الزّمان الجديد

( قصــــيـــدة محـــــاصرة )

الفاتــــحة:

لا تقل لـــي : إلى أيــــــــــنَ نمضــــــــــــي

وهـــذا الزمـــــــانُ مخـــــــيفٌ

               كوحــش ضرير عنيدْ

نحنُ لا بدَّ أن نبحرَ الآنَ

لا بدَّ يا صاحــــــــبي

أن نقدِّمَ من دمِـــــــنَا

   ثمناً للزمان الجديــــــــــد .

الحد الفاصـــل :

أجتاحكِ فانتفضي

يا امرأة تتمدد

ما بين محيط الرعب وبين خليج الموت الأخضر .

ضُمّيني لك، ضميني

ودعيني كالـــــــسكِّـيـنِ

ما بين محيطيك تغوصُ،

أنا العاشق لا أطلبُ أجراً في العشق سوى أن أقْتل فيكِ

أجيء إليك وقد لفظتني كل مطاراتِ الأرضِ

أنا الشّحّاذ أجيء إليك فضمـــــــــــيني

واشـــــتعلي !

اشـــــــــتعلي !

اليوم وقفتُ عليكِ دمـــــــي

فدعيني أشــــــــــتمُّ دماً يتلمّسُ وجْــهَ الأرضِ

وماذا لو يتحوَّل دمّـي المتفجّـرُ من عينيَّ جداولَ

تســـــــــقي قـــلــــبَ الأرضِ؟

أنا العاشــــــق، لا أطلب أجرا في الـــعشق

فَــكونــــــــي أمـــــــــــــــــــّي

 أوْ كونـــــــــــي قاتلـــــــــــــــــــتي

بيديـــــــــــك ولا بــــــــــيد الأعــــــــــــداءِ

أنا القربانُ، وأنت الفاكهة المحميَّة بالأشواك البرّيّة

يا امرأة تتمدَّدُ ما بين محيط الرُّعْــبِ

وبين خليجِ الموت الأخضرْ

حَـبَـبْـتُكِ يا أم !  ما أنكَــرَتْـنِي الرياحُ

وأنْـكَــرْتِــنِي أنتِ !

ما أوجعَ القَـلْـبَ إذْ تُـنْـكِـرُ الأمُّ أطْــفالَها

آه أيتها المستحمَّـةُ في نَــهَــرِ البــــــؤْس

تلك بحارُ دمــــاءٍ تناديكِ فاغـــــــــتسلي

أو خذي من دمـــــــي ..

إنـنــــــــــــــــــي عاشــــــــــــــــــقٌ

        ودم العاشــــــــــقين مباحُ

فشُــقّــي دروبَ الشّهادةْ

من زمانٍ حملتُ إليك قصيداً :( بــــــــــــلا ذاكـــــــــــــــــــرة )

وأودُّ لو اَنّـيَ أمْـلِـكُ أن أحمل الآن، يا أمُّ

                     قنبلةً أو شـــــــــــرارَ إبادة

أنتِ قلت انطلقْ !

               فانطلــقـــــــــــــــــتُ

وقلتِ احترقْ !

   فاشتعلـــــــــــتُ ..   

      اشتعلـــــــــــــتُ ..

             اشتعلـــــــــتُ ..      

                 ولم أحترقْ  !

                     آه لم أحترقْ !!

فاحمليني بعيداً

إلى ضفّــة الكبرياءْ

واجعليني حِــراباً بخاصرة المستحيلْ

واصنعي من ضياءِ اشتعالكِ لي مَـرْكَـبَـةْ

ها دمي الآن يغسلُ وجهكِ

لكنَّ كفّـِـي ملطّــخةٌ بدمائكِ...

هل قاتلٌ أم قتيلْ !

أأنا السَّيفُ يا قِبلتي أم أنا الرّقـَبَــة ؟

أيها الوطن المستبدُّ بقلبي

يعزّ علي بأن تتحوّل مقبرةً

             للحساسين ، أو للصَّهيــل !!

الوصيّة :

أيُّــــــــــــها الناسُ !

هذا كتابي إلـــــــــــيكمْ

وإنّــيَ قد جئتكمْ باليقينْ :

بشّـــــــــــــــرُوا أهل مُــرَّاكـــــــــشٍ

بشّــروهمْ بنــــــوّارةٍ

تُــطْــلِــــــعُ الأرض أبناءَهَا

وبــــيوم يشــــــــقُّ الحجـــــــــــــارة

ويُعلي على كل شبْــرٍ منارة

…………………

…………………

وأبــــــي قـــال لـــي  يومهـــــــــا :

فليكنْ دِينُــكَ البدءُ والمنتهى !

الشَهادة :

" أفــــــــــــلا يتدبرون القـــــــرآن أم على قلوب أقفــــــــــــــالها "

1975

وأصلّـــــــــــي من أجلك أيضـــا

أيّتها الفاكهة المحرّمــــــــــة !

لا أقــــــــــــسم بالنفس المسجونة في الجـــــسد المرشـــــــوقِ

ولا أقــــــــــــسم بالــــــــــــــقَــدْرِ وهـــــــــــــــــذا الــــــــــــــــــبلد المــــــــشنوقِ

لقد كبــِـــرتْ في القلْــبِ شُجيراتُ الــــــــــحُــزْن،

                           وعذَّبني الطّــــــــــــــــــينُ.

وأنا أحْمِــلُ أوزاري

وأمدُّ الطرف إلى أنــــــــــــــــواركَ :

" أدخلني مُــدْخَــلَ صِـدْقٍ يا أللهُ

وأخْـرِجْـنِي مُـخْـرَجَ صِـدْقٍ "

ـــ  أو لم تؤمنْ ؟

قلتُ بلـــــــــــى !

لكـــــــــــــــــنَّ القلــــــــــــــــــقَ الأخــــــــرسَ يـــــــسكننـــــــــي

حـتّى يجتـاحَ الشكَّ يقيــــــــــــــــنُ.

أرني برهانَــكَ يا أللهُ !

لماذا تصبحُ كل محطّاتِ العالمِ

            حين أجيءُ إليها مغْـلقـــــــةً ؟

ولماذا حين أمدُّ الطرفَ إليها

             يرتدُّ إلي الطرفُ حـــــسيرا ؟

ولماذا حين أُطَـــوِّفُ في الطّــرُقاتِ

أعود، وليــــــــــس ســــــــــــــوى قبضةِ ريحٍ بيدي ؟

تتهالك خلفي جثتي الغبراءُ

             فمن يحْمِلُ عني جـــــــــسدي؟

ناديتُ الفاكهةَ الممنوعةَ في الظلماتْ :

عن عينيكِ البحريتين تغَــرَّبْــتُ

فأدركني الجوعُ...

( وقيل بأن العنْــفَ التتــــــــــــري

                طريقٌ لعبور الجــــــــــــسرِ )

تغَــرَّبْــتُ فأدركني عصفورُ الحزنِ الورديُّ

تذكّــرْتُ وصاياكِ العشْــرَ

بكيتُ على زمنٍ لم أدخلْ فيه إليكِ

ولم أمسحْ ظهر جبيني في أعتابكِ،

كان الخوف يُـسَاكنني

والقلق الأخرسُ والديدان الأخرى

وانفرطتْ حَـبَّـاتُ الكَـلِـمَاتْ

عن عينيكِ البحْريتَيْـنِ تغَـرَّبْـــتُ

فغنَّيتُ الحلمَ القادمَ من رحِمِ البَــرْقِ

تَـخِـذْتُ البحْـرَ صديقاً

كان الليلُ حراباً في الجسدِ الممنوعِ

وكان الدَّمْــعُ يُــجَــرِّحُ أجفانَ الرَّأسِ المقطوعِ

فهل كانَ صلاتي في الليل مُــكاءً أو تَـصْـدِيَـةً؟

ولماذا كلُّ قرابيني لم تَـمْسَسْها النارُ القدسيةُ ؟

هل كان البــــحرُ صديــــقي؟

أم كــــان البـــــحرُ المنفـــــى ؟

     هل كان الليل غنـــــــــــــــاءً

                 أم كان بكـــــــــــــــاءً

                    أم كان صــــــــــــلاة ؟!

                                                                              1974          

تــــــــــــــــسعة عشــــــــــــــــــر

                (سيف أمي وسيف k

                 سيفان خصمان؟ أم سيفان عاشقان؟)

                                     معلقة توفيق صايغ

يلبــــــــسني العــــــــــشقُ

يحوّلني في الزمن المـــَـــحْـــــلِ غمامة

ينقشني فوقَ جبين الأطلسِ

للعُـــــــــــــشَّـــاقِ علامة

عانَقــــــــــــــني يوماً

ألقاني فوق مُــحَــيَّا الشَّــمْــسِ حصاناً عربيّاً

نَـصَّبني رُبّــاناً للأشرعة المنسيّــة

غَــرّبنـــــــــــي نــــحو مـــدينته

موصـــــــــــدةٌ أبواب مدينته

ومفاتِـحُـهَا كشفُ الأسرارْ

منقوشٌ بالباب الأول حرف الكافْ

وعلـــــــى البوّاباتِ الســـــــتِّ

طـــــــواســـــــــــين الوجـــــــــد

الفـــــــــــــــــيض

         التـــنْــزيـــــــــــــه

                  الأزل

                       المـــــــــــــــــوت       

                               المـــــــــــــــــيلاد

غاصت مدنـــــــي

احترقت ســـــــــفني

نــوتـــــــــيّاً كان القلبُ بغير شــــــراعٍ

يُـبْحِرُ ما بين السَّيف وبين الحرفِ

                    ولـــــــــــيس لـــــه مرفـــــــا

وأنا كِلْـــمةُ إيـــــــــــــمانٍ

                   تسّاقطُ حرفا حرفــــــــــا …

حــــــــين ســـــــألتكِ

كان المجذوب بعيدا

              عن دائرة الحضره

والعاشـــــق مغتربا عن ملكوت الله

                     يُــلْــجِـمُـهُ الطـــــــــــــين

تفصله عن زمن الوصل حــــــزونُ

والـــــبوذا

تحجبه عينا البلّور عن النرفانا

لم أك أعلم أن الحبَّ عطاء

                أو أن الميلاد فَنــــاء

               *  *  *

فليتمجَّدْ وجهكَ يا ألّلـــــــهْ

ولتشـــــــــرق جنباتُ العالم

                مـــــــــن أنــــــــــواره

*  *  *

في العام التاســــــع عـــــشر

كان لـــــــقانا

لم أر وجهك من زمــــنٍ

لم أتـــبرّك بالكـــفّ التؤويني حين تشاءُ

أو تنئيني حين تشاءُ

لم أتمسّـحْ بالعتبات الضوئية

لم أعرفْ ما لون العينين الصاحيتين الممطرتين

الشاردتين المورقتين كروما وعصافــــــــيرا

                                  وأعــــــاصــيرا

              *  *  *

تحملني عيناكِ إلى جزر النّــفْي وأرضى

تحشرني في زمر المنبوذين المرضى

تجعلني سقْـطَ متاع

وتنصّبني عبداً في أزمنة القيظِ، 

أرّوّحُ عن وجهك يا مولاتي

أعوامي تتداخل في أعوامك

تتوالد في ( الطاو ) الحبْلى

تنبتُ في قلب النهر العاشقِ

زهرةُ كاميليا

لتحيل الأرض العاقـــــر فــــي دمــــــــنا

                                               خصْــــــــــــــبا ..

                                        1975

عاشـــــــــــــــــقٌ للرّحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــل

جَــــــــسَـدي نـــــــــــــــاعِـمٌ

والأضــالعمـشبوبـــةٌ

ويدي لكَ ممــــــدودةٌ

فــــــاغتـــنمْ لحظـــــــــــــةً

لن تعودَ بذاتِ الحرارةِ واللّــمعانْ

*  *  *

جــــــــــسدي بــــــــــــــاردٌ

والأضــــالع مقرورةٌ

فاغتصبْ هذه اللحظةَ البكْــرَ

إنّي هُــنا بانتظاركَ

فاحْـمِـلْ إلى جسدي الدِّفْءَ والعُـنْـفُوانْ

*  *  *

جَــسَدي الآنَ مَـحْـمِـيَّـةٌ حامَ حولَ حِمَــاها العدوُّ ..

                                     فكــــــــــــــــمْ بــيـْــنـــنـــــا ؟

بيــننا الجندُ واللـــــيلُ والأفــــعوانْ

فاركَـــــــــــــــــــبِ اللَّـحْـظَـةَ البدوِّيّـــــةَ

أسرِجْ لَـظَـى الصّــافِـنَاتِ ودُكَّ الحصونَ التي لم تدكْ

لقد كـــــنت طفلاً صغــــــــيرا

ووجـــــــــــــــها جمــــــــــــــــــــــــــــــيلا

فجــــــــــــدِّدْ طفولةَ وجهيَ في قسماتـــــكَ

ولتخترقْ يا حصانَ البراري حُـدُودَ الزَّمان

*  *  *

جـــــــــسدي حفْــنَــةٌ مـنْ ترابٍ، فمنْ ينفخ الروح فيها

                     ويعزفُ لحْــنَ الوصـــــــــــولِ ؟

إنَّني عاشـــــــقٌ للرَّحيـــــــــــلِ

فأعدَّ لقلبــــــيَ، هذا المــــــسافِــرِ في زمن الغيْــمِ،

هذا الذي يحتمي بالتَّوتر، يا فارسي البدويَّ ،

أعدَّ له الهَـوْدَجَ العربيَّ،

ورُشَّ على صفحاتِ النّـــخيلِ

قَــطْــرةً من دمي، فالدَّقائقُ هاربةٌ،

والأغاني تطالبني باجتياز المسافاتِ

والشَّــوْقُ يُـسْـكِــنُـنِي ،

ومدائنك الخُـضْـرُ سرّاً تبادلني الوصْلَ رغم الحصارِ

ولستُ لأغفر وقفتك الآن خارجَ أسوارِها

فاقتـــــــــــــحمْ !

اقتــــــــــــــحمْ وارْمُـــــــــــحِ الآنَ خاصــــــــــرةَ المــــــــستحيلِ

واغتصـــــــــبْ هذه اللحظة البكرَ قبل الأفــــــــــــــــولِ

        شـــوال 1399- سبتمـــبر 1979

أحاديث عابرة قبل يوم الخروج

حديث الغربة

يا هذا الضَّاربَ في ملكوتِ الوهْـم تقـدَّمْ

بَـــدِّلْ جِـلْـدَكَ، وادخلْ بيداء الصحوِ،

ولا تخلعْ نعليكَ، فما في البيداء الوادي القدسيُّ

وليــــــــــــس هنا إلا نــارُ الوجْـدِ الغالبِ

ضيَّعك الوجْـدُ سنينَ، نسيتَ بأن العابدَ لا يرقَى

إن لم يهجُــرْ أســـبابَ الخوفِ.

تغرَّبتَ زمانا وحشيَّ الأنفاسِ،

وأسرجتَ جياد الهجْـرِ البـــدويِّ

وولَّيت الوجهَ المتوحِّـدَ بالــغُــربَةِ

        شطر الأرض المنسيَّة في اللَّيلِ،

وها أنت تعود من الرحلــهْ.

ما أدركتَ الوصلَ، وما أحرقتَ النفس بنار الوجْدِ

                         فهـــل تُـنــــقذك العزلـــــــــهْ ؟

أوْلَــمْــتَ فلم يطعمْ أحدٌ

وأشعْــتَ جراركَ، لم يشربْ أحدٌ

وحملتَ على كتفيكَ مواسمَ خصبكَ

لم يقربها طيرٌ...

لم يقربها بشرٌ...

لم يقربها حيوانْ.

ها أنت تعود حزيناً

وعلى كتفيك مواسمُ خصبكْ

وأباريقُ خموركْ

فادخلْ بيداءكَ، لا تخلع نعليكَ،

فما في البيدِ سوى ديدانٍ وثعابينَ،

وها دمُك الآن يسيحُ بوجهِ الأرضِ

فبدّلْ جلدكَ واتبعني .

حديث السيف والعشق

وما أنْــتِ ؟

قنطرةٌ للعبور إلى الحلُـمِ الغضِّ ؟

تأشيرةٌ للدخول إلى زمن الرَّفْـضِ ؟

لا !

أنتِ ..أنتِ السَّحابةُ،

تنتظم الجسد المتدثّر بالعطش الأزليِّ،

وتنتظمُ القلْــبَ، تحمله من بــــــلاد الجليدِ

                     إلى اللغة الــــحَــــــارِقَــة

المسافةُ ما بين سَــيْــفِي وَحَـتْـفــيَ

ليست ســــــوى خطوتينِ اثنــتــيـــــنِ

وبيني وبينكِ نصفُ المسافةِ فاحتملي نصفها  

إنني أحملُ السيفَ والحرفَ

أدخل دائرة مطلقة

قـبْلَ أن تــنْــزل الصّــاعقــة

إنني أبدأ الخطوة العاشقه

فسلام عليك !

…………………………

…………………………

وما أنتِ ؟

قنطرةٌ للعبور إلى الحلُــمِ الــغَــضِّ ؟

تأشيرةٌ للدخول إلى زمن الرفْــضِ؟

لا !

إنكِ الحُــلُــمُ الغضُّ ..

أنت الطريقُ إلى سدْرةِ المـنْتهَى.

وما أنتِ؟ أنتِ البدايةُ والمنْــتـهَى .

حديث العصْمة

- أهي القيامةُ ؟

- هذه أشراطُــهَا !

دمُــنا بتوقيعٍ من الحُــكّامِ مسْــفوحُ

أحْـــلامُـنَـا كرمادٍ اشتدَّتْ به الريحُ

فانظر إذن ماذا ترى ؟

- إني أرى نقعاً يثارْ

وجماجمَ الموتى تئــنُّ،

وتهرب الأجسادُ من أجداثها

اليــوْمَ لا تُــجْدي وجُــوهٌ تُــسْــتعارْ

إني أرى الطّــوفانَ يزحفُ للمدائن والقرى

لا، لا تقلْ: آوي إلى جبل ليعصمني ، فما منْ عاصــمٍ…

أو من يجير ولا يجار عليه ؟

إني لا أرى الطوفان إلا داخلي

فافتح بذاتك للنهارْ

بابا فبابا

تَـلْــقَ الجوابا

حديث القرية

نشر الصــــــمت على القرية ظلَّــــــه

ورمى الناسَ بسهميه ، فأقْعوا في مذلَّه

فقدتْ قريتُــنا

وجهها .. كيف استحالت موطنا

يا إلهــــي للذئابْ ؟

أوصد الصمتُ بها باباً فبابا

وبنى الرعْـبُ قبابا

هذه القرية ؟ لا أعرفها

كم تغَـيَّـرتِ –هيا أيتها القريةُ- عبر الزمنِ

كم تغيَّرتِ ..فمن ذا قد دعاكِ

موئل الفرحة، مهْــد السَّــكَنِ ؟

ما دهاك؟

أنت في صمتك دربٌ للهلاكِ

أنت لا شكَّ سدومْ

       فاغربي نحو الجحيمْ !

…………………………

تلك يا صاحـــــبي قريـــة كان يطرقها

رغداً رزقُها

فغوَتْ واستــــهانت بشـــــــرع الكتاب

فحـقَّ عليها الكتابْ

لا تـــــــــجادل !

              1974

توقيعات في زمن التحوّل المعاق

1-             نشيد الدخول

على صهوات اليقينْ

أجيء إليكِ سحابة عشقٍ

تهاجر من ظلمات السنينْ

وفي رئتِــي العطشُ المتولِّــدُ من أعْــصُـرِ الجاهليَّه

وأبحث عن لحظاتِ التَّحَــوُّل فيكِ

وأرحلُ من صبوتي وجنوني

إليكِ فلا تُــنْكِريني

ولا تتركيني هنا في العراءِ، امْنحيني

قليلاً من الريحِ والشمس أزرعْ

                مواسمها في بلادي

أجـــــيءُ إلــــــيكِ

وقد رســـمتْ ريشة الأطلسيَّ

علــــى صـــفحة القلْـــــبِ مـــــني

قصيداً من الدم والوردِ ، يا زهرة النَّار والياسمينِ

لهيبُ التَّحول ها قد تولَّد من رعشات الخليجِ

إلى صبوات الرَّحيل المعاق بقلب المحيطِ

تداخل فيك الشعاعـــــان :

إني أجيء إلـــــــيكِ

وأطيافُ حــــــــبٍّ قديــــــــم قديــــــــــــم

بقلبِــيَ ترفَـعُ عنها غُــبارَ الَّليالي .

2-             نخــــــــــلــــــــــــــة النّـــــــــــــــــــــــــار

تحدّثني نخلةُ النّــار (كانت ضفائرها

                                للغزاة جسورا

طريقي إليها دمٌ، ودليلي دمٌ، وحروفـيَ ) :

حولي تجمَّعَ كلّ القراصنة المعتدين

هُـــمُ صلبوني، وما زلت مشدودة لصمودي

هُـمُ نقلوني إلى صَــحَــراءِ الجليد

وقد صادروا الحلْم مني

وقد جعلوا سعَــفي للثَّــعالبِ مأوى 

فيا فارسَ النّـــارِ:

إنّــيَ فجَّرتُ من طعناتيَ نهْــرَ الوصول

وأوقدت من لحظاتــيَ نار القِرى..

أيا فارسَ النَّار أقبلْ !

3-             شعاع من الكوة المستباحة

مع الفجرِ ، من ضفَّة المستحيلْ

تجيء الـــفوارسُ، تحمل فوق الجباهِ وفوق المناكبِ،

نارَ التَّحول من وهج الأزمنة

تُــقَــبِّــلُ جبهتكِ الأحصنة

تُجدّد وجهَ الطفولةِ منكِ حشودُ الصعاليك هرولةً

وتفكّ الحصار الطويلْ

أيا جسدا يتمدد من رعشات الخليج

المزمْجر ظهرا

إلى صبوات المحيط المرتّـــل بالليل

                        آي اللحاقِ

بقافلةِ الرّيحِ والشّمسِ والعِشْـقِ والطَّــعَـنَات

مع الفجر أركبُ ظهر الرياح

أجيء إليكِ سحابة عـــــــشقٍ

                ودفقة نـــــــــــورٍ

                وبـــــــاقــــــة وردٍ

مــــتى ؟

كـــــــــــــيف؟

من أيــــــــن ؟

لا تســــــــــــــأليـنــــــــي

فكلّ المحطَّات أبوابها الآن يا قبلتي مشْرعــهْ

                                                    1976

أنــــــــــا سيّـــــــد العاشقــــــــــــين

تعانقني قطرةُ الطَّــلِّ عند الصباحْ

تصلّي صلاتــــــي الريـــاحْ

تبادلني الغيمةُ الحبّ، وهْـيَ تسافر مثْقلة بالأماني

ترى اكتشفوكِ ؟

ترى عرفوا أنــــك البدء والانتــــهاءْ ؟

ويعجزني الكتم، أعلن في كبرياءْ :

" أنا ســــــــيّــدُ العاشـــــــــقين "

وأنت التي بين خطين تحترفين التوهُّـجَ:

خــــــطِّ الــــــــخروج                         وخــــــطِّ الوصـــــــــول

ألا ما أشدَّ حنيني إليكِ وأنت بقربي

أنت من يحمل السّــيفَ غِبَّ السَّفـــرْ

ومن يــــــــسْكُـبُ النُّــــــــــورَ فـــــي الأفئدة

وتمرين شامخةَ الرَّأس لا تركعينْ

ويُــبْــصِرُ أنوارَكِ الحرسُ الملكـــــيُّ

                 فترتعدُ الأعـــمدة

هو الجرحُ يكْــبر رغم التواصلِ

                يكبر حتّى يلبّي النداء

                ويخْضرَّ لونُ الدمـــــــاء

لقد كنتِ حلْــماً ببال المـــُريد

وكنتِ السَّحابة تنتظمُ القلْــبَ والبلد المـــَـــيْــتَ

كــــيف أرادوكِ فينا غرابا ؟

وكيف أرادوك فينا سرابا ؟

وأنهارُنا تتفجَّر من شفتيكِ

وفـــــــوق لسانك تخضرُّ أحــرفنا الصّــفْــرُ؟

غضْبتكِ الآن لم تتجاوز حدودَ الملامحِ

فامتشــــــقي الـــسيفَ،

ولتنتفضْ خـــيلكِ الآنْ .

يوليو 1977

صـــــــــــــــــــــــلـــــــــــــوات المســــــــــــــــــــتضعفــــــــين

طسم﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴿٢﴾ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِمُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴿٣﴾ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ  إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴿٤﴾ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمُ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴿٥﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴿٦﴾.

القصص 1-5

المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوقفُ

- من أنــــــتَ ؟

- طيفٌ شـــــــــاحبٌ

لي طفلتانِ وثالثٌ ما زال يثغو

                   وهْــوَ لم يعرف نشيداً كالصغارْ

وأنا هنا في الرّيح، كالمسمار، أبحث عن رغيفي

البردُ يلسع جانبيَّ ووحشةُ الدرب المخيفِ

من يشتري عرق الجبينِ ؟

من يستعير دم الوتينِ

من يــــشتريــني ؟

- مـــن أنــــــــت ؟

- ظـــلٌّ هـــارب

مـــن غضْبة الإعصار ..

مــــن نظرات أطـــفالــــــي

                  وصلصَلةِ الـــخريفِ

مـن يــستـــــعير دمــــي بــكأسٍ من لـــبنْ

يا من يخيط لِــيَ الكفنْ

صوتٌ من الأعماق ينفخ في دمائي :

يا أيها الإنسان إنّــكَ كادحٌ كدحاً

فــــشُقَّ طريقك الصـــعب الطويــــلْ

هذا أبو ذرٍّ

        وتلك قوافلُ الغرباء، تنضح بالضياءْ

- مـــــــن أنـــــــتَ ؟

- ســـــيفٌ لاهبٌ

وقصيدةٌ خضراءُ

وقَّعها دم المستضعفينْ.

        كـــــــــــــــأس اليقيــــــــــــــــــــــــــــــــن

كــــــــنَّا على سفَـــرٍ

وكان طريقُـــنا صعباً

وكانت أعينُ الموتى تراقبنا :

" إلام يسيرُ في ليل التوجّــسِ هؤلاء ؟ "

عمْـــرٌ من السنوات منصرمٌ وشمسُ الله غائبةٌ،

نسينا دفئنا الموعودَ،

إنّا قد نسينا أننا أشباهُ موتى..

أننا غرباءُ لم نضجر من الضجر الذي يزجي عصائبنا

 بمهماز الأســـــــــى

      فإلام يمضي هؤلاء ؟!

كنا على سَــفَـــرٍ

وما كنّـــا نسير إلى الفراغِ –وإنْ بدا أنّا نسير إلى فراغْ –

كنا نشقُّ طريقنا في البحرِ، كان عديدنا –حقّا -  قليلا

كان عرشُ القيصر المثقوبُ محمولاً على الأشلاءِ،

كنّا إذْ نشقُّ طريقنا نتلو كتاب اللهِ،

كان المرجفون يزلزلون الأرضَ تحت مواطئ الأقدامِ

                                       والمـــــــتوجّـــسونْ

يبكون خشية ما يجيءُ به الزمانُ،

وما يجيء به جنود القيصر السَّكرانِ،

لم نكُ نعرف الخوف الذي يتحدَّثونْ

عنه ولم نك من أراجيف المدينة

وارتعاشِ النهر نعرف غير : إنّا موقنونْ

كنّــا على سَــفَــرٍ وكان طريقُــنا صعباً

ولكنّا نشقُّ طريقنا في البحْــرِ،

فــــــــاركــــــــــــبْ واقتــــــــــحمْ مــــــــــعنا

                ولا تــــــــسأل متى الإبــــــــحار ؟!

1981

الحلم والأســــــــــــــــــــوار

                                           إلى عبد الله الطنطاوي

شــــرَّدَتْـكَ البلاد الحبيبـةُ واحتضنتك المنافي

أيــــــها العاشــــــقُ المتغَـــرِّب فـــــــي الـــــــــذاتِ،

                            أو في البلاد العريضة

قد شرَّدتك الحروفُ

وأسلمك الأهل لليل،

غرَّبك العشقُ واحتضنتك السجونْ

شـــــــرَّدتنـــــــــا القوافـــــــي

أيها العاشق المتغرب : أنت أنا !

نتحرَّك عبر دماء الجماهيرِ،

قد نستريح قليلا ونأوي إلى أذرع الضعفاء

لنعاود رحلتنا

حملوكَ بعيداً عن الأعين الحالمة

حملوك، لِــيَلَّا، كما زعموا، توقظَ الفتنة النائمة

هكذا أيّهذا المدجَّــجُ بالحقِّ تصبحُ أرضُ المساكينِ

  مزرعة للمُرابين والكُبراءْ

ويصبح يا صاحبي العُــهْـرُ من زينةِ الأرض

                         والقهر من سُنَّة الحاكمينْ

حين أسلمك المرجفون إلى غيهب السّجْـنِ

           ما علموا أنهم منحوك طريقا إلى الفجرِ

يا أيهذا المدجَّج بالكلِم النبويّ

لقد آن أن تستريح لتجربةِ السّجن شيئا قليلا

فإما خرجت خرجت لتشهد واقعة المترفينْ

4/2/1980

المـــــــوت والمدينة الزاحفة

 (الدار البيضاء: 47 ـــ 81)

عزيفُ الجنّ والبلدُ المواتُ

          وأمَّةٌ تلهو بها فوَّارة الأحزانْ

ويهتف هاتفٌ : ما قيمةُ الإنسانْ

تُــجَدّله رصاصــــــة مارقٍ كالســــــَّهمِ

            أو متجبّـــــــــــر عـــطــــــــــــــــــشانْ

ويهتف هاتفٌ في الليلْ :

( أيـــــا ريــــاح الخريـــف العاتيات كـــــفى    

              عصـــــفا فقد كثرت فــــي الأرض قتْــــــلاكِ

كيف اعتذارك إن قـــــــال الإلــــــــه غـــــــدا     

               هذي الجموع، أكانت من ضـحاياكِ ؟ )

ويا ذرى المغرب الأقصى ألا غضبٌ    

               يذكي الأعاصـير في أشـــــلاء موتــــاكِ ؟

 ( ولـــــــي وطــــــــن آليــــــت ألا أبيـــــــعه )

ولـــــــــــي وطــــــــــــنٌ

يجوّعني فأطعمــــه شـــــــــــــرايينــــــي

ويظمئني فأســـــــقيه دمي المخبوءَ في ليل المســاكينِ

ويهتف هاتف كالسَّيلْ

تقدَّمـــــــــــي !

تقدَّمــــــــــــــي أيَّتــــها الجمــــــــوعْ

واقتحمي كالسَّيلِ أو كالليلِ

أو كالنَّصرِ أو كالنَّهرِ

        ليس يبتغي الرجوع

تقدَّمــــــــــي !

تقدَّمـــــــــــي !

ولا تخافي شفراتِ البينْ

فنحن لن نعيش مرَّتينِ

ونحن لن نموت مرَّتينِ

كرهـــــــتُ القيد يا شـــــــــعبي

أراكَ تغوص في قعر الجحــــــــيمِ...

فتورق الأحجار أحـــزانا

كرهــــــــتُ القيد يا شـــــــعري

وها إني أفكُّ قيودك الآنا

كرهتُ القيد يا شـــــعبي

كرهتُ القيد يا شــــــعري

أراك تغوص في قعر الجحيمِ

            فتورق الأحجار أحزانا

وها إني أفكُّ قيودك الآنا

الوزنُ قيدٌ

الرّمْـزُ قيدٌ

ألا إنّ كل إيقاعٍ باطلٌ

إلّا إيقاعَ الموتِ

ألا إنّ كلّ طريقٍ مسدودٌ

إلا طريقَ القتالِ

فقاتلوا !..

صلاتي ثورةٌ

ودمي توَهَّـجَ يستحثُّ الخطوَ

             نحْــو مدائــنِ القرآنْ

*  *  *

ألا يا شيخيَ ( الموزونَ )

        خبّرني أنا ( الحيرانْ ) 

عن الماشـــــــين فوق جماجم الإنسانْ

أليس لهم قلـــــوبٌ ؟

-  أيّها الحيرانْ

بلى، لكنّهم لا يعقلون بها

-  ولكنّي أرى لهمُ أياديَ يبطشون بها

- أيــــــــــا حيران لا تعجلْ عليهمْ

                وإن حلّـــوا بنجمٍ أو بكوكبْ

فإنّ الصُّـبْح موعدهمْ جميعا

                 وإن بطشوا، وإنّ الصّبح أقربْ

     - أيا موزون !

حدثني عن البانين كل منارةٍ

            عن حاملي الأشواق للإنـــــــــــسانْ

- هُـمُ الشُّهـــــداءْ

  هُــمُ الأحــــــــياءْ

وإن قُتِـــلُوا وإن ماتوا؟

-ونحنُ ؟

-ونحنُ أمواتُ

حيارى نستجير بهذه الصَّحراءْ

من الرَّمضاءْ

بلا زادٍ ولا ماءٍ ولا أفياءْ

نُــطَــوِّفُ في العَــرَاءِ بِـغَـيْرِ ما أكْــفَانْ !!

21/11/81

توقيعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان

التوقيع الأول : سبارتاكوس لم يكن حاضرا

قرَّر التَّاريخُ أن يرحل عن غفوتِــهِ

قرَّر التَّاريخُ أن ينهض من كبوتِــهِ

هُــوَ ذا يعبر وجْــهَ النَّهر حتى الضفَّة الأخرى

                                   خفيفاً كالشعـــاع

هو ذا يزْحَــفُ نحو الفجر من غير شراع  

- يا هذا الولد الأفَّاقْ

طوَّقتكَ حين بثـــثْــتُ عيوني

حاصرتكَ بالجنسِ ومبتكراتِ التخديرْ

كلُّ تقاريري تخْـبِـرُني أنك لم تقرأ منشورا سرّيّا

لم تتمرَّسْ أسلوبَ الحقْـــدِ الطبقيِّ

                                ولم تقرأْ كلمات لنين

ســـــــــــــــانحتُ وبارحتُ فطمأنني الجفْـــــرُ

فمن علَّمكَ التَّحديقَ بوجه الشَّمسِ ؟

 ومن علَّمك التَّحلــــــيق إلى الآفــــــــــاقْ ؟

*  *  *

- أيها الضَّاربُ في التيهِ

                      كقنديلٍ بلا زيتٍ

ولا يبصر إلا ظلَّه - أو ذلَّه-  في كل وادْ

أنا لم أقرأ بياناً في النضالْ

لم أطالع كتب الثورة

ولم أعرف كتاب ( الرأسمالْ )

غير أني قد تصفَّحت طويلا

كُــتُــبَ الفقْـــرِ ومنشورَ السنين

وتدبَّرتُ كثيرا

سورة (الصف) وآياتِ الجهادْ

فتعلَّمت كثيرا

وتشوَّقت كثيرا

وتحرَّقت كثيرا 

( الخزامى ) ترفع السيف جهارا وتُكبّـــــرْ

صولةُ الأصنام تهوي ..تتكسَّر

فأعدْ يا جبل الــرّيفِ العظيمْ

صوتَ (أنوالَ)، أعدْ صولة هذا الفارسِ الرَّائعِ

 في أشواقه الأولى، وفي أسفاره ...عبدِ الكريمْ .

التوقيع الثاني : روما لم تحترق !

ها أنت تطْــرقُ بابَ قبْـــرِكَ من جديدْ

ها أنت ثانيةً تصُبُّ وتشْــربُ الدَّمَ

                في جماجِمِنَــا وتسألنا النّــشيدْ :

دُقّـــوا طُــبولَ الفرحْ

في المحْـــفَـلِ السعيدْ

(اليوم يومُ عيدْ

والقلْــبُ لم ينشرحْ)

ها أنت ثانيةً تمدّ يديك للأزهارِ

                كالإعصارِ، كالرّيح العقيمْ

وتمد كفَّك لاغتيالِ الشَّمسِ في وطن النجومْ

وتحاصر الشعر المطارد في الدروب الكافرة

وتحزُّ أعناق الجياد النافرة

وتقول عني : أنت منحازٌ .

نعم !  إني لمنحازٌ إلى شعبي، لأن الشَّعب أكبرُ

                 مِــنْ رصاصِ الغَــدْرِ، مِــنْ صوتِ البنادقِ

                 من حرابِ القهْـر، من حبل المشانقْ

صادِرْ من الأمواتِ حقَّ النَّــومِ

أو صادرْ من الأحياء حقَّ الصَّومِ

أو خذْ من دمانا ما تشاءُ

              وقلْ هو النَّصر المؤزرْ

فاللَّيل إن هَــمَــتِ الغياهبُ راحَ يُــؤْذِنُ بالــرَّحيلْ

1981

صلوات المُســـــــــتضعفين

صلاة لم يشهدها سعدي الشيرازي

رائِـحَـةُ البحْــرِ تجيءُ مُـحَــمَّــلّــةً بالعَــرَقِ النَّـازفِ

من عُـمّـالِ الميناءْ

                  وطُــيُــورُ المــَاءْ

ترسُــمُ دائرةً للــحُــزْنِ

ودائرةً لإعادة تكْــوينِ الأشياءْ

ومليكُ العَــصْــرِ يُــغَــنّي ثورتَـــه البيضاءْ:

سأُطَــهِّــرُ مَــمْلكتي مِــنْ دنَـسِ الفقْــرِ

ومِــنْ أنْــيابِ الجُوعِ (بتقْتيل الفقراءْ)

مملكتي تُـنْـبِتُ في العامِ القادمِ سبْــعَ سَنَابِلْ

تعْطي ياقوتاً

( لحفيدالشَّـــمْـسِ...

        وللشِّـعْـبِ رصاصاً وقنابلْ)

رائحةُ البحْــرِ تجيءُ مُــحَــمَّـلَـةً بالدَّمّ :

دائرتانِ تَــلُفَّانِ الأرضَ:

فواحدةٌ تنتصبُ الآن على أبوابِ القصرِ

وثانية تتفجَّر في الأعماقِ

        لتُــعْــلِـنَ ميلادَ الإنسانْ

صلاة إلى أرض الأفغان

حملوا لكِ هذا الوباءَ –الوبَـــالْ

رشقوكِ بنصلِ السُّمومِ

وعزَّ عليهمْ بقاؤكِ خارجَ دائرةِ الاشْـتِعَالْ

أنت تشْتعلينَ ؟ فمرْحَى إذنْ !

فاشتعالكِ دربٌ إلى النورِ،

أذْكُــرُ إذ أنتِ عاشقةٌ لاجتياز المسافاتِ،

                     عاشقةٌ للتّــغَــرُّب تحت المطَــرْ

حططتِ الرحالْ

وعانقتِ صاحِـبَـكِ العربيَّ

بباريس في عروة لا انفصام لها

وأذكُـــرُ إذ أنتِ نسْــرٌ جريحٌ

يحنُّ إلى بُــقْــعَةٍ –حُـفْـرَةٍ في الذُّرى

        ويُـصَـلِّي صلاةَ السَّــفَــرْ

وأرى وجهكِ الآن خارطةً في العَــرَاءِ

تُـعَـلِّـمُـنَـا كيفَ نَـبْــتَـكِـرُالمعْــجِــزَات

شــــــــــبَـحٌ هُـوَ أمْ هُـوَ أسطورةٌ لا تُــقَـالْ

ذلكَ المتَـلَـفِّـعُ، من بَـعْـدِ شيْـبٍ، أوارَ الجبالْ

حاملاً بندقيته   (والحديدْ

                    فيه بأسٌ شديدْ )

وعلى شفتيهِ، وفي قلْـــبِــهِ، كلماتُ الإلهِ العظيمْ

ليــــــتني كنتُــهُ

ليـــــتني كنتُ مِـنْ جُـنْـدِهِ

أحْـمِـلُ الـــمُـــصْـحَـفَ – السَّـيْـفَ، أدْخُـلُ دائرةَ الاشتعالْ

ليــــــتني !

ـ  صلاة مهربة  إلى المستضعفين  في إريتريا والفليبين وفطاني"بورما"و..و..

"باسمكَ اللَّهمَّ أحْــيا وأموتْ"

ومضى يصْـنَعُ في الأرض مصيره

يركبُ اللَّيلَ، وحلْـمَ الثَّورةِ الصّـعْـبَ،

وكان الــزّادَ بعضٌ من رغيفٍ

                      وكتابٌ، ورصاصْ

وهو يدري جيّداً أنَّ الخلاصْ

ليسَ يأتي مِـنْ نِـيُويُورْكَ

                ولا مُـوْسكـو

ويدري جيِّداً أنّ الولادة

في زمان العُـنْـفِ والقهْــرِ الـصّــليبيِّ غدتْ جِدَّ عسيرة

كان منغيستُو على أعتابِ ماركُــوسَ يغَــنّي

وزيادْ

كزيادِ الأمس، يعْــطي الدّين قرباناً

ويُــعْطي الشَّرفَ الباذخَ،

يعْطي الحَـسَبَ الشَّامِــخَ

يعْطي الكبرياءَ المستعارة

ثمَّ يُـعْطي ما أرادوا وزيادة

رغبةً أو رهبةً من أجلِ كرسيِّ الإمارة

"باسمك اللَّهمَّ أحيا وأَموتْ "

ومضى يَـفْـتَـحُ للفجر طريقاً

وهْـو يدري أنّ للظالم بيتاً

           مثلَ بيتِ العنكبوتْ

صــــــــلاة إلى القــــدس

من أين نمُــرُّ إلى الـنّــصْـرِ ؟

       ومن أين يَـمُـرُّ النَّصْــرُ إلينا ؟

من أين نُــطِــلُّ على القُــدْسِ؟

وكيف نعيدُ القُــدْسَ حَــمَامَ سَلامٍ بيْــنَ يَـدَيْـنا ؟

فيروزُ تغنّــي سيِّــدَةَ المـــُــــدُنِ، القُــدْسَ، وبيسان

"سأمُــرُّ على الأحزانْ "

"لن يقفل باب مدينتنا "

والحُــزْنُ الرَّابضُ فوق مدينتنا يسْألُــنَا

أن نقتحمَ النّــيرانْ

كنَّا من أغوارِ الجُــبِّ نناديكَ :

        صلاحَ الدّين   

        صلاحَ الدِّين

ناجيناك عسى تمْــنَـحُـنَا سَـيْـفاً

يقْــطَــعُ رأسَ التّــنّــينْ

لكنَّك ما جئتَ...

ولا في اليرموكِ تجلَّى سيفُ الله البتّــارْ

والنّسْــوةُ خَـلْــفَ القَــوْمِ بأسيافٍ

                     تترصَّــدُ منْ وَلّــى الأدبارْ

لكنّي أبْـصِـرُ صوتاً يَــخْتَـرِقُ الأحقابْ

لَـنْ يُــبْــلِــغَــكَ القُــدْسَ سوى دربٍ واحدْ:

                    ســــــــــــيفٍ وكــــــــــــــــــــــــــتابْ !

صلاة إلى المغْرب

 أيّهَا البَــلَــدُ المستبدُّ بقلْـبي

( وقلـــــــبي أنا أثخنته الجراحُ )

أيّــها البلدُ المســــــــــــتباحُ

من قضى لكَ أن تتحوَّلَ حقْــلَ تجاربْ ؟

جعلوا منكَ وكْــر ذئابٍ ومأوى ثَــعَالِــبْ !

جعلوا منك مبغىً لمن ذبحوا أمسِ بيروتَ

       من بعدِمَا أفرغوا نصْفَ نَــفْـطِ الخليجْ

عند أقدامها ثمناً...

قلَّدوها شهاباً من الموتِ قبْــلَ الخروجْ

ثم صَـبُّـوا على جسْمها ما تبقَّى من النَّفْــطِ

                                 وانقلبوا فاكهين !

وأرادوكَ بيروتَ أخْـــرى

فيا أيّها البلدُ المستجيرُ بمن لا يجيرُ

كيف تصبحُ مزرعةَ الآبقينَ

وتَــغْــدو جوازَ مرورٍ إلى عربات الضياءِ

لمن هبَّ أو دبَّ يا وطني !

وبَــنُــوكَ على شاطئِ البحْــرِ كالغُــرَبَاءِ

كيف يا وطــــــــني؟ !

صلاةٌ إلى الأمّـــة

لا !  لم يمتْ فيك الشعورُ

                  وما خبا ألق الشعورِ

قومي لتسْقطَ عنك أغلالُ العصورِ

دكّي صروح البغي ، وانتشري بأرض الله  إشعاعاتِ نــــورِ

إني أراك هناكَ خلفَ البحْــرِ تنتفضين كالمقرورِ

                                معلنةً بداياتِ الزمانِ المستنيرِ

هاتيكَ خيلُ الله في طلبٍ

ألا فَــرِدِي حياضَ الموتِ طائعةً ولا تَـهِنِي

                       فإن الوعْــــد من ملك النّـــشـــورِ

إيقاعات في الزمن الصّعب

ـ الإيقاع الأول

كان أبو ذرّ يأكلُ مِــنْ وَحْــشَــتِــهِ

ويُــفَــكِّــرُ في فَـــيْءِ رسولِ الله

-أولا تَــخْــرُجُ يا جُــنْـدُبْ ؟

-  أوصاني بالصّــبْــرِ خليلي

حتى ألقاه

كان فتى الرّبَـــذَة

يَــحْـمِـلُ غُــرْبَـــتَـــهُ

ويُـــحدِّقُ في قصْر أميرِ الشّــــامْ

…………………………

…………………………

-أتُـــقاتلُ يا جندبُ دون حسامْ ؟

- أوصاني بالصبر خليلي

وبإحكام المركبْ

لكن ما أوصاني بالصّــمْــتْ

فأنا بالكلماتِ أُقَـــاتِـلُ حتّى المــــَــــوْتْ

…………………………

…………………………

تهتف باسمكَ ألسنةٌ

لكنّــكَ (لو جئتَ الآن لحاربكَ الدَّاعونَ إليكَ )

وقالوا : رجْــعِــيٌّ يومِــنُ بالغيْـــبِ

ويؤخّـــرُ ميعادَ الثّـــوْرَة !

ــ الإيقاع الثاني

يا مالــكُ حَــدّثْــنَـا

قد طلَّقنا عهْــدَ الصّــدّيــقْ

طلَّقنا بالإكراهِ عهودَ أبي ذرّ وعَــلِـيٍّ والفَــاروقْ  

بايَــعْــنا الحجَّاجَ ووارثَــهُ الـسّــــفّاحْ

شاراتٌ للقَـــهْــرِ مُــعَــلَّـــقَــةٌ ورمُــوزُ

والجندُ تحاصرُ كلَّ بيوتِ اللهْ

والمدفع متَّجهٌ نحْــو الأفواهْ

قالوا: هذا الدينُ غدا قنبلــةً موقوتةْ

فَـــصَـلُــوا عنّـــا القُـــرآنْ

قَــتَــلُــوا فينا الإنسانْ

خَـلَـــعُــــوا مِــنّــا الأكتافْ

صلَـبُــونا فوقَ جُـذُوع الصَّفْــصَافْ

زرعوا نسلَ (السافاك) بكل حِـــزامْ

كتبوا في كلِّ الطُّـــرُقَــاتِ : (وإنْ جَــنَــحُوا ..)

كــتَـبُــــوها فوقَ مآذننا

نَــقَــشُوها فوق جباهِ الأطْـــفالْ

جعلوا شيْــخَ الأزْهَــرِ يَــلْـبَـسُ طاقِــيَــةَ الحاخامْ

لكِـــنَّ فَــتَـى طِـيـبَــةَ

رغْـم حِرابِ القَــهْـرِ يُــحَــدِّثُ :

" لا تهنوا !

فطلاقُ المــُكْــرَهِ ليْــسَ يجُــوزُ

إنَّ طَـــلاقَ المــُكْــرَهِليس يجوزُ "

الإيقاع الثالث

آت …

الطـّــــــــــــــــــــــريق

{1}

اللَّيـــــلُ يَــزْحَـــفُ مِــنْ نِــهَــاياتِ الشّــمالْ

في أعينِ الأطفالِ صمْــتٌ، حَــيْــرةٌ

في الأعين الحجريَّةِ الولهى سؤالْ

اللَّيل ينْــشُــرُ ظلّـــَه فـــوق المدينة

وتفِـــرُّ أفئِــدَةُ "الــرّجالِ " من السكينة

كبرَ السؤالْ

وتسلَّقَ الأطفالَ نهْــرُ الصَّمتِ

        ليلُ الحيْـــرةِ الدَّاجي

                         تنادوا بالرَّحيلْ

ومضى الرِّجالُ مع الصَّباحِ،

        مضوا إلى الشُّــمِّ الجبــالْ

يُــحْــيُــونَ ليلهُـمُ قنوتاً و ابتهالْ

ويسامرونَ الآيَ رُهْــباناً بجوفِ اللّـيْــلِ

                         فُـــرْساناً إذا انتشر النّــهارْ

يتنسَّمون وقائع الفجر المضمَّخ بالرصاصْ

وبقيتَ وحدَكَ :

ليتني أدركتُ من أينَ الطّــريقُ إلى الجبالْ

{2}

صوتُ البنادقِ والصلاة

 دربٌ إلى عهْـــدِ الشهادة

يتسلَّق الفجْــرُ الجميلُ محاجرَ الأطْــفالِ

    ينهضُ فارســــــــــــاً...

يتدثَّر الحزنَ الذي ينْــدسُّ في مُــقَـلِ النّـــــــــساءْ

كنْ أنتَ صوتَ البندقيَّةِ والصلاة

كن أوَّل الشُّــهداءِ تنفتِحِ الـدُّروبُ إلى الجبالْ

{3}

أنادي :

بلادي

فيرجع صوتي إليَّ كسيرا

وأرسل في الأفق طرْفـِــي الحسيرا

فأبصر سائمةً لا تردُّ المـــُغيــــــرا

وأبْــصــرُ قافلــةً من عبيدٍ وأسْـــرى

ترى العيْـــشَ لهْــواً وخَــمْــرا

وأوشِــكُ أن أكْــسِـرَ القلــمَ المستنيرا

ولكنَّ صوتاً يشُـــقُّ العصورا

ويطْـــرُدُ عني الظَّلامَ المبيرا :

"رِدِ الطّـــرْقَ حتَّى تُـــوافي النّــميرا

فرُبَّ عسيـــرٍ أتــــاحَ اليسيــــــرا

وطِـــرْ حيثُ أنتَ قــــويُّ الجناحِ

لا عُــــذْرَ عنْـــــدَكَ ألَّا تّــطِــيرا "

فأحمِـــلُ سيْــــــفِي

وأرفَــــعُ كّـــــــفِّي

وأعلِـــنُ في النّــــَاسِ :

إنّـــــي بدأتُ المسيرا

بعزم يهدّ النـــــــــــــــسورا

أشقّ الطريق العسيرا

فيا غربــــــاءُ

ويا فقـــــــراءُ

هلُــمُّـــــــــــــوا ..هلُــمُّـواإليَّا

لِــنفتحَ هذا الزَّمان سويَّا

ألا من هنا تشرقُ الشَّمس يا قومنا

من هــــــــــنا يتعالى السَّنا

فَــكلُّ الحضارات قد أشرقت من هـــــــــــنا

وكل المنارات قد صاغها عزمنا

فهبوا سويَّا

سنفتحُ هذا الزَّمان العصيَّا

بأمر الذي قال :"كن فيكون"

سنرفعُ هاماتِــنَا للسّــــــماءْ

ونزْرَعُ عالمنــــــــا بالضِّياء

ونُــشْــرِعُ للنّاس بابَ اليقينْ

ورغم الحرابِ

يصوّبُـــها اللَّيلُ نحو الصّدورِ

سنعلنُ :"ألله أكبَـــرُ "

لا لن نليـــــــــنْ

ولن نستكينْ

" فإما إلى النَّصر فوقَ الأنامِ

وإما إلى الله في الخالدينْ "

قراءة في ســــــــفْر الفاجعة

حديث الوحشة

ظمأٌ ومخْــمَـــصَــةٌ، وقلبي عاريَ القدمينِ،

فوق رمال صيفك أنتَ، يلْــعَــقُ من دماهْ

يستفُّ قهر اللَّيل في وهج الظَّهيرةِ، والسَّرابْ

جيشٌ من الأعداءِ يحتجزُ الأميرةَ في بروج الموتِ!

آه يا قليلَ الزاد ! كمْ هو موحشٌ دربُ الوصالِ

ظمأٌ ومَــخْــمَــصـةٌ، وقلبي عاريَ القدمين،

                                      فوق لظى الرمالِ

إن لم يكنْ بك، سيّـدي،

                              غَـضَـبٌ عليَّ فلا أبالي !

حديث النبوءة

وأنا أتأمَّــــلُ خارطَـــةَ الوطَـــنِ العربِـــيِّ

أرانيَ آكلُ لَــحْــمَ أخي مَــيِّــتاً

وأرى لحْــمَ أمّـــيَ في النَّـــارِ،

من هامتي تأكل الطَّــيْــرُ ،

قلبيَ تجعله الفئة الباغية

بعْضَ قُــرْبانِهَا

……………......

……......………

وأذْكـــــــــــــــــرُ إذ قــــــــــــــــال لــــــــــــــــــــي:

إنَّما يأكلُ الذيبُ في الغَــنَــمِ القاصية

وســـــــــــــــــتقتلك الفـــــــــــــئـــةُ الباغــــــــــــــــــــيــة

غير أنَّك، يا صاحبي، لــــــــــــــــــــن تمـــــــــــــــــــــــوتْ

حديث الأمّ – حديث الحلم :

عذراً يا أمّـي، فأنا لا أحملُ ما يُرضيكِ من الأنباءْ

خدعوني يا أمِّ، فخلّـفْــتُ حبيبة قلبي

                              جاريةً عند الأعداءْ

مَـنْ قالَ بأنَّ الثورةَ يا بلدي

لا تصبحُ لغواً إن كانت من غير دماءْ ؟

الآن أقول لكمْ :

يـــــــــــــا حـــــــــــــرَّاسَ الأرضِ العربيَّة

يا فرســــــــــــــــانَ الحلبة، يا حكــــــــــماءْ

انتفضــــــــــــــــــوا أو لا تنتفضــــــــــوا

بلدي هذا مسكونٌ بالحلْــمْ

وغداً ســـــــــتلاحقكم لعنات الأبناءْ

قتلونــــــــــــــــــــــي يا أمّـــــــــــي

لكنّـــي أخرج من جلدي المسلوخِ

فيا شـــــــــــــــــلالات الدَّمّ

أعيدي نسجَ التَّاريخِ

                    وتكوينَ الأشــــــــــــــــــــــــــــياءْ

ويــــــــــا شـــــــــــــــهداء الفقْـــرِ

أفيضوا من حيث أفاض الشـــــــــــــــــهداءْ 

قراءة في ملفِ منْــــــــــــسي

بمحكمـــــــــــة الاستئْنــــــــــــــــافِ

الصفحة الأولى

يا مولانا

هذي سنَـــةٌ أخرى عجْـــفاءْ

لكنَّ مزارِعَ هذا الوطن المطمورِ

من نعمائك سوف تلفُّ العالم

كل العالمْ

بالخير والبركاتْ

(صوتٌ يأتيك من الداخلْ :

سنةٌ تتلو سنَــةً

ومزارعُ هذا الوطَــنِ المقْـــهــورِ

لم تعرفْ منذ دهورِ

ما طعم الشّمس وطعم القمحْ

وبيادره

لا تعطي غير الجرحِ

                الجرحِ

                الجرحْ )

الصفحة الثانية

قال الحاكمُ والمحكومُ بأمر الله :

دُقُّــــــوا الأجراسْ !

دقُّـــــوا الأجراسْ !

ولينشر في كلّ الصّــحفِ اليوميَّة

في كلّ الإعلانات الرسميَّــة :

"هذا عــــــــامٌ فيه يُــغاثُ النَّاسْ"

وبأمر الحاكمِ والمحكومِ

        تُـــدَقُّ -  تقولُ الأجراسْ :

هذا عامُ فيه يغاث الناسْ

        عام فيه يغاث الناسْ

                    فيه يغاث الناسُ

                             الناسُ

                                         الناسُ

                                              الناسْ

........

( لكنّ الرؤيا، يا يوسف، لا تصدقُ في كل الأزمان )

الصفحة الثالثة

الحارسُ يهتف في الطُّرقاتْ :

بشرى لكمُ يا فقراءَ البلد الكادحْ

بشرى لكمُ ..

فوليُّ أموركم الصّالحْ .

في ذكرى مولده الألفْ

سيوزّع أطبــــــــاقا

                من أقْــمار الصّـــيفْ

(صوتٌ يأتيك من الداخلْ :

كوني، أقمارَ الصَّــيْــفِ، كساءَ

كوني للمحتاجينَ غطاءَ

كوني كسْــــرة خبزٍ

أو جرْعة ماءَ

كوني …

كوني …آه يا أقمارَ الصَّــيْــفْ ! )

الصفحة الرابعة

-  ما اسمك ؟

قد ماتَ زمان الخوفِ،

وولَّــى الصمتْ

قال الشخص المشنوق بحبل العدلْ :

-  ليس تهمُّ الأسْــماءْ

حسبي أني من جمهور البسطاءْ

ـــــــــــ  ……………..؟

-  سلبوا أرضي !

  فرفعت يدي محتجًّا

-  قد أقطعناك براءة

-  لكنّهمُ سلبوني الأرضْ

-  لك حقّ النقضْ

-  فلأستأنفْ

قال القاضي الثاني :

-  خمسٌ نافذةً وغرامه

لك حقُّ النقضْ

قال الشخص المشنوقُ القولَ الفصلْ :

-  فلأســـــــــــتأنفْ .

صفحة خارج الملف

كانتْ أقمارُ الصّـــيْــفِ تحطُّ على يدِهِ اليُسْـرى

وشموسُ الصَّيفِ على اليُــمْــنى

كانت كلُّ علامات الدَّرْبِ، تقول له :

  قــــــــــــفْ ..قـــــــــــــفْ !

اللافتة الحـــــمراءُ  تقول له        : قــــــــــــــــــــــفْ

مقصلة الجــــــــلَّادِ  تقول له :  قـــــــــــــــــــــــفْ

أمراسُ الشَّــــــــنقِ،

أيادي الخنقِ، تقول له: قـــــــــــــــــــــــفْ

أوســــــــمةُ الجُــنْــدِ،

نياشينُ الحربِ البــــاردةِ الأعْــــــــــصابِ

                             الميّــتةِ الأعْضاءِ

جميعُ علامات الدنيا تهتفُ أن: قـــــــــــــــــــــــفْ ! قـــــــــــــــــــــــفْ !

لكنَّ الشَّخصَ المشنوقَ بحبْل العدلِ يُــقَــرِّرُ:

 أن يســــتأنف !

                  أن يســــــــتأنف !

                                      أن يســـــــتأنف !

                                                 وجدة: 17/ 4/ 74

قراءة في مكابدات

أبي خلــــــــــــدون الدّمشقــــــــــي

{1}

في الجامِــعِ الأُمَــويِّ كان لقاؤُنـا

روَّادَ مجْــهُــولٍ

وكان إمامُــنا عبْــدُ الحكيمْ

يتلو علينا ما تيسَّر

ثم ينفخ في الأجنَّة والصغارْ

حلماً يقولْ :

    "مِـــنْ هذه الأرضِ البتُـــولْ

من هذه الأرض التي أنهارُهــــا

        تسعى مُسبِّــحةً إلى نبْـــضِ الحُــقُولْ

يستأنفُ التَّاريخُ دورتــــهُ

ويستدعي الزَّمانُ مواكبَ الفَـتْــحِ الجليلْ

هل كان شيْـــخُ (المسْــجِدِ الــــمَــــــــحْــــزونِ) يَـعْرِفُ أنّـَهُ

من صوتِــهِ المخزونِ في عينيْــهِ تَــتَّــشِحُ الفُــصُــولْ

زمَـــناً جديــداً يَــمْــتَـطي أّلَـــقَ الغُــبَارْ؟

هل كان يعْــرِفُ أنَّـــهُ من صمته تسْــري دماءُ النّــصْــرِ

                                      خاشعــــةً بأوردةِ النَّــهَـارْ ؟!

{2}

أحْــبَابَ قلْـــــبِي، لَــمْ يَــزَلْ قَــاسِيُونْ

ينْـضَـحُ بالأحْـلامِ والخُــضْـــرَةْ

صاحبُــكُـمْ - ذاكَ الذي ترْقُـــبُــونْ-

يأتيكمُ في ساعَـــةِ العُــــسْــرَة

مُــطَــوَّقاً بالأمَــلِ الموعودْ

رغْــمَ الحِـــرَابِ السُّـــودْ

{3}

أبَـــا خلدونَ !

يا سَيْـــــفاً من اللَّهَـــبِ

ويا إيقاعَـــنَا العَـــرَبِي

لماذا تمْـــخُـرُ الأفْــلاكَ أَنْــهَــارٌ من السُّـحُـبِ

ولا تسْقي حقُـــولَ القمْـــحِ والقَــصَــبِ

لماذا كلُّ أوراقِ الجرائدِ أصبَـحَتْ متشابِــهَــاتٍ

                                   مثلَ أوراقِ البساتينِ ؟!

ولا يَــتَـــصَـدَّعُ الإيــــوانُ مِــنْ غضَــبِ المسَــاكِــينِ ؟!

ألا هلْ تستطيعُ قصيدةٌ حُــبْــلَى

        اختصارَ مواجِــعِ الأطْــفَــالِ يا بَــرَدَى ؟

أحقًّا أجْــمَــلُ التّــاريخِ كانَ غَــــدا ؟

{4}

يا صانِــعَ الحلْــــوَى

وصانِـــــعَ الــــــــثَّـــوره

لا زادَ كالتّــــــــــَـــقوَى

للفَــتْـــحِ والنُّـــــصْره

{5}

أعْـــرِفُـــهُ :

في رقَّــــةِ الدَّرْويـــشِ أو في صَــوْلَـــةِ المـــُــلْـــكِ

لا ! لم يكنْ يضحكُ - إذْ يضحكُ -  بـَـلْ يبْــكي !

في كلِّ دارٍ خنْــجَــرٌ مسْـــمُومْ

يَــخْـــتَــرِمُ النّـــجُــومْ

وظِـــلُّ عنْـــكَـبُوتِ

سُـــوَيْـــعَــةَ القُـــنُــوتِ

يحاصِـــــرُ الحروفْ

واعَــجَــــــــــبَــا !

كيفَ يخافُ صاحبُ الصَّولة والــسلطان

قصيـــــدةً من شاعر فرْد

قد استعان

بالصَّبر والصَّلاةِ والأحْــزانْ

أتصْــنَــعُ الحُـــرُوفُ ما لا تَــصْــنَــعُ السُّــيُـوفْ ؟!

دمشق / وجدة            ذو الحجة 1404هـ ــ  محرم 1405  سبتنمبر –أكتوبر 1984

إشارة: أبو خلدون، صانع للخبز والحلوى بدمشق، ضيَّــفنا ونحن في طريقنا إلى الحج.

حديقة المــــــــــــــــــــــوت

(قراءة صامتة )

لــنْ تَـــقْــــدُري حُـــزْني

ولَـــنْ تَــحْــتَـمِـلِي بعْــضَ هُـــمُــومِي،

بَـعْــضَ ما يضِيقُ عنه الصَّــدْرُ من أشْجانْ

فعالمي قامَ على بُـــرْكَـــانْ

لا شيءَ غير الموتِ يا إنسانْ

الموتُ في دمــــــــشــقَ

               في بــــــــيروتَ

                    في عَـــــــــمّـــانْ

الموتُ في كابُلَّ، في طهْرانْ

الموتُ في بغْــــــدَادَ،

                      في أســــــــــــــيوط ،

                               في البيضاء،

                                      في تونــــــــــــسَ،

              في وهـــــــــــــــرانْ

يا غابةً ممتدًّةً من (الخليــــجِ الثائِــــرِ)

                            الســــــــَّادر في نُـــــواحِهِ

حتَّى (المحِــيـــطِ الهَـــــــادِرِ ) الغافل عن جراحِهِ

رأيتُ طيْـــفَ امْـــرأةٍ

تسْــتَــصْـرِخُ النّـــــاصر والمعتصما

وما أرى إلا دُمى !

أستمْــطِــرُ السماءْ

صاعقَـــةً تجَــدِّدُ الدّمـــــاءَ في عروقكِ الغبراءْ

أيَّتُــها الأرضُ التي تنامُ خلْــفَ البَــحْــرِ

يا حديقَـــةَ المـــَــوْتِ، ويا مَــزْرَعَـــةَ الدِّمَــــاءْ

يا وطناً ما ماتَ قيصرٌ به إلا وقام قيصرُ

ما تُــخْــرِجُ الأرضُ التي تنامُ خلْــفَ البَــحْــرِ

                           غيْــــرَ فَــــــارِسٍ يَـنْــتَــحِــرُ ؟

في كلِّ ركْــــــنٍ منكِ يا فــــــوَّارةَ الآلامِ

                     يــــــــــــــا مدينَـــــــــــــــةً أهلــــــــــــــكها السُّــكوتْ

مجاهِـــــدٌ يموتُ - لا يمُــــــوتْ

-  كـــــــــــفى ! كــــــــــــــــفى !

-  ألم أقلْ إنَّــــــكِ لن تحْتمِلِي بعضَ همُومي،

                 بعضَ ما يضيقُ عنه الصَّـــدْرُ واللّــســــانْ ؟!

سبتمبر 1981

تراتيل في محارب آســــــــــــيا

آسِــيَــا، يا دفْـــقَـــةً من فَــلَــقِ الصُّبْـــحِ الجديدْ

يا نداءً من سماءِ الغَـــيْـــــبِ صـــدّاحا يعـــــــــــيدْ

صلواتِ الفتْـــحِ في سمع الوجودْ

وتراتيل الشهادة

آسِــــيَا،

في كُـــــلِّ أرضٍ قـــــام فرعــــــــــونٌ جـــــــــــديـــــــــــــــــــــدْ

فامنحينا ومْــــضةَ الإيمانِ والعَـــزْمِ الـــرّشـــــــــــــــيدْ

علّــــمينا عزَّة المؤمـــــــنِ في اليومِ العصيبْ

علّـــمـــينا صيْـــــحَـةَ الحَـــقِّ، لقد بــــــحَّ النَّـــــــــــــــــــــشيدْ

علّــمينا كيف تغدو ساحةُ الموتِ

 بأبْصار الصحابـــــــةْ

جنَّة تنْفح أمنــــاً وصبابــــــــــةْ

عَـلِّمينا كيف يعْــلو فوقَ أعناقِ طواغيتِ الورَى

                                     قَــــــــــــبْرُ الشّــــــــــــــــــهيدْ

قلتُ لكمْ في الــزَّمنِ البـعـــيـــــــــــدِ :

إيَّاكُـــمُ وخُــضرة الدّمنْ

لا تركبوا الوَهَــــــنْ

لا تركنوا لمن أقام عرْشَــهُ يوماً على جماجمِ العبيــــدْ

قلتُ لكُــــمْ : من قبلِ أن تُــحَــصِّـنُوا بيوتَــكُمْ

                                 بالـــــــنَّارِ والحديـــــدْ

تَـــحَــصَّــنُوا بــ  (الشَّــمْــسِ)  و (الــحَـــديدْ)

تحصَّنوا ضـــدَّ نفوسٍ صَــدِئَـتْ

وطَــهِّــروا قلوبكُمْ باللَّهَـــبِ المقدَّسِ المـــــــــــجيدْ

من قبل أن تُــــحصِّنُوا البيوتَ بالـــــدّمــاءِ والبُـــرُوجْ

تحصَّنوا، يا قومِ، ضِـــدَّ الزَّمَــــنِ المــــريجْ

بــ  (الصَّف) و (الطَّارق) و (البروج)

قلتُ لكُــــمْ …

قلتُ لكُــــمْ …

    أليس منكمْ رجُـــلٌ  رشــــــــــيدْ ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إشارة: آسيا، هي امرأة فرعون.

أيّــــــــــــــتها الغـــــــــــــــــــــــــزالة

أدعوكِ أيَّـتُــها الغزالَـــةُ فاتبعينِ

أدعوكِ فاستمعي لما يوحَى إليكِ من الخروجْ

وتطهَّري أو فاشْــرَقِــي بدَمِ الوتينِ

فالنَّاس في أمْـــــرٍ مريجْ

هذا أوانكِ :

يُـــسْـــتَــحَــلُّ دمُ الحجيجْ

يُـــسْــتَــضْعَــفُ الأهْــلُونَ،

أيَّــتُــها الغزالَــــةُ إنّــني أدعوكِ، فانْــتَــفِــضِي إذن

في جنَّة تمتدُّ –فيما يزعمونَ – من المحيطِ إلى الخليجْ

هي جنَّةٌ تجْــري بأنْـهَارٍ مِــنَ البــتْـرُولِ والقَــهْــرِ المصَفَّى

(هل أنتِ لي وطَـنٌ -  كما زعموا -

 أم أنَّكَ لي غدوتَ اليومَ مَــنْـفَى ؟!)

وسألتُ صاحِــبِــيَ الذي يَــرتَادُ مِــنْ مَــنْــفى إلى مَــنْفَى :

بأيِّ جَـــريـــرَةٍ قادوكَ ؟

أغْــــضَى صاحبي !

وبكـــى قليلا ..وابْـــتَـسَـمْ !

ثم ارْتحَـــــلْ !

ورفعتُ كَــــفِّي واستوتْ سبَّابتي

سَـــيْــفاً فعانقتُ الوصيَّــة

أدعوكِ أيَّـتُــها الغزالَـــةُ فاتبعـــــــينِ

أدعـــــــــــــــوكْ...

       

أوان الــــــــــــــــــــــــــشّـــــــدّ

قراءة مغربية في

ديوان الشّام الدّموي

إلــــــى الـــــــــدّم المطلول في المخيّمات، بدءاً من تلّ الزعـــــــــتر

وما بيني وبينكِ ألفُ ساريةٍ

وألفُ حكايةٍ مجنونةِ الأعْصابِ

ألفُ محجَّـــــةٍ دمويّـــــَةٍ

في ليل آمالي الشَّريدةِ أستحثُّ الخطْــــوَ

نحو مدائنٍ مسكونةٍ بالدَّهشةِ الأولى

حملتُ إليكِ أوراقي

يداكِ اغتالتا في لحظةٍ عصبيَّةٍ كلماتيَ/

اغتالتْ يداكِ الحرفَ والإيمانَ،

فوق جدارِ شكِّــــي صارتِ الكلماتُ والنَّجْــوى معلّــــقــةً ..

على صهواتِ خيلِ الرّيـــحِ جئتكِ،

كنت تبتسمين للغرباءِ من خمَّارةٍ في (شـــــــــارع الحمراءِ)

ليْــلاً ترفعينَ الكأسَ نَــخْــبَ الشَّهوةِ الرعناءِ

وانفرجتْ شفَـــاهُــكِ حين نادى الصَّـوْتُ :

عودي ليسَ هذا، يا معذبتي، طريـــــقَ الأنبياءِ .

تنحنحَ المخمورُ : (هامانُ ابنِ لي صــــــــرحاً

              لعلّـــي أبلغُ الأسبابَ، أسبابَ السَّماواتِ ..)

-  اتَّــئِــدْ! أرْبيتَ في شهواتكَ الخرقاءِ

إنَّ الفتْـــحَ مرسومٌ على شفَـــةِ البنادقِ

والظُّبى المسنونةُ الأطرافِ والخنجَـــرْ

ألا إنَّ الهَـــوى العَـــربِـيَّ قتَّـــــالُ

ولكنَّ الفتى العربيَّ إن غنّاهُ، مغْــتالُ

دِمِــشْــــقُ الآنَ جاريــــةٌ

على أكتافها عبرتْ خيولُ الــــــرُّومِ

ريحُ الشّـــرْقِ واقفَــــةٌ ببابِ دمشْــــقَ

(من يعْـــــزِفُ في سمْـــعِ الشَّــآمِ لعودةِ الأطيارِ ألْـــحَــانا ؟)

سيوفُ أميَّـــةٍ تقتاتُ من أحشاءِ حارسِــهَا

وتغتـــــالُ الَّذي أعطىَ محيَّاهَا المغطَّى بالدِّما

                              حقَّ الدخولِ إلى مَــدارِ الشَّمسِ

تُــذَبِّــحُ مَــنْ لها غنّـــى

وقد كانتْ بلا صوتِ

دمشقُ !

دمشقُ جاريةٌ

على أكتافها عبرتْ خيول الروم والتَّترِ

           إلى المحرابِ والإنسانِ والزَّهَـــرِ

دمشق الآن جاريةٌ

تغوص. تغوص في قعر الجحيمِ.

-  دمشقُ من أنتِ ؟

ألا إنَّ الهوى العربيَّ قتَّالٌ

ولكنَّ الفتى العربيَّ، رغم القهر، أُبْــصِـرُهُ

تردَّى - في توحُّــدِهِ -  ثيابَ الموتِ حُــمْــراً

واستحَـــرَّ القتْـــلُ ..

يا بيروتُ ! ما هذا طريقَ الأنبياءِ

وإنَّ ما بيني وبينك ألفَ ساريةٍ

وألفَ محجَّةٍ دمويّــــَةٍ

وعلى رُبى جسديكِ تولـدُ ألفُ ألفِ حكايةٍ

تَــهَــبُ الزَّمانَ، وظلَّ هذا الــــوَطَـنِ المنكوبِ

أطـــــــــــــــــــــفالاً

من الإصـــــــــرارِ

                والإيـــــــــمانِ

                        والــــــــــلاءاتِ

                                والزَّعْــــــــــــــــــتَـــرْ

بيـــــــــــــــروتُ الــــــــــــــــــــدّم

لِــسَــيِّــدَةٍ تسْــكُــنُ البحْـــرَ

كان غناؤكَ ديوانَ شعْـــرٍ

إذا اشتعلتْ فيكَ كلُّ المــرافئِ،

                       كلُّ المنَـــــــــافي

وكلُّ البحارِ استحالتْ مع الفجْـــرِ أسرابَ طيْــرٍ

تُـــغَــادِرُ وحْــشَــتَها وتسَافـــرُ في الجُــرْحِ ،

في القلْـــــبِ، فوَّارةً من دماء الـــــــــغرابــةْ

لسيِّدةٍ أسرجتْ حلْــمَــهَا البدويَّ المجنَّحَ

تعزفُ لحنكَ ديوانَ شعْـــرٍ

وتبكي على صَــدْرها الغضِّ

حين استلمتَ مفاتـــحَ قصْـــر الكتابـــةْ

وتأشيرةً للدُّخولِ إلى سيّــــدِ الأزمنـــــةْ

من اعتقلَ النَّــهْــرَ ؟

مَـــــــــنْ قيّــــَد البحْـرَ،

والبحْــرُ يا صاحبي سيّـــدُ الشعراءِ؟

مـــن رمــــى جــــــــــسَــــدَ النَّخْلِ

واحتـــجز الســــــَّعفَ الجارحَ

المتلفِّــعَ بالجرْح والكــبـرياءِ

ومــن أجْهضَ الأحْصــــنـــةْ ؟

*  *  *

لسيّــدةٍ تسكُــن البحْــر

كان نشيدُكَ ســــــــــــيْــفاً

هــــــــــنا  رايـــــــــــــــــــــــةٌ

                بـــــــــــــــــيرقٌ

                             وبـــــــــــــنادقُ

يا صبوات الخليج المقنَّع بالنَـــفْــــــطِ

يا صهوات المحيط الملفَّع بالقحْــطِ

صُـــبي اشتهاءكِ

             في زمــــن الذَّبـــــــــحِ

هذا اشتياقي إلى الوصلِ

هذا انعتاقي من الفصلِ

واللَّحظة الواجفــةْ

إذا حانَ موعدكِ الصَّــعْــبُ

تنفتحُ القنوات، السهوب، المنافي، الفيافي،

البحار استحالتْ مع اللَّــيْــلِ... مــــــــــــاذا إذنْ ؟

ســـــــــــــــــــــنْبلــةْ ؟

        قنبـــــــــــــــــــــلـــةْ؟

                     وردةً؟

                       مقصــــــــــــــــــــلـــةْ؟

تتحوَّل كلُّ المتاريــــــــــسِ

أعمـــــــــــــــــدةُ الكهرباءِ،

القماماتُ والشــــــــــَّــجَــرُ

                            الحَــجَــــــــــــــــرُ

                                        القبَّـــــــــــراتُ

الأفــــــــــاعي، الشَّـــــــــــــحاريرُ

 والنَّحلُ والخيلُ واللَّـــــيلُ ،

والخبزُ يبحثُ عنْ جائِــــعٍ

والصبيُّ الذي ظل يــبْـحَثُ عن كسرةٍ يبستْ

وفلــــــــــــــــسطينُ

        ثمَّ الخــــــــــنادقُ

                ثمَّ الحـــــــــــــرائقُ

                               والْـــ …

تتحولُّ كلُّ الــــسّـــــــنابـــــــــلِ

        كلُّ القـــــــــــــــنابــــــــلِ

كلُّ الجيادِ الجريحةِ

كلُّ البلادِ الكسيحةِ

كلُّ الجبالِ …

رجالاً تقاتلُ في خندقٍ واحدٍ …

ثمَّ يشْــتعلُ القلبُ بالفَــرَحِ المتوحِّــشِ

                والوحْــــــشَـــةِ الزّاحفَــــةْ

لسيَّـــدةٍ تسكنُ البحْــــرَ

أعْـــلِــنُ أنّي تجرَّدتُ من كلِّ ثوبٍ مخيطٍ

                  ولا أرتدي غيرها....

إنني العاشقُ اللاَّبسُ الموت

            والرَّعشة الأبديَّـــةْ

وأنا لا أرى غير أفئدةٍ مطفأةْ

لسيدتي الغجريَّةِ –قامتْ قيامةُ كلِّ العواصمِ

حتماً سترحلُ كلُّ العواصمِ عنْ صمتها

ثم تبْــقى - على العُــرْي -  بيروتُ سيِّــدَةَ المدنِ العربيَّــةْ

أنا لا أغـــــنِّي

ولكنني أنسجُ الآنَ من حَــزَنِ البحْـــرِ

من صلواتِ الجبالِ رداءَ امرأةْ

تتمدَّدُ بين محيطينِ،

مرَّت عليها سنابكُ خيلِ المغولِ

فلم تتألَّـــمْ ولا فقدتْ وجهها المستنيرَ

ومرَّت عليها سنابك خيلِ ملوكِ الطّـــوائفِ

فانتفضتْ ..

جرَّدوها من الدفءِ يا ويلتا

أوقفوها على شفةِ الــــرُّوم عاريةً

فمن خبَّأ الحُـــزْنَ خلْــفَ المحاجرِ ؟

                        من خبَّأه ؟

لسيدةٍ تسكُــنُ البَــحْـــرَ

أورقتِ البندقيَّةُ حُـــزْناً

وحزْنُــــكَ هذا يُــبَــشِّرُ بالعاصـــــفــةْ

ديسمبر 81

السُّــــــــــــــــــــــــــــــــنْبلة

توهَّجْــــتِ أيَّــتُــها المــــــــشْتهاة

وأشرقْــتِ في دَمِـــنَــا والصَّلاة

أتيناك سعياً حفاة عراة

أتَــيْــنــــــــــــاكِ هــــــــــرولـــــــةً نتفيَّأ تــــــــحت ظــــــلالكِ

نشربُ من ســـــــــــــــبحات جمالكْ

ملامحُ وجهك تتَّضحُ الآن أكثَـــرَ

تخرج من لَــوَحَاتِ بيكاسو

وتُــــنْفـَـخُ فيها الــــــــــــحياةُ

فتخضرُّ في دمنا الكلماتُ

نـــــــــــعم ! حدثتني الأعاصيرُ

أنّــــك مقبلــــةٌ مقبلَــــــــه

وأنك عاشقـــــةُ البحْــــرِ

حاملةُ الغيْــــــثِ للسُّــنْــبُــلـــة

1401/1981

أوان الشّـــــــــــــــــــدّ !

تُـــرْسِـــلُ الرِّيـــحُ وصْـــلَــتَهَا البِــكْــرَ

بين الهزيع الأخيرِ

وبين تنفُّــسِ صبحِ الحساسينِ

هل تعْــجِـزُ الرّيحُ عن محو ظلِّ الحكاياتِ

                         إذ تتنقَّـــلُ بين نساءِ المدينةِ ؟

                         أو تتحرَّكُ في البَــلَــدِ المَـــــيْتِ ؟

-  يا بلدِي !

لا تكنْ  آيساً، فالرياحُ لواقحُ

والشهداءُ يعودونَ في زمَـــنِ الغَــيْــمِ

والأدعياءُ يموتُــــون منْ غيظهِمْ

                      واحــــــــــــــــداً

                     واحـــــــــــــــداً

والمساكينُ يتخذون الأسنَّةَ أوطانهُمْ

والشموسَ منافيَ

يسأل نجْـــمٌ :

ألم يانِ، بَــعْــدُ، أوانُ السّـفَـرْ ؟

عاصِـــفٌ ذلك المنتظَــرْ 

بالذي كان يرسم في الماءِ

ما ينقش الموج فوق الحجَــرْ

عاصفٌ بالذي كان يعزف لحْـــنَ الولاءْ

للذي يستجيرُ الرَّصاصُ به

ثم يطلقُـــهُ –حين يطْـلِـقُـهُ – للوَرَاء

عاصفٌ برقابِ الـعَــمَــائمِ

لا تشهرُ السَّيفَ بالحقِّ في أوجهِ الأدعياءْ

                       ************

-  نحنُ نجْــنَــحُ للسّــلْــمِ

(ها قد أتوا يحملونَ المصاحفَ فوق الأسنَّةِ،

                           تلهجُ أنيابهم بالدعاءْ

إنـــــــــــــــــهم عائدونَ ليُحْــمَـلَ رأسُ الحـــــــــسينِ

على رأسِ رمــــــــــــــــــــــــحٍ

        يعودونَ يا كربــــــــــلاءْ )

-  نحن نجْـــنَـحُ للسّـلْــمِ

-  ها إنَّهمْ أجمعوا أمْــرهُمْ

وغدا الركب أسفلَ منكمْ

ألا فادخلوا زَمَـــنَ الشَّــــدِّ

هيَّا ادخلوا في الوغى آمنــــــــــــينْ.

أوراق مهرّبةٌ من زمن الحصار

الورقة الأولى { من ديوان أبي الطيب }

أنتَ طـــــــــــــول الحياةِ للـــــرّوم غـــــــــــازٍ

فمتـــــى الوعْــدُ أن يكُــــون القُفُــــولُ؟

وسوى الـــــــرّوم خلْـــف ظهِـــــــرك رومٌ

فعَــــــــــــــــلى أيِّ جانبـيْـــــــــــــكَ تميــــــــــــــلُ

ما الّــــــــــــــــــــذي عنْـــدَهُ تُــــــــــــدارُ المنَــايا

كالّـــــــــــــــــــــــذي عنْــدَهُ تُــــــــدارُ الشَّــمُول

الورقة الثانية

 يتطاولُ اللَّـــيْــلُ الـــمُـسَرْدِقُ في القلوبِ وفي العيون

ويَـؤزُّنا أزّاً كنَــار الدَّمْــعِ في الأحـــــداقْ

أو كاشْــتعالِ الشّـــوقِ في الأعْـــــمَــــاقْ

وحبالُ رحلتنا تَــطُولُ كأنَّـما الصَّبر الخـــــــؤونْ

سيْـــفٌ بكَـــفِّ الجُــنْــدِ يشْــرَبُ دَمَّنَـــا المسْـنُونْ

دمُّونُ إنّـــا معْــــــــــــــشَـرٌ لا نُــسْـلِـمُ الأصْحَابَ

                في النّـــعْمَى وحينَ البَــأْسِ يا دَمُّــوْن

لا نرفَــعُ الرَّايات غَـــــــــــدْراً للأحِـبَّـــةْ

ضاقتْ بنا الأرض الفسيحةُ

             أو غَــدتْ كالأفْــقِ رحْــبَــةْ

لا نُــسْـلِمُ الأحبـــابَ للبيْــداءْ

ولَـوَ اَنَّهُــمْ جَلَــبُوا بخَــيْلِهِـمُ ورَجْـلِهِـمُ عَـــــــــلَيْنَا

وَلّـوَ اَنَّنَـا مِـنْ نارِ أعْــيُـنِهِمْ جُــرِحْنا، واكْـتَوَيْــنَا

إنَّـــا على حدِّ السُّــيوفِ تسِــيلُ أنْــفُــسُــنَا

فآهٍ ثمَّ آهٍ يا سُــيُــوفَ الإخْـــــــوَةِ الأعْــــدَاءْ

الورقة الثالثة

هلْ ناصَـرُوكَ وآزَرُوكَ ..

          كما تُـــردّدهُ الإذاعــــــــةُ والجريـــــــدةْ

أم حاصـــــــــــــروكَ ..

         وأسْــلَــمُوا للــرُّومِ قلْـــعَــتَــكَ العتيدةْ

قد غيَّبوكَ وغيَّبُـــوا الأنصارْ في (أنْــــــــــــصَــارْ)

يا أيّهَــذَا الفَــارِسُ الموسومُ بالإيمانِ، يا حلماً فلسطينِي

عَـلَّـمْــتَـهُمْ كيفَ امْــتشَاقُ السّـيْـفِ،

كيْــفَ يكُــونُ لَــوْنُ الموْتِ أخْــضَــرَ

في سبيلِ الأرضِ والشَّــعْــبِ المطَــارَدِ والعقِـــيدةْ

كيف اجْـتراحُ الصَّحْــوِ، كيف سموُّهُـمْ عَــنْ وهْــدَةِ الطّــينِ

لكنَّــهُـمْ عند انبلاجِ الفَــجْــرِ ولّــوا،

بعْـــدما سَــــنُّـوا الحِرابَ وأضْــرمُــوا في راحتيكَ النَّارْ

الورقة الرابعة

حَـــذَارِ حَــــــــــــذَارِ، لا تُـسْــلِـمْ سِـــلاحَــــكْ

ولا تُـــسْــكِــنْ –على البلْــــوى – ريَاحَـكْ

سَـــــــــــــــبِــيــلُـكَ ؟ مُــرْهَـــفَــاتُ الغَـدْرِ فيهــَا

تَـــــــــــــوَدُّ، تَــــــــــوَدُّ لَـوْ قَـعَـصَـتْ رِمَــــــــاحَكْ

فكُــنْ فَـــرســـــــــاً جَــمُوحــاً، ثُّـمَّـتَ اجْـــعَلْ

جميلَ الصَّبْـــــرِ في الهَـيْــجَا وشَـــــــــــــاحَــكْ

كُــنِ السَّـــــــــــيْـفَ انْـتُـضِـي، وجَــناحَ نَـسْـــرٍ

إذا نَــزَلَــتْ بُــــــــــــــغَاثُ الطَّــيْــرِ سَـــــــــــاحَكْ

الورقة الخامسة

(أمِــنَ ازديارَكَ في الدُّجَــى الــرُّقَــبَــاءُ )

إذ مثْــلَــمَا قدَّامَـــكَ الأعداءُ

مــــــــــــــــن خلْــــــفِــكَ الأعداءُ

وعليٌّ بْــنُ مُــحَــمَّــدٍ يُــزْجِــي الصُّفُــوفَ،

مطالباً بدَمِ الحُـسَـيْـنِ جَـهَــارَةً

ويراسل الأعداءَ في جُـنْـحِ الظَّلامِ

ويُــذَبِّــِحُ الأنْــصَارَ في البَــلَــدِ الحَــرامِ

(الطّـــالبونَ دَمَ الحُــــــــــــسَــيْــنْ

ذَبَــحُوا الحُـــــــــــــــسَــيْنْ !)

يا أيُّها السَّـيْـفُ النِّـــزاريُّ المرصَّعُ بالكَـرامَــةْ

جــــالدْ وقُـــــــــــلْ : في هذه الأرضِ القــــيَــامَـــةْ

ميِّز عدوَّكَ، أيُّها السَّيفُ المرابط ُفي الهجيرِ، من الصَّـدِيقْ

واحذرْهُـمُ أن يفْــتِــنُــوكَ عــــــــنِ الطَّـــــــــــريقْ

يا أيُّها السَّــيْــفُ المـــُـــــجــــَــرَّدْ

في كفِّ شعْــبِــكَ، أيُّــها السَّيــفُ المشَــرَّدْ

كالنَّسْر من منفىً إلى منفىً، ومن بحْــرٍ إلى بـحْـرِ

(البحْــرُ مـــــــــــنْــفَى

        والمنافي شـــــعْلةٌ تَـَهْــدِي إلى النَّصْــرِ )

لا تبْــرَحِ الأرضَ التي قد أرضَـعَــتْكَ لِــبَانَها

                                               لا ترتـــــــــحلْ

وأقولُ : يا ســــــــــيفي النّزاريَّ اشــــــــــتعلْ !

هذي مآذنُــنَا تُــقاتِــــــــــــلْ

فيقول لي : لولا الصِّغارْ

لولا اشتعالُ الجلَّنارْ

لولا البلابلْ

لولا الخُــزامى والسنابلْ

لولا عجوزٌ أبصرت فِــــيَّ ابْــنَــهَا المأسورَ

                                 في بَـــرِّ الشَّـــــآمْ …

وأنا بصُــرْتُ بصوتِــها خَــلَـلَ البلادِ مجَـلْـجِلا :

                                ولدي الحبيـــــــــــــبْ !

لــــــــولا  نــــــــــوارْ

تلك التي فقَـــدَتْ أخاها في الجنوبْ

ووحيدَها في التّـــلِّ إذ هجم التَّتارْ

……………….

……………….

……………….

لكنَّ لي في كل عامٍ رحلةً وتشَـرُّدا

وكأنَّني جوَّابُ أوديةٍ وآفــــــــاقٍ

           ولي في كل عامٍ غـــربةٌ،

متأبِّطاً ســــــــــــــــيْـــفي

         ودَمِـــــــــي على كــــــــــــــــفِّي ! !

الورقة السادسة

هبَّتِ النَّارُ على الأحْـرُف، فالأحرفُ نــــــــــــارُ

يـــــــسقط الآنَ الحصارُ

لا تــقلْ : نحْـنُ انتهَـيْـنَا

إننا نبتدئ الآنَ، وفوقَ الجُـرْحِ نَــوَّارٌ وغَـارُ

إنَّــنا نفْــتَـحُ بوَّابةَ تاريخِ فلـسطينَ المجيدة

إنَّــنا نَـرْفَـعُ، باسمِ اللهِ، فَـوْقَ السُّور والصَّخْرَةِ

                             والقبَّةِ والقُــدْسِ العتيدة

راية التَّــوْحيدِ والعودةِ

           فاقرأْ سورةَ الفتْــحِ، لقــدْ حُـــــــــــمَّ القَــــــرارْ

وسوم: العدد 720