إبادة السوريين بين صقر السعودية وعطر الإمارات

أثارت صورة بشار الأسد خلال إلقائه خطاب «انتصار» جيشه على ملايين المدنيين من النازحين السوريين ومئات آلاف القتلى والجرحى والمعطوبين والمعتقلين تعليقات شتى، فالطبيب المغرم بالفذلكات اللغوية والمبالغات المفصولة تماماً عن الواقع الكارثي للبلاد التي «يقودها» قرّر هذه المرّة أن يضيف إلى لعبة التقسيم التي أبدعها، بين مواطنين «متجانسين» وآخرين يجب استئصالهم وإبادتهم كي يتم التجانس المطلوب، بعض الرسائل الفكاهية في وقت تحوّلت فيه سوريا إلى جرح عالميّ كبير.

فبدلاً من الاستعراض بعلم النظام السوريّ الأحمر خلفه، قرّر الأسد هذه المرة أن يضع زجاجة عطر كبيرة مهداة من الإمارات العربية المتحدة، على يساره، وصقراً محنطاً أهدته إياه المملكة العربية السعودية، على يمينه، وكلا الهديتين تعودان إلى ما قبل السنة التي بدأت فيها الثورة السورية عام 2011، وبدأت العائلة الحاكمة في سوريا باستخدام «درس حماه» الذي أجري عام 1982، بعيد اجتياح إسرائيل للبنان، والذي تم خلاله معاقبة المدينة على تفكيرها بالثورة على النظام بعملية إبادة جماعية لسكانها، تفننت فيها وحدات «سرايا الدفاع» و«القوات الخاصة» و«الشرطة العسكرية» في فنون القتل والإجرام والتعذيب والاستئصال للأحياء والمشافي ولعائلات بأكملها، وبعدها تفرغ النظام لإكمال مهمة إسرائيل في إنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان وتمكن بعد معارك عنيفة من طرد ما بقي من تلك القوات في طرابلس عام 1983، ومعها القائد الفلسطيني ياسر عرفات الذي خرج برفقة 4700 مقاتل وعشرات الجرحى على متن سفينة يونانية ليتم توزيعهم في اليمن والسودان والجزائر.

ألقى الأسد خطابه في الوقت الذي تقوم الميليشيات المحسوبة عليه بالتعامل مع المدن والبلدات والقرى السورية التي تدخلها باعتبارها مناطق محتلّة بحيث يتم اعتقال وقتل من بقي، وسرقة ممتلكات من هربوا من وجه الطغيان، ولا تتورع، كما فعلت مع عجوز، عن القتل ووضع الأقدام على الجثة، ولا عن نبش القبور والتلاعب بما فيها.

من المثير حقّاً أن يتجاهل الأسد هذه الفجائع الكبرى التي تجري في بلاده لإرسال الرسائل نحو السعودية والإمارات، واللتين تظهران بدورهما أشكالاً من الرسائل الإيجابية في إعلامهما، الذي يركز على «التدخّل التركي»، وبوسائل أخرى عسكرية وماليّة، عبر دعم ميليشيات عربيّة وكرديّة معادية لأنقرة، وهو ما يعني إزاحة إجرام النظام غير المسبوق ضد شعبه، لصالح توظيف الإعلام والسياسة في المعارك الإقليمية البائسة والمفتعلة، والتي أدت إلى كوارث حقيقية وعطبت مصداقية المنظومة العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وغيرها.

إضافة إلى الفجائع التي يعانيها الشعب السوري بشكل لا يتصوّره العقل، يتصرف الأسد كما لو أنه رئيس بالفعل وليس بيدقاً بيد الروس والإيرانيين، ويريح بذلك نفسه من قضيّة كونه رهينة تتنازعها الأطراف الإقليمية والدولية، وأن بلاده كلها صارت موقعاً كبيراً لتجريب الأسلحة والذخائر والسياسات، فلا صقر السعودية قادر على إخراجه من شبكة العقوبات الكبرى التي أوقع نظامه فيها، ولا عطر الإمارات قادر على إزالة رائحة الدماء والجثث والقتلى عن يديه.

وسوم: العدد 864