البرميل الرابع

د. أسعد سعود

شاهدت صورة لطفلة تنبض بالحياة الحقيقية ، وجه جميل رباني الملامح ، قمري التوهج يتوسط ثناثر شعر معفر حالك السواد من كل الجهات ، بدر في ليلة تحكي قصتها بتلقائية وعفوية من دون أشعار ولا قصيد ولا سمار ولا رائحه قهوة مغليه مقهورة ، عيونها شاردة لا تعرف مكان تحط عليه ، ثغرها الطفولي ، الحيران يبعث أنات مختلطة بين البكاء وأنين الألم وابتسامة شاردة كأنها ترحب بمن حولها ، ذهول مسيطر على أدراكها ولا تقوى على تثبيت النفاقات رأسها بإتجاه واحد .

لا تظهر من الصورة إلاّ كفين أبيضين  تمسحان بقطعه قطن ، ما تراكم على وجهها وما غطى ملامحة الوضاءة من دماء مختلطة بالأتربة السوداء المحترقة .

وفي آخر زمن للصورة الملتقطة ، رأيت يد ثالثة تمتد لرأس الفتاة الطفلة وتمسح خصلات الشعر المتناثرة بحنية واضحة .

لم أستطيع البقاء في المشاهدة لرؤية أو سماع آخر ما تناهت إليه حالتها وحال المكان الذي انتشلت منه من بين ركام هائل أحدثته ثلاثة براميل مجرمة مدمرة اقتحمت به صباح هذا اليوم هادفة به كل ما يبت للحياة بصلة .

وأنا مسرع الخطي كنت استجمع كلمات الشوق لدقائق حرجة اغتنمها وأسابق بها الزمن لرؤية هذه الطفلة حية ترزق ،وأردت بيني وبين نفسي أن أسألها بعضاً من الأسئلة المقتضبة والسريعة .

نعم ليست هي بالأسئلة المعتادة ، هي كلمات في حقيقتها خفيفة دمثة غير ثقيلة الوقع ولا  سمجة أردف بها استشفاعاً بأن تكون أجوبتها غير مكلفة ولا صعبة ولا تتطلب جهداً ولا عناء بالرد عليها ، أكتفي بكلمة واحدة قليلة الأحرف وربما من حرف واحد أو حتى بالإشارة أو الأيحا ء أو بهزة من رأسها المصاب المتعب .

حاولت تأنيب نفسي على ما كنت أفكر به وما كنت أريده ، وقلت لها ربما يكون السؤال أي سؤال هو صعب  و ثقيل جوابه ، و لفظة يكون مثل قفزاتي وأنا أركض من بين ركام الأبنية والأزقة المهدمة Kمن ذات التدمير المبرمج الذي بدأ بها منذ زمن ليس بقليل .

كيف لي أن أسالها ورأسها الصغير الجميل كان قبل قليل يحمل  من فوقه مئات الأطنان من  انقاض الابنية والبيوت التي وجدت طفلتنا حية تحتها ، بل وكيف لي أن اسمح لنفسي مرة أخرى أن أرفع صوتي أمامها وأذنيها قبل قليل قد اسقتبلتا صوت دوي هائل لا  تتحمل قوته أي من الكائنات  بشرية كانت ام حيوانية ، وربما وهذا هو المتوقع أن تكون جميلتنا قد فقدت سمعها أو حتى بصرها وأضف أن تكون قد فقدت قدرتها على الكلام نهائياً .

وكان آخر تحرير لسؤال أسالها إياه وأقول لها أو أطلب منها ولو بالإشارة ، أن مدي  الي يديك ، حاولي ببطئ و بلطف مسك يدي  ، أر يد أن أطمئن على سلامة حركتها وقوة إرادتها الضعيفة وكل هاجسي وأمنيتي أن تكون سليمه غير مصابة بأي كسور أو جروح بليغه في أي من إنحاء جسمها الطفولي الغض قد يشل من قدرتها على الحركة وهذا متوقع جدا في مثل هذه الحالات!!.

رحماك يارب الأرباب ، استعين بك لا بسواك يالله

لم أرى سوى خيالات تهيم من أمام عيني ، وبعد جهد متفاني وسط الام لا أقوى على تحملها يعج بها كل جسمي .

رأيت من عمق ما تبقى من بصري  ذات الكفين الأبيضين وهما يمسحان وينظفان بالقطن والمطهر عيوني وبقيه وجهي وما عفر  به رأسي كله من دم  عرفت   طعمة  المخلوط بالتراب المحروق بفمي !!.

سمعت وبصعوبة بالغة ممن كان حولي يقول لي:

_ لولا انك كنت تركض لما سلمت من البرميل الرابع.!!؟