شيخٌ مخرّفٌ

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

ما أجمل هذين البيتين وأصدق قائلهما ولعله الإمام الشافعي رضي الله عنه :

مرض الحبيب فزرته               فمرضت من حزني عليه

جاء الحبيب يعودني               فشفيت من نظري إليه

وكثير من الصحابة رضوان الله عليهم يمرضون، فيعودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويدعو لهم، فيشفيهم الله تعالى ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم ، ولكنّ بعض الناس – إذ يمرضون – تضيق أخلاقُهم، وتسفُه أحلامهم، فيتفوهون بما لا يجوز، ويتكلمون بما يضرّهم.

فمثال الأول سعد بن عبادة، جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم  يعوده وكان مغمىً عليه، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، ووضع يده الشريفة على رأسه ،فكأن المرض زال عنه، وسرّ سعد لرؤيته النبيَّ صلى الله عليه وسلم  ولدعائه له بالشفاء.

ومثال الثاني رجلٌ يدخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم  يعوده، فلما جلس إليه دعا له فقال: ((لا بأس طهورٌ إن شاء الله))، دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  يُهدى لهذا الشيخ العجوز، فتفتَّح له أبواب السماء لتصعد إلى المولى تعالى، فتنزل بالقبول والشفاء، فما أعظم أن يدعو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فيلبي الله الكريم دعاءَه.

وشاء سوء حظ هذا الشيخ أن يأبى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم  له بالشفاء: تقول طهور؟ (والمقصود بهذه الكلمة أن الله تعالى يطهره إن صبَرَ على المرض وألمه من الذنوب والآثام) قالها مستنكراً، ثم أردف قائلاً: بل هي حُمّى تفورُ أو تثور، على شيخ كبير، تُزيره القبور!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعم)).

إنه يستحق ذلك، رفض الدعاء بالشفاء لقلّة صبره، وادعى أن هذه الحمى لن تتركه، بل إنها تزداد وتزداد حتى تقطع أنفاسه وتورده الموت.

فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم : ((نعم))، دعاءً. كانت السماء مفتوحة الأبواب، فارتدت الدعوة الأولى- هذا ما كان-  وارتفعت الدعوة الثانية، فجاءت كلمة المليك في السماء موافقة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم،  

ماتَ الشيخ... ماتَ داعياً على نفسه بتأمين الرسول عليها وأمْرِ الله بها.

فليدعُ الإنسان بما ينفعُه وإخوانه ولا يضرُّ نفسه ولا يضرُّ إخوانه.

     البخاري مجلد 2 جزء 4 ص181