جائزة نوبل والمشتاقون العرب!

جائزة نوبل والمشتاقون العرب!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قبل أيام أعلنت اللجنة القائمة على جائزة نوبل في الأدب منحها للأديب الصيني " مو يان " ، وهو اسم مستعار للكاتب " هو غوان مويه "  ، و'مو يان' يعني 'لا تتكلم'. وقد اختار الكاتب هذا الاسم المستعار بمناسبة صدور أول رواية له بعنوان 'الفجلة البلورية' (1986) حول طفل يرفض الكلام ويروي الحياة الريفية كما عاشها الكاتب في طفولته .

فوز الكاتب الصيني الذي ولد عام 1955 وترعرع في غاومي في مقاطعة شاندونغ في شرق الصين ؛ بالجائزة هذا العام أحبط عددا من الكتاب الذين يترشحون للجائزة كل عام أو يعلنون عن ترشحهم في بلادنا العربية والإسلامية ، بعد تقديم قرابين الولاء والطاعة للجهات الغربية  التي ترعاهم أو يأملون أن ترعاهم ، بإهانة أمتهم وحضارتهم ، والتماهي مع الثقافة الغربية في أحط تجلياتها وتطبيقاتها ..

مثلا كان الشاعر السوري علي أحمد سعيد "أدونيس " ينتظر الجائزة منذ أعوام بعيدة ، وكل عام تخرج أذرعـته وأنصاره في الميديا العربية للتبشير بحصوله على الجائزة ، ولكن تأتي الرياح بما لا يشتهي السَّفِنُ حيث تتجه الجائزة إلى كاتب يحترم هويته وأمته وحضارته سواء جاء من أميركا اللاتينية أو إفريقية أو آسيا أو أوربة .

يظن أدونيس وأشباهه أن انتقاص الحضارة الإسلامية والزراية بقيمها وبعث أسوا ما فيها هو طريقهم السهل إلى نوبل وشهرتها العالمية العريضة وقيمتها المادية الكبيرة ، ولكن القائمين على الجائزة يبحثون عن التعبير الحقيقي عن الشعوب ؛ ولو كان صاحبه بعيدا عن الإعلام ودوائر الاستشراق وأجهزة التسويق الغربية .

لقد وقف أدونيس مع الطغاة الذين يحكمون بلاد العرب ، وأيد الطاغية السوري بشار الأسد الذي قتل حتى الآن أكثر من ثلاثين ألفا من أبناء شعبه ، وأعلن امتعاضه من خروج الثوار في الربيع العربي من المساجد طلبا للحرية والعدل والأمن .

وهناك شبه أديب مصري يظن نفسه الأحق بجائزة نوبل بعد نجيب محفوظ ، مع أنه محدود الموهبة وضعيف المستوى في الإملاء والنحو والصرف ، وكل إنجازاته في المشهد الثقافي الذي تسلّقه بمسْكنةٍ وانحناءٍ ومسحِ البيادة ؛ تكمن في خدمة نظام المخلوع ، ودعوة العسكر للانقلاب على ثورة يناير لإنقاذ مصر مما يسميه الاحتلال الإخواني والإسلام السياسي!

هناك أيضا الكاتب الألباني إسماعيل قدري الذي بنى شهرته على التشهير بالدولة العثمانية وقيم الإسلام من خلال رواياته التي احتفي بها خصوم الإسلام في بلاد العرب وفي دول الغرب ، ولكن الجائزة تخطئه منذ سنوات بعيدة ، مع أنه فيما يعتقد أمثاله قدم أهم مسوغات منحه الجائزة ، وهي الانسلاخ عن الإسلام وقيمه .

يوجد كتاب آخرون في أميركا وأوربة وإفريقية ينتظرون الجائزة التي تخطتهم في السنوات الماضية ، ولكن الفارق بينهم وبين الأدباء العرب والمسلمين ، هو تمسكهم بهويتهم وحضارتهم وشعوبهم ، وهو ما تركز عليه لجنة نوبل في اختيارها ، وأعلنته في اختيارها للكاتب الصيني مو يان – أو لا تتكلم .

 لقد وصفت الأكاديمية السويدية التي تشرف على منح جوائز نوبل أعمال يان بأنها تتصف 'بواقعية تاريخ بلاده المضطرب وتمسكه بمسقط رأسه في شرق الصين حيث ترعرع'.

وقالت الأكاديمية السويدية عن كتابين للفائز بنوبل في بيانها أن 'أنشودة الثوم الفردوسي' (1988) والكتاب الساخر 'بلد الكحول' (1992) 'اعتبرا هدامين (في الصين) بسبب انتقادهما اللاذع للمجتمع الصيني المعاصر'.

 وذكرت الأكاديمية أن الفائز الصيني 'أقام من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالما يذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتاب مثل وليام فولكنر وجابريال جارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية'.

لقد أشادت الأكاديمية السويدية في ستوكهولم بالكاتب الصيني مو يان وقالت إن له أسلوبا مميزا وإنه استلهم أفكاره من الخلفية الخاصة به. وعزت فوز مو يان بالجائزة لمزجه 'القصص الشعبي والتاريخ والمعاصرة بشكل واقعي'. وقال المتحدث باسم لجنة التحكيم، بيتر إنجلوند، في تصريحات لقناة 'إس.في.تي' التليفزيونية السويدية بعد دقائق من إعلان فوز مو يان بالجائزة 'إنه يكتب بلغة مدهشة للغاية'. وأضاف قائلا : 'بإمكانك الاطلاع على نصف صفحة من كتاباته لكي تعلم، إنه هو .. يكتب بوحي من خلفيته الخاصة'. وكان إنجلوند قال في وقت لاحق لمحطة 'إس.أر' السويدية الإذاعية عن مو يان :'إننا أمام تأليف فريد من نوعه يمنحنا نظرة فريدة إلى محيط فريد'. وتابع إنجلوند أن مو يان 'مزيج من فوكنر وتشارلز ديكنز ورابيليه'.

وذكر إنجلوند أن الكاتب الصيني يصف عالما قرويا في جزء من الصين، غريب عن معظم الأجزاء الأخرى، وأضاف 'مو يان ليس مجرد مثقف منحدر من هناك لكنه شخصيا جزء من (هذا العالم)'.

لقد اشتهر مو يان في الغرب بفضل فيلم 'الذرة البيضاء الحمراء' (1987) المقتبس عن روايته التي تحمل عنوان 'عشيرة الذرة البيضاء'. وقد فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين العام 1988. وتسود أعمال مو يان  واقعية قد تصل إلى حد العنف ، وتتناول كل التغيرات المفاجئة التي مرت بها الصين قبل الحقبة الشيوعية وخلال الاجتياح الياباني والثورة الثقافية وفترات أخرى مضطربة في ظل النظام الشيوعي. ويشكل كتابه 'فينجرو فيتون' (1996) ملحمة تاريخية تصف الصين في القرن العشرين .

لقد أصدر مو يان إلى جانب رواياته عددا كبيرا من الكتب في فن الأقصوصة ومواضيع مختلفة. ويعد مو يان الصيني الثالث الذي فاز بالجائزة بعد الكاتب المعارض المعتقل ليو شياوبو الفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2010 و الكاتب الصيني المعارض المنفي جاو شينجيان الفائز بجائزة نوبل للأدب عام 2000 بوصفه مواطنا فرنسيا. 

في كل الأحوال ؛ فإن فوز الكاتب مو يان بجائزة نوبل يقدم درسا لمن باعوا هويتهم وحضارتهم ، ويؤكد لهم أن قيمة الكاتب الحقيقي حتى لو اختلف الناس معه ، لا يمكن أن تغيب عن أعين القراء والنقاد والخبراء ، ثم إن هذا الفوز يشير إلى قيمة الكاتب الذي يحترم نفسه ، ولا يلعق بيادة الحكام العسكر أو الطغاة ، ولا يبيع وطنه وحضارته وهويته .