الحكيم

بدا على الشيخ نصير كأنه ينتظر شخص ما , جلس تلميذه بقربه , حالما وصل الحكيم الذي كانا ينتظراه قال الشيخ نصير :

-         هيّا بنا !.  

تقدم الشيخ نصير يعقبه تلميذه , بينما اختار الحكيم ان يسير خلفهما , طالما دفع الفضول الحكيم ان يطلع على اسرار الشيخ وكيفية تربيته لمريديه وتلامذته , فأختار السير بالخلف كي يتمكن من مراقبتهما بوضوح , وفضل ان يتحلى بالصمت طول الرحلة.

ألتفت التلميذ للحكيم الذي يسير ورائه , قال له :

-         طالما وانا أشايع استاذي الشيخ فأنا شيعي!.  

فضل الحكيم عدم الرد , لكن التلميذ غره صمت الحكيم , فأردف:

-         طالما وانا اسير على خطا شيخي مستناً بسنته , فهل أنا سني؟!.

لم يرد عليه الحكيم ايضا , أنزعج التلميذ لصمت الحكيم , فاردف :

-         شيخي نصير .. فأنا نصيري ! .   

لم يتسنى له ان يزعج الحكيم اكثر من ذلك , فقد وصلوا الى جبل كبير , في وسط الجبل بوابة كهف , ألتفت الشيخ نصير لهم قائلا :

-         الدرس الاول : لا يغرنك هول الصعاب .. بالتفكير الهادئ يمكن ان نذللها. 

أقترح على الحكيم ان يتسلق اكتاف التلميذ الشاب مفتول العضل , وبالتالي تسلق الشيخ نصير عليهما حتى وصل الى بوابة الكهف , ربط حبلا على صخرة ما , وناولهما الطرف الاخر من الحبل , فتسلقا , ودخلوا في الكهف جميعاً , حتى خرجوا من الناحية الاخرى , مقابل جبل عظيم , يمكنهم تسلقه , فالصخور بارزة , لكن بمشقة وعناء , وصلوا القمة , وأطلوا على جبل اخر , تسلقه عبر طريق ضيق , أقل خطأ يمكن ان يودي بحياة احدهم , لكنهما طالما يتبعان خطا الشيخ فلن تزل قدم احدهما .

ساروا جميعاً بحذر تام , حتى وصلوا القمة , فاذا هم بهضبة واسعة , ساروا فيها مستكشفين كل شبر فيها , حتى توقفوا على نهايتها من الطرف الاخر , اكتشفوا انها تطل على نهر جميل , ومناظر تبهر الانظار , جلس الشيخ نصير ليستراح قليلا , وجلسا بدورهما حوله , بعد فترة من الزمن , نهض الشيخ نصير وألقى نظرة الى أسفل , بدا كأنه يبحث عن مكان ما للنزول , لكنه لم يجد :

-         لابد من وسيلة ما تمكننا من النزول الى هناك والاستمتاع بذاك النهر وما حوله من الاشجار لعلنا نصيب منها فاكهة لذيذة ! .    

بحث الجميع عن مكان ما او ايجاد طريقة , لكنهم لم يجدوا , لكن اليأس لم يصب الشيخ نصير ويقي مصراً على ايجاد مخرج , أثناء ذلك , لاحظ ارتفاع  الغبار من احدى الجهات القريبة :

-         أنظروا هناك !.

-         ما هذا يا شيخ؟.

-         انه قطيع من حيوانات النو .. لابد وانها عطشى وتريد ان تشرب .. بالتأكيد انها تعرف الطريق الى ذلك النهر ... فلنتبعها !. 

تبعوها بهمة بالغة , بعجلة , خوفاً من ان تسبقهم فيضلوا الطريق مرة اخرى , حتى اذا ما وصلوا , شاهدوا قطعان النو تلقي بنفسها في النهر من شدة العطش , كمنوا هم في مكان ما بين الادغال , الشيخ نصير وتلميذه بديا مرتاحين , لكن الحكيم لم تبدو عليه علائم الارتياح , كان هناك ثمة ما يقلقه , أخذ يتفحص المكان من حوله , لاحظ اشياءً غريبة , ثمة خطر , خطراً كامناً بين الادغال , رأى عدة سباع تحيط بهم , مختبئةً بين الاحراش , أخذت عليهم جميع الجهات , وتعذر عليهم المفر , ألتفت الحكيم الى الشيخ نصير قائلا وكانت هذه اول مرة يسمعا صوته , فلم ينطق قبلها أبداً :

-         حيثما سارت قطعان النو .. تبعتها السباع .. لقد أجلستنا في المكان الخاطئ .. يا شيخ !.

 

وسوم: العدد 774