في إلغاء ركن الافتاء في بناء الجمهورية... خطوة على طريق إعادة التأهيل

وما زلنا نتابع دوافع وتداعيات الحدث الزلزلة الذي وقع في بنية الدولة السورية منذ أيام. والذي تجلى في إلغاء ركن من الأركان التي قامت عليها الجمهورية، منذ عهد -الاستقلال- المرذول.

هل يلفت أحدا منا المعنى اللغوي لكلمة "الاستقلال" طلب القلة، المرتبط بالذلة. ما أجمل الاستقلال السياسي عن عدو أثيم، وما أقبحه عن ولي حميم..

ومنذ ربع قرن تقريبا، قرأت لأحدهم: إن الدولة السورية ليست مستعدة أن تتحمل فواتير الكهرباء عن المساجد- أنا لا ادري إن كانت شركات الكهرباء تفعل ذلك- وأن الميزانية السورية لا يجوز أن تتحمل نفقات " كلية الشريعة " في دمشق!! وقد كان تأميم الأوقاف الإسلامية في سورية وفي العديد من الأقطار الإسلامية، واتباعها للحكومات، والأوقاف مؤسسة أهلية مستقلة، لكل وقف فيها شخصية واقفه الاعتبارية، عدوانا صارخا، على إرادة الواقفين، وعلى حقوقهم الفردية، وعلى تراث الإسلام والمسلمين في سورية. كانت عملية تأميم سابقة وفاجعة للمال الخاص، وتحويله إلى مال عام، طالما وقع في أيدي الخائنين.

ومما أعلمه أنه ما يزال أصحاب الملل والنحل، يتحكمون بأوقاف كنسهم وكنائسهم ، على الطريقة التي تعجبهم. ومنذ أيام كان وفد من يهود سورية المقيمين في أمريكا في زيارة إلى المحافظات السورية ويتفقدون ما لهم. ولسنا ضد أن يتصرف كل مالك بملكه، وكل صاحب حق بحقه؛ ولكن وبنظائرها وأشباهها تقرن الأشياء..

المسجد والوقف في تاريخ الشام يملك كساءه وسقاءه، ويعيل خادمه ومؤذنه وإمامه. دون أن يحتاج الإمام والخطيب، أن يكون موظف حكومة، ومن أكل خبز السلطان ضرب بسيفه. أو كذا يقولون..

وفي سياق التتبع لخلفيات وأبعاد إلغاء ركن الإفتاء من بنية " الجمهورية" أو "الدولة السورية" على خطا "ماريان الفرنسية" حيث المطلوب من الدولة أن تنفي عن بنيتها كل ما له شبهة إيمان أو إسلام؛ وجدنا أن هذا المرسوم الذي أصدره بشار الأسد منذ أيام، لم يكن لحاجة وطنية داخلية، ولم يكن انحيازا من بشار الأسد إلى صالح وزير الأوقاف " ابن الساحل" ضد المفتي "الحلبي" كما حلا لبعض الناس أن يقول، أو يتصور أو يصور؛ وإنما كان كما يقول العالمون والمتابعون تنفيذا لمطلب صهيو- أمريكي- صفوي على طريق " إعادة التأهيل"

كررنا مرارا أن الاشتراطات الأمريكية والصهيونية ومن باب أولى الصفوية لإعادة تأهيل "بشار الأسد" لا يشترط بالضرورة - كما يأمل البعض- أن تقع في سلة مطالب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وبين أيدينا مطلب منها، كما يقول العالمون..

السياق العام للمطالب الصهيو - أمريكية - الصفوية لإعادة تأهيل بشار الأسد وبالمجمل، أن يبذل أقصى جهده ليقطع، بين سورية الدولة والمجتمع وبين آخر مرتكزات الإسلام أو نقض آخر عراه.

تذكرون قبيل الثورة المباركة بنحو عام عندما اتخذ بشار الأسد مرسومه الأشأم بتحويل كل المدرسات والمعلمات المحجبات - صواحب البرقع- من مهنة التعليم، إلى ظلمة المستودعات الرطبة، كان ذلك القرار أيضا خطوة على هذا المسار ..الوصل ما بين النقاط المقطعة يرسم لنا المسار.

مطلب دولي إذن أن ينزع عن سورية وجهها الإسلامي، وأن ينقض فيها ما تبقى من عرا الإسلام. وعرورة عروة كما حذر حديث رسول الله..

بشار الأسد في سورية - وحفتر في ليبية، والحوثي في اليمن، وركائز الاحتلالين الأمريكي والإيراني في العراق..كل هؤلاء أطلقوا على ركن الافتاء رصاصة الرحمة، أو رصاصة الحقد والضغينة..

وما يدرينا إلى أين هذا الأمر سيصير؟؟ ومن التالي بالدور، وأسهل وسيلة على المجرمين أن أرخوا الحبل: للمفتي الراتع، ثم قصفوا موقع الافتاء فاختلط الأمر على بعض الناس، فلا يكاد يأبه للموقع المقصوف إلا القليل

هي ورقة جديدة من أوراق تجديد الاعتماد وتوثيقه إذن، ورقة جديدة في ملف تجديد الاعتماد يقدمها بشار الأسد لمشغليه وداعميه، ويقول: أترجاكم ..علكم أو عساكم..

التحدي الاستباقي الذي سبق إليه بشار الأسد يقتضي يقظة واستجابتين من أصحاب القرار من السوريين المعنيين، ومن أولي الأحلام والنهى من العلماء المسلمين الصادقين منهم بشكل خاص...

الاستجابة الأولى سلبية: وتقتضي إعلان البراءة من خطاب التدعش يتلبس به بعض أصحاب القصور أو الأهواء . التدعش سلم الشعبوية المرجو ، ويجب توعية للناس للبراءة من المتدعش ومن نصف المتدعش، ومن ربع المتدعش ومن عُشره أيضا، فالأمة من التدعش والله في محنة شديدة، وكرب عظيم، ولا يصح أنه بعد أن يطفح كيلنا من داعشي أن نقول، فذلك إن .. وحيث أننا ..

ولاستجابة الثانية استجابة إيجابية: وتعني سد الثغرة، وحفظ الحوزة، والقيام على أمور المسلمين النظرية والعملية بما يصلحها. والتأكيد على دور المفتي ومكانته، وحاجة الدولة والمجتمع والجماعة والأسرة والفرد إليه..والمفتي العام، الفقيه السابق يفتي في الشأن العام، ويقول للمسلمين بعد مشورة واجتهاد/ هذا حلال وهذا حرام. ومن أجمل ما في ديننا: أن الواحد الثبت يخرق الإجماع. وأن رأي الإمام الحق العدل يحسم الخلاف.

وإنه لأمر صعب وعسير ولكنه يسير على من يسره الله عليه.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 956