أزمة الإبراهيمي مع نفسه ومن بعث به

أزمة الإبراهيمي مع نفسه ومن بعث به

الثورة أصدق أنباء من العبث

نبيل شبيب

هل يستحق الحديث عن "مهمة الإبراهيمي" في سورية مقالا؟..

يتردّد القلم كثيرا قبل أن يخطّ هذه الكلمات.. فالقلم يريد في الأصل أن يكتب جديدا، ولا جديد في هذه المهمة، أو أن يبيّن للقارئ أمرا قد يكون غامضا عليه، ولا يوجد ما هو غامض على الأكثرية الكاثرة من شعب سورية ومن عامّة من يتابع ثورته التاريخية، أمّا أن يلجأ القلم إلى تفريغ شحنة غضب ما، فتعبير الثوار "مهلة قتل" أخرى أبلغ تعبيرا من كلّ ما يمكن أن يقال ويكتب!..

أعلن عن اسم الإبراهيمي بعد عنان منذ أسابيع.. والأصل أن القوى التي "اختارته" تعلم أنّها تختار شخصا مطّلعا على القضية التي يراد أن يتعامل معها.. والرجل قال مرارا إنّه يريد أن يتعرّف أولا ثم يتكلم.. ويبدو أن عملية التعرّف لم تنته رغم مرور أسابيع.. فلم يتكلم.

وحمل الرجل المهمة رسميا قبل زهاء أسبوعين.. وقضاهما في رؤية فلان وفلان والحديث مع فلان وفلان من الساحة الدولية والعربية.. ولم تطأ قدماه "أرض الثورة" بعد.. ولا التقى حتى اليوم مع "أهل الثورة" بعد.. فهل يحمل مهمة الخروج بالقوى الدولية والعربية من أزمتها مع نفسها ومع المواثيق الدولية والاعتبارات الإنسانية ومع القيم والأخلاق، أم مهمة الخروج بسورية وشعبها من محنة الاستبداد والإجرام والتواطؤ؟..

إذا كان جمع المعلومات يستغرق ما استغرق.. فكم سيستغرق "تحليلها" ليستنتج حامل "المهمة العسيرة.. المعقدة"  -كما وصفها- ما ينبغي عليه أن يقول بصددها؟..

وإذا قال.. فكم سيستغرق الأمر حتى تتحوّل كلماته إلى مشروع؟..

وإذا تحوّلت.. فكم سيقضي في إقناع أطراف أزمته -ولا نقول أطراف ثورة الحق على الباطل واستبداده- بمشروعه؟.

وإذا أقنع الجميع -ولن يقنع- فكم سيمرّ من الزمن على متابعته خطى عنان في الدوران في طاحونة الحلقة المفرغة من الموافقة المزيفة والإجرام المتواصل، ومن الشروط المصطنعة والتقتيل والتشريد والاعتقال والتدمير والتخريب؟..

عنان.. أعلن بعد "مهلة أربعة شهور" عن إخفاقه المعروف منذ اليوم الأول لاستلام مهمته.. ويبدو على الإبراهيمي أنّه ينوي التفوّق عليه، فعنان أتى بحزمة مقولات بلغت ستة مطالب من اللحظة الأولى لاستلام المهمة، والإبراهيمي لم يطرح بعد أيّ مطلب، ناهيك عمّا سيكون عليه أن يصنع بعد أن يطرح شيئا ما، إذا طرح شيئا.

عنان ألقى برصيده السياسي والديبلوماسي وثمانية أعوام شغل فيها منصب الأمين العام للأمم المتحدة.. فأحرقت العصابات المتسلّطة على سورية وشعبها ذلك الرصيد خلال أربعة شهور.

أمّا الإبراهيمي فلئن أتى معه برصيد قديم، فقد احترق من قبل أن يبدأ.. فهل يستحق الحديث عن "مهمته" مقالا؟..

هل يمكن الحديث أصلا عن مهمة يتحرك صاحبها لحلّ أزمة وهو يعلم كمن جعلوه مبعوثا، أن بين أيديهم ثورة.. شعبية.. بطولية.. تاريخية.. وإنها ثورة ماضية حتى النصر، شاء من شاء وأبى من أبى، ولن تكفي في المستقبل المجلدات لسرد ما كان فيها وما حققه الثوار من خلالها وما سيكون من بعدها، في سورية وفي المنطقة، وعلى مستوى البشرية جمعاء.