الدولة لاتقوم وحدها ... والكيان السياسي لايقوم وحده.. والثورات لا تنتصر وحدها ... ولعلنا نعقل أو نتفكر أو يحدث هذا لنا ذكرى

وواجب على من علم أن يعلم من لا يعلم. والصمت على القصور والجهل اشتراك فيه. وبعد سبعين سنة من إخراج حزب البعث المجتمعَ السوري من الفكر والثقافة والسياسة والمدنية والتحضر؛ ما زلنا نسمع على أفواه سوريين نظنهم... من فواقر الرأي - الفاقرة "الضربة تكسر فقار الظهر"- ما تنهد له الجبال. وما يزال الصمت على هذه الفواقر يشكل في فقه الدين وفقه الحياة ، اشتراكا فيها. وأسوأ هذه الفواقر تلك التي تطفو على السطح، ويتآلب عليها قوم من الذين، الأصل فيهم الصمت حتى يعلموا، فتخرّب على قوم حالهم، وتقطع عليهم إلى أهدافهم طريقهم..

وأتذكر من النصف الأول للقرن العشرين كتابا ألفه، عالم الحياة الانكليزي المبرز "جوليان هكسلي" تحت عنوان "الإنسان يقوم وحده " في دعم نظرية التطور والعبثية والعدمية "الإلحاد" في علم الحياة مدعما بما كان لديه من الشواهد والمعطيات التي يظن، وأتذكر معه رد العالم الأمريكي "كريسي موريسون" بكتابه المقابل "الإنسان لا يقوم وحده" والذي تُرجم إلى لعربية على سبيل الترويج الاقتصادي تحت عنوان "العلم يدعو للإيمان" وكان في العبث بالترجمة منذ العنوان إساءة وأي إساءة.

سأذكر لكم أمرا قد لا يعجبكم، فأقول إن كتاب "العلم يدعو إلى الإيمان" كان حلقة في إطار الحرب الباردة "الغرب المؤمن ضد الشيوعية الكافرة" ، ولم العجب كان هذا منهجا، وبالأمس قرأت لأحدهم قائلا: "لا تقفوا ضد بوتين، إذا انتصر الغرب فستنتصر المثلية والجندر والسيداو"

لست هنا لأذكر بالكتابين، ولا بموضوعهما وإنما لأذكر بعضَ من يطلق المقولات الطافية على السطح الإعلامي بحقيقة ينكرونها بعضهم باسم اللإسلام مع الأسف، وبعضهم باسم قوانين الزمان أن الحقيقة المطلقة في علوم الاجتماع أن "الإنسان لا يقوم وحده" وأن الدول والكيانات في الفضاء السياسي لا تقوم وحدها. في أي زمان ومكان..

ووقف رجل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط قوم يسود فيهم الجوع يتجشأ من كظة، أي من تخمة بعد إكثار من الطعام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كف عنك جشاءك يا هذا !! وإي والله نحن بحاجة لأن نقول لكل الذين يتجشؤون فوق رؤوسنا "كفوا عنا جشاءكم يا هؤلاء"

وما تزال تسمع من بعض الناس عناوين مثقلة مبهظة يقتطعونها من سياقات ليست منها ليقطعوا على الناس طريق خلاصهم...

شعارات وعبارات بل أحيانا نصوص شرعية، وقواعد فقهية ، وأحاديث نبوية، وآيات قرآنية، تُستل من سياقاتها ويُنحرف بفقهها عن سياق تأويلها، يستخدمها قاصر أو قاصرون لتضليل العقل، والانحراف عن السبيل. وأشهر الخوارج يوما في وجه الإمام علي رضي الله عنه "لا حكم إلا بالله"

وعليه تتجارى بالناس في هذا الزمان الأوهام..

وستجد نفسك في غابة أو في مستنقع من الاضطراب والوحول والعوائق والعقبات. يؤسَس كل ذلك على سوء فهم، وسوء توظيف وأسوأ ما يكون الأمر حين يصمت من يعلم، أو حين يستثمر من يعلم في "هرج" الذين لا يعلمون..

ولكن..

هل نشأت دعوة الإسلام وحدها، وهل قامت دولة الإسلام وحدها...

ونشأت دعوة الإسلام منذ اليوم الأول محمية بمواضعات وقوانين أهل الشرك في مكة . قوانين دار الندوة المعترفة بالعصبية، وحدوب أبي طالب العم المشرك على رسول الله ودعوته، بوصفه ابنَ أخيه، وواحدا من بني هاشم وليس بوصفه رسولا نبيا، فليعقل هذا الذين لا يعقلون..!!

وعندم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ورده أهلُها بالطريقة التي علمنا، لم يعد قادرا على دخول مكة إلا بعد أن حصل على حماية من سيد من سادات العرب المشركين. المشركين فتأمل، "المطعم بن عدي" وذكره رسول الله صلى الله عليه فيما بعد أكثر من مرة باليد التي كانت له عنده. وإن الكريم لوفي. أكبر الأخطاء التي وقع فيها أصحاب الدراسات حول السيرة النبوية في هذا العصر، كانت

 في تعزيز روح "العنفصة" أو "العنطزة" في نفوس الشباب المسلم. نعم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في جوار سيد من سادة قريش مشرك. وهذا الذي يجب أن يعلمه المعلمون، ويتعلمه المتعلمون.

وعندما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة. كتب صحيفة المدينة . الوثيقة أو الميثاق أو العهد أو العقد، التي أعطت الأمان - والاعتراف بالحقوق لكل من فيها دون تمييز.، مسلمون مشركون يهود، كتبت منذ أيام "عقدا اجتماعيا" رد عليّ بعضهم ليس عقدا اجتماعيا. ذلك أن بعضنا يرى أن "مصطلح العقد الاجتماعي" كافر لا يسلم أبدا ..

في يوم الحديبية وقع رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة مع مشركي قريش، لو قرأناها منفصلة عن سياقاتها وآفاقهاالمستقبلية، التي سماه القرآن الكريم فتحا مبينا، فسنقرأها بعينين عمريتين.. "إعطاء الدنية في الدين" وتأمل هذا البند من جاء قريش من المسلمين لا يرد، ومن جاء المسلمين من قريش يرد!! ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضى المعاهدة وأثبتت الأيام أنه كان عبدَ الله ورسولَه وأن الله لن ولم يضيعه أبدا..!!

اقرؤوا السيرة واقرؤوا التاريخ..

 وأنشأ رسول الله تحالفاته في الجزيرة العربية وكانت "خزاعة" بمسلمها ومشركها " عيبة نصح لسيدنا رسول الله اقرؤوا جيدا "بمسلمها ومشركها" تحالف معهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.، مسلمين ومشركين..ثم نصرهم حين نصرهم يوم الفتح مسلمين ومشركين

والحكاية في قيام دولة الإسلام وحضارة الإسلام تطول. والتحالفات السياسية، والمواقف الجمعية، إنما تكون في إطار، وإلى أجل، وعلى أمر.

وما كان أشد معاناة سيدنا علي رضي الله عنه لفئام الفتنة الذي التفوا حوله، حتى غلبوه على أمره أو كادوا، وهو يقول لهم مقرعا جهلهم وقصورهم وتقاعسهم : "لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا"

وبعض الناس من بعض، حتى يرث الله الأرض ومن عليها..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 971