الحَفِيدُ الأوّلُ

الحَفِيدُ الأوّلُ

فيصل بن محمد الحجي

[email protected]

وُلِدَ حَفيدي الأوّل فيصل ابن ولدي جابر في مدينة الرياض يوم السبت 1420/4/11هـ، وقد كتب الله عليه أن يُولَدَ مُهاجِراً لا يعرف والدَيَّ ولا إخواني ولا أخواتي ولا يعرفونه...! وما أكثر المهاجرين ­ بل المُهَجّرين ­ في عصر حُقوق الإنسان...!

في الْبَيْتِ فيْصلانْ!

شتَّانَ ما بَيْنَهُما شتَّانْ!

هذا غَريقٌ في خطاياهُ.. وهذا طاهِرُ الأرْدانْ

شتّانَ ما بَيْنَهما شتانْ!

بَيْنَهما قـرْنٌ مَضَى

وَهذه خُطْوَتُكَ الأولى عَلى سَفْحِ الزمان

مُمْتَطِياً فيها قِطاراً مِلْؤهُ عَزمٌ وَشَوْقٌ وَأمانْ

ترْنو إلى قِمَّتِيَ الشَّمَّاء

 فاطْمَحْ لَها.. وَارْقَ وَعَجِّلْ.. كيْ تَرى

سَوْفَ ترانِي نـازلاً مِنْ قِمَّتِي

مُنذُ شُهورْ

مُنذُ ليَالْ

مُنذُ ثوَانْ

إنَّ كِليْنا يَدْفَعُ الْخَطوَ بِدُولابِ الزّمان

إنَّ كِلَيْنا يَرْبِطُ الَيَوْمَ بِأمْسٍ قد مَضى

مَضى.. وَيَمْضِي بِأمان

في قرْنِنا الذي مضى، (أنا) الذي قدْ كانْ

في قرْنِنا الذي أتى

يَغدُو صَغيري بَهْجَةَ الْمكانْ

وَالرَّوْحَ وَالرَّيْحانْ

يَعْشَقكَ الأعْمامُ وَالأخوالُ وَالْجَدّان

نحْنُ رعاياكَ وَأنتَ بَيننا السُّلطان

عرْشُكَ فَوْقَ الهامِ والأعناقِ وَالصدُورْ

يَحْملُكَ الرجالُ وَالنِّساء والفِتيانْ

ألْحاظُكَ الأوامِر

وَحُبكَ القانونُ وَالْمِيزانْ

أشْرَقْتَ في ليلِ النَّوَى يا قمَرَ الزّمانْ

مَحَوْتَ بالنُّورِ ظلامَ الْيأسِ وَالحِرْمانْ

يا زهْرةً تختالُ في صحْرائِنا العقيمْ

كيْ تُصْبحَ الصحْراءُ رَوْضاً زاهِيَ الألوانْ

يا (أنتَ) أوْ قلْ: يا (أنا).. سِيَّان!

كأنَّنا - يا حِبُّ - توْأمانْ!

لكِنْ - وَخلفَ لَكِنِ - العَيْنان تذرفانْ

قدْ جئتَ لا يَعرفُكَ الأهْلُ ولا الجيران!

فُطمْتَ مثلي لمْ تذقْ مِن ذلِكَ الحنانْ

حَنانِ (أمِّ صائِبٍ) وَظِلِّها الفيْنانْ

وَعَطفِ جدِّكَ الكبير وَلِقا العَمّاتِ والأعْمامْ

لَمْ تَدْرِ ما حارتُنا؟

لَمْ تدْرِ ما قارتنا؟

جبالُها الشُّمُّ وَعينُها البيضاءُ وَالوديانْ؟

وَأنتَ لوْ سافَرتَ في مُسْتقبَلِ الزمانْ

تأتي كأهلِ الكَهفِ تشْكو غُربة الزمان والمكانْ!

لن تَعْرفَ الدّارَ.. وَأيْنَ البابُ والجدرانْ؟

تَجْهلُ ما البَيْدَرُ؟ ما البُسْتانْ؟

وَكَفكَ الغَضَّةُ لمْ تُداعِبِ الأغصانْ

لمْ تَقطفِ المشمشَ وَالرُّمَّان

وَمَرْتعُ الصِّبا؟

أوّاهُ لو عرفتَ ­ يا حبيبُ ­ ما مراتعُ الصّبا؟

وَما الجنان؟

حُرمْتَ مِنْها الآن!

وَمِنْ شَذى الأوْطان!

في حالِنا المُزْري.. وفي مجاهلِ النّسيانْ

تظلُّ يا صغيرَنا مِن غير ذنْبٍ ترضعُ الحِرْمانْ

في عَصرنا الصّاخِبِ عن حقوقِ أو حرية

الإنسانْ

نَبْقى بلا حُقوق

كأنّنا ­ يا حِبُّ ­ لسنا مِن بَني الإنسانْ

* *  *

وَهكذا في البَيْتِ فيصَلان!

شَتانَ ما بَيْنهما شتان!

لا يَسْتوي الوَجهان

لا تَسْتوي الشِّفاهْ 

مِن أيْنَ لي بَسْمَتُكَ الغرّاءُ يا وَليد؟

مِنْ أيْنَ لي مُسْتقبَلٌ وَأمَلٌ جَديد؟

وَأنتَ عِندَ العُدْوَةِ الدُّنيا مِنَ الحياة

ترْنو إلى الآفاقِ كالصّقرِ.. تَهُمُّ بالصُّعودْ

تجوبُ مَتْنَ الأرض كيْ تبنيَ فِي أيِّ صَعيدْ 

جَمَّ الأمانِي شامِخَ الهامَةِ.. ترْنو لِبَعِيدْ

تُجابِهُ الأمْواجَ والإعْصارَ بالعَزْمِ العَنِِيدْ

وَها أنا - يا حاملَ اللِّواء - 

مُنكَمِشٌ في العُدْوَة القُصْوى مِن الحَياةْ

وفي رضاً.. أرنُو إلى دار الخُلُودْ

رضيتُ.. بَل - ثِقْ يا صغيري - أنّني سعيدْ

لأنّ رَكْبَ الحَقِّ ما زال على الدَّرْبِ يَسيرْ

فَرايَتِي ما سَقَطَتْ

بلْ بَقِيَتْ شمّاءَ في يُمْناكَ.. فِي الدّرْبِ السّديدْ

وذاكَ فضلُ ربِّنا المَجيدْ

لِتطْمَئِنَ – ياصَغِيري- إنّني سَعِيدْ.. إنّنِي سَعِيدْ

*  *  *

وَهكذا.. فِي البَيْتِ فيصلانِ

تشابَهَ الإسْمانِ

وَاخْتَلَفَ المَضْمُونُ وَالمَعانِي

*  *  *

وافيْتَنا - يا طِفلنا السّعِيدْ

نَشْوانَ ما ذُقْتَ – ولا ذقتَ - كَمِثلِي ألمَ العَذابْ

وَلوعَة الفِراقِ والشَّوقِ إلى حِمى الأحْبابْ

لمْ تَدْرِ ما السِّجْنُ؟ وما السّجّانُ وَالإرْهابْ؟

لمْ تَدْرِ ما الأسْفارْ؟

وَالصَّبْرُ في المَطارْ؟

لمْ تدْرِ ما الأهْوالُ طُولَ اللّيْلِ وَالنّهارْ؟

لم تعْرفِ الجُوعَ ولا الفقر ولا الدَّيْنَ ولا الخَسارْ

ولمْ تُعانِ حاجةَ الكِبارِ للصِّغارْ!

ليْسُوا صِغارَ السِّنِّ... بل نفوسُهُمْ صِغارْ

فيا إلهي الواحِدَ الوَهّابْ

يا خالِقَ الأسْبابْ

اِحْفَظ صَغِيري مِن أذى الفُجّارِ وَالكُفـّارْ

ثَبِّتْهُ في دَرْبِ الهُدى

دَرْبِ النّبِيِّ المُصْطفى

يَسِّرْ لهُ كُلَّ السَّعاداتِ وَنُورَ العْزِّ والإيمانْ

فقِّهْهُ في الدِّينِ وفي تغيُّر الأحْوالِ والأزمانْ

اُرْزُقْهُ رزقاً تُغنِهِ عن حاجَةِ الإنسان للإنسانْ

يَسِّرْ لَهُ العَوْدَةَ لِلأوْطانْ

مَن بَعْدِ ما يَنحَسِرُ الظلامُ وَالأحْزانْ

فَيَلْتَقِي العائِدُ بالأحْبابِ والخُلاّنْ

هناكَ تلقى الفيصلَ الثانيْ سعيداً يقرأ القرآنْ

في مَسْجِدِ الحَيِّ.. وذاكَ مَسْجدي في

سالِفِ الزّمان.

تَراهُ يَدْعُو بِخُشُوعٍ خالِقَ الأكْوانْ

لِلفيصلِ الأوّلِ

بالعفو والرّحمةِ وَالغفران !