أبحث عن وطن!

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

.. هي هناك شعرها كخيوط الرّيح يسافر إلى سوريا و إلى تركيا قادما من بغداد وكان يريد لبنان.. لهب الشهيلي يصرع والعرق يجري والأجساد تنضح وترزح تحت هموم الإغتراب وفرح الاقتراب.. سمراء تراقب السماء عيونها واحة ليست خضراء وليس فيها نبع ولا ماء لكنّها كانت فيحاء ظلالا وارفة.. سألتني عن وجهتي؟..

فقلت..

  ـ أنا عربي فقدت قبلتي وأضعت كعبتي.. كلّي وجع وهموم أبحث عن "غصون"!.. عن بلدي وعن وطني!..

فنظرت في وجهي وقرأت كلّ ما كتب في عيني .. ثمّ قالت..

  ـ مسكين أنت يا عربيّ.. مسكين أنت تضلّ بجانبي وتسافر دون أن تدرك معنى أنّك عربيّ..

فضحكت وحسبت أنّني بكيت وأبكيت..

قلت..

  ـ مسكين أنا ومسكينة أنت ومساكين نحن بلا علم ولا نشيد و لا حتّى كفن..

فتبسّمت فجرا حزينا و أقبلت نورا غريبا ثمّ قالت همسا عجيبا..

  ـ مساكين.. ساق عرجاء ويد شلاّء و عين رمداء ولسان حيّة رقطاء.. الخيانة دمنا والنفاق ديننا.. عرب أيتام رعاة إبل وأغنام.. أموالنا مسروقة وحقولنا محروقة.. لا غاية ولا هدف.. نجمّع المحار والصّدف.. نترك الحياة للصدف لا غاية معلومة و لا هدف..

  ـ نسابق الرّيح وقلوبنا رماد.. نزرع ولا نزرع ونجني ما نزرع فقر وعذاب.. ضباب وسراب..

  ـ يا عربيّ الطّريق بعيد والسفر طويل وأنت متعب جريح.. نم وأحلم بوطن في حضنه تستريح.. تعال جنبي!.. تعال قربي لعلّك تجد فيّ "غصون"!..

أخذتني..احتضنتني وداعبت شعري ونمت أحلم بوطن لا يشبه وطني.. 

  ..أفتح النافذة وهج القيلولة يشوي الوجوه..أغلقها وأسدل الستارة.. تصفيق وتصفير و زعيق مسرحيّة فاشلة.. درجة رابعة تافهة وساقطة.. واحد يتبوّل وآخر يتغوّط .. لم يعد المكيّف يجدي نفعا.. أشرب ماء أزداد عطشا.. أشرب عصيرا أزداد عرقا ولهثا.. أغمض عيني قليلا.. تفتح الدّنيا أمامي قلعة مهجورة مقبرة معمورة.. أسترخي لحظات تنتفخ أوجاعي تنتشر الصحراء أمامي صفراء قاحلة.. صمّاء قاتمة.. جرداء قاسية.. أسير وحدي أتعثّر في ظلّي يشتمني ظلّي ويصرخ في وجهي "هل ضاقت بك السّبل" فيتركني ويمضي.. أتشبّث بنفسي أتسلّق أكوام الرّمال أغوص و تغوص قدماي في الأرض أصير نخلة.. أصير سدرة.. أصير خشبة ملتهبة في أرض مغتصبة.. أصير موجة هاربة أو دمعة باردة.. الشّمس تطعن قلبي وتطحن عيني وتنزع الشوى عن رأسي.. أنظر حولي وكلّ من حولي في غيبة.. في غياب.. في ضيعة وضَياع وارتياب.. مقرفون.. متعفّنون.. ساهمون.. سامدون.. سادرون..

ويأخذني النّعاس... ولا أدري أين وطني؟!...