ليس بين القدس و أذربيجان مسافة..!

د.هاني العقاد

القدس مازالت تعاني الاغتصاب يوما بعد أخر و الاغتصاب هنا ليس شكلا من أشكال الاحتلال بل نوعا من اخطر أنواع التهويد و مسح الهوية الفلسطينية و اغتيال العروبة في القدس و تحويلها إلى مدينة صهيونية إسرائيلية يهودية خالصة , والمقابل العربي ضعيف لا يقوي على المواجهة كيان خلفه مائة دولة ترصد له الأموال والبارود و كل معدات وأدوات القتل و التدمير , وهذا الفارق بين الدعم الأمريكي و الأوروبي لإسرائيل والدعم العربي الإسلامي للمقدسيين ولفلسطين بشكل عام , في الطرف المقابل يدفعوا لليهود ليبنوا و يستوطنوا على ارض الفلسطينيين وهنا يقطع الفلسطينيين من لحمهم ليدفعوا ثمن الطوب والاسمنت ليبنوا غرفة أو غرفتين بالقدس أو أي مكان أخر بالضفة الغربية وحتى غزة .

سيعقد يوم الثلاثاء من الأسبوع الحالي مؤتمر للمانحين العرب المسلمين للقدس ,أي لغرض تنفيذ خطة إستراتيجية  لتطوير وتنمية القدس وهذا المؤتمر سيعقد في العاصمة الأذربيجانية "باكو" وكان أخر مؤتمر للقمة الإسلامية عقد بالقاهرة فبراير 2013 وفي هذا المؤتمر أوصي بتوفير 500 مليون دولار لصالح القدس و تنميتها إلا أن المانحين لم يقدموا دولار واحدا حتى الآن ,والقدس على حالها تنتظر منذ عشرات السنيين نجدة العرب و المسلمين لها , قد لا تنتظر القدس أكثر من ذلك ولن تبقي القدس قدسا إلى أن يدفع العالم العربي و الإسلامي لأهلها ليحافظوا على ما بقي منها , ومن يعتقد أن أهل القدس سوف يتسلموا الأموال ليأكلوا و يشربوا و يتنزهوا ويشتروا المكسرات و يسيروا في شوارع البلدة القديمة يكون مخطأ لان سكان القدس ليسوا في حاجة للأكل بل أنهم في حاجة لان يقيموا مبانيهم على أرضهم ويؤسسوا مؤسسات وطنية واجتماعية و تربوية بالإضافة لإقامة أحياء سكنية على كافة التلال التي تحيط بالقدس و الأحياء التي تسعي إسرائيل لإفراغها من سكانها الفلسطينيين .

منظمة التعاون الإسلامي تعتزم تقديم  حزمة مشاريع لتطوير وتنمية للقدس يتناول قطاعات مختلفة كالتعليم والصحة و الإسكان وتطوير المقدسات وصيانة مبانيها إلى العديد من الجمعيات التي تعني بالإنسان الفلسطيني وتنميته والحفاظ على بقاءه ,وهذا عمل مطلوب ليس الآن ولكن كان يفترض منذ أن وقعت القدس تحت الاحتلال واخذ اليهود يغتصبوها على مرآي و مسمع الجميع , لهذا وجهت المنظمة و جمهورية أذربيجان الدعوة إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي , والى بعض المؤسسات المالية في العالم الإسلامي للمشاركة في المؤتمر , مع أن المؤتمر جاء تنفيذا لتوصيات القرار الصادر عن المؤتمر الثاني عشر لمؤتمر القمة الإسلامي التي عقدت بالقاهرة فبراير 2013 ,إلا أننا نشك في إمكانية توفير الدعم المطلوب لإنقاذ القدس لان الهجمة الصهيونية باتت اكبر من توفير دعم مالي وباتت اكبر من دعم القدس و سكانها ب 500 مليون دولار, فالقدس يا ساده تموت في قبضة المحتل كل يوم لأنها تتعرض لخطة صهيونية شديدة العنصرية , تهود وتغير معالمها وتهدم بيوتها ويخطط لتغير تاريخ مقدساتها و يمنع العرب والفلسطينيين من الوصول إليها حتى ولو تحت حراسة الاحتلال .

إن القدس تحاج لأكثر من المال فلعلها  تحتاج إلى الرجال أيضا ليقيموا فيها ويرابطوا على أرضها وداخل مسجدها الأقصى ليس من العرب فقط وإنما من كل المسلمين المقيمين للصلاة وليكن الحج هذا العام إلى القدس كما هو الحج إلى مكة و ليدعو المؤتمر المسلمين للحج إلى القدس ها العام أو العام التالي  ,لان مكة باقية و يستطيع كل المسلمين الوصول إليها في كل الأوقات ,أما القدس فهي تقضم و تسرق و تغتصب كل حين و الحجيج إليها يوقف سرقتها لأنه رباط إلى حين تحريرها , من يعتقد أن القدس تحتاج إلى المال فقط فهو مخطئ أيها السادة لان القدس أصبح ممنوع الوصول إليها كخطوة من خطوات إسرائيل التهويدية بهدف إفراغها من سكانها العرب والمسلمين , وكخطوة لإحكام السيطرة عليها ديموغرافيا وصهيونيا , لذا فاعتقد أن القدس ليس ابعد من أذربيجان عن التهويد وان هودت القدس واستولى على كل أراضيها اليهود وطردوا سكانها منها فان أقصاها ما عاد صامدا لان مسألة بقاءه لا ضامن لها و إن تمكن اليهود من القدس فان المسافة بين القدس و " باكو" عاصمة أذربيجان باتت صفر وهذا ينسحب على كل العواصم الإسلامية أيضا فالقاهرة عاصمة إسلامية وصلها اليهود و تملكوا فيها وسخروا جنودا لهم داخل قلاعها , و دمشق و الخرطوم باتت في مرمي الصواريخ و قذائف الطائرات الصهيونية, والكويت و قطر حدث ولا حرج و عمان وعُمان كانت بلا مفاتيح  وأبوابها تغلق في وجه الجميع عدا اليهود و أعوانهم .

لم يعد بين القدس و أذربيجان مسافة فان سقطت القدس ستسقط كل العواصم الإسلامية وان تم تهويد القدس فان العواصم كلها سيتم تهويدها بالمقابل و إن طرد سكان القدس المسلمين واستبدلوا باليهود فان العواصم الإسلامية لن تكون منيعة عن اليهود أيضا , لذا فان مؤتمر المانحين هذا ليس هو الحل إن لم يتبع بحملة عربية إسلامية لتطيره القدس من اليهود و إعادة مفاتيحها إلى الأمة الإسلامية , لن يكون الحل أن لم يرابط المسلمين بالقدس و يتركوا ملذات حياتهم و يبيتوا في القدس لصد هجمات المستوطنين لباحات أقصاها الذي بات على بعد خطوة واحدة من الهدم , فان على منظمة المؤتمر الإسلامي أيضا مخاطبة الشعوب المسلمة كما خاطبت  الحكومات و الدول المانحة لدعم القدس وأهلها ليصمدوا في وجه المحتل الصهيوني الإرهابي ليحجوا إلى القدس و يقيموا و يرابطوا في أقصاها و شوارعها و بيوتها و قلاعها و  فوق أسوارها.