قيامة المتنبي

أ. د. عبد الله الفَيْفي

أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيْفي

[email protected]

    (رأى الشاعر المتنبي في المنام وهو يُنشده ويُحاوره فيقول:... )

...  وكـما تُؤَسْطِرُكَ الرَّوابيْ والسُّهُوبُ
لـكَ  مُـهْـرَتِـيْ ومُهَنَّدِيْ وليَ اصطبا
لا ، لا تَـسَـلْ عَـنِّـيْ فـإنِّيْ ذاك iiإنْ
إنِّـيْ  الـتـقـيـتُـكَ هاهنا يوما iiفَهَلاَّ
قـد كُـنْـتَ بارقَ صَحْوَتِيْ إنْ iiأَمْحَلَتْ
نَـعـلاكَ أفـلاكُ الـمَـجَـرَّةِ iiتـلتقي
لِـمَ هـذه الآفـاقُ ثَـكْـلَـى؟ iiوالقُرَى
وتَـلَـبُّـبِـيْ بـالـحَرْبِ مِرْجَلُها iiدَمِيْ
إيْـهٍ،  وأيـنَ الـخَـيْـلُ تَقْذِفُ بالبُطوْ
لـولا رَحِـيْـقُ الـعُـرْبِ في iiأحداقِكُمْ
لا وَجْـهَ ثَـمَّ، ولا لِـسـانَ، وليس iiمَنْ
مُـلْـقًـى عـلـى كَـفِّ القِيامةِ iiظامِئًا
فـحَـمَـلْـتُ  قـافِـيَةً أُعالِجُ في iiفَمِيْ
والـشِّـعْـرُ  أشْـجارٌ ؛ فكَمْ مِنْ iiشاعِرٍ
ولـرُبَّـمـا يَـهْـذِيْ بِـهِ مَنْ ليس iiفي
يـا  أيُّـهـا ذا الـطَّـيـبُ المتنبِّئُ ال
اسْـمَـعْ ، أبـا كُـلِّ الطُّيُوْبِ، لقد iiنَزَا
وتَـطـايَـرَتْ إبِـلِـيْ وهَـامَ iiوراءَها
بِـأَحِـزَّةِ الـثَّـلَـبُـوْتِ حُـزَّ iiتُراثُنا،
وتَـقَـطَّـعـتْ  مِـنْ آلِ نُـعْمٍ نِعْمَةٌ ،
وعـلـى ثـرانـا أَمْطَرَتْ سُحُبُ iiالهَوا
مـا  عـادَ فـي رأسٍ أَذًى مِـنْ iiنَخْوَةٍ،
وتَـرَهَّـبَ الـثَّـاوونَ فـي iiأسـلافِهِمْ
أ ولـم تَـكُـنْ فـي (شِعْبِ بَوَّانٍ) iiعلى
ارْجِـعْ فـلـيـسَ لـنا بشِعْرِكَ ها iiهنا
أَطْـفِـئْ قَـوافِـيَـكَ الـتـي iiأشْعَلْتَها
اكْـتُـبْ  رِوايَـتَـكَ الـعَجِيْبَةَ إنْ iiتَشَأ
دَوِّنْ بـهـا مـا شِـئْـتَ مِـنْ iiمَلْهاتِنا
يَـتَـحَـدَّقُ  الأُدَبـاءُ فـي حَدَقِ iiالسُّهَا
أو فـلـتَـكُـنْ أُنْـثـاكَ خَمْرَ iiمُسَلْسَلٍ
تَـسْـقِـيْ الـعُـيُوْنَ عُيُوْنُها في iiمَهْمَهٍ
صُـغْ مِـنْ ريـاحِ الـشَّـرْقِ iiأُغـنيةً
ذُبِـحَ  الـبَـيـانُ، وأُحرقتْ خَيلُ iiالقوا
لا شِـعـرَ فـي الـشِّعْرِ، ولا النَّثْرُ iiبهِ،
أُفٍّ  لـكُـمْ ! قـامَ الـمُـغَنِّي iiمُغْضَبًا،
أَسَـفًـا  عـلـى تَصْهَالِ أحلامي iiالتي
أسـفـي  عـلـى أسـفـي عليكُمْ iiأُمَّةً




































لـكَ صَـهْوَةُ النَّشْوَى ورَجْوَى لا iiتَخِيْبُ
رُكَ،  يـا سَلِيْبَ الدَّارِ، والرَّأيُ iiالصَّلِيْبُ
جَـدَّ الـزَّمانُ وسَطْوَتِيْ العَجَبُ iiالعَجِيْبُ
قُـلْـتَ  ليْ : ماذا جَرَى؟ ولِمَ الهُرُوْبُ؟
وجَـلاءَ أيَّـامٍ عَـلَـيَّ دمـا iiتَـصُوْبُ
وعـلـى  خُـطَى قدمَيكَ تَنْتَقِلُ الدُّرُوْبُ
مَـنْـكُـوْبَـةٌ؟ والـبَدْرُ ثَغرٌ لا iiيُجِيْبُ؟
أَيْـنَ  الأُلـى دارُوا بِـها دَهْرًا iiتَجُوْبُ؟
لَـةِ فـي فُروجِ الأرضِ نَهْداها iiوَجِيْبُ؟
مـا قُـلْـتُ بـينكُمُ على الدُّنيا iiعَرِيْبُ!
يُـلْـقِـيْ على شِيَةِ الغَرابَةِ: يا iiغَرِيْبُ!
يُـرْوِيْ  الـنُّسُوْرَ نَجِيْعَهُ وهُوَ السَّغُوْبُ!
خَـجَـلِيْ مِنَ الآتيْ على الماضِيْ iiيَلُوْبُ
مـا  قـالَ شِـعـرًا غُصْنَهُ مِنْهُ رَطِيبُ
تِـمْـثَـالِـهِ أبَـدًا نَـدًى مِـنْهُ iiوطِيْبُ
مـاضيْ مَضَى ونَدَاكَ حاضُرُكَ iiالجَدِيْبُ
فـي  أُمِّ ضَـيْـعَـتِنا السَّبنْتَى والنَّخِيْبُ
مِـنْ أهـلِ داريْ كُـلُّ أَرْعَنَ لا iiيَثُوْبُ
وعَـفَـا  لَبِيْدُ ، وأَرْعَدَتْ مُزُنٌ iiضُرُوْبُ
وتَـسـاقَـطَ الـعُشاقُ ، وانْتُهِكَ الكَثِيْبُ
نِ  وأنـبـتَـتْـنا ليس نُشْرِقُ أو iiنَغِيْبُ
مـا عـادَ فـي عَيْنٍ قَذًى، وخَلَتْ قُلُوْبُ
واسْـتَـرْهَـبَ الـغاوينَ رَبُّهُمُ iiالقَشِيْبُ
مَرْأَى المصائِرِ، يا فَتَى، تَرعَى شَعُوْبُ؟!
أُذُنٌ  ، وماتَ الشِّعْرَ ، وانْتَحَرَ iiالخَطِيْبُ!
مُـدُنـا  ، وهـاكَ قـناةَ شَعْوَذَةٍ iiتَنُوْبُ!
فـبِـحِـبْـرِهـا يَـتَلَوَّنُ الحُلُمُ iiالكَئِيْبُ
فـبـهـا تَـرُوْحُ قَـوافِلٌ (وبنا) iiتَؤُوْبُ
كَـيْ  لا تُـرَى أسـماؤُهُمْ فتُرَى iiثُقُوْبُ
خَـدَرًا  تُـتَـلْفِزُ حاضِرًا خَطِرًا iiيَطِيْبُ
مِـنْ  سُـكَّـرِ الآثـامِ فـيهِ تُقًى iiنَذُوْبُ
ولـكـنْ  لا غِناكَ شَجَا ولا فينا iiطَرُوْبُ
فـي  ، قـيلَ: قاتلةٌ ، وفارسُها iiرَهِيْبُ!
وتَـحَـرْبَـأَ  الـمَوْهُوْبُ فينا iiوالكَذُوْبُ
ومَـضَـى يَلُوْكُ حُروفَهُ، ورَنَا iiالرقيبُ!
دلّـهـتُـهـا  بـشَبابِ أُنثى لا iiتَشِيْبُ!
لا تَـسـتـحـقُّ مدامعي! فبما iiأجيبُ؟!

1) رؤية المتنبي من قِبَل الشاعر حقيقة. ومن رؤياهاستيقظ وهو يذكر مطلع النصّ، على الأقل، وقوافيَه البائيّة.

2) يبدو أن المتنبي نسي عَروض الخليل حين أنشدني في المنام! لأنه لم يَرِد قطّ للبحر الكامل التامّ ضربٌ مرفّل،بيد أن بناء القصيدة الموسيقيَّ- الذي لا أعرف له نظيرًا في الشِّعر العربي- سَلَك مع أبي الطيّب، واستمزجتُه منه!