لكم مزمارُكمْ ولي مزماري
سعود الأسدي
[email protected]لـي مـن يَـرَاعِ تَـغَزُّلي مِزْمارُ
وَلِـيَ الـقـصـيدةُ إن أُرِدْ شبّابةٌ
ولـقـد أعَـرْتُ الـعازفينَ أناملي
أرْعَـى قـطيعي في الجبالِ تَعَبُّداً
ألـتـيـن والزيتون خَفْقُ كرومِهِ
ولـهُ الـعـتابا والموشَّحُ جُنَّةٌ (1)
فـإذا تـلـفّـتَ مـوطني مُتَلَهِّفاً
وأرَى الـخُـزامَى تستميلُ مباسماً
وتميسُ أغصانُ الشُّجُونِ بخاطري
فـتغارُ من وطني الفراقدُ والسُّهَى
إنّـي وقـد غـنَّى الهَزارُ بمهجتي
" جـفـرا ودلعونا " وأصفِنُ فيهما
بـيـنـا أنـا فـي صـفنةٍ فتّانةٍ
مَـرَّتْ رفـوفُ حمائمي عطشانةً
ونثرثُ من كفّي الحُبوبَ فأخْصَبَتْ
مـن بعدِ ما أودَى شُبَاطٌ في الصِّبا
صـارَ الـمـدى بسنابلي مُتماوِجاً
ذريّـتُ فـيـهِ بيادري ومواسمي
وأكـلـتُ خـبزي وهوحافٌ بينما
وشـدوتُ بين الأهلِ حُرَّ قصائدي
وتـراقصتْ أغصانُ حُبّي في دمي
قد عشْتْ سِحْرَ الأرضِِ منذُ طفولتي
ونَصَبْتُ خُصّي فوق كِتْفِ سناسلي
وركـوتُ جـنبَ النارِ دَلَّةَ قهوتي
ورأيـتُ أسـرابَ النجومِ تزورني
مـا مـرَّ نـجمٌ واستباحَ قصيدتي
كـنـتُ الـغـريرَ بِحُبِّهنَّ فَغَرّني
فـأنـا الـمشرّدُ بين أفلاكِ الرُّؤَى
فـاذا مـشـيتُ إلى اليمينِ أعاقني
والـغـيمُ ما فَتِىءَ الرّحيلُ عباءَتي
والـبـردُ يَـلْحَسُ جانبيّ وأخوتي
" أحّـو يَ بَـرْدي " قـالها آباؤُنا
رَعْـيـاً لـمـوقـدِةٍ يَعِجُّ دخانُها
نَـعْـمَى بها فيفيضُ سَيْلُ دموعِنا
والـدَّلْـفُ يـنـزلُ فوقَنا مِزْرابُهُ
نـمـشـي حُفاةً في الشتاءِ دروبُنا
إنـي لأذكـرُ طـولَ مَشْيي حافياً
ولـقـد خَـبِرْتُ الشَّوْبَ في إبّانِهِ
ورأيْـتُ أسـرابَ الظِّباءِ بموطني
لَـهْفي على ذاتِ الوِشَاحِ وقد أتَتْ
فـأضَـأتُ قـنـديلي ولكنْ نورُها
لـم تَبْقَ عندي غيرَ شُرْبِ سِجارةٍ
حـتـى إذا نَهَضَتْ لَمَسْتُ مكانَها
فـإذا ذكـرْتُ جـمـالَها وظلالَها
وأرى الـصّـخورَ كأنها مخمورةٌ
أبـكـي وتـبكيني الصّخورُ تأسّفاً
ولـقـد أنـوحُ مـع الـنسيمِ بأنّةٍ
أروي تـرابَ مـرابـعي بمدامعي
ولـقـد أثـورُ مـع الرياحِ تأجّجاً
وإذا الـشَّـرارُ من الحروفِ مواقدٌ
أحـبـبـتُـهُ وطني وحُبّي جارفٌ
لا كـنـتُ إمّـا قـد تأوّهَ موطني
لـي مـوطنٌ ، هُوَ جَنَّتي ، وأنا لهُوأنـا الـهـوَى وجناحِيَ الأشعارُ
ولـيَ الـقـصـيدةُ إن أرِدْ قيثارُ
فـتـرنَّـمَـتْ بـأنـاملي الأوتارُ
فـي مـوطـني وَلِيَ الجبالُ مَزَارُ
والـلـوزُ والـسُّـمّـاقُ والصُّبّارُ
والـبَـيْـلـسـانُ سـياجُهُ والغارُ
يـهـفـو بقلبي زنبقٌ وعَرَارُ (2)
لـلـوردِ حـيـثُ تفتَّحتْ أزرارُ
وتـبـوحُ لـي بـغرامِها الأزهارُ
بـلْ كـلُّ نـجـمٍ في السماءِ يَغارُ
=ـلـي من أغاني العاشقينَ هَزارُ
غـنّـاهـمـا لـي بـلبلٌ ثرثارُ
تـرنـو لـسِـحْرِ عناقِها الأسْحارُ
فـتـدفّـقـتْ مـن راحتي أنهارُ
مـنها المروجُ الفِيْحُ (3)والأوعارُ
وأطــالَ عُـمْـرَ نـهـارِهِ آذارُ
وأتَـى لِـشَـحْـذِ مـناجلي أيّارُ
أمَــلاً لَـدَيَّ بـأن يُـرَدَّ بِـذارُ
ظَـمِـئَـتْ إلى ماءِ العيونِ جِرارُ
فـتـرنّـمَـتْ بقصائدي الأحْرارُ
فـكـأنـمـا تـنـمـو بهِ أشجارُ
فـيـهـا فـكانَتْ ثروتي الأقمارُ
صـيـفاً وقد كَثُرَت به السُّمّارُ (4)
مـنـهـا يفوحُ الهالُ والمسمارُ(5)
تُـهـدي إلـيَّ جـمـالهَا الأنوارُ
إلاّ تــكــشّـفَ أنّـهُ غَـرّارُ
مُـهْـرُ الـخـيالِ وما عَرَاه عِثَارُ
وعـجـبـتُ لـلأفلاكِ كيفَ تُدارُ
سـيـري وأغْـرَى بالمسيرِ يسارُ
وخـيـامُ مَـوْسِمِ رحلتي الأمطارُ
تـحـتَ الـلحافِ مُكَنْعِشُون كِثارُ
ولـكـمْ بـلـوناها ونحنُ صِغارُ
ويـطـيـرُ في كلِّ الجهاتِ شَرارُ
فـكـأنّـمـا بـعـيونِنا عُوّارُ(6)
ونـقـومُ مِـلءُ أنوفِنا الشُّحْبارُ(7)
وَحْـلٌ وفي الصيفِ الطويلِ غُبارُ
حـتـى هَـرَاني الشوكُ والمُرّارُ
والـبَـرْغَـشَ الملعونَ وهو مُثَارُ
ظَـمْـأَى كـمـا ظَمِئَتْ بيَ الآبارُ
والـلـيـلُ غـاشٍ والظّلامُ سِتارُ
غَـطَّـى عـلـيـهِ فإذْ بهِ يَنْهارُ
خَـوْفَ الرقيبِ وما سَيَحْكي الجارُ
فـأصـابَـنـي مـما لَمَسْتُ دُوَارُ
جـاشَ الأنـيـنُ فـمدمعي مِدْرارُ
وكـأنّـنـي فـي حـانِـها خَمّارُ
وَكَـفَـى بـأنْ رَقَّتْ لِيَ الأحْجارُ
فـإذا أنـيـنـي مـنـبـعٌ فَوّارُ
حـتـى يَـلُـفَّ سكونَها إعصارُ
فـإذا حـروفُ قـصـائدي ثُوّارُ
قـد سُـعِّـرَتْ مـنـها تَهجُّ النارُ
وعـواطـفـي فـي حُـبِّـهِ تيّارُ
وأنـا بـقـلـبـي لا يَشُبُّ أُوارُ
بـاقٍ بـهِ ، وسِـواه لا أخـتـارُ
1) جُنّة : دِرْع . 2) عرار : نرجس 3) ألفِيْح : الواسعة ، جمع أفيح . 4) الخُصّ : بيت من قصب أو شجر . 5) المسمار : حَبّ القرنفل تُطيَّب به القهوة .6) عُوَّار : قذى أو رمد .7) الشُّحْبار ( الشِحْتار ) كلمة سريانية : سواد الدُّخان .