مقتل القادة في الغارات "الإسرائيلية" هل ستحرجهم؟

مقتل القادة في الغارات "الإسرائيلية"

هل ستحرجهم؟

م. عبد الله زيزان

[email protected]

الجديد بالضربة "الإسرائيلية" الأخيرة

لم يكد يستيقظ النظام السوري وحلفاؤه من الضربة الإسرائيلية أواخر عام 2014 حتى جاءتهم الضربة الجديدة يوم الأحد 18 من كانون الثاني الحالي وقد أطاحت هذه المرة برؤوس كبيرة من حزب الله وإيران، أو هكذا أرادوا أن يصوروا الحدث...

وقد تناولت وسائل الإعلام الحادثة بكثير من الاهتمام هذه المرة وذلك لسقوط هذه الأعداد من القتلى من كوادر الصف الأول في حزب الله وإيران، لكنها لم تركز على ترتيب هذه الضربة بالنسبة للضربات السابقة لأن الضربات باتت أكثر من أن يعدها الإعلاميون، وربما لأننا مقبلون على الكثير من تلك الضربات في ظل انعدام أي سيادة سورية على أراضيها، بعد أن باتت سماء البلاد مسرحاً لطائرات العالم بأسره، ولن يقف الأمر عند طائرة "إسرائيلية" أو أكثر..

والجديد في هذه الضربة هو عدد القتلى ونوعيتهم ومكان استهدافهم وسرعة الإعلان عنهم، وسط صمت "إسرائيلي" رسمي، وتسريبات بسيطة لهذه الوكالة أو تلك، لتصبح السمة العامة للضربات "الإسرائيلية" الغموض والضبابية، تاركة الباب واسعاً للتكهنات والتحليلات، مما يسهل استثمار هذه الحادثة لأي جهة تتقن فنون الاستثمار، لتقدم بذلك تلك الضربات خدمات جليلة لعصابة "الممانعة" من طهران حتى دمشق..

استثمار الضربة واحتمالات الرد

إنّ الخدمة التي تقدمها "إسرائيل" للممانعين لن يكون من السهل استثمارها هذه المرة وذلك لحجم الصفعة التي تلقتها عصابات إيران في المنطقة بمقتل هؤلاء العسكريين، فالسكوت وعدم الرد عسكرياً سيزيد من خسارة تلك العصابات أمام جمهورهم وشعبهم الذي أتخموه بشعارات "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" فإذا بأبنائهم يموتون في دمشق وحلب وباقي المحافظات السورية، وفي الوقت ذاته فإن أي رد عسكري غير محسوب، سيجرهم لمعركة غير قادرين على إدارتها في ظل التشرذم الذي يعيشه حزب الله في مختلف المناطق السورية، وهو ما سيضعه أمام خيارين أحلاهما مر، فإما خسارة دمشق، أو خسارة الحرب مع "إسرائيل" وبالتالي سقوط الورقة الوحيدة التي يستند عليها بمشروعية سلاحه في لبنان...

وذلك يتفق تماماً مع ما صدر من التلفزيون الإسرائيلي الذي أكد أنّ حزب الله لن يرد بقوة حتى لا يتسبب في سقوط دمشق، فقد كشف المحلل العسكري "الإسرائيلي" روني دانييل النقاب عن سلسلة جلسات لتقدير الموقف عقدها قادة جيش الاحتلال الاثنين أي بعد يوم واحد من العملية وذلك للتحسب من رد حزب الله على العملية، حيث أكد دانييل أن قيادات الجيش والاستخبارات وصلت إلى قناعة أن حزب الله لن يستخدم كل قوته في الرد على "إسرائيل" لأن هذا سيؤدي إلى انهيار الوضع واندلاع حرب، وهو ما أكده كبير المحللين العسكريين في إسرائيل "رون بن يشاي" حيث قال: (حزب الله لن يرد هنا ولكنه ربما سيرد بعملية في الخارج، ولن تخرج صواريخه من آبارها إلا إذا قصفت إسرائيل المفاعلات النووية في إيران)، وهو برأي الكثير من المتابعين لن يكون نتيجة تفاهمات تحت الطاولة لم تعد تخفى على الكثيرين...

مكان وزمان العملية

كما ذكرنا فإن الصمت الرسمي "الإسرائيلي" عن الخوض بتفاصيل العملية الأخيرة، فتح المجال واسعاً للتكهنات والتحليلات، فكيف للطيران المروحي وليس الحربي أن يحدد بدقة مكان هؤلاء القتلى ليصيبهم بكل هدوء ودقة؟ فمن وشى بمكان هؤلاء؟ هل يكون هو نفسه الذي وشى بعماد مغنية من قبل ليقتل عام 2008 وسط دمشق؟

الواقع يشير إلى أنّ الروايات المتداولة حتى اللحظة لا تجيب عن الأسئلة السابقة، بل يشير إلى تزامن مريب مع سقوط طائرة "يوشن" الناقلة للجند قبل أيام شمال سورية، حيث اعترف النظام لأول مرة بسقوط إحدى طائراته، ولم يعترف بعدد قتلاه أو أسمائهم، وهو ما جعل البعض يربط بين الحادثتين ليقدموا نظرية تقول بمقتل قادة حزب الله وإيران في تلك الطائرة وليس في الضربة الإسرائيلية الأخيرة..

حيث سيكون من الصعب تقديم هذا الإنجاز الكبير لصالح الثوار مما سيزيد من معنوياتهم وسيكون الحدث بمثابة تمريغ للهيبة الإيرانية في المنطقة، ودليل على سوء تقدير، ربما سيدخلهم بجدل داخلي هم في غنى عنه، رغم أنّ إعلان مقتلهم على يد "الإسرائيليين" لا يقل إحراجاً لهم أمام جمهورهم خاصة إذا فشلوا بالرد على تلك العملية...

إلى أي مدى ستكون الضربة محرجة؟

بغض النظر عن الروايات والتكهنات، وبغض النظر عن المكان الذي قتل فيه أولئك القادة، وبعيداً عن التشكيكات حول القاتل الحقيقي، وبعيداً عن الحديث عن تصفية قادة "متململين" من الواقع على الأرض السورية، فإن الثابت إعلامياً الآن أنّ هناك قادة "ممانعين" قتلوا على يد "الأعداء الإسرائيليين" على أرض سورية حدودية مع ذلك العدو، فما هو الرد القادم؟

نائب وزير الخارجية الإسرائيلي "تساحي هنغبي"، تحدى حزب الله ومن وراءه برسالة ردع قال فيها: (سنعيد لبنان عشرات السنين إلى الوراء في حال رد حزب الله)، فهل يجرؤ الحزب الآن على الرد؟ وهل يملك الآن القدرة والقوة لذلك، وهل سيحظى الحزب بذلك الدعم الذي حظي به إبان حرب عام 2006، حين استضاف السوريون اللاجئين اللبنانيين ببيوتهم وبين أهلهم؟

إنّ الزمن لن يعود إلى الوراء، وما خسرته إيران وحلفاؤها من تأييد للشعوب العربية والإسلامية لن تملك استعادته، فقد تمكنت الثورة السورية من تعرية أولئك التجار، وفضح مخططاتهم التوسعية في المنطقة.

المؤكد الوحيد الآن أنّ الضربات الإسرائيلية تنزع ورقة توت تلو الأخرى عن تجار الدم الإيرانيين وحلفائهم، حتى تتعرى تماماً أمام شعوبهم، التي ستجد نفسها يوماً قد قدمت مليارات الدولارات لمشاريع مشبوهة يقودها مغامرون، سيكتب لها الفشل، وستعيد تلك البلاد إلى قوقعتها..

وإلى حين أن يتم ذلك سنتابع شاشات التلفاز لنرى الوقت والزمان المناسبين للرد على "العدوان الإسرائيلي"، ونتمنى أن لا يكون هذا المسلسل طويلاً مملاً كسابقاته...