إسرائيل ستنفذ صفقة القرن منفردة بقلم

ينذر تشكيل اللجنة الأميركية _ الإسرائيلية  لتدارس إجراءات تنفيذ صفقة القرن بأن إسرائيل ستنفذها عمليا منفردة دون أي اعتبار للموقف الفلسطيني ، وفي هذا قال نتنياهو إن الموقف الفلسطيني ليس مهما ، وإن المهم هو الموقف الأميركي . وليس في سلوك إسرائيل أي مفاجأة ، ومسوغاته عميقة في المشروع الصهيوني الذي لا يرى للفلسطينيين أي حق في هذه البلاد ، وتارة ينكر وجودهم ، هكذا بكل صفاقة وتعامٍ ، وتارة يستسهل التخلص منهم . وفي اتفاق أوسلو ، وهذا إثم عظيم اقترفه المفاوضون  الفلسطينيون ، لم تعترف إسرائيل بأي حقوق للفلسطينيين في الأرض ، وكل ما اعترفت به تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لهم بهدف محدد ، هو إيجاد جهة فلسطينية تعترف بشرعية استيلاء إسرائيل على 78 % من فلسطين التاريخية ، والباقي ، الضفة وغزة ، أراضٍ متنازع عليها يتقرر مصيرها في مفاوضات لاحقة ، والاعتراف الفلسطيني الخطير الحاسم بشرعية استيلاء إسرائيل على هذه المساحة الكبرى من الوطن الفلسطيني كان هدفا مركزيا ومصيريا في المشروع الصهيوني أوجزه بن جوريون في قوله: " لا قيمة لانتصاراتنا عليهم ما لم نحصل على توقيعهم " ، وهو ما حصلوا عليه  في أوسلو بأبخس ثمن : الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا للشعب الفلسطيني ! أي الاعتراف بطرف يوقع على التنازل عن الحقوق الفلسطينية . وانسجاما مع مسوغات المشروع الصهيوني العميقة استغلت إسرائيل الأعوام الستة والعشرين التي تلت اتفاق أوسلو في توسيع الاستيطان في القدس والضفة ، وتملصت من أي مفاوضات جادة صادقة النية للتوصل إلى حل نهائي تقوم بموجبه دولة فلسطينية في الضفة وغزة بصفات معقولة تجعلها قابلة للحياة ، وأكثرت من الحديث عن غياب شريك فلسطيني يصنع معها السلام ، وهذا الادعاء أيضا لا مفاجأة فيه لكونه ضلعا في المثلث الذي حدده الصهاينة لقيام دولتهم وبقائها ؛ مثلث " القوة والسياسة والخديعة " ، ويجب أن نعترف بأنهم منسجمون  دائما مع قناعاتهم ومخططاتهم ، ولا يتركون أي ثغرة بينها وبين أفعالهم . وعند انسحاب إسرائيل من غزة في 12 سبتمبر 2005  لم توقع  أي وثيقة مع السلطة الفلسطينية في شأن الانسحاب ، ولم تطلب منها سوى تأمين ظروفه حتى لا يتعرض مستوطنوها وجنودها لأي مهاجمة أثناءه . وسر عدم توقيع أي وثيقة أنها وفق مسوغاتها العميقة لا تعترف بأن   غزة محتلة إسرائيليا   ، وأن انسحابها منها لا ينفي تبعيتها لها مثل بقية الأرض الفلسطينية ، ولا يؤكد ملكية الفلسطينيين لها ، وأن الباب مفتوح أمامها مستقبلا للعودة إليها متى تهيأت الأحوال لهذه العودة . إنها تراهن على المستقبل مهما كان بعيدا ، فما بيننا وبينها صراع وجود ومصير ، وهي تعلم هذه الحقيقة ، وتتصرف بتأثيرها . وكل خطوة في ميقاتها  المناسب . وهذا ما تحقق  الآن في الضفة في زمن  إدارة أميركية تقدم الأرض العربية في سوريا وفي فلسطين هدايا مباحة لإسرائيل ، وفي زمن انهيار العالم العربي انهيارا غريبا خارجا عن كل قوانين تاريخ المجتمعات والدول لم يتوقعه لا الحالمون الصهاينة ولا المتشائمون العرب . فلم تكن صفقة القرن ، في هذا الزمن ، مفاجئة في بنودها ، ولا في خطوات تنفيذها التي قررت إسرائيل القيام بها عمليا منفردة . وفي نيتها الضم النهائي للضفة ، ولم يخف نتنياهو هذه النية ، وتحدث عنها أكثر من مرة ، آخرها  منذ أيام . ولا زالت السلطة الفلسطينية أسيرة خرافة نفع المفاوضات مع عدو يتجاهل شعبها ويتجاهلها إلا في وظيفتها الأمنية التي مكنته من توسيع الاستيطان في الضفة توسيعا لا رجعة فيه ، وينذر بالاستيلاء سياديا على كل الضفة ، وتستعين بالعلاقات العامة في استجداء التفهم الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية ، ولبيان حسن نيتها ، فتعقد في أسبوع واحد اجتماعا في الداخل الفلسطيني وآخر  في رام الله مع إسرائيليين ، بينهم مستوطنون ، لبيان وجهة النظر الفلسطينية في صفقة القرن ، وربما الأمل في كسب تعاطفهم مع هذه الوجهة . ولا فائدة من هذا الأسلوب مع من يستولي على الأرض بالقوة المسلحة ، ويفعل بها ما يريد منفردا ، وهو ما فعلته إسرائيل دائما ، وتنوي هذه الأيام أن تفعله تنفيذا لصفقة القرن التي منحتها الإدارة الأميركية شرعية عدوانية لتنفيذها ، وعينت سفيرها في إسرائيل ديفيد فريدمان رئيسا للجانب الأميركي في لجنة تدارس إجراءات التنفيذ ، وهذا تصرف لم يعرفه تاريخ الدبلوماسية ، وأقدمت عليه أميركا استجابة لإرادة  إسرائيل ، واستهانة مارقة بالفلسطينيين والعرب . الشعب الفلسطيني غاضب غضبا عارما من موقف السلطة إزاء الطغيان الإسرائيلي والأميركي في وأد حقوقه الوطنية ، وعلى السلطة أن تحذر عواقب هذا الغضب الذي يتفجر الآن في تجليات كثيرة ، والآتي من هذه التجليات  لا يتصوره إلا قلة .

في فلسطين التاريخية 7 ملايين ، أكثر من اليهود ب 200000، وهؤلاء لن يمكنوا أحدا من لفظهم خارج وطنهم التاريخي ، وفي الخارج أكثر من 6 ملايين فلسطيني في جيناتهم صوت دائم يذكرهم بأنهم فلسطينيون ، وفي قلوبهم حلم صلب متجذر بأنهم إن لم يعودوا مع أبنائهم إلى فلسطين فسيعود أحفادهم .

وسوم: العدد 864