حول طلب الحماية الدولية أفكار وآراء

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

وتدور الأيام وتدور التسميات وتتعدد كشعارات يرفعها شعبنا الثائر في سورية , ويثبت هذا الشعب الأبي والشجاع يوماً بعد يوم , أن إيمانه بالنصر راسخ رسوخ جبل قاسيون وجبل الزاوية  , ودوام موج البحر  , ونقاء دمائه الطاهرة التي يحملها الأحياء , والذين ارتوت من دمائهم الطاهرة هذه الأرض المباركة رحم الله شهداءنا ونحسبهم كذلك عند الله تعالى والشفاء العاجل لجرحانا والحرية لمعتقلينا وشعبنا في القريب العاجل إن شاء الله

فعنوان هذه الجمعة المباركة وهو طلب الحماية الدولية  , وانقسمت الآراء حول هذه التسمية  , فحزب التحرير الحالم بالخلافة , والتي سيحكم فيها لتعطى له هدية من الآخرين  , وهم منتظرون ويعتبرون هذا الشعار خيانة لله ورسوله

وقسم كبير من وجوه المعارضة في الخارج رفضوا هذه التسمية , ولا يريدون التدخل الدولي لحماية الشعب السوري الأعزل , وقد وصل الحال عند هذا الشعب إلى القول المأثور في زمن الحجاج في العراق (إذا التقى زياد بأخيه زيد فيقول له اذهب زيد فقد قتل زياد )

بينما الثائرون في الداخل هم الذين يرفعون هذا الشعار , وكانت تعليقات ممثلي الثورة في الداخل حفظهم الله تدور حول طبيعة الحماية الدولية والتي تطلبونها , وانقسمت تعليقاتهم ولكن لم تختلف عن المضمون فمنهم من طلبها جزئية كحظر جوي مثلاً , ومنهم من طلب تدخل عربي , ولكن أعتقد أن الرأي المعبر عن العنوان وبشكل شامل هو ماأكده بعض الناطقين بلسان الثورة في الداخل , فعندما سمعته من أحدهم شعرت بالفخر والغبطة والفرح وكبر الأمل في المستقبل في أن هذه الثورة لاتحتوي بداخلها فقط الثوار وإنما بنفس الوقت تحوي الفكر والسياسة والقانون وعقلية رائعة كانت مدفونة بوجود البعث وحكامه العملاء والخونة لشعوبهم ومفكريهم , فالحمد لله ثورتنا لاخوف على مستقبل الوطن بعد استلامها زمام الأمور في سورية (ورداً على سؤال المذيعة أجاب الشاب ويعذرني لنسيان اسمه يقول :نحن طلبنا الحماية الدولية ونحن أعضاء في التجمعات والجمعيات الدولية والعربية والإسلامية , وهناك قوانين دولية وهي التي تحدد ماهو نوع الحماية المطلوبة )

حول التعليقات التي تقف ضد هذا الطلب يمكننا القول في ضرب أمثال عشناها كلنا

ماجرى في رواندا من قبل قبيلة التوتسي ضد الأغلبية من القبيلة الأخرى والذي تم إبادة ثلاثة أرباع المليون في أيام معدودة , وبعدها شعر المجتمع الدولي بالخيبة والحسرة في أنه لم يقف ضد هذه المجازر

في البوسنا والهرسك تطوع المجاهدون المسلمون والعرب لنصرة أهالي البوسنة وكانت النتيجة مقتل أكثر من ثلاث مائة ألف من البوسنيين , حتى تدخل حلف الناتو وأنهى المشكلة في أيام وحفظ البقية من المجازر

في افغانستان وحربها ضد الغزو السوفياتي والدعم الغربي للمجاهدين الأفغان كان السبب في هزيمة الاتحاد السوفييتي , ولكن المجاهدون بعدها اختلفوا ولن نكمل القصة بعد

في ليبيا لولا دخول الطيران الفرنسي والبريطاني في اللحظة الحاسمة لكانت بنغازي أبيدت على آخرها من قبل كتائب القذافي والمدن التي كانت مستعصية عليه  , صحيح أن الليبيون خسروا كتقديرات أولية ثلاثين ألف , فكم ألفاً من الليبيين قتلوا في السر , وكم كان سيبقتل لولا هذا التدخل الدولي؟

وسؤالي للذين يقولون أن ذلك خيانة لله ورسوله , فما هي الخيانة عند المجاهدين الأفغان والبوسنيين في طلب المساعدة وتقبلها وطلب الحماية الدولية من الثاني , وحفظ الملايين من الذبح ؟

لنكن واقعيين  وعمليين ولننظر مالذي يجري على أرض الواقع , منذ أربعة عقود والتصفيات الجسدية ضد شعبنا تجري في السر والعلن , وسورية اتخمت من المقابر الجماعية , والدنيا امتلأت من المشردين السوريين , والآن هل يقول لي أحد عنده أمل في خروج كل المعتقلين سالمين , هذه شهادة النائب العام ومذابح السجون والتصفيات الجسدية مستمرة , والقتل منا صار تسلية ولعبة لهؤلاء المجرمين , وكأنهم يمثلون أفلاماً سينمائية هوليودية , وإبادات جماعية ونهب وتدمير ولا شيء يردعهم عن فعل أي شيء , كل هذا وأعظم حتى وصلت لدرجة اجبار الناس على تأليه الحاكم وزمرته

فالله سبحانه وتعالى ميز الآنسان بالفكر وربط مصيره في الدنيا في عقله  المسيطر على تصرفاته , وكل شيء مرتبط بالأسباب والمسببات والقوانين , واتبع الثوار الطريق التدريجي سلمية وحرية وبعدها انتشرت القوة من قبل الطرف الآخر واستمرت سلمية , وجعلوا التسميات والشعارات , التوكل على الله , ولن نركع إلا لله , ومن ثم تطلعوا للأسباب , فوجدوا لامجال من الدفاع عن النفس , ودعم الجيش الحر والتحاق بعض الشباب فيه ليكون جيشنا في المستقبل , وطلب المساعدة من الدول العربية والإسلامية وأخيراً المجتمع الدولي , فالثورة ماضية في توكلها على الله , ومن لم يأخذ بالأسباب ويجلس , فقط يدعو الله فكأنه يسخر من الله والعياذ بالله , وهذه هي الأسباب التي انطلق منها الثوار , وهم مصرون على هدفهم ومستعدون للصمود واستمرار النهج السلمي والدفاع عن النفس وتطور العمل الميداني , وعندما يطلبون الدعم فهو عين العقل وجوهر الحقيقة.