اللقاء كما في ( حين نزل المطر)، والرغبة الجنسية كما في أقصوصة (خداع) والرغبة في التملك كما في "خيال."

أكثر من العواطف والشعور، كالشعور بالغيرة (عطر) وعاطفة الحزن (ممرضة) وعاطفة الشوق والحب كما في (ربيع) و "مريول"

في أقصوصة ( ركض ) تناول الكاتب جانبا من الزمن الماضي، كالعشيرة والشيوخ المتلفعين بالعباءات، وراح يذكرنا بأن الزمن أصبح غير الزمن فهم لا يهتمون بعشيرتهم كالسابق، والفتى يواصل الركض حتى يصل شجرة قريبة من فتيات يحملن كتبا ولا يقرأن ما فيها، انتابتهن رغبة بالبقاء جانب الفتى الذي رغب في الجلوس عند الشجرة وهو متعب، وفاجأنا الكاتب أن رغبة الفتى الجامحة أسقطها سقف يأس ما يحمله.

من الملاحظ أن الأقصوصات لم تكثر من الأسماء والشخوص، فبالإضافة إلى قيس وليلى رسم لنا شخصية الممرضة في عدة أحداث، كذلك كان لشخصية الفتى والأطفال أدوار مهمة في سرد الأحداث، أثرى الكاتب أقصوصاته بالمناظر الطبيعية، واستخدم الحيوانات الحصان والببغاء في رسم الأحداث، وأكثر من أقصوصات حول الكهولة كما في أقصوصة (كهل) و (عتبة) و (وصية) و(قطة)، ولا أدري إن كان لعمر الكاتب أثر في إنارة هذا الجانب المهم من الفئات المجتمعية التي تواجه تغييرا في الحياة وتحقيق الرغبات.

ذكر الكاتب بعض الأماكن ولم يكثر منها، كباب العامود، والقدس كما في ( مطر خجول) وسوق الحدادين وبحر يافا، والسفوح والأودية والنبع والمطعم، ولا غرابة في ذلك ما دام الكاتب يروي لنا ما حلم وما سيحلم في حلمه.

أكثر الكاتب من أسلوب الحوار في أقصوصاته بل كانت في معظمها قائمة على الحوار الهادئ البسيط، والعبارات الواضحة، وقد سردت بسلاسة وعذوبة بالرغم من صغرها.

أكثر ما يشدّ القارئ في سقوف الرغبة، تلك النهايات التي شهدت مفارقات كبيرة ما بينها وبين الحدث أو الحوار، فنجد الكاتب قد أدار عقارب الساعة وفاجأنا بعمل ما أو قول ما أو حدث آخر، فنقف حيارى متسائلين، لماذا أوقفنا الكاتب في منتصف الطريق، وأخذنا إلى طريق آخر مع أن الطريق ممهدة وواضحة المعالم؟ لماذا شككنا بقدراتنا على التحليل والغايات من وراء الأحداث أو القصة؟ هل ذلك هو النمط الخاص من القصة القصيرة جدا التي قام الاستاذ محمود شقير باستحداثها، واستخلاص جمالياتها، ووعيه بخصائص هذا النوع من الكتابة؟

أم تعمّد أن تصطدم رغباتنا أثناء القراءة، كما اصطدمت رغبات قيس وليلى بالحواجز والجنود؟

وكتبت رفيق عثمان:

نشر الأديب محمد شقير كتابه، الذي احتوى على ما يقارب متية وثلاثين قصة، ما بين القصة القصيرة والاقصوصة.

اختار الكاتب عنوان كنابه، سقوف الرغبة، لا شك بأن هذا العنوان لافت للانتباه، حيث للوهلة الاولى يفسر القاريء بأن تحقيق الرغبة يصطدم بالسقف، وهذا هو الخلاص الأخير.

أبدع أديبنا شقير في تصوير التركيب الفني للقصة القصيرة جدا، واتقان عناصرها، والتي من خلالها، يوصل الرسالة، للقاريء بتلميحات وإيحاءات، بأسلوب رمزي.

في صدد قصص كتاب سقوف الرغبة، نجح كاتبنا في خط الإيحاءات الإباحية، والتي غالبية القصص فيها تتطرق لهذا المضمون، مما يتعارض مع تقاليد وعادات مجتمعنا العربية، على خلاف ما توقعت من هذا الكتاب، بأن تكون القصص أكثر واقعية، وذات اتجاه آخر عير ذلك، وتناول المواضيع الملحة في مجتمعنا العربي، والفلسطيني على الأخص، ونحن بأمس الحاجة؛ لتناوله في وضعنا الراهن.

معظم القصص كانت ذات إيحاء، وفسح المجال للخيال الجامح والإباحي للقاريء، كل هذا متاح، وتزخر به الوسائل الألكترونية، للترويج.

نماذج مختلفة للقصص القصيرة: كما ورد في قصة: طقس، طفل،غابة من النساء، الممرضة، ما النبع، رغبات، بلل، طراد، سطح، بائع الحليب، احباب، خيول، خداع، ....

استخدم الكاتب اُسلوب قضية الأحلام كذريعة؛ للتعبير عن الرغبة الخاصة والجامحة، بشكل رمزي، لإيصال الرسالة، وتكررت الأحلام في معظم القصص، والتي كانت مأوى للرغبة، وراسخة بها، لم تصل حيّز التحقيق.

وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: د.عز الدين أبو ميزر، ميساء الخطيب، ماجد أبو غوش، رشا السرميطي، هدى عثمان ، نسب أديب حسين، سوسن عابدين الحشيم وليان العباسي.

clip_image002_56ca2.jpg

عن دار الشّروق للنّشر والتّوزيع في رام الله وعمّان، صدرت بداية العام 2017 رواية حرام نسبي للرّوائيّ المقدسيّ عارف الحسيني، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها مجد عسّالي في 213 صفحة من الحجم المتوسّط.

 وهذه الرّواية هي الثّانية للرّوائي الحسيني بعد روايته الأولى "كافر سبت" التي صدرت عام 2012 عن دار النّشر نفسها.

والقارئ للرّوايتين سيجد أنّ الرّواية الثّانية تأتي استكمالا للرّواية الأولى، فكلا الرّوايتين تتكلّمان عن القدس والمقدسيّين، بحيث أنّ الثّانية تشكّل جزءا ثانيا للأولى، مع أنّ كلّا منهما مستقلّة بذاتها، ويمكن قراءتهما منفردتين، وهذا يسجّل لصالح الكاتب وحنكته وقدرته على السّرد.

العنوان: جاء في صفحة 107 :" فلا يحدّثني أحد من بعد عن الصّحّ والخطأ، ولا عن المنطقيّ وغير المنطقيّ، بل حدّثوني عن الحرام النّسبيّ، الذي يتلاعب به الأقوى، ليفصّله على مقاسه، أخبروا أبناء المستقبل أنّ الحرّيّة هي لمن يستطيع امتلاكها وليست لمن يستحقّها". وهذا تفصيل للحكمة القائلة:"الحرّيّة تؤخذ ولا تعطى."

 والقارئ الحاذق لروايتي عارف الحسيني، سيجد نفسه أمام أديب خاض مجال الرّواية بقوّة وتميّز منذ روايته الأولى، ولا يحتاج القارئ لذكاء خاصّ حتّى يعرف أنّ كاتبنا يركّز على مدينته القدس التي ولد فيها أبا عن جدّ، وترعرع في حاراتها وأزقّتها وأسواقها ومدارسها ومساجدها وكنائسها، وبالتّالي فإنّ القدس تسكنه كما يسكنها هو نفسه.

وفي رواية "حرام نسبي" وبالرّغم من أنّ الكاتب قسّمها إلى فصول، إلا أنّه أورد عشرات بل مئات الحكايات والقصص عن القدس وناسها، وتحمل هذه الحكايات في ثناياها تقاليد وعادات وأقوال "وبعض الألفاظ المقدسيّة، عاشتها ثلاثة أجيال مقدسيّة من حوريّة الجدّة وابنتها اللتين جاءتا من الرّيف، وتزوّجت ابنتها من مقدسيّ، لتنجب ولدا وبنتا حملت اسم جدّتها "حوريّة"، ويلاحظ أنّ الجزء الأعظم من الرّواية جاء على لسان "حوريّة" الحفيدة، فهي "تبوح بما حملته معها عن الحياة والموت، عن الحبّ والزّواج، عن الفتاة والمرأة والرجل في مجتمع يعاني من قهر الاحتلال، وتذود عن حرّيّة روحها بكل ما لديها من عنفوان، فتنجح هنا وتفشل هناك، لكنّها تبقي الحبّ هاجسا وموجّها نحو الحرّيّة.

كما يلاحظ أنّ الرّواية رواية نسويّة بامتياز، ودور الرّجال فيها ثانويّ. وكأنّي بالكاتب يريد أن يطرح مسيرة المرأة المقدسيّة ومعانتها من بطش الاحتلال، ومن سطوة المجتمع الذّكوريّ.

" والرّواية رواية مكان بامتياز، إذ نجد جلّ أحداثها في القدس القديمة وعقبة السّرايا والتكية، وتمتد إلى خارج السور في باب السّاهرة والشّيخ جرّاح وشارع صلاح الدّين والزّهراء وبيت حنينا."

 وإذا كان المكان "القدس" يتعرّض للعسف والاغتصاب، فإنّ الإنسان هو الآخر يعاني، من تقاليد بالية تقيّده، ومن عسف احتلال يقيّد حرّيّته وينتهك حرماته وكرامته.

فحوريّة كانت تستمع مباشرة أو من خلال استراق السّمع في طفولتها لأحاديث "الآنسات" الدّينيّة، وحكايات النّساء في جلسات تعقد في بيت جدّتها حوريّة، فإنّها تربّت في حضن أب ماركسيّ، وتزوّجت من أسير محرّر يكبرها بسنوات، يعاني من البطالة، ليختلفا ويتطلّقا لاحقا دون أن ينجبا، ولتقع في ألسن النّاس وما يحيكونه من شبهات حول المرأة المطلّقة، خصوصا بعد بقائها في البيت وحيدة بعد وفاة أبيها، ولتقع لاحقا بغرام شابّ "نبيه" جمعتها به الصّدفة في طائرة أثناء عودتهما من رحلة إلى الولايات المتّحدة، ولم تنج من اعتداء المستوطنين عليها وعلى زائريها في البيت الواقع في الشّيخ جرّاح أحد أحياء القدس.

 ويلاحظ أنّه جرى تغييب شقيق حوريّة، فبعد انهائه للمرحلة الثّانوية سافر إلى الأردن، ولم يعد حتّى أنّه لم يحضر جنازة أبيه، وفي هذا إشارة ذكيّة إلى هجرات أبناء العائلات المقدسيّة من مدينتهم واستقرارهم خارج الوطن.

ولم تقتصر المعاناة على حوريّة الحفيدة فقط، بل تعدّتها إلى زميلتها سميرة التي تزوّجت، وتمّ اصطحابها صباح زفافها إلى طبيب للتّأكد من عذريتها، ليتبيّن أنّ بكارتها من النّوع المطاطيّ الذي لا يزول إلا بالولادة.

وتطرّقت الرّواية بشكل سريع وذكيّ أيضا إلى موقف أبناء العائلات المقدسيّة من أبناء الرّيف ونظرتهم الدّونيّة لهم، فقد حذّرت الجدّة "حوريّة" عند زواج حفيدتها من أصول العريس القرويّة، رغم أنّها نفسها تنحدر من أصول قرويّة.

الأسلوب: اعتمد الكاتب في سرده على ضمير "الأنا" وجاء غالبيّة السّرد على لسان "حوريّة" الحفيدة، ورغم أنّ الكاتب قسّم روايته إلى فصول، إلا أنّها مترابطة، لتشكّل رواية متماسكة، لا ينقصها عنصر التّشويق.

اللغة: لجأ الكاتب إلى اللغة الفصحى الفصيحة والبليغة، ولم يلجأ إلى اللهجة المحكيّة المقدسيّة إلا قليلا، لتكون ذات دلالات بخصوصيّتها، لكنّ الرّواية لم تخلُ من بعض الأخطاء اللغويّة والنّحويّة.

وماذا بعد: تشكّل الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة والعربيّة، خصوصا فيما يكتب عن القدس الشّريف.

clip_image002_64305.jpg

د. بطرس دله

clip_image004_efcdf.jpg

الشاعر رافع حلبي

قرأت الديوانين اللذين أهداني إياهما الشاعر رافع حلبي من دالية الكرمل, فوجدت عنده تربة خصبة وموهبة شعرية جيدة ومميزة كرسها لشعر الغزل الرقيق خاصة في ديوان : أنت وجه الملاك, يبدو أن هذا الديوان يختلف إلى حدٍ  ما عما سبقه ففيه نضوج فكري أكبر وصور وتعابير جميلة جداً ورائعة ولكنني كنت أتوقع أن يطرق الشاعر الرائع رافع أبواباً أخرى إلى جانب الغزليات. مع ذلك وجدت في هذه الغزليات شفافية واضحة خاصة ومباشرة يمكن تأويلها على أن الغزل كما في ديوان : أنت معبدي , على أن لدى الشاعر حنيناً خاصاً - نوسطالجياً - إلى مسقط رأسه  وهي قرية الدالية التي يحن ويشتاق إليها وإلى موقعها فهي الهاجس الذي يفكر فيه أبداً ! ومع ذلك إذا كان ما كتبته عن الديوانين لا يتجاوز المفهوم السطحي لهذه القصائد ففيها عمق ادبي فكري أكبر بكثير يتوجب علينا الدخول فيه فيما بعد, فأولي كما قال ستالين في حينه أن ترسله بنسخةٍ واحدةٍ أليها – إلى فتاة الأحلام التي تغازلها وكفى الله المؤمنين شر العشق والهيام. لذلك أقول في تفسير ما خلف السطور إنه حنين إلى القرية , شوارعها , بيوتها , مؤسساتها وهو حبٌّ شرعي مائة بالمائة.

clip_image006_fdb8d.jpg

clip_image008_e8f66.jpg

في ديوان : أنت وجه الملاك , لم أجد فيه أيِّ خطأ لغوي وهكذا يجب أن تكون الدواوين والإصدارات كلها !  في ديوان : أنت وجه الملاك , لديك بعض التوفيقات والاستعارات الجميلة مثل قولك في ص – 35 قصيدة بحار عينيكِ :

" فلا تتعبي كي لا أرهق

وارتاحي في سرير أحلامي

كي أرتاح . . . "

وفي المقطع الأخير للقصيدة تقول :

" أنتِ في عيون كل الرجال حبيبتي

ولا تنامين إلا فوق صدري

ولا تعشقين إلا حبي

والغرق في بحار عيوني . . . "

فما هذه الثقة ؟ إذا كانت تتمتع بكل الجمال إذن سيعشقها كل الرجال الآخرون , فلماذا في عيون كل الرجال ؟ !

في ص – 47 قصيدة: تعب الليالي, من الديوان ذاته :

" ومن مثلك يصان لا يهان

رائحة العاشقين

تفوح من ثناياكِ "

يا لجمال هذه الصورة الشعرية لأنها تضعنا في منزلة نبحث فيها عن رائحة العشق ,  فما هي هذه الرائحة ؟؟ وهل العشق يحمل رائحة معينة ؟ !

في قصيدة حنيني إليكِ ص – 54 بعد كل هذا الحب تبقى معشوقة الشاعر قصة الفراق والعذاب ! فهل هذا الفراق حقيقي أم هو من نسج الخيال ومن أجل الشعر ؟

وأتابع عن دواوينك وأقول أن لديك صورا شعرية جميلة جداً كما في ديوان أنت معبدي حيث تقول :

" لكن خوفي عليك من الأذى

يدفعني لأحملك بين ذراعي . . .

كي أحمي قدميك

وأنا أحترق . . . أحترق . . .

في ذروة الحنين إليك

إلى طيفك الهائم معي . . . "

هذه الصورة الشعرية جميلة جداً ! تتركنا في حيرة من أمرنا فهل كل هذا الحنين إلى من تحب أي قرية الدالية وكيف تحملها إذن ! وإذا كان هذا الحب إليها فنعم الحب والتضحية في سبيل قريتك ومجتمعك.

في قصيدة : الحرب الأخيرة ص – 80 تقول :

" إليك أكتب ملحمتي

في صراع العمر . . .

قد نجبر معاً أن نحيا مع

أفاعي الجحر

لكن الهي الخالق يعرف الحق

ويميز ما بين الجنة والجمر . . .

ويعرف أن يختار طرق الحرب

لا تخافي ففي قلبي نحوك

أجمل وردة وأكبر حب

إليك أحمله كل العمر

رغم كل لحظات الحزن "

قطعت رائعة وجميلة تكتب كسطور للتاريخ الآتي كي تنتهي الحروب التي لا تولد إلا الدمار بين كل بني البشر ويحل السلام والوئام والمحبة بين كل الشعوب والأمم, وعندها تصبح قرية الدالية آمنة بالرغم من كل لحظات الحزن قبل الوصول للسلام.

بالرغم من أننا نشعر للوهلة الأولى أن الشاعر رافع يخاطب محبوبته في كل قصائده إلا أننا سرعان ما نفهم ونكتشف أنه يخاطب وطنه ومسقط رأسه التي ترافقه إلى كل مكان حتى تتراءى له في الأحلام.  

   باحترام.

د. بطرس دله

كفريا سيف

clip_image002_27f1d.jpg

حين أتتني الدعوة من منارة الثقافة الكرمية السيدة سوسن عبد الحليم لحضور ندوة تحت عنوان (الكاتب في مواجهة الناقد) شددت الرحال من ربى عمَّان عاصمة الاردن الجميل متجها الى مدينة طولكرم زهرة شمال الضفة الفلسطينية حيث رحاب جامعة القدس المفتوحة في الربى الكرمية التي تسكن مني الروح والقلب، إضافة أن موضوع الندوة والاسماء التي ستتحدث به لها أهميتها ووجودها في فضاءات النقد والأدب والشعِر، اضافة للدور الأكاديمي للبعض منهم في الجامعات الفلسطينية.

 بدأت الندوة التي كانت تحت رعاية الدكتور يونس عمرو رئيس الجامعة والتي نسقتها ونظمتها ودعت لها الاستاذة سناء التاية استاذة النقد العربي في الجامعة، وبحضور كبير زاد عن حجم القاعة من الشعراء والكتاب والمثقفين والمهتمين والطلاب، بكلمة ترحيبية من الدكتور سلامة سالم مدير فرع الجامعة في طولكرم، حيث رحب بالحضور وأعرب عن سعادته بهذا الحضور من كافة ارجاء الوطن، سواء من العمق الفلسطيني المحتل عام 1948 أو الضفة، مبدياً الرغبة بأن يتم عقد المزيد من هذه الندوات من أجل نشر الوعي النقدي وتطوير العلاقة بإيجابية بين الناقد والكاتب، ثم قدم الأستاذ الدكتور احسان الديك استاذ الأدب والنقد في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس ليفتتح الندوة بمداخلته، وقد اشار في مداخلته ان العلاقة بين الكاتب والناقد يجب ان تكون علاقة تكاملية وليست علاقة تناقض وتناحر وعداء، وتحدث عن الأزمة بين الكاتب والناقد وأشار أن سوء العلاقة أدى لضعف الحركة النقدية وبالتالي تدفق الكثير من الكتابات الركيكة، بدون ان تجد من يقف في وجه هذا السيل من الضعف والرداءة، وقد اكد ان من مهمات الناقد أن يكون استفزازيا في علاقته مع الكاتب وتفسير اعماله والاشارة الى مستواها، لكن بموضوعية وليس عدائية.

 ثم تحدث الاستاذ الدكتور فاروق مواسي وهو ناقد وكاتب وشاعر وله عدد كبير من المؤلفات، وهو يعمل في أكاديمية القاسمي في باقة الغربية المحتلة منذ عام 1948، وتحدث عن تجربته ككاتب مع النقاد وكيف واجه خروج النقد عن الموضوعية والوصول لحد الاساءة الشخصية، وتجربته كناقد مع الكُتاب وكيف كان يواجه الهجوم والاساءة من بعضهم، فقلة من يتقبلون النقد، وأكد ايضا على ضرورة العلاقة الايجابية بين الطرفين لمصلحة الأدب والابداع، وانه بدون هذه العلاقة الايجابية فنحن سنسير باتجاه الهاوية.

 تحدث الدكتور نادر قاسم وهو رئيس قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية عن السلبية بين الناقد والكاتب، فبعض النقاد يريدون ان يكونوا المعلمين على الكُتاب، وفي نفس الوقت نجد معظم الكُتاب لا يتقبلون النقد أبدا، اضافة أن بعض الكُتاب والكاتبات يسوقون أنفسم بطريقة خاطئة من خلال الالحاح بأن يكتب عنهم، وهذا أدى لسلبية العلاقة بين الطرفين.

 الدكتور مسلم محاميد وهو شاعر وكاتب ايضا تحدث عن التبادلية بين الكاتب والناقد ليس من ناحية فردية، ولكن كظاهرة يجب أن تكون حميمية لدرجة كبيرة، كما انتقد ابتعاد الأكاديميين والمتخصصين وخاصة في الجامعات الذين يتركون الجرائم الأدبية التي ترتكب من كُتاب وشعراء بدون متابعة وتعرية، كما أكد على أن انحدار الذائقة الأدبية أدى الى انحدار الحركة الأدبية والنقدية، كما اشار إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي بانتشار الأدب المنحدر، وأن فتاة تضع عبارة بلا معنى على صفحتها تجد اللهاث خلفها والمديح و(اللايكات) بكثافة، بينما شاعر أو كاتب مبدع لا يجد من يهتم به، اضافة الى دور الاعلام بنشر واعلاء أسماء لا تستحق.

 الاستاذة سناء التايه استاذة النقد العربي في الجامعة ومنظمة ومنسقة الندوة تحدثت عن حجم انتشار النصوص الركيكة والكتب التي تنتشر لمجرد ان صاحبها يمتلك مبلغا ماليا، فيطبع ويعطي نفسه صفة الكاتب والشاعر بدون رقيب ولا حسيب، وأيضا لجوء بعض النقاد إلى زرع النرجسية في ارواح كُتاب وكاتبات، من خلال المديح ويلجئون للانطباعية والشخصنة، وهذا ادى لفقدان الثقة بين الكاتب والناقد، علما أن الكثير من الأعمال ليست أكثر من فقاعة صابون تتلاشى بسرعة، والناقد يجب ان يكون صاحب مسؤولية أخلاقية، كما قالت:

(ان انكماش الحركة النقدية الإبداعية أدى إلى قلة الأعمال الإبداعية الحقيقية، وهذا أدى إلى نشر نصوص سطحية تعاني من الركاكة والضعف، من التحديات التي يواجهها الناقد بعضها يتعلق بالكاتب الذي لا يخفي عداءه للناقد ولا يتوقف عن مهاجمته واعتباره عالة على الإبداع، فالمشكلة الكبرى تتمثل في عدم تقبل الكاتب للنقد الاحتفالي.

 تأثر احكام الناقد بعلاقته الشخصية بالأديب فتصدر احكامهم ذاتية بلا منطق من خلال إبراز جماليات يفتقدها النص من باب المجاملة.. لذا رأينا بعض الأعمال الأدبية التي انبرى لها البعض بالتطبيل والتزمير واشادوا بكتابها مبشرين وسائل الإعلام بأنهم أصحاب أقلام و اعدة...

 دور الناقد الصراحة وعدم المجاملة.. وفي إبراز الأدباء الحقيقيين ومحاربة ظاهرة التسلق على النقد والأدب كضرورة وعدم اللهاث خلف نصوص لا قيمة لها.. وضرورة محاربة الكتاب المأجورين وتنظيف الساحة الأدبية، لأن المسؤولية أخلاقية أمام المتلقي.. والناقد الذي يجامل يكون قد اسهم بنشر منشورات لا تستحق أن تنشر أو تشهر).

 كما تحدثت الشاعرة والباحثة ايمان مصاروة وأشارت أن سلبية العلاقة بين الناقد والكاتب ناتجة عن أن هناك نقاد مغرورين وكُتاب لا يتقبلون، وان هذا جعل بعض النقاد يسيئون للكتاب والشعراء، وخاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي.

 الناشطة أسمهان جبالي تحدثت ان المشكلة تكمن في دور النشر فهي ربحية وليست صاحبة رسالة ولا يهمها الا الكسب المادي، كما تحدثت عن انتشار الألقاب العلمية المزورة والتستر خلفها، كما تحدثت عن دور الاعلام من ناحية ضرورة ان يبحث عن الحقيقة قبل النشر وأن لا يكون مطية لأدعياء الأدب وايضا أدعياء النقد.

 ثم تم فتح المجال للمداخلات فتحدث الأستاذ منتصر الكم مدير عام وزارة الثقافة في مديرية طولكرم، ودافع عن دور الوزارة وأنها حين تدعم طباعة كتاب فلأن الكتاب حظي على موافقة اللجنة المتخصصة، وأن الوزارة داعم وليس ناشر، ثم تحدث الشاعر محمد علوش وطالب الدكاترة والمتخصصين والنقاد ضرورة ايلاء الجيل الشاب الأهمية والأخذ بيدهم، وتحدث الكاتب والناقد التشكيلي والاعلامي زياد جيوسي وقال: النقاد ثلاثة أصناف، الأول يريد أن يحطم العمل الابداعي، والثاني يريد تحطيم صاحب العمل، والثالث يبحث عن جماليات وقوة النص ويتحدث عنها بموضوعية، ويشير للسلبيات ونقاط الضعف بهدوء وبدون شخصنة وبدون اساءة، فليس هناك عمل ابداعي مقدس خارج اطار النقد، ولكن على ان يكون النقد موضوعيا، وطالما أن العمل الابداعي خرج من صاحبه ونشر، فهو أصبح ملكا للقارئ واستشهد بمقولة تقول: العمل الابداعي يأتي ميتا ويأتي القارئ الناقد ليحييه، وقال: عانينا أن الكل يريدون أن يصبحوا شعراء، والآن نجد (موضة) الرواية تنتشر، فأصبح عدد كبير من الشعراء يتجهون للرواية، وأيضا لصوص النصوص والتلاص واصحاب ادعاء الأدب يصدورون روايات تفتقد اصول وقواعد الرواية، وكل بناء يقوم على الرمل سينهار فالزبد يذهب هباء ولا يتبقى الا الدر، وتحدث عن لهاث كاتبات وكتاب خلف النقاد والاعلاميين بطريقة معيبة ليكتبوا عنهم، وبكل اسف هناك من يكون ذئب عجوز يستغل ذلك للكسب المادي أو اشياء أخرى، وقال أن المعظم يريد المديح ولا يريد النقد واستخدم المثل الفلسطيني الشعبي: (إحنا مثل حاكورة البصل، كلنا روس ما فينا ولاكنارة).

 وتحدثت الناشطة الثقافية والاجتماعية السيدة سوسن عبد الحليم ورحبت بالحضور والضيوف، وتحدثت واشارت الى أن الندوة بحثت في العلاقة بين الكاتب والناقد وتم نقد النقاد، فالسؤال الآن ماذا سيكون بعد نقد النقد، وهل سنخرج من هنا بدون أن تتواصل الندوات للوصول الى أسس يجري التعامل من خلالها؟

 الندوة امتدت أكثر من الوقت المقرر لها، فتحدثت الاستاذة سناء التايه وشكرت الحضور والجمهور وادارة الجامعة على دعمها واهتمامها، وقالت اننا سنعتبر هذه الندوة بداية لسلسلة من الندوات لعلنا نتمكن من رفع المستوى الثقافي والنقدي وحماية مكتسباتنا الثقافية في مواجهة هذا السيل من الانتاجات التي تخرب ولا تعمر.

يسأل الزميل علي الظفيري ضيفه في "المقابلة"، عبد الحليم خدّام (85 عاما)، عمّا إذا كان يشعر بأنه أخطأ في شيءٍ طوال حياته السياسية، فيجيب بالنفي. والمعلوم أنه ليس مهماً أن الرجل كان نائب الرئيس السوري الراهن، نحو خمس سنوات، قبل أن يخرج على النظام في بلاده، فينشقّ ويقيم في باريس منذ 12 عاماً، وإنما الأهم أنه كان وزير خارجية سورية عقدا ونيّفا، وصاحب أدوارٍ رئيسيةٍ في الأثناء، ليست كلها بالضرورة محض تنفيذية، في شؤون علاقات بلاده الإقليمية والعالمية، وقد ظل كذلك نحو عقدين، لما اكتُفى فيهما بتسميته نائبا للرئيس، حتى أزيحت عنه تلك المسؤوليات في زمن الأسد الابن. 

لم يكن متوقعاً أن يفاجئ عبد الحليم خدّام مشاهديه على شاشة "الجزيرة" بكشفٍ جديد، أو بشيءٍ من المراجعة لتجربته في السلطة، وفي الدبلوماسية والسياسة، بل كان يكفي لنا، نحن النظّارة، خصوصاً من ذوي "الدقّة القديمة" المولعين برؤية العتاقى في غير شأن، أن نرى "أبو جمال" في شيخوخته، متّعه الله بالصحة، ونتأمل في منطوقه، خصوصاً وهو يصف حافظ الأسد دكتاتورا. كان يكفينا من إطلالته أن يتذكّر قدّامنا نتفا من مخزون ذكرياته العامر، مما يمكن، أقلّه، الاستئناس به لفهم المشهد السوري الحادث. 

كان مرغوبا لو أن السياسي السوري المجرّب سئل، في "المقابلة"، عمّا إذا كان يعكف على تنفيذ وعده، لمّا أشهر خروجه على النظام، على شاشة "العربية"، أي كتابته مذكراته، فقد مضى أكثر من عقد، ولم نعرف عن الأمر شيئا، وتوفّي غسان تويني الذي رحّب بنشر دار النهار هذه المذكرات، حال صدورها. وعلى أهمية مؤلَّفه "التحالف السوري الإيراني والمنطقة" (صدر في 2010)، إلا أن مذكراتٍ متقنةً، تتوفر على مقادير معقولةٍ من شروط فن كتابة المذكرات وسردها، يكتبها الوزير والمحافظ ونائب الرئيس سابقا، بتوثيقٍ متقن، وبصدقيةٍ لازمة، وبمقادير مطلوبةٍ من الإضاءات على غير مسألة، تبقى مهمة، ومفيدة، وتقدّم شهادة شريكٍ في صناعة القرار السوري في غير ملف، وفي البال الموضوعان، اللبناني شديد السخونة والتعقيد في زمن الأسد الأب وخدّام، إبّان الحرب الأهلية وتفاصيل التفاصيل فيها، والفلسطيني الذي كان بغض حافظ الأسد شخص ياسر عرفات واحدا من أهم عناوينه السورية، في منعطفاتٍ ووقائع بلا عدد. 

ولكن، أن يقول أبو جمال إنه لم يخطئ في شيء طوال حياته السياسية التي بدأت منذ كان في عمره 35 عاما محافظ حماة، حتى تركه كل مهماته ومواقعه في مؤتمر حزب البعث، قبل أسابيع من مقامه منشقا في باريس، فذلك قد يقلّل من الأهمية المتوقعة لمذكراتٍ يعكف على إنجازها. ولأن سورية تحديدا من أبرز الدول العربية التي تعرف نقصاً مريعاً في شهادات أهل الحكم والقرار والخبرة، (مذكرات أكرم الحوراني بالغة الأهمية) فإن إسراع خدّام إلى تدوين مذكراته ونشرها سيكون محمودا منه. وعلى أي حال، يبقى ما سيكتبه محلّ نظر وفحص وتدقيق، من شهود وعارفين آخرين، ومن كتّاب التاريخ ودارسيه. والظاهر أن الرجل إما أنه غير مستعجلٍ في هذا، وهو في منتصف العقد الثامن من عمره، أو غير مكترثٍ بالمسألة، بدلالة قوله في "المقابلة" إنه يعد كتابا عن الانقلابات في سورية، فيما الأدعى أن ينصرف إلى ما تتحدّث عنه هذه الأسطر، والذي يسوّغه ما نُقل عن النجل الأكبر لخدّام، مرة، إن والده سجّل ذكرياته في 30 ألف صفحة (!!)، كما ذاع، مرة، إن خدّام عكف على تنظيم 12 ألف صفحة (!) كان قد كتبها، ليستخلص منها مذكراته التي ستكون كبيرة. 

نشر مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري الأسبق، ورفيق عبد الحليم خدّام في رفقة حافظ الأسد في السلطة، وقبلها، مذكّراته "مرآة حياتي" (خمسة مجلدات!) في 1990، غير أنها لم تُحدث اكتراثا جدّيا بها، من فرط غزارة الخراريف والثرثرات فيها، ولأن صاحبها لا يُؤخذ عادةً على محمل الجد، مع التسليم بأن فيها منسوبا طيبا من التسلية، مع بعض الأهمية في مطارح فيها. أغلب الظن أن لمذكراتٍ يكتبها عبد الحليم خدّام شأنا آخر.

*كاتب وصحفي من الأردن.

المزيد من المقالات...