الحقائق الصادمة بين الخامس من حزيران 1967، والثاني عشر من أيار 2021

 Afdsfgjdg9301.jpg

Afdsfgjdg9302.jpg

بداية أريد أن أخاطب الأجيال التي لم تعش مأساة هزيمة الخامس من حزيران عام 1967 وأيامها السوداء والتي تحل ذكراها الأليمة بعد أيام، وكيف كان حال العرب قبلها وما بعدها، ويقارنوا ما نحن عليه الآن من انتصارات تحققها حركة حماس والفصائل الفلسطينية على العدو الصهيوني، رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه الجماهير الفلسطينية وهي راضية مرضية، فثمن الحرية والأرض والمقدسات أعز عليهم من المال والبنين، والمهج والأرواح ونزف الدماء، وتدمير البيوت على رؤوسهم ورؤوس أولادهم وعوائلهم.

قبل الخامس من حزيران 1967 كانت الشعوب العربية مخدرة على وقع طبول الحرب، التي كان يدقها القومجية ومنتسبي الأحزاب العلمانية التقدمية المستوردة من خارج الحدود، فمن القاهرة كان مذيع صوت العرب (أحمد سعيد) يصك آذاننا ليل نهار بصوته الجهوري المتميز، الذي كان يجذب الشارع العربي كما يجذب المغنطيس ذرات الحديد: اقتربت الساعة سنسحق إسرائيل بصواريخنا (القاهر والظافر والرائد) وسنحول سماء إسرائيل إلى جحيم من نيران قاذفاتنا ومدافعنا ودباباتنا، وقد أحيا المشير عبد الحكيم عامر ليلة سمر للطيارين، أحيتها الراقصات الماجنات وتخللها كؤوس المحرمات، ومن دمشق كان صوت المذيع السوري يجلجل مهدداً إسرائيل: ساعات قلائل وسنلقي بإسرائيل واليهود في البحر وسنغرقهم بدمائهم ونشرب كؤوس النصر على جثامينهم، وسندق سماء تل أبيب بحوافر خيلنا، ونسبي نساءهم ونستعبد ذراريهم، وسبق ذلك تسريح مئات الضباط المحترفين العسكريين بكل معنى الكلمة من الجيش السوري، وحلول مئات الضباط الاحتياط محلهم لا يعرفون ألف باء العسكرية، ليصبح الجيش الذي سيقارع إسرائيل وينتصر عليها، كما يدعي القومجية، جلّهُ من لون واحد وطائفة واحدة، بعد تصفية آلاف العسكريين من الطوائف الأخرى ليصبح الجيش جيشاً عقائدياً يجيد التطبيل والتزمير والاستعراضات والهتاف للقائد الفذ الذي لم تلد الأمهات مثيلاً له.

وعشنا وعاشت الشعوب العربية على وقع هذه الأحلام الوردية وقد كانت العروبة والقومية هي أقصى حلم الشعوب التي عاشت على أمل النصر والفوز على يدها، وكانت المفاجأة المرعبة في ساعات الفجر الأولى من صباح يوم الخامس من حزيران إذ جاء الخبر الحزين المجلجل: (طائرات العدو الصهيوني الغادرة قامت بعدوان غاشم على قواعدنا العسكرية ودمرت سلاح الجو المصري عن آخره)، وأعلنت إذاعة دمشق أن الصهاينة قاموا بالعدوان على الأراضي السورية وجيشنا البطل يتصدى لهم ويلقنهم الدروس القاسية.

وأعلن من إذاعة دمشق الخبر المدمر بأن السيد وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد أعلن فيه أن القنيطرة قد سقطت بيد العدو الصهيوني (وهي حقيقة لم تسقط)، وأنه أصدر أوامره للقوات المسلحة بالانسحاب الكيفي والنجاة من الموت الذي يلاحقهم، وترك كل أمتعتهم العسكرية وأسلحتهم حتى لا تعيق انسحابهم، وكانت الصورة الفاضحة صورة قائد الجبهة العقيد أحمد المير الذي استولى على حمار وارتدى لباس أحد الرعاة ليسرع في طريقه فاراً إلى دمشق.

في ظل سياسة دفن الرؤوس في الرمال، وحجب الأرشيفات العربية عن الباحثين، تظل أشد اللحظات حرجاً في التاريخ العربي المعاصر عرضة للالتباس، بما يسمح لوجهة النظر الأخرى بأن تأخذ مساحة كبيرة. وليس هناك ما هو أحرى من حرب الخامس من حزيران/يونيو 1967 بسبر أغوارها والوقوف على ملابساتها وما أفضت إليه.

حرب حزيران/ يونيو 1967 انتهت باحتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وتهجير ما بين 350 إلى 400 ألف فلسطيني بما فيها محو قرى بأكملها، وفتح باب الاستيطان في القدس والضفة الغربية والجولان.

وخلقت مشكلة لاجئين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم عام 1948. كما أجبرت نحو مئة ألف سوري في الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سورية. كما ألحقت الحرب هزيمة نفسية بالجيوش العربية، بعد أن فقدت الكثير من ثقتها في قدراتها العسكرية وكفاءتها القتالية، في حين ارتفعت معنويات جيش الكيان الصهيوني وراجت مقولته؛ "إنه الجيش الذي لا يقهر".

وخسر العرب ما بين 15 إلى 20 ألف جندي، ودمرت نحو 209 طائرة من أصل 340 طائرة مصرية، وهي لا تزال في المدرجات وقبل إقلاعها، ودمرت 32 طائرة سورية و22 طائرة أردنية، كما فقد العراق جزءا من سلاحه الجوي بعد أن هاجم الطيران الصهيوني قاعدة جوية عراقية، وحسب بعض التحليلات؛ فإن نسب الاستنزاف في المعدات والأسلحة العربية وصلت إلى 70 - 80% من مجمل طاقتها.

هذا ما حدث في حزيران 1967 وقد هزم الصهاينة ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام، في حين لا يتجرأ الصهاينة اليوم على شن حرب برية على قطاع غزة، الذي يساوي في مساحته مساحة مدينة فلسطينية أو مدينة عربية صغيرة (مساحة القطاع 265 كم مربع)، وإذا ما قام الصهاينة ببدء الهجوم على الدول العربية الثلاث في الخامس من حزيران 1967 فإن حركة حماس هي من بدأت الهجوم على الصهاينة عبر قصفهم بمئات الصواريخ يوم الاثنين 12 أيار 2021 بعد أن أنذرتهم بفعل ذلك، وأجبرتهم على الاحتماء بالملاجئ هرباً من الموت الزؤام، ولا تزال حركة حماس بالاشتراك مع باقي الفصائل الفلسطينية يدكون حصون الصهاينة في طول فلسطين المحتلة وعرضها لنحو ثمانية أيام، ولا يزالون صابرون على ما تصبه دولة الاحتلال من قنابل وقذائف على مدنهم وبلداتهم وقراهم، وما تقوم به من اعتداءات على الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة، لأنهم على قناعة بأن للحرية والكرامة ثمناً لابد من دفعه، طالما أن هناك التصميم والإرادة واللحمة الوطنية، والمقاومة الفلسطينية ماضية في تصديها للكيان الصهيوني مهما كانت النتائج والأثمان، فليس أمامهم من سبيل إلا الصمود فإما شهادة أو نصر.

أتمنى على أبناء هذا الجيل أن يحكّم عقله وهو يقارن بين هزيمة الجيوش العربية الثلاثة أمام الكيان الصهيوني في الخامس من حزيران 1967 في ستة أيام، وصمود أهل غزة وحركة المقاومة فيها أمام صلف وعدوان الكيان الصهيوني لأكثر من ثمانية أيام، وهي تعلن بكل شموخ وافتخار أنها أعدت نفسها لمقارعة الصهاينة ستة شهور إن تطلب الأمر ذلك، وهذا الكلام وحده يشعرك بالعزة والإرادة والتصميم، الذي وراءه نصر بإذن الله.

المصدر

*عربي-21-5/6/2020  

*رصيف-16/6/2018  

وسوم: العدد 930