السوريون والفلسطينيون في خندق واحد

السوريون والفلسطينيون في خندق واحد

الدماء والمآسي توحّد أهلنا كما توحّد العمل لقضايانا المصيرية

نبيل شبيب

تتردّد بعد استهداف مخيمات فلسطينية في دمشق من جانل عصابات الغدر الآثم المتسلّطة على سورية، إنّ تلك العصابات تريد أن تزجّ بالفلسطينيين في معركة السوريين!.. وهذه كأشباهها مقولة باطلة خاطئة.

إنّ كل خطوة على طريق تحرّر سورية والسوريين هي من اللحظة الأولى للثورة الشعبية في سورية خطوة على طريق تحرّر فلسطين والفلسطينيين، وإنّ كل خطوة لتحرير فلسطين والفلسطينيين هي في الوقت نفسه خطوة لتحرير سورية والسوريين والعرب والمسلمين وتحرير الإنسان في عالمنا المعاصر.

وكلّ أذى يصيب سورية والسوريين يصيب فلسطين والفلسطينيين، وكل أذى يصيب فلسطين والفلسطينيين يصيب سورية والسوريين والعرب والمسلمين، ويصيب الإنسان في عالمنا المعاصر.

لم يكن السوريون والفلسطينيون في حاجة إلى أن تمتدّ يد الإجرام الأسدي الآثم إلى مخيمات فلسطينية في اللاذقية ودمشق، ليعلم الجميع أنّ كلّ ما جمعهم في ماضيهم يجمعهم في واقعهم الحاضر، وأنّ مصيرهم مصير مشترك، وأنّ هذا بالذات في مقدمة ما يخشاه الذين يبيّتون المؤامرات ويحبكون المخططات وينفذون العدوان بحق شعوب المنطقة، في سورية وفلسطين وسواهما.

لم يضع تصعيد الإجرام الأسدي في هذه الأيام المشرّدين من السوريين في سورية وعن سورية، ولم يضع الفلسطينيين في بلدهم سورية مع السوريين في خندق واحد، فقد كانوا ولا يزالون في خندق واحد على الدوام، رغم جميع ما بذلته الأنظمة الاستبدادية من جهود على مدى عشرات السنين الماضية لترسيخ أسباب التجزئة والتفرقة بين الشعوب، وبين القضايا المصيرية، لتوجه ضرباتها إلى الجميع دون تمييز.

لم يكن الذين قتلهم الاستبداد الأسدي في تل الزعتر وفي حرب الخيام إلا كالذين قتلهم من قبل في تدمر وحماة وجسر الشغور وحلب، سواء بسواء، وليس الذين يشردّهم القصف الإجرامي الهمجي المتواصل عن أحيائهم السكنية في سورية اليوم إلاّ كالذين ساهم التآمر الاستبدادي الأسدي في تشريدهم عن لبنان بالأمس القريب.

شهداؤنا وجرحانا والمشرّدون مرة أخرى، من ضحايا الإجرام الأسدي في المخيمات على أرض سورية اليوم هم كشهدائنا وجرحانا والمشرّدين مرّة أخرى، من ضحايا الإجرام الأسدي في تل الزعتر وسواه من المخيمات على أرض لبنان.. وهم كشهدائنا وجرحانا والمشرّدين مرة أخرى، من ضحايا الإجرام الأسدي في الحجر الأسود بجوار مخيم اليرموك، من أهل الجولان المغتصبة، وهم كشهدائنا وجرحانا والمشردّين عن مدنهم وقراهم في الحسكة ودير الزور، في اللاذقية وإدلب، في حوران وحماة، في حمص ودمشق وحلب.. سواء بسواء.

لقد كشفت الثورة الشعبية في سورية كلّ حجاب ممّا كانت تتستّر وراءه الأنظمة الاستبدادية، وأسقطت كلّ ذريعة كانت تلوكها لتسويغ ما ترتكبه من جرائم بحق الإنسان وحق القضايا المصيرية، ولم تبق عذرا لجاهل أو متجاهل، أو لمن يزعم أنّ وراء الشعارات الزائفة ما يغري بتصديقها.

ما الذي تعنيه المقاومة.. إذا كان من يقال إن المقاومة من أجلهم هم، معرّضين للتقتيل والتشريد والتعذيب على أيدي من يزعم أنه "يحتكر" شعار المقاومة؟..

ما الذي تعنيه الممانعة.. إذا كانت الأوطان التي يقال إنّ الممانعة من أجلها، معرّضة للتدمير والخراب بعد التجزئة والتخلّف والنهب والسلب، على أيدي من يزعم أنه "يحتكر" شعار الممانعة؟..

يبدو أنّ بعض من يعتبرون أنفسهم من النخب في حاجة إلى درجة من الوعي كوعي الشعوب، وإلى وجدان حيّ كوجدان الشعوب، ولئن كان من هؤلاء من يحتاج إلى ما يذكّره ويصوّب طريقه، تجاه ما تعنيه وحدة الماضي والحاضر والمستقبل في أقطارنا العربية والإسلامية، فإنّ عامة الشعوب تدرك أنّ قضاياها جميعا تقوم على قواسم مشتركة، وأنّه لا يمكن العمل من أجلها إلا وفق إرادة مشتركة، وأهداف مشتركة، وجهود مشتركة، وأن حجر الأساس في ذلك كلّه وفي تحرير الأوطان من كلّ غزو أجنبي وهيمنة، إنّما هو حرية الإنسان وكرامته وإرادته، سيان هل حمل يوم ولادته وصف فلسطيني أو سوري أو لبناني أو سوى ذلك ممّا حافظت عليه الأنظمة المستبدة، وعضت عليه بالنواجذ، طوال العقود الماضية، لتتابع بذلك مهمة التجزئة التي بدأ بها الاستعمار الأجنبي قبل أن يرحل، ولم يرحل إلا ليتركها في أيدٍ آثمة يقوم أصحابها مقامه في ترسيخ التجزئة وما تعنيه من ضعف وتخلف وما صنعته من هزائم ونكبات.