صفقة "الغموض الخلاق" تدق باب سوريا!

صفقة "الغموض الخلاق" تدق باب سوريا!

حسن عصفور

دخلت الحرب السورية "مرحلة جديدة" في مسارها، لم يعد بها "قيود" أو "حدود"؛ فكل طرف من أطراف الصراع الداخلي، سواء النظام وأجهزته الأمنية بكل فروعها، أو أطراف المعارضة المسلحة المتعددة الانتماء والتبعية، تخوض صراعاً دموياً يصفه الكثيرون بأنه شكل من أشكال "الحرب الأهلية"، في حال اسـتمرارها لن تُبقي من الدولـة والوطن السـوري سـوى حطام و"بقايا"، أو تدفعها نحو "تقسـيم سـياسـي كياني" ركيزتـه "طائفيـة ـ قوميـة"، ولن تقف نتائج وارتدادات "الزلزال السوري" عند حدود سوريا بل سيكون لها أثر كبير على دول الجوار كافة، ولن تسلم بلد من تبعات تلك الارتدادات، حتى لو اعتقد البعض أنه بمأمن...

الخطر الكبير لمسـار "المسـألـة السـوريـة" بات يُشـكل تهديداً إقليميا لم يعد مطلوباً في حسـاب اسـتراتيجيـة "الدول العظمى"، خاصـة الولايات المتحدة وروسـيا الاتحاديـة وتحالفات كل منهما، عدا بعض الأطراف الصغيرة التي تعمل بكل السُـبل لبقاء نار "الفتنـة مشـتعلـة" كونها سـبيلاً رئيسـياً لديمومـة دورها وتأثيرها في "المحيط المتحرك"، لكن مصالح "الكبار الاستراتيجية" لا تنتظر ولا تقف عند "رغبات أقزام السياسة" أو "الأدوات الصغيرة"، ولذا بدأ التفكير في العمل المشترك نحو خلق وقائع سياسية متعددة لفرض "حل سياسي" على مختلف أطراف الأزمة السورية...

والمحرك الرئيسي للرغبة الدولية الجديدة لتفعيل "الحل السياسي" هو منح الموفد الأخضر الإبراهيمي فرص لم تُمنح لمن سبقه في ملف البحث عن حل لوقف "الحرب" في سوريا، ويرى البعض أن "الغموض الخلاق" لاتفاقية جنيف ستكون "ركيزة رئيسية" للحل المستقبلي، تقوم على قاعدة "تجريد الأسد" من "فعل السلطة" دون أن ترميه خارجها إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عام 2014، مع عدم السماح لبشار الأسد الترشح لها، فيما تقود "حكومة متفق عليها" وذات صلاحيات كاملة، المرحلة الانتقالية حتى تاريخ الانتخابات، تضع حداً للحرب وتعمل على ترميم مخلفاتها السياسية والاقتصادية، مرحلة إنتقالية هي الممر الاجباري لمنع الانزلاق إلى "حرب أهلية" تقود إلى تقسيم سوريا إلى "كيانات طائفية ـ قومية"، تفوق بخطرها "التجربة العراقية"...

الولايات المتحدة تقترب كثيراً من التوافق مع روسيا على ملامح خطة "الغموض الخلاق" مع الأخضر الإبراهيمي، كونها تعيش حالة "أزمة كبرى" لا تسمح لها بالمقامرة الزمنية ـ السياسية لإطالة الأزمة السورية كونها لا تضمن عواقب الحرب السورية وأثرها على دول المنطقة، خاصة منطقة "الخليج" وأيضاً تركيا و(إسرائيل)؛ فالأزمـة السـوريـة تحمل "قنابل عنقوديـة سـياسـيـة" سـيؤدي انفجارها بالكامل إلى "زلزال غير معلوم الأثر"، "مغامرة" لن تذهب أمريكا إلى نهايتها وهي تمر بـ "حافية الهاوية" الاقتصادية، فيما روسيا والصين تعيشان مرحلة "صعود اقتصادي"، مسألة يحاول "حلفاء أمريكا الصغار" تجاهلها أو عدم التعامل معها.

الأيام القادمة ستشهد حركة تسريع في "اللقاءات الدولية" الكبرى، من أجل بلورة ملامح الحل السياسي لـ "المرحلة الإنتقالية" في سوريا، وستقود واشنطن تلك الجهود والمساعي مع موسكو وبمشاركة فعَّالة مع الأخضر الإبراهيمي، مرحلة قد تشهد حركة تغيير لمواقف أطراف ذات "ثقل وتأثير" على جانبي الأزمة، يُقابلها تصعيد جنوني للبعد العسكري الأمني، في محاولة لفرض "وقائع ميدانية" لتحسين "شروط البقاء والحضور" في المرحلة الإنتقالية، ويبدو أن المعارضة السورية داخل "الائتلاف" والقوى المسلحة تُدرك أن القادم لن يكون وفقاً لما تريد بإزالة الأسد كشرط مسبق، ولذا بدأت تزيد من "جرعة الصراخ السياسي" الرافض لكل "حل إنتقالي" لا يشمل رحيل الأسد، حتى وصل الأمر بها للتخبط في الرد على الإبراهيمي، ما بين رافض لما تقدم به علناً من مقترحات بعد زيارته الأخيرة لدمشق، إلى تجاهل بعضهم وجود "مبادرة" أصلاً، تخبط ناتج عن ما يحدث من تغيير سياسي قادم لمواقف داخل "جبهة الحلفاء" ومن "أصدقاء سوريا"، بعد إعلان بعض أطرافها علانية عن قبولهم بـ "الحل الإنتقالي"، في وقت ينتظر العالم اللقاء الروسي الأمريكي القادم، بمشاركة الأخضر الإبراهيمي، لبلورة

حل سياسي يمكن أن يكون "جنيف 2" للدخول في "لحظة الحقيقة" المنتظرة...

قد تكون مفارقة سياسية غريبة أن تكون أولى مهام وزيرة خاريجة أمريكا بعد خروجها من المشفى، أن تتصل هاتفياً بالأخضر الإبراهيمي ورئيس وزراء قطر "راعي الائتلاف السوري وممول جناحه المسلح"، مفارقة تؤكد أن "المسـألـة السـوريـة هي القضيـة المركزيـة دولياً بالنسـبـة للمصالح الأمريكيـة، التي بدأت تُصاب بخلل وعطب لم يكن منتظراً، خاصة وهي التي انتظرت أن تقطف "ثمار الحراك العربي" بعد نتائجة الأولى في تونس ومصر وليبيا، لكن بروز"العقبة السورية"، وعدم المقدرة على "حسمها" لتُشارك من سبقها، أجبرها على إعادة التفكير قبل فوات الآوان.. وهو ما لم تُدركه أطراف "أقزام السياسة" المحليين بعد.. لكنها سترضخ لاحقاً لما يُملى عليها من "سيدها الكبير"...

الوقت يقترب من نهاية الأزمة في سوريا لحل يمنع تفجير"القنابل العنقودية السياسية" على محيطها!