قرون الإعلام السوري الكاذب

بدر الدين حسن قربي /سوريا

[email protected]

في 27 تموز/يوليو من العام الحالي تم اعتقال زينب عمر الحصني اختطافاً في مدينة حمص الثائرة، وفي 10 أيلول تم اعتقال أخيها الناشط محمد الذي سُلّم لأهله جثة هامدة بعد ثلاثة أيام، وصفها أخوه يوسف بأن فيها آثار ثلاثة رصاصات في الصدر، وواحدة في الكتف وأخرى في الخاصرة، وواحدة في الفم، مع كسر في الرقبة والفكّ وخلع في الكتفين، وآثار حرق سجاير على الوجه مع آثار التعذيب والضرب في كافة أنحاء الجسم. وإنما أثناء تسلّم الأهل جثة محمد، تمّ تسليمهم جثة أخرى مقطّعة الأوصال ومشوهة على أنها ابنتهم زينب، وذلك بعد استكمال إجراءات قضائية وأمنية رسمية سمحت للأهل بدفن جثة ابنتهم المفترضة في 17 أيلول.  وعليه، فإن انتشار الخبر وتوحش القتل فيه، أحدث ضجة كبيرة رافقتها تصريحات واسعة وعالية النبرة لعدد من الفضائيات والمنابر الإعلامية والدينية ومنظمات المجتمع المدني الإنسانية والحقوقية.

جديد القصة الكارثة قيام التلفزيون السوري الرسمي في 4 تشرين الأول الثلاثاء الفائت بعرض مقابلةٍ مع زينب الحصني ليؤكد بها أن كل ماأشيع عنها هو محض كذب واختلاق وأنها حية ترزق، وليتهم بعدها كل من تعاطف مع الجريمة الكبرى بأخلاقه وضميره ووطنيته ومصداقيته، لأن قصتها مفبركة ولا أصل لها، بل والأنكى مطالبة الجهات المتهمة بالمهنية والتأكد من صحة الخبر قبل نشره والاعتذار عما بدر منهم. 

وعليه، فإذا افترضنا أن المقابلة حديثة وليست قديمة، واعتبرنا أنّ مابثه التفلزيون صحيح، وأن مسألة الجثة والدفن ثابتة يقيناً، فلسوف يكون عندنا موضوعياً عدد من الأسئلة.  الأشلاء التي سُلّمت من قبل الجهات الرسمية لآل الحصني هي أوصال مَنْ؟  ولماذا اتهامات المعارضة ولغيرها من الناس عرباً وأجانب ولشيخ الأزهر ومنظمات حقوق الإنسان تحديداً، إذا كان جميعهم اعتمد قصةً مكتملة العناصر، أيّدتها أوراق رسمية وانتهى أمرها بالتشييع والدفن؟ ولماذا لم تُكذّب الجهات الرسمية أيضاً ادعاءات أهلها والمعارضة معها والمنظمات الحقوقية منذ البداية، بل تركت القصة تتفاعل شعبياً وإعلامياً لتصل مداها، ثم عشية تصويت مجلس الامن على قرارٍ لإدانة الممارسات الوحشية للنظام، تظهرها لتدلل بها على كذب مايقال عن قمعه وفظائعه والعياذ بالله، ولتقلل من مصداقية الاتهامات؟

إن أكبر تلفزيونيي النظام الدكتور طالب ابراهيم، وعلى قناة الجزيرة في الاتجاه المعاكس الثلاثاء 27 آب تحدّى محاوره والذي خلقه أيضاً، بأن ثبوتياته ومستنداته تؤكد أن من قتل زينب هم العصابات المسلحة وليس قوات النظام والأمن السوري، وإنما بعد أسبوع بالتمام يأتي ماعرضه التلفزيون في مقابلته ليتكلم بخلاف ماقاله أحد ناطقيه وشبيحته ويكّذبه أيضاً.  نظام غاية في البجاحة تميّز بماكنات الفبركة، وطواحين الكذب، وإعلام فيه غاية في الكذب والإفك، فبرك مسألةً سُلّمت فيها رسمياً أشلاء جثة وأوصال جسد لأهل اختطفت ابنتهم من قبل شبيحته، دفنوها منذ ثلاثة أسابيع، وأثارت قصتها ضمير العالم ومنظماته الإنسانية بما كان فيها، ثم هو يستنكر عليهم غضبتهم رغم وجود جثة ممزّعة سلمت رسمياً ودفنت على ذمة النظام بأنها زينب.

يؤكد النظام وإعلامه قدرة نوعية جامدة في الفبركة تأخذ بالعقول، فهو دون تردد يدفع بالكذبة الكبيرة بالغاً مابلغت دون ذرةٍ من حياء أو وَجَل من يوتوب أو حساب لانترنت أو خوف من فيس بوك أو تويتر، ومن دون أن يرف له جفن أو يرجف له قلب، أو يتلكلك له لسان، والأبلغ أنه يناطح بهذا الكذب ويريد من الناس أن تعتمده بمثابة كلام طابو ينفي الرواية الأخرى أياً كانت والعياذ بالله وتنتفي بوجودها الحاجة للإعلام الآخر من أفّاكي وكالات الأنباء ومراسلي الفضائيات المتآمرين والمرتبطين.    

وإنما كيفما كانت الروايات جميعها، فإن ما هو ثابت وصحيح أن هناك جثة مقطعة الأوصال سلّمت لآل الحصني وتم تشييعها ودفنها.  وهي بالتأكيد ترجع لمواطنة سورية قُتلت بطريقة وحشية، ولاينفي عنها الإجرام ألا تكون جثة زينب الحصني، لأن القتلة والأفّاكين يعلمون مايفعلون، ولن ينفعهم إجرامهم في تأخير سقوطهم، بل سيعجّل به ويذهب بهم إلى سواء الجحيم.