بشار الأسد بين بابراك كارمل ..وكرزاي، قراءة في التجربتين الروسية - الأمريكية في أفغانستان

ومرة أخرى أكرر ، من يريد أن يقتنص العبر لا يتوقف عند التفاصيل . فما يمكن أن نستخلصه هنا ، لا علاقة له بمشروع طالبان . والشعب الأفغاني وحده هو الذي يحق له أن يقوّم مشروع طالبان . ونرجو أن يعطى الفرصة ليفعل ذلك . كما ندعو الله أن يلهم الله قادة طالبان في اختيار المشروع الذي يصير بمجتمعهم إلى الرشاد . وليس من الضروري أن يعجب مشروع طالبان الأمريكي ولا السوري بل من الضروري أن يرضي السواد العام في أفغانستان . أوليست هذه هي الديموقراطية . أن يكون النظام العام معبرا عن رأي الأكثرية في كل المجتمعات ؟!

ثم إنه من الضروري أن نوضح أن التقويم السياسي لا يقوم على الأحكام المطلقة والكلية . حتى في الفتوى الفقهية الزمان والمكان بصمتيهما ، فيقول الفقهاء : تقدر الفتوى زمانا ومكانا ، ولا بد في التقويم السياسي من مجانبة الأحكام المطلقة ، والتعميمات الخاطئة ، ومقاربة الواقع بكثير من التأمل للاستفادة مما يستفاد منه ، في استخلاص الدرس و العبرة ..

وإذا قلنا إن حركة طالبان قد انتصرت اليوم في أفغانستان ، ففي لغة السياسة لا نستطيع أن نقول إن الولايات المتحدة قد انكسرت أو انهزمت ، بل إنها قد تلقت درسا في الواقعية السياسية ، وفي ضرورة الاعتراف بإرادة الشعوب ، نرجو أن تستفيد منه في كل مكان حول العالم . فالولايات المتحدة اليوم بفعل عوامل كثيرة هي صاحبة قرار نافذ ، وقد علمتها تجربة أفغانستان أن قرارها ليحافظ على نفوذه يجب أن يكون واقعيا عاقلا كما كان بالأمس مع حركة طالبان ..حتى الدول العظمى لا تستطيع أن تتخذ قراراتها في فراغ . درس مهم للأمريكي والروسي على السواء .

وربما الدرس الأهم من التجربة الأفغانية هو أنه لا بابراك كارمل السوفييتي نجح مع كل الجهد السوفييتي الذي بذل لإنجاحه ، منذ أواسط السبعينات في القرن الماضي ، ولا كرازي الأمريكي نجح مع كل الجهد الأمريكي لإنجاحه منذ مطلع الألفية الثالثة التي نعيش ..

ودرس كارمل - في تصورنا - يجب أن يستفيد اليوم منه الروس فيعلم بوتين أن تجربة " بابراك كارمل " في سورية ستكلفه الكثير ، ثم ستسقط وربما تسقط الاتحاد الروسي معها ، كما ساهمت في إسقاط الاتحاد السوفييتي من قبل ..

ودرس كرازي إلذي امتد إلى اليوم في خلفائه في أفغانستان ، يجب أن يستفيد منه الأمريكيون فيعلموا أن تجربة " كرازي " في سورية سوف تسقط ، وإنها ستضطرهم يوما هم والمراهنون - الآخرون - عليه إلى التحول عنه ، إذا رغبوا في العودة الآمنة إلى البيت ...

ويبقى الدرس الثالث لبشار الأسد لمتقمص قميصي كارمل وكرازي معا في سورية . إليك درس التاريخ فاتعظ . إن كنت من الذين يعقلون ..!!

أما الدرس الأخير فهو إلى أصحاب الحق من السوريين السوريين ، أن عليكم أن تزدادوا ثقة وعزما وتصميما. أن تمتلكوا رؤيتكم . وتتوحدوا عليها . وتدافعوا عن مشروعكم بأدواتكم ، وأن تتركوا من خالفكم عليها وراء ظهوركم ، إعراضا من غير جفاء ولا نبذ . بل ليكن خطابكم لكل هؤلاء ( وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ).

اعملوا على مكانتكم إنا عاملون على مكانتنا وكفى وكان هذا هو الدرس الأوضح من حركة طالبان .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 866