الأخضر الإبراهيمي.. مهلاً فقد سقطت ورقة التوت!!

الأخضر الإبراهيمي..

مهلاً فقد سقطت ورقة التوت!!

مخلص برزق

[email protected]

ليس كل من يدعي نوايا حسنة يفلح في إثبات ادعائه وينجح في تحقيق إنجازات تخدم تلك النوايا التي غالباً ما تنوب عن الملايين من البشر الذين تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالموكل إليه مهمة تخفيف آلامهم ومعاناتهم الناجمة عن تأنيب الضمير إزاء ما يرونه ويشاهدونه من أهوال وكوارث يتعرض لها إخوانهم في الإنسانية والبشرية. وعندما يقبل الإبراهيمي استلام مهمة معقدة وحساسة جداً لقضية أعيت دهاقنة السياسة، فإن عليه أن يعي جيداً أن تبعاتها كبيرة وخطرها جد عظيم بالنظر إلى أنها ترتبط بعدّاد رهيب تسيل معه الدماء كل لحظة، وتزهق فيه الأرواح كل ثانية، وتتساقط الصواريخ والقذائف و"البراميل المتفجرة" عشوائياً بلا هوادة، وتدمر فيه البيوت بتسارع مخيف وأثناء كل ذلك يعتصر الجوع والألم والمعاناة ملايين المحاصرين والمشردين والقابعين في باستيلات ومحارق العصابة الهمجية التي تصارع من أجل إبادة الأخضر واليابس قبل أفول شمسها واجتثاث شجرتها الخبيثة.

يعلم الإبراهيمي تماماً أن مهمته شائكة عسيرة، فشل من قبله الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان أثناء حمله لها في تقديم أي إنجاز ملموس على الأرض ولم يؤسس لأي عمل يمكن أن يبنى عليه حل ما. فهل ظن الإبراهيمي أنه يملك عصا سحرية يمكن من خلالها وقف حمامات الدم النازفة في سورية؟ أم أنه كان على ثقة بأنه يملك تأثيراً غير عادي على كلا الطرفين نظراً لمكثه الطويل وإقامته في سورية. أم أنه سحر الأضواء وفتنتها التي لا تقاوم ولو على حساب دماء ودموع وشعب يسام الخسف وهو يأبى الركوع. أم هي الآلاف المؤلفة من الدولارات التي يتقاضاها كل من يتأبط ملفاً في تلك المنظمة الدولية التي بالكاد نلمس أي إنجازات لها في مجال الحقوق والحريات للشعوب المسلمة فضلاً عن الكوارث التي تسببها سياسة المماطلة والتسويف والتعامل بكل برود مع قضايانا الساخنة. أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وأنه قد أتي به لتنفيذ دور قذر نأى كوفي عنان بنفسه عن تنفيذه والتورط به؟ 

لا يمكن أبداً تجاهل ما يتم تسريبه عن امتيازات مالية وديبلوماسية للأخضر الإبراهيمي وأمثاله تذكرنا بقوافل التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار المزعومة في العراق إبان حكم صدام حسين والتي تسابق الكثيرين للانخراط بها من أجل الحصول على مخصصات فلكية كانت تجبى من أموال شعوبنا المجني عليها. ومن قريب ما حصل من فضائح للمراقبين الدوليين في سورية وصلت إلى مستوى الإسقاط الخلقي في فنادق النظام الحاكم في دمشق!!

من سوء طالع الإبراهيمي أن الأمم المتحدة غامرت باستخدامه لذلك الدور البائس الوضيع في مسرحيتها المبتذلة وذلك في وقت متأخر جداً سقطت فيه كل الأقنعة وتكشّف زيف ادعاء الدول الغربية ومعهم الأمين العام للأمم المتحدة الذي أشبع العالم تعبيراً عن إحباطه وصدمته بما يجري!

لم تنطلي على أحد ملهاة هدنة عيد الأضحى التي أرادها الإبراهيمي جرعة أكسجين لنظام الإجرام الأسدي للإطالة من عمره، وتوفير غطاءٍ أمميٍ تدعمه فيه تلك المنظمة بالتعامل معه على أنه ليس وباءً فتاكاً لم يسبق للبشرية أن شهدت مثله، وأنه لا يفوق في بشاعته دراكولا لا يكاد يرتوي من الدماء، تلك الهدنة أعطت انطباعاً مدمراً لكل القيم الأخلاقية والإنسانية بأن من يرتكب أفظع المجازر يمكن أن تتعامل معه هيئة الأمم الدولية بكل احترام وود وثقة وكأن شيئاً لم يكن!! أرادها الإبراهيمي هدنة كتلك التي تزامنت مع نكبة فلسطين واستغلها اليهود لتعزيز مواقعهم واستدراك مواطن الضعف وجلب الدعم العسكري!!

أرادها الإبراهيمي حيلة ماكرة لبلبلة الصف الداخلي للثوار وشق كلمتهم وشغلهم في معارك جانبية عن المضي في خططهم الناجعة في قضم أكبر قدر ممكن من المدن والبلدات والقرى السورية لجعلها آمنة من بطش عصابات الإجرام الأسدية الحاقدة، خاصة في ظل التفوق الملموس في مدينة حلب ومحافظة إدلب.

بطبيعة الحال وانسجاماً مع الدور الخبيث المرسوم له فإن الإبراهيمي أصمّ أذنيه عن كل الدعوات التي طالبته بوضع ضوابط وشروط تحكم تلك الهدنة كي يتم محاسبة الطرف الذي ينتهكها، وتم الإعلان عنها سريعاً مجردةً من أي آليات تحكم سريانها وتضمن لها الحد الأدنى من الديمومة. وكما توقع الجميع فقد مارس السفاح المجرم و"شبيحته" هوايتهم في سفك الدماء على مدار عيد الأضحى ووسائل الإعلام تتسابق في نشر أرقام الضحايا دون الالتفات إلى حقيقة أنها كسابقتها مجرد أرقام تستدعي البكاء والنحيب وحسب، دون أن يتبعها أي مساءلة أو محاسبة للقتلة المجرمين!

كان واضحاً جداً للعيان أن تلك الهدنة المزعومة لم تكن سوى مجرد غطاء لطبخة قذرة أعدت في كواليس مظلمة اتفقت على خلط الأوراق تمهيداً للإعلان عن مواقف جديدة عما يجري في سورية، ولذلك فإن الإبراهيمي وبطريقة تكشف مدى جهله بأبسط قواعد السياسة والديبلوماسية سارع إلى التبرؤ من الفشل في إنجاز الهدنة بالهروب إلى الأمام ووصف ما يجري في سورية بالحرب الأهلية..

إنه الوصف الذي أرادت الأمم المتحدة وأطراف عديدة إلحاقه بما يجري على سورية منذ وقت طويل غير أن أحداً لم يجرؤ على التفوه به غير ذلك الأخضر عبر تلك المسرحية الرخيصة التي حاول تسويقها ظناً منه أن الكثير من البشر يمكن أن يتنازل عن شيء من آدميته ويحنط مشاعره كما فعل هو لأجل منصب تافه عمره قصير ودور مشبوه حقير.

ولعل اختيار الأخضر للمكان الذي تقيأ تصريحه فيه ينبئ عن صحة كل ما ذهبت إليه فيما مضى، فقد اختار شريكاً موغلاً في دماء السوريين وراعياً أكبر للإجرام الأسدي والممول الرئيس لأسلحته وذخائره وطائراته المجرمة.. كان التصريح من موسكو في مؤتمر صحفي مع لافروف وزير الخارجية الروسي وذلك في طعنة غادرة للشعب السوري الضحية ونفاق مقزز للنظام الأسدي المجرم الجاني وراعيه الروسي الأشد إجراماً.. 

ولن أجهد نفسي كثيراً في الحديث عن المدلولات الخبيثة المنكرة لوصفه ما يجري بالحرب الأهلية لأنني على ثقة بأن لا أحد يملك قلباً أو ألقى السمع وهو شهيد يمكن أن يخفى عليه ذلك، إلا من كان يعبد الله على حرف ومن في قلبه مرض ومن لا بصر ولا بصيرة عنده فأولئك سيفرحون ويهللون لذلك الأخضر قليلاً ثم تسودّ وجوههم بفشل تلك المؤامرة الماكرة على ثورة سقتها دماء زكيّة ودموع سخيّة، وضحى الشيب والشباب بأرواحهم فداءً لها، وأزهقت أنفس الأطفال والنساء عربوناً لانتصارها..

لا أبالغ إن قلت بأن ما قام به الأخضر الإبراهيمي وصولاً إلى تصريحه المشؤوم يرقى به إلى مرتبة الشريك لنظام الإجرام الأسدي في جرائم الحرب التي ارتكبها بالأمس ويرتكبها اليوم وسوف يرتكبها غداً بعد أن أطارت رياح هدنته الآثمة وكأنها "إعصار ساندي" بورقة التوت ليسقط في حمأة من سقطوا في رذيلة مساندة النظام المتهالك لعصابة الأسد..